الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب المصراة وغير ذلك]
ش: معنى التصرية عند الفقهاء أن يجمع اللبن في ضرع البقرة أو الشاة ونحوهما اليومين والثلاثة، حتى يعظم، فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن، وإذا هي المصراة، والمحفلة أيضا، يقال: ضرع حافل. أي عظيم، والحفل الجمع العظيم، واختلف في معناها لغة، فقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: التصرية أن تربط أخلاف الناقة أو الشاة، ويترك حلبها اليومين والثلاثة، حتى يجتمع لبنها، فيزيد المشتري في ثمنها لما يرى من ذلك. وقال أبو عبيد: المصراة هي الناقة، أو البقرة، أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها، أي يجمع ويحبس. قال: ولو كانت من الربط لقيل فيها: مصرورة. وإنما جاءت مصراة، وهذا هو المشهور. وقال الخطابي: قول أبي عبيد حسن، وقول الشافعي صحيح،
والعرب تصر الحلوبات، وتسمي ذلك الرباط صرارا، واستشهد بقول العرب: العبد لا يحسن الكر، وإنما يحسن الحلب والصر. انتهى.
والتصرية حرام، إذا قصد بها التدليس على المشتري لما سيأتي، ولأنها غش وخديعة، وقد قال:«من غشنا فليس منا» .
1919 -
وقول الخرقي: وغير ذلك. أي مما إذا وجد بالمبيع عيبا، لأن ذلك يقع عن تدليس وعن غيره، ومن اختلاف المتبايعين، ومن بيوع منهى عنها، ونحو ذلك مما ستقف عليه، إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: ومن اشترى مصراة وهو لا يعلم، فهو بالخيار بين أن يقبلها، أو يردها وصاعا من تمر.
1920 -
ش: الأصل في هذا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصروا - وفي رواية - لا تصر الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر» متفق عليه.
1921 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه «من اشترى محفلة فردها فليرد معها صاعا» رواه البخاري، والبرقاني على شرطه وزاد من تمر.
1922 -
وروي نحوه من حديث ابن عمر وأنس.
ولا يقال: إن هذا مخالف لقواعد كلية، (منها) أن اللبن مثلي، والتمر ليس بمثل له، والقاعدة ضمان المثلي بمثله لا بغيره، (ومنها) أن الصاع محدود، واللبن ليس بمحدود، فإنه يختلف بالقلة والكثرة، والقاعدة أن الضمان على قدر الذهاب، ثم لما عدل عن المثل إلى غيره فقد يجيء به نحو المتابعة، فهو بيع الطعام بالطعام غير يد بيد، فهو الربا، لأنا نقول: حديث المصراة أصل مستثنى من تلك القواعد، لمعنى يخصه، وبيانه أن اللبن الحادث بعد العقد ملك للمشتري، فيختلط باللبن الموجود حال العقد، وقد يتعذر الوقوف على قدره، فاقتضت حكمة الشرع أن جعل
ذلك مقدرا، لا يزيد ولا ينقص، دفعا للخصام، وقطعا للمنازعة، وإنما خص ذلك - والله أعلم - بالطعام لأنه قوت كاللبن، وجعل تمرا لأنه غالب قوتهم، ولا يحتاج في تقوته إلى كلفة، ومن ثم - والله أعلم - وصفه بقوله:«لا سمراء» دفعا للحرج في تكلف السمراء، لقلتها عندهم، ثم لا نظر للقياس مع وجود النص.
وقد عارض بعضهم حديث المصراة بقوله صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان» ونشأ له ذلك من جعله التمر في مقابلة اللبن الحادث بعد العقد، وهو ممنوع، وإنما هو في [مقابلة الموجود حال العقد.
1923 -
بدليل ما في البخاري وأبي داود في الحديث «من اشترى غنما مصراة فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر» على تقدير تسليم أنه في]
مقابلة الحادث - وإنه لبعيد - فهو عام، وحديث المصراة خاص، ولا معارضة بين العام والخاص انتهى.
وقول الخرقي: مصراة. يشمل بعمومه الآدميات، والأتان، والفرس، وهو أحد الوجهين، واختيار ابن عقيل، اعتمادا على عموم الحديث، ونظرا إلى أن الثمن يختلف بذلك، (والثاني) : لا يثبت، ويحتمله كلام الخرقي بعد في قوله: وسواء كان المشتري ناقة، أو بقرة، أو شاة. لاقتصاره على ذلك، وزعم ابن البنا - تبعا لشيخه - أنه قياس المذهب، بناء منهما على أن لبن الآدمية لا يجوز بيعه، وذلك لأن لبن ما ذكر لا يعتاض عنه عادة، ولذلك لا يجب في مقابلته شيء، ولا يقصد قصد بهيمة الأنعام، والخبر ورد فيما يقصد عادة.
وقوله: وهو لا يعلم. يخرج ما إذا علم التصرية، فإنه لا خيار له، وهو كذلك لعلمه بالعيب.
وقوله: فهو بالخيار، أي إذا علم بالتصرية، إذ ثبوت أمر لشخص يعتمد علمه به. ثم كلامه يشمل قبل الحلب، ويعلم ذلك ببينة، أو بإقرار من البائع، وإذا له الرد عندنا ولا شيء عليه، بناء على ما تقدم من أن التمر في مقابلة اللبن الموجود حال العقد، ولا وجوب للبدل مع وجود المبدل، وهذه الصورة تستثني من كلام الخرقي. ويشمل أيضا ما إذا حلب اللبن وأراد رده، فإنه لا يجزئه إلا التمر، وهذا أحد الوجوه، وهو الذي جعله أبو الخطاب وأبو البركات مذهبا، نظرا لإطلاق الحديث، (والثاني) يجزئه رده، ولا شيء عليه وإن تغير، لما تقدم من أن البدل إيحابه منوط بعدم المبدل، والمبدل موجود، وإن حصل نقص فبتدليس البائع، (والثالث) - وهو اختيار القاضي، وأبي محمد - إن كان اللبن بحاله لم يتغير فكالثاني، لما تقدم، وإن تغير فكالأول، دفعا للضرر عن البائع.
ويشمل أيضا ما إذا صار لبنها عادة، ومراده - والله أعلم - بالحكم الذي حكم به صورة واحدة، وهو ما إذا حلبها
ولم يصر لبنها عادة، أما إذا صار لبنها عادة فلا خيار، لزوال العيب الذي لأجله ثبت الرد، وهذه الصورة أيضا مستثناة من كلام الخرقي.
[وقول الخرقي] : بين أن يقبلها. ظاهره ولا أرش له، وهو المشهور عند الأصحاب، وظاهر الحديث.
1924 -
وفي رواية لمسلم «إذا ما اشترى أحدكم لقحة مصراة، أو شاة مصراة فهو بخير النظرين [بعد أن يحلبها] ، إما هي، وإلا فليردها وصاعا من تمر» (وعن أحمد) في رواية ابن هانئ: إن شاء رجع عليه بقدر العيب، وكذا ذكر أبو بكر في التنبيه، وتبعه الشيرازي، وصاحب التلخيص فيه قياسا على بقية العيوب.
وقوله: وصاعا من تمر. يقتضي أنه لا يجزئه غيره، وهو كذلك اتباعا للنص، وما ورد في الحديث «صاعا من طعام» فالمراد به - والله أعلم - التمر، إذ في رواية أخرى «صاعا من طعام لا سمراء» وما ورد في حديث ابن عمر - وسيأتي إن شاء الله - «فإن ردها رد معها مثل - أو قال - مثلي لبنها قمحا» أشار البخاري إلى تضعيفه، ويؤيد ضعفه أنه لا قائل به، وقال الشيرازي: الواجب أحد شيئين، صاع من تمر، أو صاع من قمح.
1925 -
لأن في حديث رواه البيهقي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من اشترى مصراة فهو بخير النظرين، فإن حلبها ورضيها أمسكها، وإن ردها رد معها صاعا من طعام، أو صاعا من تمر» والطعام إذا
أطلق غالبا يراد به البر، ويجاب أنه بعد تسليم صحته محمول على أنه شك من الراوي، توفيقا بين الأحاديث، ويعين ذلك قوله في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم «صاعا من طعام لا سمراء» .
وإطلاق الخرقي يقتضي [وجوب] التمر وإن زادت قيمته على قيمة الشاة، وهو كذلك للخبر، والواجب فيه أن يكون سليما من العيب، لأن الإطلاق يقتضي السلامة.
(تنبيهان) : «أحدهما» : لم يبين الخرقي رحمه الله مقدار الخيار، وكذلك جماعة، وقال أبو الخطاب في الهداية: عندي أنه إذا تبين له التصرية ثبت له الرد، قبل الثلاث وبعدها، إلحاقا لها بالعيوب. ويتخرج من قوله قول آخر أن الخيار على الفور، بناء على القول به ثم، وقدره ابن أبي موسى، والقاضي، وأبو البركات، وغيرهم بثلاثة أيام.
1926 -
لأن في الحديث في رواية مسلم وغيره «من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام» .
1927 -
[وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام» ، فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا» رواه أبو داود، ثم اختلف هؤلاء، فقال القاضي - وزعم أبو محمد أنه ظاهر كلام أحمد -: الثلاثة أيام مضروبة لتتبين بها التصرية، إذ في اليوم الأول لبنها لبن التصرية، وفي الثاني والثالث يجوز أن يكون نقص لاختلاف العلف، وتغير المكان، فإذا مضت الثلاثة تحققت التصرية غالبا، فيثبت الخيار إذا على الفور، وقال ابن أبي موسى - على ظاهر كلامه - وأبو البركات: له الخيار في الثلاثة أيام إلى انقضائها. وهذا هو ظاهر الحديث، وعليه المعتمد، وهو عكس قول القاضي، ثم إن أبا البركات صرح بأن ابتداء المدة بتبين التصرية، وهو ظاهر
قول ابن أبي موسى، قال: هو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء ردها، وإن شاء أمسكها. ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في الكافي أن ابتداءها على قول ابن أبي موسى من حين البيع.
(الثاني) : «تصروا» الرواية الصحيحة فيه ضم التاء، وفتح الصاد، وتشديد الراء [المضمومة] ، بعدها واو الجمع، نحو:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] من: صراها يصريها تصرية، كزكاها يزكيها تزكية، وأصل «تصروا» : تصريوا. استثقلت الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها، لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضموما، فانقلبت الياء واوا، فاجتمع ساكنان فحذفت الواو الأولى وبقيت واو الجمع، «والإبل» نصب على أنه مفعول تصروا، وفيه رواية أخرى «لا تصروا الإبل» بفتح التاء، وضم الصاد،
من: صريصر. «والغنم» على هذا أيضا منصوبة الميم، وروي ثالثة:«لا تصر الإبل» بضم التاء بغير واو بعد الراء، وبرفع الإبل على ما لم يسم فاعله، من الصر أيضا وهو الربط، وهاتان الروايتان يجيئان على تفسير الشافعي، والأولى على تفسير أبي عبيد «والمحفلة» قد تقدم تفسيرها، «والسمراء» حنطة الشام، والبيضاء حنطة مصر، وقيل: السمراء الحنطة مطلقا، والبيضاء الشعير. «واللقحة» بفتح اللام وكسرها - وهو أفصح - الناقة القريبة العهد بالولادة، بنحو الشهرين والثلاثة، والله أعلم.
قال: فإن لم يقدر على التمر فقيمته.
ش: من وجب عليه شيء فعجز عنه رجع إلى بدله، وبدل المثلي عند إعوازه هو القيمة، كما هو مقرر في موضعه، وتجب قيمته في الموضع الذي وقع عليه العقد، والله أعلم.
قال: وسواء كان المشتري ناقة، أو بقرة، أو شاة.
ش: لا نزاع عندنا نعلمه في ذلك، لورود النص به في الإبل والغنم، ولبن البقر أغزر، فيثبت الحكم فيه بطريق التنبيه، ثم عموم «مصراة» يشمل الجميع، والله أعلم.
قال: وإذا اشترى أمة ثيبا فأصابها أو استغلها ثم ظهر على عيب كان مخيرا بين أن يردها ويأخذ الثمن كاملا، لأن الخراج بالضمان، والوطء كالخدمة، وبين أن يأخذ ما بين الصحة والعيب.
ش: هذا يبنى على قواعد، فنشير إليها، ثم نتعرض للفظ المصنف.
(منها) : أن المذهب المشهور - حتى إن أبا محمد لم يذكر فيه خلافا - أن من اشترى معيبا لم يعلم عيبه ثم علم ذلك فإنه يخير بين الرد وبين الإمساك وأخذ الأرش.
أما الرد فلا نزاع فيه نعلمه، دفعا للضرر عن المشتري، إذ إلزامه بالعقد والحال هذه ضرر عليه، والضرر منفي شرعا.
1928 -
وعن عائشة رضي الله عنها «أن رجلا اشترى غلاما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه عيب لم يعلم به، فاستغله، ثم علم العيب
فرده، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه استغله منذ زمن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الغلة بالضمان» رواه أبو داود وغيره، وهذا يدل على أن العيب سبب للرد.
1929 -
«وعن العداء بن خالد رضي الله عنه، قال: كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة، لا داء، ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم للمسلم» رواه الترمذي وابن ماجه، وهذا يدل على أن بيع المسلم هذا حاله، وأيضا ما ثبت من أحاديث المصراة المتقدمة.
وأما الإمساك وأخذ الأرش فلأن البائع والمشتري تراضيا على أن العوض في مقابلة المعوض، فكل جزء من العوض يقابله جزء من المعوض، ومع وجود العيب قد فات جزء من المعوض، فيرجع ببدله وهو الأرش. (وعن أحمد) رواية أخرى - اختارها أبو العباس - وهي أصح نظرا -: لا أرش لممسك له الرد، حذارا من أن يلزم البائع ما لم يرض به، فإنه لم يرض بإخراج ملكه إلا بهذا العوض، فإلزامه بالأرش إلزام له بشيء لم يلتزمه، ويوضح هذا ويحققه المصراة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيها أرشا، ودعوى أن التصرية ليست عيبا ممنوع، انتهى.
والأرش ما بين قيمة الصحيح والمعيب منسوبا إلى الثمن، وبيانه أن يقال مثلا فيما اشترى بمائة وخمسين: كما يساوي هذا وهو صحيح؟ فإذا قيل: مائة. قيل: وكم يساوي وهو معيب؟ فإذا قيل: تسعين. فما بين القيمتين هو العشر، فإذا نسبت ذلك إلى الثمن وجدته - والحال هذه - خمسة عشر درهما، فهو الواجب للمشتري، ولو كان الثمن خمسين درهما لكان عشره خمسة دراهم، فهو الواجب له، وإنما نسب إلى الثمن، ولم يجعل ما بين القيمتين من غير نسبة، لئلا يجتمع للمشتري العوض والمعوض، [كما لو
اشترى شيئا بمائة، ثم وجد به عيبا، وكانت قيمته وهو صحيح مائتين، وقيمته وهو معيب مائة، فما بينهما مائة، فلو أوجبت المائة للمشتري لاجتمع له العوض والمعوض] وعلى ما تقدم لا يلزم ذلك، إذ يجب له والحال هذه نصف الثمن، ولا فرق فيما تقدم بين علم البائع بالعيب وعدمه.
(تنبيه) : هل يملك المشتري أخذ الأرش من عين الثمن أو لا يملكه؟ فيه احتمالان ذكرهما في التلخيص.
(القاعدة الثانية) أن المبيع المعيب تعيبه عند المشتري هل يمنع من رده؟ فيه نزاع يأتي إن شاء الله تعالى، واختلف في وطء الثيب هل هو عيب، لأنه نقص في الجملة، أو ليس بعيب، وهو اختيار العامة، لأنه لم يحصل به نقص جزء
ولا صفة، وكما لو كانت مزوجة فوطئها الزوج؟ على روايتين، وعلى الأولى فإن لم يمنع العيب الرد فالأرش هنا هو مهر المثل.
(القاعدة الثالثة) : أن المبيع إذا زاد وأراد المشتري رده بعيب وجده، فهل يلزمه رد الزيادة؟ لا يخلو إما أن تكون متصلة كالسمن وتعلم صنعة، أو منفصلة كالولد والكسب، فإن كانت متصلة فلا يتصور مع الرد إلا ردها، لكن هل يكون له قيمتها لحدوثها على ملكه، وتعذر فصلها، أو لا قيمة لها، لئلا يلزم البائع معاوضة لم يلتزمها، وهو قول عامة الأصحاب؟ على قولين، وعن ابن عقيل: القياس أن له القيمة، بناء على قولهم في الصداق، إذا زاد زيادة متصلة، ثم وجد ما يقتضي سقوطه أو تنصفه، فإن المرأة لها أن تمسك ذلك وترد القيمة أو نصفها، قلت: وفي هذا القياس نظر، وإنما قياس الصداق أن المشتري يمسك
ويرد قيمة العين، نعم ما يحكى عن ابن عقيل سيأتي أنه رواية منصوصة أو ظاهرة.
وإن كانت الزيادة منفصلة فلا يخلو إما أن تكون حدثت من عين المبيع، كالولد والثمرة، أو لم تكن، كالأجرة والهبة، ونحو ذلك، (فالثاني) فيما نعلمه لا نزاع أن للمشتري إمساكه، ورد المبيع دونه، ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في الكافي، من أن فيه الخلاف الآتي، فإنه في المغني لم يذكر فيه عن أحد خلافا، أما (الأول) - وهو ما إذا كانت الزيادة من عين المبيع -، فالمنصوص، والمعمول عليه عند الأصحاب - حتى إن أبا محمد في المغني جزم به - أن الحكم كذلك، الزيادة للمشتري فيرد المبيع دونها.
1930 -
لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخراج بالضمان» وفي رواية: «قضى أن الخراج بالضمان» . رواه أبو داود وغيره، وقد ورد في المسند وسنن أبي داود، وابن ماجه، أن الحديث ورد على مثل هذا، فعن عائشة رضي الله عنها:«أن رجلا اشترى غلاما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه عيب لم يعلم به، فاستغله ثم علم العيب، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه استغله منذ زمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغلة بالضمان» وقضية السبب داخلة في العموم قطعا.
وحكى القاضي وجماعة من أصحابه، والشيرازي، والشيخان، وغير واحد، عن أحمد رواية أخرى، أنه يلزم البائع رد النماء مع الأصل، جعلا للنماء كالجزء من الأصل، ونظرا إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله حكما، ويرد عليه الكسب ونحوه، وهذه الرواية، قال أبو العباس: إن القاضي وأصحابه أخذوها من نص أحمد في رواية ابن منصور، في من اشترى سلعة فنمت عنده، فبان بها داء، فإن شاء المشتري حبسها ورجع بقدر الداء، وإن شاء ردها
ورجع عليه بقدر النماء، فجعلوا الراجع بقدر النماء هو البائع، قال: وكذا صرح به ابن عقيل في النظريات، قال أبو العباس: وهو غلط، بل الراجع المشتري على البائع بقدر النماء، فإن قوله: نمت عنده، ظاهر في النماء المتصل، ولو فرض أنه غير المتصل [فلم يذكر أنه تلف بيد المشتري، والأصل بقاؤه، قال: فتكون هذه الرواية أن الزيادة المتصلة] لا يجب على المشتري الرد بها، بل له إذا أراد رد العين أن يأخذ من البائع قيمة الزيادة. انتهى.
ويستثنى على المذهب إذا كانت الزيادة ولد أمة، فإنه يتعذر على المشتري الرد، لتعذر التفرقة الممنوع منها شرعا، هذا اختيار الشيخين، وظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور، لكن إذا اختار ردهما معا فهل يلزم البائع
القبول؟ يحتمل وجهين، الظاهر اللزوم، وقال الشريف، وأبو الخطاب في خلافيهما، وشيخهما فيما أظن في تعليقه: له إمساك الولد ورد الأم، لأنه موضع حاجة، وهو ممنوع، للتمكن من الأرش. إذا عرف ذلك رجعنا إلى لفظ المصنف رحمه الله، فقوله: إذا اشترى أمة ثيبا. يحترز عن البكر كما سيأتي، وقوله: فأصابها أو استغلها. لأنه إذا لم يصبها ولم يستغلها المبيع بحاله ولا كلام، وقوله: ثم ظهر على عيب، يخرج ما إذا كان عالما حال العقد، لدخوله على بصيرة، وإذا لا رد له ولا أرش، وقوله: كان مخيرا. إلى آخره، مبني على القواعد الثلاث المتقدمة، وهي أن مشتري المبيع المعيب غير عالم بعيبه يخير بين الرد، والإمساك مع الأرش، وأن وطء الثيب ليس بعيب، وأن الغلة للمشتري، ولا يمنع الرد، وقوله: لأن الخراج بالضمان. تعليل لأن الغلة للمشتري، وقوله: والوطء كالخدمة. بيان لأن الوطء ليس بعيب. والألف واللام في الوطء لمعهود تقدم، وهو وطء الثيب، والله أعلم.
قال: فإن كانت بكرا فأراد ردها كان عليه ما نقصها.
ش: أي فأراد ردها بعدما أصابها، ولا إشكال أن وطء البكر يعيبها عرفا، وينقصها حسا، لأنه يذهب جزءا منها، وإذا فقد تعيب المبيع عنده، فهل يمنعه ذلك من الرد إذا اطلع على عيب؟ فيه روايتان مشهورتان، (أشهرهما) عن الإمام - وهو اختيار الخرقي، والقاضي أبي الحسين، وأبي الخطاب في الانتصار، وأبي محمد، وغيرهم، قال في التلخيص: هي المشهورة، وعليها الأصحاب -: أن ذلك لا يمنع الرد، لما تقدم من حديث المصراة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للمشتري الرد، مع ذهاب جزء من المبيع وهو اللبن، وجعل التمر بدله.
1931 -
وروى الخلال بسنده، عن ابن سيرين، أن عثمان رضي الله عنه، قال - في رجل اشترى ثوبا ولبسه، ثم اطلع على عيب -: يرده وما نقص. فأجاز الرد مع النقصان، وعليه اعتمد أحمد.
1932 -
وعن عمر رضي الله عنه نحو ذلك أيضا، قال: إن كانت ثيبا رد معها نصف العشر، وإن كان بكرا رد العشر. لكنه ضعيف، ولهذا لم يعتمده الإمام، ولأن ثبوت الرد كان ثابتا له قبل حدوث العيب عنده، والأصل البقاء ما لم يأت دليل، ثم الحمل على البائع أولى، لأنه إما مدلس، أو مفرط، حيث لم يختبر ملكه.
(والثانية) - واختارها أبو بكر، وابن أبي موسى، وأبو الخطاب في خلافه الصغير - يمنع ذلك الرد، إذ الرد كان لإزالة الضرر [عنه، ومع وجود العيب يلحق الضرر بالبائع، والضرر لا يزال بالضرر] .
1933 -
وعن علي رضي الله عنه في رجل اشترى جارية فوطئها فوجد بها عيبا - قال: لزمته، ويرد البائع ما بين الصحة والداء، وإن لم يكن وطئها ردها. لكنه ضعيف أيضا، ومن ثم قال الشافعي رحمه الله: لا يعلم يثبت عن عمر ولا علي. فعلى هذه الرواية يتعين للمشتري الأرش، وعلى الأولى على المشتري مع الرد أرش النقص الحادث عنده، وهو ما نقص المبيع المعيب بالعيب، مثاله أن يقال في مسألتنا: كم قيمتها بكرا معيبة بالعيب القديم؟ فإذا قيل: مائة.
فيقال: وثيبا؟ فإذا قيل: ثمانون. فما بينهما عشرون، فهو الواجب، وعلى هذا.
وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أن الواجب في وطء البكر المهر، مع أرش البكارة. والله أعلم.
قال: إلا أن يكون البائع دلس العيب، فيلزمه رد الثمن كاملا.
ش: هذا استثناء مما إذا تعيب المبيع عنده، فإنه على رأيه يرده مع الأرش، واستثنى من ذلك إذا دلس البائع العيب، أي كتمه وأخفاه، فإن للمشتري الرد بلا أرش، وإذا يلزم البائع رد الثمن كاملا، وهذا هو المذهب المنصوص المعروف، وقد نص الإمام على أن المبيع لو تلف عند المشتري - والحال هذه - ثم علم العيب رجع بالثمن كله، ولا شيء عليه للتلف، وبالغ ابن أبي موسى فقال - في صورة الخرقي -: له الرد قولا واحدا، ولا عقر عليه، وذلك لأن البائع مع التدليس قد ورط المشتري وغره، فاقتضى
الحمل عليه، وصالا كالغار بحرية أمة، الضمان عليه بقضاء الصحابة، فكذلك هنا، ومال أبو محمد إلى وجوب الأرش والحال ما تقدم، مستدلا بحديث المصراة، فإن الشارع جعل لبائعها بدل اللبن، مع تدليسه وارتكابه النهي، وبحديث «الخراج بالضمان» والمشتري - والحال هذه - له الخراج، فيكون الضمان عليه لعموم الحديث، وهذا هو الصواب، وقد حكاه أبو البركات رواية، وكذلك صاحب التلخيص، لكنه إنما حكاها في التلف، إذ المشتري لا يرجع إلا بالأرش، والله أعلم.
قال: وكذلك سائر المبيع.
ش: استعمل الخرقي رحمه الله «سائر» هنا بمعنى «باقي» وهي اللغة الفصحى، كما تقدم، أي باقي المبيع حكمه حكم الأمة فيما تقدم، في أنه إذا اطلع على عيب فيه، خير بين الرد وبين الأرش، [وفي أنه إذا استغله أو فعل فيه فعلا ليس بعيب، لم يمنع ذلك من رده] ، وفي أنه إذا تعيب عنده
له الرد، مع رد النقص الحادث عنده، إلا مع التدليس فلا أرش عليه.
واعلم أن مذهب أبي بكر في التنبيه أن وطء الأمة يمنع الرد مطلقا، معللا باحتمال أن تحمل منه، وتعيب المبيع لا يمنع الرد، فهو قول ثالث، والله أعلم.
قال: ولو باع المشتري بعضها ثم ظهر على عيب، كان مخيرا بين أن يرد ملكه منها بمقداره من الثمن، أو يأخذ أرش العيب بقدر ملكه فيه.
ش: إذا لم يعلم المشتري بالعيب حتى باع بعض المبيع، فله أرش الباقي في ملكه بلا نزاع نعلمه، فإذا باع النصف مثلا، كان له أخذ نصف الأرش، وإن باع الربع كان له ثلاثة أرباع الأرش، وهل له أرش ما باعه؟ فيه روايتان مبنيتان على ما إذا باع الجميع ثم علم بالعيب، هل له الأرش، وهو اختيار القاضي، وأبي محمد، كما لو لم يبعه إذ الأرش بدل الجزء الفائت، أو لا أرش له إلا أن يعود إليه، وهو ظاهر كلام الخرقي، لتوقع العود، أو لاستدراك ظلامته بالبيع؟ فيه روايتان، وهل له رد ما بقي من ملكه من المبيع؟ فيه روايتان أيضا، بناهما القاضي، وابن الزاغون، وغيرهما على تفريق الصفقة، قال أبو محمد عن القاضي: سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين، وابن الزاغوني
مثل بالعينين، وخص أبو محمد الخلاف بما إذا كان المبيع عينين لا ينقصهما التفريق، كالعبدين، والثوبين، أما إن كان عينا واحدة، أو عينين لكن ينقصهما التفريق، كزوجي خف، ونحو ذلك، فيمتنع عليه الرد، دفعا للضرر عن البائع، لنقص المبيع - والحال هذه - بالتفريق، إلا أن يكون البائع دلس المبيع، فإن للمشتري الرد مطلقا، لأن نقص المبيع عنده مع التدليس لا أثر له.
قلت: الضرر يندفع عن البائع برد أرش نقص التشقيص، وقد صرح بذلك صاحب التلخيص، وإذا فما قاله غيره أوجه.
وقول الخرقي: ولو باع المشتري بعضها. (يحتمل) أن يرجع الضمير إلى بعض السلعة المبيعة، وعلى هذا شرح ابن الزاغوني، وإذا يكون اختيار الخرقي جواز رد الباقي، وكذا
حكى أبو محمد عنه، وعلى هذا إن حصل بالتشقيص نقص رد أرشه من كلامه السابق، إلا مع التدليس كما تقدم (ويحتمل) أن يرجع إلى بعض السلعة المدلسة، وعلى هذا لا يكون في كلامه تعرض لرد الباقي، فيما إذا كان المبيع غير مدلس.
وقد اقتضى كلام الخرقي أنه ليس له رد ما باعه، وهو واضح، نعم إذا عاد إليه ولو بعقد فله الرد إن لم يأخذ أرشه، ولم يعلم بعيبه حين بيعه، والله أعلم.
قال: وإن ظهر على عيب بعد إعتاقه لها أو موتها في ملكه فله الأرش.
ش: إذا ظهر المشتري على عيب في السلعة المبيعة، بعد أن تلفت - تلفا معنويا كالإعتاق، ونحوه الوقف، والاستيلاد، أو حسيا كالموت - فله الأرش رواية واحدة، لأنه كان له قبل ذلك، والأصل البقاء، وفارق البيع على رواية، لعدم توقع العود، وعدم استدراك الظلامة، وهل له الفسخ، والرجوع بالثمن، وغرامة القيمة؟ عامة الأصحاب على أنه ليس له ذلك، ولأبي الخطاب تخريج بجواز ذلك، كأنه من
رواية تلف المبيع في مدة الخيار، وفرق صاحب التلخيص بأن هنا يعتمد الرد ولا مردود، وثم يعتمد الفسخ.
وظاهر كلام الخرقي أن أرش العبد المعتق يكون للمشتري، ولا يلزمه صرفه في الرقاب، وهو إحدى الروايتين وأصحهما، إذ العتق إنما صادف الرقبة، لا الجزء الفائت، (والثانية) : يجب صرفه في الرقاب، لأنه خرج عن الرقبة لله تعالى، ظانا سلامتها، وذلك يقتضي خروجه عن هذا الجزء، وأبو محمد يحمل هذه الرواية على الاستحباب، والقاضي يحملها على ما إذا كان العتق كان في واجب، أما إن كان تبرعا فالأرش له قولا واحدا.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لو حصل تصرف المشتري بالبيع، أو العتق، ونحوهما، بعد العلم بالعيب، أنه لا أرش له، وهو المشهور عند الأصحاب، لأنه قد رضي بالمبيع، فسقط حقه من الأرش، كما سقط من الرد بلا نزاع، وحكى صاحب التلخيص [عن بعض الأصحاب أن الأرش لا يمنع التصرف مطلقا، وأبو محمد يقول: إن هذا]
قياس المذهب، كما لو اختار الإمساك والمطالبة بالأرش، ولأن الأرش عوض الجزء الفائت بالعيب، وذلك موجود مع التصرف.
(تنبيه) : إذا لم يعلم بالعيب حتى خرجت السلعة المبيعة عن ملكه بهبة، فهل له الأرش؟ إن قلنا -: فيما إذا باعها -: له الأرش. فكذلك هنا، وإن قلنا: لا أرش له ثم. فهنا روايتان مبنيتان على تعليل عدم الأرش في البيع، فإن علل باستدراك الظلامة وجب هنا، لعدم الاستدراك، وإن علل بتوقع العود لم يجب هنا لذلك، ومختار القاضي وأبي محمد الوجوب، والله أعلم.
قال: وإن ظهر على عيب يمكن حدوثه بعد الشراء وقبله حلف المشتري، وكان له الرد أو الأرش.
ش: إذا ظهر المشتري على عيب يحتمل حدوثه بعد الشراء وقبله، كالسرقة، والإباق، والخرق في الثوب، ونحو
ذلك، ففيه روايتان مشهورتان:(إحداهما) : - وهي اختيار الخرقي - القول قول المشتري مع يمينه، إذ الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه، كما لو اختلفا في قبض المبيع. (والثانية) : - وهي أصوبهما واختيار القاضي في الروايتين، وأبي الخطاب في الهداية - القول قول البائع مع يمينه، لأن الأصل السلامة، وعدم استحقاق الفسخ، فكان القول قول من يدعي ذلك، ولو لم تحتمل الدعوى إلا قول المشتري - كالإصبع الزائدة، والجراحة المندملة عقب العقد، ونحو ذلك - فإن القول قوله بلا يمين، للعلم بصدقه بلا نزاع، وكذلك إن لم تحتمل إلا قول البائع - كالجرح الطارئ الذي لا يحتمل كونه قديما، ونحو ذلك - فإن القول قوله بلا يمين أيضا لما تقدم.
(تنبيه) : صفة يمين المشتري أن يحلف أنه اشتراه وبه هذا العيب، أو أنه ما حدث عنده، أما يمين البائع فعلى حسب جوابه، إن أجاب أن هذا العيب لم يكن فيه حلف على ذلك، وإن أجاب أنه ما يستحق علي ما يدعيه من الرد حلف على ذلك، ويحلف على البت، على المشهور من الروايتين، والله أعلم.
قال: وإذا اشترى ما مأكوله في جوفه، فكسره فوجده فاسدا، فإن لم يكن له مكسورا قيمة - كبيض الدجاج - رجع بالثمن على البائع، وإن كان له مكسورا قيمة - كجوز الهند - فهو مخير في الرد، ويأخذ الثمن، وعليه أرش الكسر، أو يأخذ ما بين صحيحه ومعيبه.
ش: مناط هذه المسألة إذا اشترى ما لا يطلع على عيبه إلا بكسره، كالذي ذكره الخرقي ونحوه، فكسره فوجده معيبا، هل له شيء، أو لا شيء له ما لم يشترط سلامته؟ فيه روايتان:(إحداهما) : لا شيء له ما لم يشترط سلامته، اعتمادا على العرف، إذ الناس في بياعاتهم على ذلك. (والثانية) : - وهي المذهب بلا ريب - له شيء، نظرا إلى أن إطلاق العقد يقتضي السلامة من عيب لم يطلع عليه المشتري، [فاعتمد ذلك] .
1934 -
ودليل هذا الأصل ما روي «عن العداء رضي الله عنه، قال: كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا ما اشترى العداء بن خالد
بن هوذة، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة - شك عباد أحد الرواة - لا داء، ولا غائلة ولا خبثة، بيع المسلم» رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهذا يدل على أن بيع المسلم هذا حاله.
وعلى هذا لا يخلو إما أن يكون لمكسور ذلك قيمة، أو لا قيمة له، فإن لم يكن لمكسوره قيمة - كبيض الدجاج، والجوز الخرب، قال أبو محمد: والبطيخ التالف - فإنا نتبين فساد العقد، لانتفاء شرطه وهو المنفعة، وإذا يرجع المشتري بالثمن كله. وإن كان لمكسوره قيمة - كجوز الهند، وبيض النعام - فإن كسره كسرا لا ينتفع به معه فقد أتلفه، فيتعين له الأرش، وإلا إن كان الكسر بقدر استعلام المبيع فهل ذلك بمنزلة العيب الحادث عنده؟ يخرج فيه روايتيه، أو ليس بعيب، فيرده بلا أرش، وهو اختيار القاضي، لأنه لا يمكنه معرفة المبيع إلا بذلك، مع أن البائع سلطه عليه، أو له الرد
مع الأرش، وهو أعدل الأقوال، واختيار أبي محمد، وصاحب التلخيص، ويشهد له قصة المصراة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للمشتري الرد، مع رد بدل ما تلف بيده من المبيع، وهو اللبن، مع تدليس البائع وغروره، فهنا أولى؟ على ثلاثة أقوال.
وإن كان كسرا يمكن استعلام المبيع بدونه، فلا ريب أنه على الروايتين المتقدمتين، فيما إذا عاب عنده، نعم على قول القاضي في الذي قبله، إذا رد هل يلزمه أرش الكسر أو لا يلزمه إلا الزائد على استعلام المبيع؟ محل تردد، والله أعلم.
قال: وإذا باع عبدا وله مال - قليلا كان المال أو كثيرا - فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، إذا كان قصده العبد لا المال.
ش: إذا باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، فيكون له بشرطه.
1935 -
لما روى ابن عمر رضي الله عنه[قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ابتاع نخلا قد أبرت، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدا له مال، فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع» ] رواه مسلم وغيره.
1936 -
وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، رواه أبو داود.
1937 -
وعن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك.
1938 -
وعن عبادة نحوه، رواه البيهقي في سننه.
وشرط الخرقي لصحة اشتراط المبتاع مال العبد مطلقا، أن يكون قصده العبد لا المال، لأن المال إذا يدخل عن طريق التبع، فلا تضر جهالته ولا غير ذلك، كأساسات الحيطان، لا يقال: فباشتراطه يدل على أنه مقصود، لأنا نقول: المقصود بالشرط - والحال هذه - بقاء المال في يد العبد، من غير التفات إلى المال، وتحقيق ذلك ألا ترى أن الشارع جوز قرض الدراهم وغيرها، مع أنه مفض إلى بيع دراهم بدراهم إلى أجل، لكن لما كان القصد منه الرفق، لا بيع دراهم بدراهم نسيئة، لم يمنع منه، أما إن كان قصده المال فإنه يشترط لصحة الشرط اشتراط شروط المبيع، من العلم بالمال، وكونه مع العوض المبذول لا يجري الربا بينهما، وغير ذلك، كما يشترط ذلك في العينين المبيعتين، لأنه إذا بمنزلتهما.
واعلم أن من مذهب الخرقي رحمه الله أن العبد لا يملك، فكلامه خرج على ذلك، وهو ظاهر كلام القاضي في التعليق، وتبعهما أبو البركات، أما إن قلنا: العبد يملك. فصرح أبو البركات بأنه يصح شرطه إن كان مجهولا، ولم
يعتبر أبو محمد الملك، بل أناط الحكم بالقصد وعدمه، وزعم أن هذا منصوص أحمد والخرقي، وفي نسبة ذلك إليهما نظر، لاحتمال بنائهما على الملك كما تقدم، وهو أوفق لكلام الخرقي، ولمشهور كلام الإمام، وحكى أبو محمد عن القاضي أنه رتب الحكم على الملك وعدمه، فإن قلنا: يملك. لم يشترط، وإن قلنا: لا يملك. اشترط، وحكى صاحب التلخيص عن الأصحاب أنهم رتبوا الحكم على القصد وعدمه، كما يقوله أبو محمد، ثم قال: وهذا على القول بأن العبد يملك، أما على القول بأنه لا يملك، فيسقط حكم التبعية، ويصير كمن باع عبدا ومالا، وهذا