الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستوفوا، فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فلمَّا دخلنا المسجد إذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول:"تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى".
واكتلنا واستوفينا" كما أمرهم، "ثم دخلنا المدينة" من الغد، كما في رواية الحاكم، "فلمَّا دخلنا المسجد، إذا هو قائم على المنبر يخطب الناس" يحتمل أن ذلك وافق يوم جمعة، وأنه عرض له أمر اقتضى الوعظ، فصعد المنبر للوعظ عليه، "فأدركنا من" أي: بعض "خطبته، وهو يقول" جملة حالية، أي: والحال أنه يقول فيما أدركناه فيه: "تصدقوا، فإن الصدقة خير لكم"؛ لأنها بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، ولأن فيها المواساة والسماحة، ومخالفة النفس المطبوعة على حب المال، وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش، وتخشى الفقر".
وفي التنزيل: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} ، أي: المال، أو الله، "اليد العليا" وهي المنفقة، "خير من اليد السفلى" الآخذة، وقيل: العليا هي المنفقة، وقيل: السائلة، لكن ورد في رواية اليد العليا المنفقة من النفقة في رواية الأكثرين.
قال القرطبي: فهذا نص يرفع الخلاف في التفسير، قال: ورواه بعضهم: المتعففة -بعين وفاءين، وقيل: إنه تصحيف.
قال الحافظ: ومحصّل ما في الآثار؛ أنَّ أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعفِّفة عن الأخذ، ثم الآخذة بغير سؤال، وأسفل الأيدي السائلة والمانعة، وبقية الحديث عند مخرجه:"وابدأ بمن تعول" أمك وأباك، وأختك وأخاك، وادنَّاك أدناك، وثم رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع صلى الله عليه وسلم يده حتى رأيت بياض إبطيه، فقال:"لا تجني أم على ولد"، أخرجه الحاكم بطوله، وقال: صحيح الإسناد، وأخرجه النسائي وابن ماجه متختصرًا عن طارق؛ أن رجلًا، قال: يا رسول الله، هؤلاء بنو ثعلبة، الذين قتلوا فلانًا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يده حتى رأيت بياض إبطيه، وهو يقول:"لا تجني أم على ولد مرتين".
الوفد الثامن عشر: وفد تجيب
وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد تجيب،
"الوفد الثامن عشر":
"وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد تجيب" بضم الفوقية وفتحها وكسر الجيم وتحتية ساكنة، وموحدة.
قال في التبصير: اختلف في أوَّله، فقيل: بالفتح، وقيل: بالضم، فسوَّى بينهما تبعًا لابن السيد، لكن القاموس قدَّم الضم، فقال: وتجيب -بالضم وتفتح- بطن من كندة.
وهم من السكون، من ثلاثة عشر رجلًا، قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسُرَّ عليه الصلاة والسلام بهم وأكرم منزلهم، وأمر بلالًا أن يحسن ضيافتهم، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعونه، فأمر بلالًا فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود. قال:"هل بقي منكم أحد"؟ قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنًّا، قال:"أرسلوه إلينا"، فلما أقبل الغلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا راغبين في الإسلام، والله ما أخرجني من بلادي لا إلا أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل
قال في النور: وعليه المحدثون، وكثير من الأدباء أ. هـ، ينسبون إلى جدتهم العليا تجيب، ابنة ثوبان بن سليم من مذحج، وهي أم أبذى بن عدي، قاله الواقدي، وأبذى -بفتح الألف والمعجمة، بينهما موحدة ساكنة مقصورة، "وهم من السكون" بفتح المهملة، وضم الكاف، وسكون الواو، ونون- بطن من كندة باليمن، "ثلاثة عشر رجلًا" لا أعرف أسماءهم، قاله في النور، "قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسُرَّ" بضم السين "عليه الصلاة والسلام بهم، وأكرم منزلهم" وقالوا: يا رسول الله، سقنا إليك حقّ الله في أموالنا، فقال صلى الله عليه وسلم:"ردوها فاقسموها على فقرائكم"، قالوا: ما قدمنا عليك إلّا بما فضل من فقرائنا، فقال أبو بكر، يا رسول الله، ما قدم علينا وفد من العرب مثل ما وفد به هذا الحي من تجيب، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن الهدى بيد الله عز وجل، فمن أراد به خيرًا شرح صدره للإيمان"، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء، فكتب لهم بها، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن، فازداد فيهم رغبة، "وأمر بلالًا أن يحسن ضيافتهم،" فأقاموا أيامًا، ولم يطيلوا اللبث، فقيل لهم: ما يعجلكم؟ قالوا: نرجع إلى من وراءنا، فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلامنا إياه وما رد علينا، "ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعونه، فأمر بلالًا، فأجازهم بأرفع مما كان يجيز به الوفود، قال"، استئناف، والذي في العيون، فقال:"هل بقي منكم أحد"؟ قالوا: غلام خلَّفناه على رحالنا، وهو أحدثنا سنًّا، قال: أرسلوه إلينا،" فلما رجعوا إلى رحالهم، قالوا للغلام: انطلق إلى رسول الله، فاقض حاجتك منه، فإنا قد قضينا حوائجنا منه، وودَّعناه، "فلما أقبل الغلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،" قال: أنا غلام من بني أبذى، أنا من الرهط الذين أتوك، فقضيت حوائجهم، فاقض حاجتي يا رسول الله، قال:"ما حاجتك"؟ "فقال:" جواب لما دخلته الفاء من تصرّف المصنف في الرواية، "يا رسول الله، إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، وإن كانوا راغبين في الإسلام،" وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم، "والله ما أخرجني" لفظه: ما أعملني، أي: ما حثَّني وساقني، فأتى المصنف بمعناه، "إلّا أن تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني، وأن يجعل غناي" بالقصر. يساري "في قلبي"، فإن