المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٥

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس

- ‌تايع الفصل السادس: في أمرائه ورسله وكتابه وكتبه إلى أهل الإسلام في الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌وأما مكاتبته عليه الصلاة والسلام إلى الملوك وغيرهم

- ‌الفصل السابع: في مؤذنيه وخطبائه وحدائه وشعرائه

- ‌الفصل الثامن: في آلات حروبه عليه الصلاة والسلام، كدروعه وأقواسه ومنطقته وأتراسه

- ‌الفصل التاسع: في ذكر خيله ولقاحه ودوابه

- ‌الفصل العاشر: في ذكر من وفد عليه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه

- ‌مدخل

- ‌[الوفد الأول: وفد هوازن]

- ‌الوفد الثاني: وفد ثقيف

- ‌الوفد الثالث: وفد بني عامر

- ‌الوفد الرابع: وفد عبد القيس

- ‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة

- ‌الوفد السادس: وفد وطئ

- ‌الوفد السابع: وفد كنده

- ‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين

- ‌الوفد التاسع: قدوم صرد بن عبد الله الأزدي

- ‌الوفد العاشر: بني الحارث بن كعب

- ‌الوفد الحادي عشر: وفد همدان

- ‌الوفد الثاني عشر: وفد مزينة

- ‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس

- ‌الوفد الرابع عشر: وقد نصارى نجران

- ‌الوفد الخامس عشر: فروة بن عمرو الجذامي

- ‌الوفد السادس عشر: قدوم ضمام بن ثعلبة

- ‌الوفد السابع عشر: وفد طارق بن عبد الله وقومه

- ‌الوفد الثامن عشر: وفد تجيب

- ‌الوفد التاسع عشر: وفد بني سعد هذيم

- ‌الوفد العشرون: وفد بني فزارة

- ‌الوفد الحادي والعشرين: وفد بني أسد

- ‌الوفد الثاني والعشرون: وفد بهراء

- ‌الوفد الثالث والعشرون: وفد عذرة

- ‌الوفد الرابع والعشرون: وفد بلي

- ‌الوفد الخامس والعشرون: وفد بني مرة

- ‌الوفد السادس والعشرون: وفد خولان

- ‌الوفد السايع والعشرون: وفد محارب

- ‌الوفد الثامن والعشرون: وفد صداء

- ‌الوفد التاسع والعشرون: وفد عسان

- ‌الوفد الثلاثون: وفد سليمان

- ‌الوفد الحادي والثلاثون: وفد بني عبس

- ‌الوفد الثاني والثلاثون: وفد غامد

- ‌الوفد الثالث والثلاثون: وفد الأزد

- ‌الوفد الرابع والثلاثون: وفد بني المنتفق

- ‌الوفد الخامس والثلاثون: وفد النخع

- ‌المقصد الثالث: فيما فضله الله تعالى به

- ‌الفصل الأول: في كمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة

بعد الشهادتين في الأوامر، انتهى ملخصًا من فتح الباري.

الأوامر،" قيل: ويَرُدُّ على هذا الإتيان بحرف العطف، فيحتاج إلى تقدير.

قال ابن العربي: لولا وجود حرف العطف لقلنا: إن ذكر الشهادتين ورد على سبيل التصديق، لكن يمكن أن يقرأ قوله:"وإقام الصلاة" بالخفضِ، فيكون عطفًا على قوله:"آمركم بأربع" مصدرًا به وبشرطه من الشهادتين، وآمركم بإقام الصلاة إلى آخره.

قال: ويؤيد هذا حذفها في رواية البخاري في الأد، "انتهى" جميع ما ذكره "ملخصًا من فتح الباري" في كتابي الإيمان والمغازي، إلّا ما نقله عن ابن القيم، فليس فيه، والله أعلم.

ص: 146

‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة

وقدم عليه عليه الصلاة والسلام وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة الكذّاب، فكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار، من بني النجار،

"الوفد الخامس":

"وقد عليه عليه الصلاة والسلام وفد بني حنيفة" قبيلة كبيرة ينزلون اليمامة، بين مكة واليمن، ينسبون إلى جَدِّهم حنيفة بن لجيم -بالجيم- ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل.

ذكر الواقدي: إنهم كانوا سبعة عشر، "فيهم مسيلمة الكذاب" بكسر اللام مصغرًا- ابن ثمامة بن كبير-بموحدة- ابن حبيب من بني حنيفة، وزعم وثيمة في كتاب الردة أنَّ مسيلمة لقب، واسمه: ثمامة، وفيه نظر؛ لأن كنيته أبو ثمامة، فإن كان محفوظًا، فيكون ممن توافقت كنيته واسمه، "فكان منزلهم" -بفتح الميم والزاي- مصدر ميمي، أي: نزولهم مضاف لفاعله، ويجوز ضم الميم مع فتح الزاي أيضًا من إضافة المصدر لمفعوله، فيفيد أن النبي أو أحد من صحبه أمر بإنزالهم، وقد ضبط البرهان الزاي بالفتح، وسكت عن الميم، فيحتمل الضبطين، وأمَّا كسر الزاي مع فتح الميم اسم للموضع، في أنه ليس مرادًا هنا لإيهامه موضعًا معينًا من الدار، مع أنَّ المراد مجرَّد النزول دون تعيين محل، "في دار امرأة من الأنصار من بني النجار" هي كما قاله الحافظ: رملة بنت الحدث -بدال بعد الحاء المهملة، لا براء قبلها ألف- كما عند ابن سعد وغيره، والحدث: هو ابن ثعلبة بن الحارث بن زيد، الأنصارية النجارية، كانت دارها دار الوفود، وهي صحابية، زوجة معاذ بن عفراء، وأما كيسة -بكاف فتحتية مشددة فمهملة- بنت الحارث بن كيرز -بضم الكاف- ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، فكانت زوجًا لمسيلمة، ولم تكن إذ ذاك بالمدينة، وإنما كانت باليمامة، فلمَّا قتل مسيلمة تزوَّجها ابن عمها عبد الله بن عامر بن كريز، ذكر ذلك الدارقطني، وتبعه ابن ماكولا، فلا يصحّ تفسير المرأة بها، كما فعل

ص: 146

فأتو بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، في يده عسيب من سعف النخل، فلمَّا انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب -كلَّمه وسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك".

وذكر حديثه ابن إسحاق على غير ذلك، فقال: حدَّثني شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة: أنَّ وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلمَّا أسلموا ذكروا له مكانه، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خَلَّفنا صاحبنا في رحالنا وركابنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر به للقوم، وقال لهم: إنه ليس بشركم مكانًا، يعني: لحفظه ضيقة أصحابه،

السهيلي؛ لأنها قرشية عبشمية، وقد قال في الرواية: امرأة من الأنصار، انتهى ملخصًا من الفتح، ومقدمته "فأتوا" كما ذكره ابن إسحاق عن بعض علمائه "بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستر بالثيا" إكرامًا له وتعظيمًا، ولعلّ ذلك عادتهم فيمن يعظّمونه، وقد كان أمره عند قومه كبيرًا، فكانوا يقولون له: رحمن اليمامة، قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سمعت قريش البسملة قال قائلهم: دق فوك، إنما يذكر مسيلمة رحمن اليمامة، قتل مسيلمة وهو ابن ائة وخمسين سنة، ذكره السهيلي، "ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه في يده عسيب" بفتح العين وكسر السين المهملتين. "من سعف النخل" في رأسه خويصات، كما في السيرة، وفي المصباح: السعف: أغصان النخل ما دامت بالخوص، فإذا زال عنها قيل لها: جريدة، الواحدة سعفة مثل قصب وقصبة، فتفسير النور عسيب بالجريدة توهّم أنه لا خوص بها، وليس بمراد لما علم، "فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يسترونه بالثياب، كلَّمه وسأله" أن يجعل له الأمر من بعده، كما هو لفظ حديث الصحيحين الآتي، وأن يشركه معه في النبؤة، "فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك" مبالغة في منعه عن سؤاله ما لا يكون له، "وذكر حديثه ابن إسحاق على غير ذلك، فقال" بعدما أورد هذا أوّلًا عن بعض علمائه: وقد "حدثني شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة" أن حديثه كان على غير هذا، زعم "أنَّ وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلَّفوا مسيلمة في رحالهم، فلمَّا أسلموا ذكروا له مكانه" أي: محله، "فقالوا: يا رسول الله، إنا قد خلفنا صاحبنا في رحالنا وركابنا يحفظها لنا، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر به للقوم" وهو خمس آواقٍ فضة لكل واحد، "وقال لهم: "إنه ليس بشركم مكانًا" يعني: " أنه قصد معكم معروفًا "لحفظه ضيعة أصحابه" بفتح الضاد، وإسكان

ص: 147

ثم انصرفوا، فلمَّا قدموا اليمامة ارتدَّ -عدوّ الله- وتنبَّأ وقال: إني أشركت في الأمر معه، ثم جعل يسجع السجعات، فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن:

لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشي.

وسجع اللعين على سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، فقال: إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وهاجر، إن مبغضك رجل فاجر. وفي رواية: إنا أعطيناك الجماهر، فخذ لنفسك وبادر، واحذر أن تحرص أو تكاثر، وفي رواية: إنا أعطيناك الكواثر، فصل لربك وبادر، في الليالي الغوادر.

التحتية ومهملة، المراد بها هنا ظهرهم وحوائجهم، وإن كانت في الأصل العقار، "ثم انصرفوا، فلمَّا قدموا اليمامة ارتدَّ عدوَّ الله" ظاهره أنه كان أسلم "وتنبأ" ادَّعى النبوَّة، "وقال: إني أشركت" -بضم الهمزة مبني للمفعول "في الأمر معه"، وبقية هذه الرواية في ابن إسحاق، وقال لوفده الذين كانوا معه: ألم يقل لكم: إنه ليس بشركم مكانًا، ما ذاك إلا لما يعلم أني أشركت في الأمر معه، "ثم جعل يسجع السجعات، فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن" أي: مشاكلة، تقول: ضاهات فلانًا، وضاهيته بالهمزة وتركه، بهما قرئ:"يضاهون قول الذين كفروا" قراءة عاصم بالهمز وكسر الهاء، والباقون بضم الهاء بلا همز:"لقد أنعم الله على الحبلى" عام في كل امرأة وبهيمة تلد، وقيل: مختص بالآدميات، فغيرهم من بهائم وشجر، يقال: حمل بالميم، "أخرج منها نسمة" بفتح السين- روحًا "تسعى" تمشي "من بين صفاق" بكسر المهملة، وخفة الفاء، فألف، فقاف- الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر، أو ما بين الجلد والمصران، أو جلد البطن كله، كما في القاموس "وحشى" بالقصر- المعي والجمع أحشاء، مثل عنب وأعناب، "وسجع" كمنع، نطق بكلام له فواصل، فهو ساجع، والسجع الكلام المقفَّى، أو موالاة الكلام على روي، جمعه أسجاع، كما في القاموس في فصل السين من باب العين المهملتين "اللعين على سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] "فقال: إنا أعطيناك الجواهر"، فظنَّ اللعين المخذول أن الجواهر تعادل الكوثر، فجهل اللغة العربية أن الكوثر الخير الكثير، "فصلِّ لربك وهاجر، إن مبغضك رجل فاجر" ليت شعري ما الذي جاء به، فإنه أخذ لفظ القرآن، وحرَّف الكلم عن مواضعه، أبدل شانئك بمبغضك، ولكونه هو الفاجر، أتى الفجور في لسانه، وصرف عن الإتيان بما يفيد الحصر.

"وفي رواية: إنا أعطيناك الجماهر، فخذ لنفسك وبادر، واحذر أن تحرص أو تكاثر" بمثلثة، أو موحدة.

"وفي رواية: إنا أعطيناك الكواثر، فصل لربك وبادر، في الليالي الغوادر،" أي: المظلمة،

ص: 148

ولم يعرف المخذول أنه محروم عن المطلوب، وسيأتي في أوائل مقصد معجزاته عليه الصلاة والسلام من تسجيع مسيلمة الركيك زيادةً على ما ذكرته هنا إن شاء الله.

وقيل: إنه أدخل البيضة في القارورة وادعى أنها معجزة له، فافتضح بنحو ما ذكر: أن النوشادر إذا ضرب في خل الخمر ضربًا جيدًا، وتجعل فيه بيضة بنت يومها يومًا وليلة فإنها تمتد كالخيط، فتجعل في القارورة ويصب عليها الماء البارد فإنها تجمد.

ولما سمع اللعين أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأس صبيّ كان ألمَّ به داء فشفي في الوقت، ومج في عين بئر فكثر ماؤها، وتفل في عين علي -وكان أرمد- فبرأ، فتفل في بئر فغار ماؤها، وفي عين بصير فعمي، ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درها وييس ضرعها، ولله در الشقراطيسي حيث يقول -يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم:

أعجزت بالوحي

"ولم يعرف المخذول أنه محروم عن المطلوب، وسيأتي في أوائل مقصد معجزاته عليه الصلاة والسلام" وهو الرابع "من تسجيع مسيلمة الركيك، زيادة على ما ذكرته هنا إن شاء الله، وقيل: إنه أدخل البيضة في القارورة".

وفي الروض، يقال: إنه أوَّل من فعل ذلك، وأوَّل من وصل جناح الطائر المقصوص، "وادَّعى أنها معجزة، فافتضح بنحو ما ذكر: إن النوشادر" بضم النون، وكسر الدال المهملة، وآخره راء. "إذا ضرب في خلّ الخمر ضربًا جيدًا، وتجعل فيه بيضة بنت يومها يومًا وليلة، فإنها تمتد كالخيط، فتجعل في القارورة ويصب عليها الماء البارد، فإنها تجمد" بضم الميم، "ولما سمع اللعين أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأس صبي كان ألَمَّ" بالفتح والتثقيل، نزل "به داء فشفي في الوقت" كذا في نسخ، وفي غالبها إسقاطها، والاقتصار على أن النبي مَجَّ، ويدل عليه أنه لم يذكر نظيرها، "ومجَّ في عين بئر فكثر ماؤها، وتفل في عين عليٍّ وكان أرمد فبرأ" بفتح الراء أكثر من كسرها. "فتفل" جواب لما اقترن بالفاء، على قلة "في بئر فغار ماؤها، وفي عين بصير فعمي، ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درها" لبنها، "ويبس ضرعها،" ولم يذكر نظير الأولى، وقد ذكرها في الروض، وقال: ومسح رأس صبي فقرع قرعًا فاحشًا، "ولله در الشقراطيسي؛ حيث يقول -يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم" في قصيدته الطنانة التي قدم المصنف منها في الفتح، وقبله المولد "أعجزت بالوحي" القرآن؛ لأن الله أطلقه عليه في قوله: إن هو إلا وحي

ص: 149

............ أرباب البلاغة في

عصر البيان فضلَّت أوجه الحيل

سألتهم سورة في مثل حكمته

فتلَّهم عنه حين العجز حين تُلي

فرام رجس كذوب أن يعارضه

بعي غي فلم يحسن ولم يطل

مثبج بركيك الإفك ملتبس

ملجلج بزري الزور والخطل

يمج أول حرف سمع سامعه

ويعتريه كلال العجز والملل

كأنه منطق الورهاء شذَّ به

لبس من الخبل أو مسّ من الخبل

يوحى "أرباب" جمع رب، أي: ملوك "البلاغة في عصر" زمان "البيان" هو والبلاغة والفصاحة متقاربة بمعنى، "فضلّت" ضاعت وهلكت "أوجه الحيل"، فلم يقدروا على حيلة يدفعوه بها، "سألتهم سورة في مثل حكمته" وفي نسخة محكمه، ولو أبدل في بمن لوافق قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] الآية، "فتلهم". بفوقية وشد اللام. صرعهم "عنه حين". بفتح فسكون. هلاك "العجز حين تلي" قرئ "فرام" طلب بالفاء، وفي نسخة بالواو، والأُولَى أحسن "رجس" قذر "كذوب" يعني: مسيلمة، جعله رجسًا مبالغة في ذمه، أو على حذف مضاف، أي: ذو رجس "أن يعارضه" أي: القرآن "بعي" بمهملة. ضعف نطق، وانقطاعه "غي" بمعجمة، أي: ضلالة وخيبة.

وفي نسخة: بسخف إفك، أي: رقة عقل، والإفك: الكذب وإضافة السخف إليه على معنى، أن كذبه الذي أتى به سخيف واهٍ، "فلم يحسن" عن الغي، أو سخف الإفك، "ولم يطل" أي: يمتد من طال.

وفي نسخة: بضم حرفي المضارعة من أحسن وأطال، والواو وفي ولم يطل للحال، أي: والحال أنه فقد كلامه صفة الحسن على قصره عيًّا منه وغباوة "مثبج" بمثلثة، فموحدة، فجيم مبهم: لم يبين، أو مضطرب فاسد المعاني، "بركيك الإفك" ضعيف الكذب، قليل الفائدة، "ملتبس" مختلط مشتبه، متعلق بركيك الإفك، أي: مع فساد، معناه: قد اختلط بإفك ركيك "ملجلج" مردد غير مفصح به "بزري" بالزاي قبل الراء، أي: حقير "الزور" الكذب "والخطل" المنطق الفاحش، ثم يجوز الرفع على أنها أخبار لمحذوف، أي: الذي أتى به مثبج، والجر صفة لما قبله "يمج" يطرح ويلقى "أوَّل حرف سمع سامعه، ويعتريه" يصيبه "كلال" تعب "العجز" عن سماعه، "والملل" منه لرذالته وقبحه، "كأنه منطق الورهاء،" المرأة الحمقاء، "شذبه" خلطه، فشذب فعل ماض، والهاء ضمير المفعول، أي: خلط "لبس" اختلاط "من الخبل" بالسكون. الفساد، "أو مس من الخبل" -بالفتح الجنون والمسّ: الجنون أيضًا، والمعنى: قطع ذلك الكلام وفرقه، فلم يلتئم تخليطه، ويروى شذبه كصد، وبه جار ومجرور فلبس، أما فاعل

ص: 150

أمرت البئر واغورت لمحبته

فيها وأعمى بصير العين بالتفل

وأيبس الضرع منه شؤم راحته

من بعد إرسال رسل منه منهمل

فشبَّه هذا الكلام الذي عارض به مسيلمة بكلام امرأة ورهاء، وهي الحمقاء التي تتكلم لحمقها بما لا يفهم، فهي تهذي بكلام مشذّب -أي مختلط- لا يقترن بعضه ببعض، ولا يشبه بعضه بضعًا؛ ككلام من به خبل -بسكون الموحدة، أي: فساد، أو مسّ من الخبل -بفتحها- أي جنون.

ثم إن اللعين وضع عن قومه الصلاة، وأحلَّ لهم الخمر والزنا، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي.

وقد كان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإني قد أشركت معك الأوامر، وإن لنا نصف الأمر، ولقريش نصف الأمر.

شذا ومبتدأ وخبره المتقدم عليه، أي: به لبس، أي: إنه وإن أشبه منطق الورهاء إلّا أنه شاذ بالنسبة إليه "أمرت البئر واغورت" أي: غار ماؤها "لمحبته فيها، وأعمى بصير العين بالتفل" بتحريك الفاء الساكنة للوزن، فتفل من بابي ضرب ونصر، "وأيبس الضرع منه شؤم" ضد اليُمن "راحته" كفه "من بعد إرسال رسل" لبن "منه منهمل" مُنْصَبّ جارٍ، "فشبَّه هذا الكلام الذي عارض به مسيلمة" القرآن "بكلام امرأة ورهاء، وهي الحمقاء التي تتكلم لحمقها بما لا يفهم، فهي تهذي بكلام مشذب، أي: مختلط لا يقترن بعضه ببعض، ولا يشبه بعضه بعضًا، ككلام من به خبل -بسكون الموحدة، أي: فسادًا، ومس من الخبل- بفتحها، أي: جنون" وهذا على الرواية المشهورة: إن شذَب فعل ماض اتصل به ضمير المفعول، كما مَرَّ وروي شذبه، واعتمده مخمس القصيدة إذ قال:

مسيلم هو هذا هل سمعت به

سحقًا له من لعين في تكذبه

وما إليه دعا من سوء مذهبه

كأنه منطق الورهاء شذبه

"ثم إن اللعين وضع عن قومه الصلاة، وأحلَّ لهم الخمر والزنا" ترغيبًا لهم في اتباعه، فأباح لهم ما يشتهون، "وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي" مشارك له في النبوة، فهذا من جملة سخافة عقله؛ إذ النبي لا يبيح المحرمات، "وقد كان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم،" لما ادَّعى النبوة سنة عشر، "من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أمَّا بعد فإني أشركت" بضم الهمزة. "معك في الأوامر،" يعني: النبوة، "وأن لنا نصف الأمر، ولقريش نصف الأمر"

ص: 151

فقدم عليه صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ِ "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين".

وفي الصحيحين من حديث نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل

الذي في ابن إسحاق، بلفظ: نصف الأرض في الموضعين، وزاد، ولكن قريشًا يعتدون، "فقدم عليه صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب" والقادم به رسول لمسيلمة.

قال ابن إسحاق: حدَّثني شيخ من أشجع، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيه نعيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتابه:"فما تقولان أنتما"؟ قالا: نقول كما قال، فقال:"أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضرب أعناقكما".

قال عبد الله -يعني: ابن مسعود: فمضت السُّنَّة أن الرسل لا تقتل، "فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى" الرشاد "أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين".

قال ابن إسحاق: وذلك في آخر سنة عشر، "وفي الصحيحين" البخاري في علامات النبوَّة والمغازي، ومسلم في الرؤيا "من حديث نافع بن جبير" بن مطعم القرشي النوفلي المدني، ثقة من رجال الجميع، مات سنة تسع وتسعين، "عن ابن عباس، قال: قدم مسيلمة الكذاب على" أسقط من البخاري، عهد وفسروه بزمن "رسول الله صلى الله عليه وسلم" المدينة، "فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر،" أي: الخلافة "من بعده اتبعته".

قال الحافظ: وثبت لفظ الأمر في علامات النبوة، وسقط في المغازي من رواية الأكثر، وهو مقدر، وثبت في رواية ابن السكن "وقدمها" أي: المدينة "في بشر كثير من قومه" بني حنيفة. ذكر الواقدي: أن عدد من كان معه سبعة عشر نفسًا، فيحتمل تعدد القدوم، "فأقبل"

ص: 152

النبي صلى الله عليه وسلم معه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال:"لو سالتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني"، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك الذي أريت فيه ما رأيت" فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم، رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمَّني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن

النبي صلى الله عليه وسلم" تأليفًا له ولقومه، رجاء إسلامهم، وليبلغه ما أنزل إليه، "ومعه ثابت بن قيس بن شماس" بفتح المعجمة، والميم المشددة، فالف فمهملة، "وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه" فكلَّمه في الإسلام، فطلب مسيلمة أن يكون له شيء من أمر النبوة، "فقال" صلى الله عليه وسلم: "لو سألتني هذه القطعة" من الجريدة "ما أعطيتكها" مبالغة في منعه لطلبه ما ليس له، "ولن تعدو" لن تجاوز "أمر الله" حكمه "فيك".

قال الحافظ: رواه الأكثر بالنصب، ولبعضهم: لن تعد بالجزم بلن على لغة "ولئن أدبرت" أي: خالفت الحق "ليعقرنك الله" بالقاف، أي: يهلكك، "وإني لأراك" بفتح الهمزة- لأعتقدك، وفي بعضها بضم الهمزة: لأظنك "الذي أريت" بضم الهمزة وكسر الراء- في منامي "فيه ما أريت، وهذا ثبات بن قيس يجيبك عني"؛ لأنه خطيب الأنصار وخطيبه عليه السلام، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، فاكتفى بما قاله لمسيلمة، وأعلمه أنه إن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم عني بذلك، ويستفاد منه: استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد ونحو ذلك، قاله الحافظ، "ثم انصرف صلى الله عليه وسلم".

"قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك الذي أريت فيه ما أريت" ، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينا" بلا ميم في المغازي، وفي علامات النبوّة بالميم، كما أفاده المصنف "أنا نائم رأيت في يدي" بالتثنية "سوارين" بكسر السين، ويجوز ضمها.

وفي رواية: إسوارين -بكسر الهمزة وسكون المهملة- تثنية إسوار، وهي لغة في السوار، كما في الفتح "من الذهب" من لبيان الجنس، كقوله تعالى:{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} ، ووهم من قال: لا تكون الأساور إلّا من ذهب، فإن كانت من فضة فهي القلب، "فأهمَّني" أحزنني "شأنهما"؛ لأن الذهب من حلية النساء محرَّم على الرجال.

وفي رواية: فكبر على، "فأوحى إليَّ في المنام" على لسان ملك، أو وحي إلهام "أن

ص: 153

انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما: كذابين يخرجان من بعدي، فهذان هما: أحدهما العنسي صاحب صنعاء

انفخهما" بهمزة وصل وكسر النون. للتأكيد بالجزم على الأمر.

قال الطيبي: ويجوز أن تكون مفسّرة، لا وحي مضمّن، معنى القول وأن تكون ناصبة، والجار محذوف، "فنفختهما فطارا" لحقارة أمرهما، ففيه إشارة إلى اضمحلال أمرهما وحقارته؛ لأن ما يذهب بالنفخ يكون في غاية الحقارة، قاله بعضهم، وردَّه ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة، لم ينزل بالمسلمين قبله مثله.

قال في الفتح: وهو كذلك، لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية، "فأولتهما كذابين" لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، ووضع الذهب المنهي عن لبسه من وضع الشيء في غير موضعه؛ إذ هما من حلية النساء، ففيه أن السوار وسائر آلات الحليّ اللائقة بالنساء، تعبّر للرجال بما يسوءهم، ولا يسرهم، وأيضًا، فالذهب مشتق من الذهاب، فعلم أنه شيء يذهب عنه، وتأكد ذلك بالأمر له بنفخهما، فطارا، فدلَّ ذلك على أنه لا يثبت لهما أمره، وأيضًا يتَّجه في تأويل نفخهما أنه قتلهما بريحه؛ لأنه لم يقتلهما بنفسه، فأمَّا العنسي فقتله فيروز الديلمي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح، وأمَّا مسيلمة فقُتِلَ في خلافة الصديق، "يخرجان من بدي" أي: تظهر شوكتهما ودعواهما النبوَّة، واستشكل بأنهما كانا في زمنه صلى الله عليه وسلم، فإمَّا أن يكون المعنى بعد نبوّتي، أو يحمل على التغليب؛ لأن مسيلمة قُتِلَ بعده، "فهذان هما" لفظ البخاري في المغازي، ليس فيه هذه الجملة، ولفظه في علامات النبوَّة، فكان "أحدهما العنسي" بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين المهملة، من بني عنس، وحكى ابن التين: فتح النون.

قال الحافظ: ولم أر له في ذلك سلفًا "صاحب صنعاء" ولقبه الأسود، واسمه كما قال الحافظ والمصنف وغيرهما: عبهلة -بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء- ابن كعب، وكان يقال له أيضًا: ذو الخمار؛ لأنه كان يخمر وجهه، وقيل: هو اسم شيطانه، وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادَّعى النبوَّة، وغلب على عامل النبي صلى الله عليه وسلم على صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال: إنه مر به، فلما حاذاه عثر الحمار، فادَّعى أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئًا، فقام وكان معه شيطانان، يقال لأحدهما سحيق -بمهملتين وقاف مصغَّر، والآخر شقيق -بمعجمة وقافين مصغَّر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان باذان عامل النبي صلى الله عليه وسلم بصنعاء، فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قومه حتى ملكها، وتزوَّج المرزبانة زوجة باذان، فواعدت فيروز وغيره، فدخلوا عليه ليلًا، وقد سقته الخمر صرفًا حتى

ص: 154

والآخر مسيلمة الكذاب".

سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار، حتى دخلوا فقتله فيروز واحتزَّ رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة، فوافاهم عند وفاته صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الأسود عن عروة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه الوحي، فأخبر أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر، وقيل: وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم، "والآخر مسيلمة الكذاب" ادَّعى النبوّة في حياته صلى الله عليه وسلم، لكن لم تظهر شوكته، ولم تقع محاربته إلّا في زمن الصديق، وكان بدء أمره أنَّ الرحال الحنفي، واسمه: نهار، آمَنَ وتعلَّم سورًا من القرآن، فرآه صلى الله عليه وسلم مع فرات بن حيان وأبي هريرة، فقال:"ضرس أحدكم في النار مثل أحد"، فما زالا خائفين حتى ارتدَّ الرحال، وآمن بمسيلمة، وشهد زورًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شركه معه في النبوَّة، ونسب إليه بعض ما تعلم من القرآن، فكان أقوى أسباب الفتنة على بني حنيفة، فجمع جموعًا كثيرة ليقاتل الصحابة، فجهَّز له الصديق جيشًا أمَّرَ عليهم خالد بن الوليد، فقتل جميع أصحابه، ثم كان الفتح بقتل مسيلمة، قله عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني، جزم به الواقدي وإسحاق بن راهويه والحاكم، وقيل: عدي بن سهل، وبه جزم سيف، وقيل: أبو دجانة، وقيل: زيد بن الخطاب، وقيل: وحشي، والأول أشهر، ولعلَّ عبد الله بن زيد هو الذي اصابته ضربته، وحمل عليه الآخرون في الجملة، وأغرب وتيمة، فزعم أن اسم الذي ضربه شن -بفتح المعجمة وشد النون- ابن عبد الله، وأنشد له:

ألم تر أني ووحشيهم

ضربنا مسيلمة المفتتن

تسائلني الناس قتله

فقلت ضربت وهذا طعن

فلست بصاحبه دونه

وليس بصاحبه دون شن

وأغرب منه ما حكاه ابن عبد البر: إن الذي قتل مسيلمة هو جلاس بن بشير بن عاصم، ذكره الحافظ في شرح قول وحشي عند البخاري، لما خرج مسيلمة قلت: لأخرجنَّ إليه لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، فخرجت مع الناس، فإذا رجل قائم، كأنه جمل أورق، ثائر الرأس، فرميته بحربتي، فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، وضربه رجل من الأنصار بالسيف على هامته، وقال رجل من بني حنيفة يرثيه:

لهفي عليك أبا ثمامة

لهفي على ركني يمامه

كم آية لك فيهم

كالشمس تطلع من غمامه

قال السهيلي: وكذب، بل كانت آيته منكوسة، فذكر بعض ما قدمه المصنف، وزاد: ودعا

ص: 155

فإن قلت: كيف يلتئم خبر ابن إسحاق مع الحديث الصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به وخاطبه، وصرَّح بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة من الجريد ما أعطاه.

فالجواب: إن المصير إلى ما في الصحيح أَوْلَى.

ويحتمل أن يكون مسيلمة قدم مرتين، الأولى تابعًا وكان رأس بني حنيفة غيره، ولهذا أقام في حفظ رحالهم، ومرة متبوعًا، وفيها خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم.

أو القصة واحدة، وكانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة منه واستكبارًا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وعامله عليه الصلاة والسلام معاملة الكرم على عادته في الاستئلاف، فقال لقومه:"إنه ليس بشركم" أي: مكانًا، لكونه كان يحفظ رحالهم، وأراد

الرجل في ابنين له بالبركة، فرجع إلى منزله، فوجد أحدهما قد سقط في بئر، والآخر أكمله الذئب، ومسح رأس صبي، فقرع قرعًا فاحشًا.

قال صاحب المفهم: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء واليمامة كانوا أسلموا، وكانوا كساعدين للإسلام، فلمَّا ظهر الكذابان، ويهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة، انخدع أكثرهم بذلك، فكان اليدان بمنزلة البلدين، والسواران بمنزلة الكذابين، وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه، والزخرف من أسماء الذهب، "فإن قلت كيف يلتئم خبر ابن إسحاق" الذي قدمه من كونه لم يجتمع بالمصطفى، وقعد في الرحال "مع" هذا "الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع به وخاطبه، وصرَّح بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة من الجريد" بفتح الجيم "ما أعطاه، فالجواب أن المصير إلى ما في الصحيح أولى" لصحة إسناده، بخلاف خبر ابن إسحاق، فضعيف منقطع، ولم يسم راويه، ويحتمل" في طريق المع على تقدير الصحّة، كما قال الحافظ "أن يكون مسيلمة قدم مرتين: الأولى كان تابعًا، وكان رأس بني حنيفة غيره، ولهذا أقام في حفظ رحالهم، ومرة متبوعًا، وفيها خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا بعيد جدًّا، فقد قال هو -أعني الحافظ: وهذا يعني حديث ابن إسحاق مع شذوذه ضعيف السند لإنقطاعه، وأمر مسيلمة كان عند قومه أكبر من ذلك، فقد كان يقال له رحمَّن اليمامة، لعظم قدره فيهم أ. هـ، فمن يكون مقامه عند قومه أكبر من دعوى النبوَّة، يبعد كل البعد أن يكون تابعًا، فالأولى قوله، "أو القصة واحدة" لأنه الأصل، "وكانت إقامته في رحالهم باختياره أنفة منه واستكبارًا أن يحضر مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وعامله عليه الصلاة والسلام معاملة الكرم على عادته في الاستئلاف، فقال لقومه:"إنه ليس بشركم"، أي: مكانًا لكونه كان يحفظ رحالهم، وأراد

ص: 156