الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخامس) : نوى كل منهما عن نفسه، ولم ينو الآخر [شيئا] فيصح للناوي دون غيره.
(السادس والسابع والثامن) : لم ينو واحد منهما، أو نوى كل منهما عن صاحبه، فلا يصح لواحد منهما، ويتحرر أنه يصح الطواف للمحمول في ثلاث صور، إذا نويا جميعا له، أو نوى هو لنفسه ولم ينو الآخر شيئا، أو نوى كل منهما لنفسه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[باب ذكر المواقيت]
ش: المواقيت جمع ميقات، وهو الزمان والمكان المضروب للفعل، والله أعلم.
قال: وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام ومصر والمغرب من الجحفة، وأهل اليمن من يلملم، وأهل الطائف ونجد من قرن، وأهل المشرق من ذات عرق.
1443 -
ش: روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن» قال ابن عمر - رضي الله
عنه -: وذكر لي - ولم أسمع - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يهل أهل اليمن من يلملم» .
1444 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة» متفق عليهما، فهذه الأربع مواقيت ثبتت في الصحيح.
1445 -
وأما ذات عرق لأهل المشرق ففي سنن أبي داود، والنسائي عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقت لأهل العراق ذات عرق.»
1446 -
وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذان المصران، أتوا عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا» ، وإنه جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا أن نأتي قرنا شق علينا. قال: فانظروا حذوها من
طريقكم. قال: فحد لهم عمر ذات عرق. فيحتمل أن اجتهاد عمر – رضي الله عنه وقع على وفق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رضي الله عنه كان موفقا للصواب، ويحتمل اختصاص عمر بذلك، وكافيك به لكن ثبوت توقيت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كغيره، وقد أنكر أحمد رحمه الله حديث عائشة في ذات عرق.
1447 -
وجاء عن ابن عباس قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق» ، رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، قال الحافظ المنذري: وفيه يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف.
(تنبيه) : «ذو الحليفة» بضم الحاء وفتح اللام - موضع عند قرية، بينه وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، «والجحفة» بجيم مضمومة، ثم حاء مهملة ساكنة - قرية جامعة تميز على طريق المدينة من مكة كان اسمها (مهيعة) ، فجحف السيل بأهلها فسميت به، (ومهيعة) بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح الياء، وقال بعضهم بكسر
الهاء كجميلة، وهي [على] ثلاث مراحل من مكة، و «قرن» بفتح القاف [وسكون الراء المهملة، ويقال له «قرن المنازل» و «قرن الثعالب» ورواه بعضهم بفتح الراء وغلط، قيل] من قال بالإسكان أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن قال بالفتح أراد الطريق الذي يفترق منه، فإنه موضع فيه طرق مفترقة، وهو تلقاء مكة، على يوم [وليلة] منها، و «يلملم» بفتح الياء آخر الحروف، و [يقال] : ألملم بفتح الهمزة، والياء بدل منها، وقال ابن السيد: يلملم ويرمرم باللام والراء، وهو على ليلتين من مكة، و «ذات عرق» منزل معروف من منازل الحاج، يسمى بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير، وقيل: العرق من الأرض سبخة تنبت الطرفاء، و «العقيق» قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين، وكل مسيل شقه ماء السيل فوسعه فهو عقيق، و «المصران»
البصرة والكوفة والمصر المدينة «والجور» الميل عن القصد، والله أعلم.
قال: وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل.
ش: ميقات أهل مكة إذا أرادوا العمرة من الحل.
1448 -
لقول عائشة رضي الله عنها: «نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم[المحصب] فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال «اخرج بأختك [من الحرم] فلتهل بعمرة، ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هنا» مختصر، متفق عليه. وليجمع في النسك بين الحل والحرم، إذ أفعال العمرة كلها في الحرم، فلو أحرم منه لم يجمع بينهما، وهذا بخلاف الحج، إذ في الحج يخرج إلى عرفة، فيحصل الجمع، ومن أي الحل أحرم جاز، وإنما أمرت عائشة رضي الله عنها والله أعلم بالإحرام من التنعيم لأنه أقرب الحل إلى مكة. وقال أحمد في المكي: كلما تباعد فهو أعظم للأجر، هي على قدر تعبها، وذكر صاحب التلخيص أن أفضل مواقيتها الجعرانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية، فلو خالف فأحرم بها من الحرم، أثم ولزمه دم. لمخالفة الميقات، ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمامها وعاد أجزأته عمرته، لوجود الجمع بين الحل والحرم، وإن لم يخرج حتى أتم أفعالها فوجهان (أحدهما) : وهو المشهور يجزئه،
إذ فوات الإحرام من الميقات لا يقتضي البطلان، دليله الحج.
(والثاني) : لا يجزئه، نظرا إلى أن الجمع شرط وقد فات، فعلى هذا لا يعتد بأفعاله، وهو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحل ثم يأتي بها، والله أعلم.
قال: وإذا أرادوا الحج فمن مكة.
ش: إذا أراد أهل مكة الحج فميقاتهم من مكة، لما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وفي رواية «حتى أهل مكة يهلون منها» .
1449 -
«وقال جابر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا من الأبطح» . رواه مسلم (وعن أحمد) فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة: يهل بالحج من الميقات، فإن لم يفعل فعليه دم.
وذكر القاضي أظنه في المجرد - ونقله عن أحمد - فيمن دخل مكة محرما عن غيره بحج أو عمرة [ثم أراد أن يحرم عن نفسه، أو دخل محرما لنفسه ثم أراد أن يحرم عن غيره بحج أو عمرة] أنه يلزمه الإحرام من الميقات، فإن لم يفعل فعليه دم، لأنه جاوز الميقات مريدا للنسك، والمشهور - وهو اختيار أبي محمد -
الأول عملا بإطلاق الحديث، وعليه لو أحرم من الحل فقال أبو محمد: إن كان من الحل الذي يلي عرفة فهو كالمحرم دون الميقات، فيلزمه دم، وكذلك إن كان من الجانب الآخر ولم يسلك الحرم، لعدم الجمع بين الحل والحرم، وإن سلكه فهو كالمحرم قبل الميقات فلا دم عليه، وحكى أبو البركات وغيره روايتين على الإطلاق، وعلى رواية وجوب الدم لو أحرم بين مكة والحل ففي وجوب الدم - أيضا - روايتان، حكاهما في التلخيص.
(تنبيه) : أهل مكة من كان فيها، سواء كان مقيما بها أو غير مقيم، وحكم الحرم حكم مكة في [جواز] إحرام المكي منه، وقد أحرم الصحابة من الأبطح. والله أعلم.
قال: ومن كان منزله دون الميقات فميقاته من موضعه. 50 ش: أي إذا كان منزله أقرب إلى مكة من الميقات فميقاته من منزله، لما تقدم من حديث ابن عباس «ومن كان دونهن فمهله من أهله» ولو كان مسكنه قرية جاز الإحرام من أي جوانبها شاء، والأولى الإحرام من الأبعد، والله أعلم.
قال: ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم.
ش: لما تقدم من حديث عمر رضي الله عنه: انظروا حذوها من طريقكم. فإن لم يعلم حذو الميقات احتاط فأحرم
قبله، إذ الإحرام قبل الميقات جائز، وبعده حرام، ولا يجب الإحرام حتى يعلم المحاذاة، حذارا من الوجوب بالشك، والله أعلم.
قال: وهذه المواقيت لأهلها، ولمن مر عليها من غير أهلها، ممن أراد حجا أو عمرة.
ش: المواقيت التي تقدمت لأهلها الذين ذكرهم، ولمن مر عليها من غير أهلها، سواء كان مريدا للحج أو للعمرة فإذا حج الشامي من طريق المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته، لحديث ابن عباس «هن «لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجا أو عمرة» ، والله أعلم.
قال: والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته.
ش: لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه – رضي الله عنهم – لم يحرموا إلا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل والأكمل قطعا، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحدا أن يحرم قبل الميقات.
1450 -
وعن الحسن أن عمران بن الحصين أحرم من البصرة، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه، فغضب وقال: يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره.
1451 -
وقال إن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع، وكرهه له. رواهما سعيد، والأثرم.
1452 -
وقال البخاري في صحيحه: كره عثمان أن يحرم الرجل من خراسان. ولأنه يعرض نفسه لمواقعة المحظور، وفيه مشقة على نفسه، فلم يطلب كالوصال في الصوم.
1453 -
وقد روى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليستمتع أحدكم بحله [ما استطاع] فإنه لا يدري ما يعرض له في إحرامه» » .
1454 -
ويرشح هذا قوله عليه السلام «بعثت بالشريعة السهلة السمحة» ونحو هذا.
1455 -
وما روي عن أم سلمة – رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه أحمد، وأبو داود فمختص والله أعلم ببيت المقدس، ليجمع في الصلاة بين مسجدين في إحرام واحد، ولهذا أحرم ابن عمر منه.
1456 -
قال مالك في موطئه: عن الثقة عنده أن ابن عمر أهل بحج من إيلياء مع أن الحديث قد ضعف، قال المنذري: اختلف الرواة في متنه وفي إسناده اختلافا كثيرا.
1457 -
وما يروى عن عمر، وعلي رضي الله عنهما[أنهما] قالا في قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. ففسره أحمد وسفيان بأنه ينشئ لهما سفرا من بلده مقصودا لهما، ويعين هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يحرموا إلا من الميقات، وإلا يلزم مخالفة الأمر، وهو منفي قطعا، ثم قد تقدم أن عمر أنكر على عمران إحرامه من مصره، فكيف ينكر المأمور، والله أعلم.
قال: فإن فعل فهو محرم.
ش: إذا ترك الاختيار، وأحرم قبل الميقات صح إحرامه بالإجماع، حكاه ابن المنذر وما تقدم عن عمر، وعثمان يدل على ذلك، إذ لم يأمرا من أحرم قبل الميقات بإعادة الإحرام، وهل يكره؟ فيه قولان المجزوم به عند أبي محمد الكراهة، تبعا لما نقل عن عثمان رضي الله عنه وحذارا من المخالفة لما فعله سيد الأنام.
قال: ومن أراد الإحرام فجاوز الميقات غير محرم رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم من موضعه فعليه دم وإن رجع محرما إلى الميقات.
ش: يجب على المريد للنسك أن يحرم من الميقات، اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقوله «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة» الحديث، ولأنه ميقات للعبادة، فلم يجز تجاوزه كميقات الصلاة، فإن أحرم فبها ونعمت، وإن جاوزه غير محرم فقد أثم إن كان عالما، ووجب عليه الرجوع إن أمكنه، ليأتي بالواجب، فإن رجع فأحرم من الميقات فلا دم عليه، وإن لم يرجع وأحرم من مكانه فعليه دم لتركه الواجب.
1458 -
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من ترك نسكا فعليه دم» روي موقوفا ومرفوعا وسواء رجع محرما إلى الميقات أو لم يرجع، إذ بالإحرام دون الميقات حصل ترك الواجب فوجب الدم، والأصل عدم سقوطه.
وقول الخرقي: ومن أراد الإحرام. مفهومه أن من لم يرد الإحرام ليس حكمه كذلك، فلا يخلو غير المريد للإحرام إما
أن يريد الحرم أو دونه، فإن كان مراده دون الحرم فلا إحرام عليه بلا نزاع، لحديث ابن عباس، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بدرا مرتين ولم يحرم، ثم إن بدا له الإحرام أحرم من موضعه ولا شيء عليه، على ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي محمد، اعتمادا على ظاهر حديث ابن عباس، وعن أحمد: يلزمه الرجوع إلى الميقات. انتهى.
وإن كان مراده الحرم فلا يخلو من ثلاثة أحوال:.
(أحدها) أن يكون قصده لذلك لحاجة تتكرر، كالاحتشاش والاحتطاب، ونحوهما، أو لقتال مباح، أو خوف، فيجوز له الدخول بغير إحرام، لظاهر حديث ابن عباس، ويخص القتال والخوف ونحوهما.
1459 -
بما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام» . رواه مسلم، والنسائي.
1460 -
وفي الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة [عام الفتح] وعلى رأسه المغفر» ، الحديث قال مالك: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما، ويخص من تكررت حاجته لأن في وجوب الإحرام عليه إذا حرجا ومشقة، وهما منتفيان شرعا.
الحال الثاني: أن يكون ممن لم يتعلق به الوجوب، كالصبي والعبد والكافر، فهؤلاء لا إحرام عليهم، لحديث ابن عباس ثم [أيضا] إن بلغ الصبي، وعتق العبد، وأرادا النسك وجب عليهما الإحرام من موضعهما، ولا شيء عليهما، لتعلق الوجوب بهما إذا، وكذلك الكافر يسلم على إحدى الروايتين، واختيار أبي محمد، نظرا إلى أن الإسلام يجب ما قبله، فحكم الخطاب إنما تعلق إذا (والرواية الثانية) : يجب عليه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، فإن أحرم من موضعه فعليه دم، اختاره أبو بكر، والقاضي، وأبو الخطاب في خلافه الصغير وغيرهم، بناء على مخاطبته بالفروع على المذهب، ومن هنا يمتنع تخريج أبي محمد الرواية للصبي والعبد.
(الحال الثالث) من عدا ما تقدم، كالداخل لتجارة، أو زيارة ونحو ذلك، ففيه روايتان، أنصهما - وهو اختيار جمهور الأصحاب - وجوب الإحرام، لأنه من أهل فرض الحج، وحاجته لا تتكرر، أشبه مريد النسك.
والثانية: وهو ظاهر كلام الخرقي - لا إحرام عليه، وهو ظاهر النص.
1461 -
وحكاه أحمد عن ابن عمر فعلى الأولى إذا دخل طاف وسعى وحلق وحل، نص عليه أحمد، والله أعلم.