المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٥

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الخامس

- ‌تايع الفصل السادس: في أمرائه ورسله وكتابه وكتبه إلى أهل الإسلام في الشرائع والأحكام، ومكاتباته إلى الملوك وغيرهم من الأنام

- ‌وأما مكاتبته عليه الصلاة والسلام إلى الملوك وغيرهم

- ‌الفصل السابع: في مؤذنيه وخطبائه وحدائه وشعرائه

- ‌الفصل الثامن: في آلات حروبه عليه الصلاة والسلام، كدروعه وأقواسه ومنطقته وأتراسه

- ‌الفصل التاسع: في ذكر خيله ولقاحه ودوابه

- ‌الفصل العاشر: في ذكر من وفد عليه صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه

- ‌مدخل

- ‌[الوفد الأول: وفد هوازن]

- ‌الوفد الثاني: وفد ثقيف

- ‌الوفد الثالث: وفد بني عامر

- ‌الوفد الرابع: وفد عبد القيس

- ‌الوفد الخامس: وفد بني حنيفة

- ‌الوفد السادس: وفد وطئ

- ‌الوفد السابع: وفد كنده

- ‌الوفد الثامن: وفد الأشعريين

- ‌الوفد التاسع: قدوم صرد بن عبد الله الأزدي

- ‌الوفد العاشر: بني الحارث بن كعب

- ‌الوفد الحادي عشر: وفد همدان

- ‌الوفد الثاني عشر: وفد مزينة

- ‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس

- ‌الوفد الرابع عشر: وقد نصارى نجران

- ‌الوفد الخامس عشر: فروة بن عمرو الجذامي

- ‌الوفد السادس عشر: قدوم ضمام بن ثعلبة

- ‌الوفد السابع عشر: وفد طارق بن عبد الله وقومه

- ‌الوفد الثامن عشر: وفد تجيب

- ‌الوفد التاسع عشر: وفد بني سعد هذيم

- ‌الوفد العشرون: وفد بني فزارة

- ‌الوفد الحادي والعشرين: وفد بني أسد

- ‌الوفد الثاني والعشرون: وفد بهراء

- ‌الوفد الثالث والعشرون: وفد عذرة

- ‌الوفد الرابع والعشرون: وفد بلي

- ‌الوفد الخامس والعشرون: وفد بني مرة

- ‌الوفد السادس والعشرون: وفد خولان

- ‌الوفد السايع والعشرون: وفد محارب

- ‌الوفد الثامن والعشرون: وفد صداء

- ‌الوفد التاسع والعشرون: وفد عسان

- ‌الوفد الثلاثون: وفد سليمان

- ‌الوفد الحادي والثلاثون: وفد بني عبس

- ‌الوفد الثاني والثلاثون: وفد غامد

- ‌الوفد الثالث والثلاثون: وفد الأزد

- ‌الوفد الرابع والثلاثون: وفد بني المنتفق

- ‌الوفد الخامس والثلاثون: وفد النخع

- ‌المقصد الثالث: فيما فضله الله تعالى به

- ‌الفصل الأول: في كمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس

رجل من مزينة، فلمَّا أردنا أن ننصرف قال:"يا عمر، زوّد القوم"، قال: ما عندي إلا شيء من تمر ما أظنه يقع من القوم موقعًا. قال: "انطلق فزودهم" ، فانطلق بهم، فأدخلهم منزله، ثم أصعدهم إلى علية، فلمَّا دخلنا إذا فيها من التمر مثل الجمل الأورق، فأخذ القوم منه حاجتهم. قال النعمان: وكنت في آخر من خرج، فنظرت: وما أفقد موضع تمرة من مكانها.

"قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة رجل من مزينة"، وعند ابن سعد عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه، عن جده: أوّل من وفد على النبي صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة، وفي الألفية:

أوّل وفد وفدوا المدينة

سنة خمس وفدوا مزينة

زاد في رواية: وجهينة، فلعلَّهم كانوا قليلًا، أو أتباعًا، فلم يعدهم النعمان، "فلما أردنا أن ننصرف قال:" وفي رواية: قال القوم: يا رسول الله، ما لنا من طعام نتزوده؟ فقال: "يا عمر زود القوم"، قال: ما عندي" ما أزودهم به "إلا شيء من تمر، ما أظنه يقع من القوم موقعًا" لقلته، "قال:"انطلق فزودهم"، فانطلق بهم، فأدخلهم منزله" بيته، "ثم أصعدهم إلى علية" بكسر العين وضمها- غرفة، "فلمَّا دخلنا إذا فيها من التمر مثل الجمل الأورق" بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فراء فقاف- ما في لونه بياض إلى سواد، وهو أطيب الإبل لحمًا لا سيرًا وعملًا. قاله القاموس، وهذا معجزة له صلى الله عليه وسلم، فإنه كان قليلًا في الواقع، فأخبر بذلك عمر على ما يعلمه منه، "فأخذ القوم منه حاجتهم".

"قال النعمان: وكنت في آخر من خرج، فنظرت وما أفقد موضع تمرة من مكانها" معجزة أخرى له عليه السلام؛ حيث زاد القليل، وأخذوا كفايتهم منه، واستمرَّ على زيادته، وفي رواية: وقد احتمل منه أربعمائة، وكأنا لم نرزأه تمرة -بنون مفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة فهمزة فهاء، أي: ننقصه، انتهى.

ص: 179

‌الوفد الثالث عشر: وفد دوس

وفد دَوْس: وكان قدومهم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر.

"الوفد الثالث عشر":

"وفد دَوْس" بفتح المهملة وسكون الواو ومهملة- قبيلة أبي هريرة، ينسبون إلى جدِّهم دَوْس بن عدنان. -بضم المهملة فدال ساكنة فمثلثة فألف- ابن عبد الله، ينتهي نسبهم إلى الأزد، فدوس مصروف؛ لأنه في الأصل علم لمذكَّر؛ ولأن أصل الأسماء الصرف حتى يوجد

ص: 179

قال ابن إسحاق:

كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلًا شريفًا شاعرًا لبيبًا، فقالوا له: إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وابنه، وبين المرء وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمه ولا تسمع منه.

قال: فوالله ما زالوا بي حتى عزمت أن لا أسمع منه شيئًا، ولا أكلمه، حتى حشوت في أدني حين غدوت إليه كرسفًا،

مانعه، "وكان قدومهم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر" كما سيأتي في القصة، فهو سنة سبع.

"قال ابن إسحاق" في السيرة بلا إسناد في غالب النُّسَخ، وفي نسخة أسندها عن صالح بن كيسان، عن الطفيل، وكذا أخرجه ابن سعد من وجه آخر، وكذا الأموي وابن الكلبي بإسناد آخر، كما في الإصابة، "كان الطفيل بن عمرو" بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس "الدوسي" لقبه ذو النور -براء آخره- لما يجيء.

قال البوي: أحسبه سكن الشام، واستُشْهِد بأجنادين في خلافة الصديق، أو باليمامة، أو باليرموك، أقوال "يحدث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها" قبل الهجرة، "فمشى إليه رجال من قريش".

قال في النور: لا أعرفهم بأعيانهم، "وكان الطفيل رجلًا شريفًا شاعرًا لبيبًا".

زاد ابن سعد: كثير الضيافة، وهذه الأوصاف جملة معترضة، ليست مما حدَّث به الطفيل، وإنما هي حدث بها عبد الواحد ابن أبي عون الدوسي، كما عند ابن سعد، "فقالوا له: إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا" أمكنة، واعتقادًا بأن أزال الألفة بينهم وفرَّقهم في البلاد، "وشتت أمرنا" أي: فرَّق ما كنَّا عليه من اعتقاد عبادة الأصنام، بعد أن كنَّا كشيء واحد، فهو عطف مباين أولى من جعله تفسيرًا؛ إذ التأسيس خير من التأكيد، "وإنما قوله كالسحر" كأنه عطف علة على معلول، أي: إنما فعل ذلك بنا لأن كلامه كالسحر يسلب العقول، "يفرّق بين المرء" مثلث الميم "وابنه" بنون أو تحتية، "وبين المرء وأخيه، وبين الرجل وزوجه" امرأته، أفصح من زوجته، وهذا بيان لجهة السحر، "وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا" من الكلام الذي يفتن به، حتى تبعه من تبعه، "فلا تكلمه، ولا تسمع منه" لئلا تفتتن، "قال: فوالله ما زالوا بي حتى عزمت" أجمعت وصمَّمت "أن لا أسمع منه

ص: 180

فرقًا من أن يبلغني شيء من قوله.

قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريًبا منه، فأبى الله أن يسمعني بعض قوله: فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت: واثكل أماه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يقول حسنًا قبلت، وإن كان قبيحًا تركت.

قال: فمكثت حتى أتى عليه الصلاة والسلام إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذني بكرسف أن لا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولًا حسنًا، فاعرض عليَّ أمرك.

فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا عليَّ القرآن،

شيئًا، ولا أكلمه، حتى حشوت في أذنيّ" تثنية أذن "حين غدوت إليه كرسفًا" بضم الكاف والسين بينهما راء ثم فاء- القطن، ويقال فيه أيضًا: كرسوف بزنة زنبور، "فرقًا" خوفًا "من أن يبلغني شيء من قوله، قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبًا منه، فأبى الله إلّا أن يسمعني بعض قوله"، هذا لفظ رواية ابن إسحاق، فنسخة: أن لا يسمعني، تصحيف، وإن أمكن توجيهها بأن المعنى منع على عدم السماع، "فسمعت كلامًا حسنًا، فقلت: واثكل أمياه"، أصله: أمي -بياء المتكلم، فتقلب ألفًا، وتلحقها هاء السكت، وقد يجمع بين الألف والياء، كما هنا، والذي رأيته في ابن إسحاق: أمي على الأصل، "والله إني لرجل لبيب" عاقل "شاعر، ما يخفى عليّ الحسن" أي: تمييزه "من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يقول"، أي: إن ظهر لي قوله "حسنًا قبلت"؛ لأنه ثمرة العقل، "وإن كان قبيحًا تركت، قال: فمكثت حتى أتى عليه الصلاة والسلام إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته" دخلت عليه، "فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي" بلام الجرِّ، وفي نسخة إليَّ، أي: أوصلوا إليَّ، "كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك" بنون واحدة، وأصله بنونين، حذفت إحداهما تخفيفًا، وفي أن المحذوفة الأولى والثانية خلاف "حتى سددت أذني" تثنية أذن "بكرسف"؛ لأجل "أن لا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولًا حسنًا" فردَّ الله كيدهم في نحورهم، وقلب مكرهم عليهم، والله متمَّ نوره، ولو كره الكافرون، "فاعرض علي أمرك" بهمزة وصل من عرض ظهر، "فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وتلا علي

ص: 181

فلا والله ما سمعت قولًا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية.

قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهم في غير وجهي، إني أخشى أن يقولوا إنها مُثْلَة وقعت في وجهي لفراقي دينهم، قال: فتحوّل فوقع رأس سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية، حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلمَّا جئت أتاني

القرآن،" أي: بعضه، وهو الإخلاص والمعوّذتان، كما أفاده الإصابة عن أبي الفرج الأصبهاني، "فلا والله ما سمعت قولًا قط أحسن منه" أي: من قوله، "ولا أمرًا أعدل منه" من أمره الذي فهمته من قوله من الأحكام والمعاني التي استفدتها من كلامه، ويجوز عود ضميره للقول أيضًا، "فأسلمت" انقدت باطنًا لاستحساني قوله، "وشهدت شهادة الحق" أي: نطقت بها، فليس عطف تفسير؛ إذ الأصل خلافه، وأنشد له المرزباني يخاطب قريشًا، وكانوا هددوه لما أسلم:

ألا أبلغ لديك بني لؤي

على الشنان والغضب المردي

بأن الله رب الناس فرد

تعالى جده عن كل ند

وأن محمدًا عبدًا رسولًا

دليل هدى وموضح كل رشد

وأن الله جلله بهاء

وأعلى جده في كل جد

"وقلت: يا رسول الله، إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم، فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية" أي: علامة، وأسقط من رواية ابن إسحاق: تكون عونًا لي عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال:"اللهمَّ اجعل له آية"، وعند الطبراني:"اللهم نوّر له"، وفي التقليح لابن الجوزي "اللهم اجعل له نورًا"، "قال الطفيل:"فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية" طريق في الجبل "تطلعني على الحاضر" هَمَّ القوم النزول على ماء يقيمون به، لا يرحلون عنه، ويقال للمناهل: المحاضر للاجتماع والحضور عليها.

قال الخطابي: ربما جعلوا الحاضر اسمًا للمكان المحضور، يقال: نزلنا حاضر بني فلان، فاعل بمعنى مفعول، "وقع نور بين عيني مثل المصباح" أي: قرب مما بين عينية، ولم يصبه، "فقلت: اللهمَّ في غير وجهي" اجعل هذه الآية، "إني أخشى أن يقولوا" لفظ ابن إسحاق: يظنوا "أنها مُثْلَة وقعت في وجهي لفراقي دينهم، قال: فتحوّل فوقع في رأس سوطي".

زاد الطبري: فكان يضيء في الليلة المظلمة، فسمِّيَ ذا النور، قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي، "كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية حتى جئتهم وأصبحت

ص: 182

أبي -وكان شيخًا كبيرًا- فقلت: إليك عني يا أبت، فلست مني ولست منك، قال: ولم يا بني؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد، قال: يا بني، فديني دينك، قال فقلت: فاذهب فاغتسل وطهّر ثيابك ثم تعالى أعلمك ما علمت، قال: فذهب فاغتسل وطهَّر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم.

ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني، فلستُ منك ولستِ مني، قالت: لِمَ؟ قلت: فرَّق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت محمدًا، فقالت: فديني دينك، فأسلمت.

ثم دعوت دَوْسًا إلى الإسلام، فأبطئوا عليَّ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:

فيهم، فلمَّا جئت أتاني أبي، وكان شيخًا كبيرًا، فقلت: إليك عنِّي يا أبت، فلستَ منِّي ولستُ منك، قال: ولِمَ يا بني؟ قلت: قد أسلمت وتابعت دين محمد، قال: يا بني، فديني دينك، قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهِّر ثيابك" وليس فيه رضاه ببقائه كافرًا حتى يعود؛ لأن قوله: فدينك إيمان ديني عند كثير، وإن لم ينطق بالشهادتين، "ثم تعالَ أعلمك ما علمت، قال: فذهب فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم" فنطق بالشهادتين، وأظهر له ما يدخل به في الإسلام ظاهرًا، ويترتب عليه أحكامه، فلا يُرَدّ أنه أسلم أوّلًا بقوله: فديني دينك، وقد ترجم له في الإصابة في القسم الأوّل عمرو بن طريف، والد أبي الطفيل، وذكر من القصة قول الطفيل له، وإسلامه ناسبًا لابن إسحاق، ولم يذكر أنه وفد واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلعله وقف عليه، وإلّا فهو مخضرم.

وعند أبي الفرج في الأغاني من طريق الكلبي: فدعا أبويه إلى الإسلام، فأسلم أبوه، ولم تسلم أمه، ودعا قومه، فأجابه أبو هريرة وحده، "ثم أتتني صاحبتي" يعني: زوجته.

قال في النور: لا أعرف اسمها، "فقلت لها: إليك عني، فلستُ منك ولستِ مني، قالت: ولِمَ؟ قلت: فرَّق الإسلام بيني وبينك، أسلمت وتابعت محمدًا، فقالت: فديني دينك" أسقط من الرواية في ابن إسحاق، فقلت: فاذهبي إلى حنى ذي الشرى.

قال اب هشام: ويقال: حمى ذي الشرى، فتطهري منه، قال: وكان ذو الشرى صنمًا لدَوْس، حموا له ماء يهبط من جبل، فقالت: بأبي أنت وأمي، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئًا، قلت: لا أنا ضامن ذلك، قال: فذهبت فاغتسلت، ثم جاءت، فعرضت عليها الإسلام، "فأسلمت".

وفي الروض: حنى بالنون عند ابن إسحاق، والميم عند ابن هشام، موضع حموه لصنمهم، فإن صحة رواية النون، فالنون قد تبدل من الميم، "ثم دعوت دَوْسًا إلى الإسلام فأبطئوا عليَّ"

ص: 183

يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم، فقال:"اللَّهمَّ اهد دوسًا"، ثم قال:"ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم"، فرجعت إليهم، فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس.

وعند الطبراني: فأجابه أبو هريرة وحده، "فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم" بمكة، كما في نفس رواية ابن إسحاق، "فقلت: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دَوْس الزنا،" أي: حبهم له، وعلمهم أنهم إن أسلموا منعوا منه، وفي البخاري عن أبي هريرة: جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن دوسًا قد هلكت، عصت وأبت، "فادع الله عليهم، فقال: "اللهم اهد دوسًا"،" زاد البخاري: "وائت بهم".

قال الحافظ في الفتح: وقع مصداق ذلك، فذكر ابن الكلبي أن جندب بن عمرو بن جممة الدوسي كان حاكمًا على دَوْس، وكذا كان أبوه من قبله، وكان جندب يقول: إني لأعلم أن للخلق خالقًا، لكني لا أدري من هو، فلمَّا سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم خرج إليه، ومعه خمسة وسبعون رجلًا من قومه، فأسلم وأسلموا. انتهى، وجندب -بجيم فنون فدال فموحدة.

ذكره في الإصابة في حرف الجيم، فال: قتل بأجنادين، ولا يعرف له حديث، وذكر فيها أيضًا عمرو بن حممة -بضم المهملة وفتح الميم الخفيفة بعدها مثلها- الدوسي.

ذكر ابن دريد: إنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ذكره غيره أنه مات في الجاهلية.

قال المرزباني: كان أحد حكام العرب في الجاهلية، وأحد المعمِّرين، يقال: إنه عاش ثلاثمائة وتسعين سنة، وهو القائل:

كبرت وطال العمر مني كأنني

سليم أفأعي ليلة غير مودع

أخبر أخبار القرون التي مضت

ولابُدّ يومًا أن يطار لمصرعي

وما السقم أبلاني ولكن تتابعت

عليّ سنون من مصيف مربع

ثلاث مئين من سنين كوامل

وها أنا هذا أرتجي مر أربع

فأصبحت بين الفخ والعش نادبًا

إذا رام طيَّارًا يقال له: قع

"ثم قال: "ارجع إلى قومك، فادعهم إلى الله، وارفق بهم"؛ إذ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، "فرجعت إليهم، فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله" حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضت بدر وأحد والخندق، كما هو قوله في ابن إسحاق، وعقَّبه بقوله: "ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم" حال كونه "بخيبر" أو خبر مبتدأ، أي: وهو بخيبر، وليس ظرفًا لغوًا متعلقًا بقدمت؛ لأن قدومهم كان إلى المدينة، ظانِّين أنه بها، كما أفاده بقوله:

ص: 184

ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين.

وهذا يدل على تقدُّم إسلامه، وقد جزم ابن أبي حاتم بأنه قدم مع أبي هريرة بخيبر، وكأنها قدمته الثانية.

"فنزلت المدينة بسبعين، أو ثمانين بيتًا من دَوْس" أي: جماعة يجمعهم نسب واحد، فلا ينافي أنهم أربعمائة، "ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر"، وللطبراني بسند ضعيف أنهم أربعمائة، فلمَّا رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مرحبًا بأحسن الناس وجوهًا، وأطيبهم أفواهًا" أي: كلامًا، "وأعظمهم أمانة".

وروى البخاري في التاريخ وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي، وعن أبي هريرة: قدمنا المدينة، ونحن ثمانون بيتًا من دَوْس، فصلينا الصبح خلف سباع بن عرفطة الغفاري، فقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم، وفي الأخيرة بويل للمطففين، فلمّا قرأ:{إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2]، قلت: تركت عمي له مكيالان: إذا اكتال اكتال بالأوفى، وإذا كال كال بالناقص، فلمَّا فرغنا من صلاتنا قال قائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وهو قادم عليكم، فقلت: لا أسمع به في مكان أبدًا إلا جئته، فزودنا سباع، وجئنا خيبر، فنجده قد فتح النطاة، وهو محاصر الكتيبة، فأقمنا حتى فتح الله علينا، "فأسهم لنا مع المسلمين".

وفي رواية من حديث أبي هريرة: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فتح خيبر، فكلم المسلمين، فأشركنا في سهمانهم، "وهذا" المذكور من حديث الطفيل، "يدل على تقدُّم إسلامه" بمكة قبل الهجرة دلالة صريحة، "وقد جزم ابن أبي حاتم، بأنه قدم مع أبي هريرة بخيبر، وكأنها" كما قال الحافظ "قدمته الثانية" مع الوفد، فلا يخالف صريح حديثه، والمراد بالثانية: باعتبار مكة والمدينة، فلا ينافي أنه قدم مكة مرتين، فتكون ثالثة، وقد قدم جميع الوفد مسلمين، بدليل صلاة الصبح خلف سباع، والإسهام لهم؛ إذ لو لم يسلموا ما أسهم لهم، وقد رجع شيخنا ضمير إسلامه للوفد، والإشارة بهذا للإسهام، وهو واضح في نفسه، لكنه ليس مراد المصنف، وإنما مراده كالحافظ: الاستدلال على خلاف ما جزم به ابن أبي حاتم، كما أفصح بذلك في الفتح والإصابة، وبقية حديث الطفيل عن ابن إسحاق: ثم لم يزل معه صلى الله عليه وسلم حتى إذا فتح الله عليه مكة، قلت: يا رسول الله، ابعثني إلى صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه، فبعثه فأحرقه وهدمه، ثم رجع، فأوقد النار عليه، وهو يقول:

يا ذا الكفين لست من عبادكا

ميلادنا أقدم من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

ثم رجع، فكان مع المصطفى حتى قبض، فلمَّا ارتدت العرب، خرج مع المسلمين حتى فرغوا من طليحة ومن أرض نجد كلها، ثم سار إلى اليمامة، ومعه ابنه عمرو، فرأى رؤيا وهو

ص: 185