الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب الربا والصرف وغير ذلك]
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
باب الربا والصرف وغير ذلك
ش: الربا مقصور، وأصله الزيادة، والمادة حيث تصرفت لذلك، قال الله سبحانه:{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] أي علت وارتفعت، وقال تعالى:{أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] أي أكثر عددا، وقال تعالى:{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [البقرة: 265] أي بمكان عال، وهو في الشرع: زيادة في شيء مخصوص.
والصرف بيع أحد النقدين بالآخر قيل: سمي بذلك من صريفهما وهو تصويتهما في الميزان، وقيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات، من عدم جواز التفرق قبل القبض والبيع نساء.
«وغير ذلك» أي من حكم العيب إذا وجد في الصرف، وبيان العرايا، والربا نوعان -، قد شملهما كلام الخرقي - ربا
الفضل، وربا النسيئة، وكلاهما محرم، وممنوع منه في الجملة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إن لم نقل: إنها مجملة كما تقدم.
1831 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» متفق عليه.
1832 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه» ، رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وأجمع المسلمون على تحريم ربا النسيئة تحريما لا ريب فيه، وعامتهم على تحريم ربا الفضل.
1833 -
ووقع خلاف في الصدر الأول عن أسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، وابن الزبير، وابن عباس وعنه اشتهر.
1834 -
لما روى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ربا إلا في النسيئة» رواه البخاري وقد أقر رضي الله عنه لأبي سعيد أنه سمع ذلك من أسامة.
1835 -
وحديث أسامة في الصحيحين «الربا في النسيئة» وفي رواية «إنما الربا في النسيئة» وفي أخرى «لا ربا فيما كان يدا بيد» وهذه أصرحها، ثم قد صار إجماعا، ورجع من تقدم إلى قول الجماعة، واختلف في رجوع ابن عباس، وبالجملة
يشهد لقول العامة إطلاق ما تقدم.
1836 -
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» رواه أحمد، ومسلم، وغيرهما.
1837 -
وعن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» متفق عليه وفي رواية لأحمد والبخاري «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» .
1838 -
وفي الصحيح أيضا هذا المعنى من حديث فضالة بن عبيد، وأبي بكرة رضي الله عنهما، وحديث أسامة لا يقاوم هذه، لكثرة رواتها، وصراحة دلالتها، إذ هي دلالة منطوق بلا ريب،
ثم يحمل على أنه وقع جوابا لسؤال عن الجنسين من أموال الربا، أو مطلقا، فقال:«لا ربا إلا في النسيئة» أي في المسئول عنه وهو الجنسان، أو أن المراد نفي الربا الأغلظ الذي ورد نص القرآن في تحريمه بلا ريب، وهو الذي كانت العرب تعرفه، تقول للغريم إذا حل الدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي في الدين، أي تزيد.
1839 -
وهو الذي نسخه النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وقال عنه:«ألا إن كل ربا موضوع، وإن أول ربا أضعه ربا عباس» وهذا كما يقال: إنما المال الإبل، وإنما الشجاع علي، ونحو ذلك، ثم لو قدر التعارض من كل وجه، فقد يقال: نسخ حديث أسامة أولى، لورود النسخ إذا على مباح الأصل، لأن الشارع إنما منع من النساء، وبقي التفاضل على ما كان عليه.
(تنبيه) : «لا تشفوا بعضها على بعض» أي لا يكون لأحدهما شفوف على الآخر، أي زيادة، و «الناجز» المعجل الحاضر، والله أعلم.
قال: وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز
التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا.
ش: قد تقدم أن الإجماع قد انعقد على تحريم ربا الفضل في الجملة، وإن كان قد وقع في الصدر الأول خلاف، وأجمعوا على ذلك في الأعيان الستة المذكورة في حديث عبادة، ثم اختلفوا هل جرى الربا فيها لأعيانها أو لمعان فيها؟ فقال داود ومتابعوه: لأعيانها، فلا يتعدى الحكم إلى غيرها، وقال العامة: لمعان فيها، ثم اختلفوا هل عرف ذلك المعنى أم لا؟ فعن ابن عقيل في العمد أنه تردد في المعنى، ولم يتعد الستة، لتعارض الأدلة عنده في المعنى وتكافئها، ويحتمل هذا قول طاوس وقتادة، فإنه حكي عنهما القصر على الستة، ويحتمل أن قولهما كقول داود، وأن عندهما أن {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] عام، خرج منه الأعيان الستة، بقي ما عداها على مقتضى العموم، ولا يريان تخصيص العام بالقياس.
وجمهور أهل العلم على معرفة العلة، وتعديها إلى غير الستة، ثم اختلفوا فيها على سبعة أقوال، وعن إمامنا رحمه الله من ذلك ثلاثة أقوال.
(أحدها) : - وهو الأشهر عنه، ومختار عامة أصحابه، قال القاضي: اختارها الخرقي وشيوخ أصحابنا - أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، والعلة في الأربعة الباقية كونهن مكيلات جنس، فيتعدى الحكم إلى كل موزون، ومكيل بيع بحبسه، كالحديد، والنحاس، والحبوب، والأبازير، وغير ذلك، دون ما لا يكال ولا يوزن من مطعوم وغيره.
1840 -
لما روي عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاء بتمر جنيب، فقال: «أكل تمر خيبر هكذا؟» فقال: لا يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا» وقال في الميزان مثل ذلك، ولمسلم «وكذلك الميزان» متفق عليه فقوله: في الميزان أي في الموزون،
وإلا فنفس الميزان ليس من أموال الربا.
1841 -
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا حيان بن عبيد الله، وكان رجلا صدوقا - عن أبي مجلز، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«التمر بالتمر» وذكر الحديث، إلى قوله:«فما زاد فهو ربا» قال: «وكذلك ما يكال وما يوزن» وهو نص، إلا أن ابن حزم زعم أن «وما يكال وما يوزن» من قول أبي سعيد، قال: دل على ذلك قوله: قال: وكذلك ما يكال وما يوزن. وليس في هذا دليل، لاحتمال عود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وهو الأصل، ويؤيده رواية البخاري السابقة: وقال في الميزان مثل ذلك.
1842 -
وعن الحسن عن أنس وعبادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما وزن مثلا بمثل، إذا كان نوعا واحدا، وما كيل فمثل ذلك» رواه الدارقطني.
1843 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرماء» وهو الربا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل؟ فقال:«لا بأس إذا كان يدا بيد» رواه أحمد.
(والقول الثاني) : أن العلة في الذهب والفضة الثمنية، فلا يتعدى إلى غيرهما، والعلة في الأربعة الباقية كونهن مطعوم جنس.
1844 -
لما روى معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا زيادة بعض
الصاع، فلما جاء معمرا أخبره بذلك، فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق به فرده، وقال: لا تأخذ إلا مثلا بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«الطعام بالطعام مثلا بمثل» وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع، رواه مسلم والطعام يشمل كل مطعوم، ولأن الطعم وصف شريف، إذ به قوام الأبدان، وكذلك الثمنية، إذ بها قوام الأموال، فاقتضت الحكمة التعليل بهما.
(والقول الثالث) : العلة في النقدين الثمنية، والعلة في الأربعة الباقية الطعم والتقدير في الجنس، فإن الأربعة مكيلة، غير أن المؤثر إنما هو التقدير المنضبط، فيدخل فيه الوزن، فيتعدى ذلك إلى كل مطعوم مقدر بكيل أو وزن بيع بجنسه، وهذا اختيار أبي محمد، نظرا إلى ما ذكرناه من أن هذه الأربعة مطعومة، والمماثلة إنما تعتبر بالمعيار الشرعي، وهو الكيل والوزن، وجمعا بين الأحاديث، فنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل، يحمل على ما فيه معيار شرعي، وهو الكيل أو الوزن ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين [ونحوه]
يحمل على المطعوم، توفيقا بينهما.
ويرجح الأول بأن الطعام بعض أفراد الصاع [بالصاعين] ونحو ذلك، لما تقدم من أن المثلية لا تتحقق إلا بكيل أو وزن، وهو المدعى على القول الأول علة، ويجاب بمخالفته له في المفهوم، وهو مبني على اعتبار مفهوم اللقب، والمذهب اعتباره، ثم على اعتباره والحال هذه، وفيه وجهان، انتهى واتفق الكل على اعتبار الجنس في ربا الفضل، كما نص عليه الخرقي.
1845 -
إلا سعيد بن جبير، فإنه جعل الشيئين المتقارب نفعهما - كالحنطة مع الشعير، والتمر مع الزبيب - كالجنس الواحد، وهو مردود بالنصوص السابقة.
(تنبيهات) : «أحدها» على المذهب يجري الربا في كل مكيل، وإن لم يكن مطعوما، كالأشنان ونحوه، وفي كل موزون، وإن لم يكن كذلك، كالحديد ونحوه، ولا يجري في
مطعوم لا يكال ولا يوزن، كالبيض والماء ونحوهما، والمعتبر كون جنس ذلك مكيلا أو موزونا، وإن لم يأت فيه ذلك، إما لقلته، كتمرة، وحبة شعير ونحو ذلك، وإما لثقله، كالزبرة العظيمة من الحديد ونحوه، وإما للعادة كلحم الطير ونحوه، فلا يجوز بيع بعض ذلك ببعض إلا مثلا بمثل، بمعياره الشرعي، وهو الكيل أو الوزن ويحتمل قول الخرقي جواز ذلك، لقوله: وكل ما كيل أو وزن. وهو محمول على ما جنسه الكيل أو الوزن، وهل يعم المعمول من الموزون بأصله، أو بحاله بعد العمل؟ نص أحمد في رواية: جماعة: أنه لا يباع فلس بفلسين، ولا سكين بسكينين، ولا إبرة بإبرتين، معللا بأن أصل ذلك الوزن، ونص في رواية جماعة أنه لا بأس ببيع ثوب بثوبين، وكساء بكسائين، فنقل القاضي في المجرد إحدى المسألتين إلى الأخرى، فجعل فيهما جميعا روايتين، والمنع اختيار جماعة منهم ابن عقيل في الفصول وغيره اعتبارا بأصله، والجواز اختيار أبي محمد في المغني، نظرا للحال الراهنة، ومقتضى كلام القاضي في التعليق، وفي الجامع
الصغير، حمل النص على اختلاف حالين، فإنه لما قال: يجري الربا في معمول الحديد ونحوه، وذكر نصه على ذلك، فأورد عليه النص الآخر في جواز ثوب بثوبين، فقال: هذا في ثياب لا ينبغي بها الوزن، أما الإبريسم ونحوه فإنه لا يجوز، ونحو هذا قول جماعة [وهو أوجه] فينظر في حاله بعد العمل، فإن قصد وزنه جرى فيه الربا، وإلا فلا، وأبو محمد في الكافي نظر إلى هذا المعني في الموزون، وقطع في منسوج القطن والكتان بأنه لا ربا فيه وأطلق، وصاحب التلخيص جعل الروايتين فيما لا يتعين وزنه بعد عمله، أما ما يقصد وزنه بعد عمله فجزم بوجوب التماثل فيه. انتهى. ثم إن صاحب التلخيص قال في الفلوس - بعد أن حكى فيها الروايتين -: وسواء كانت نافقة أو كاسدة، بيعت بأعيانها أو بغير أعيانها، وكذلك قال القاضي في الجامع الصغير، وابن عقيل، والشيرازي وغيرهم، وجزم أبو الخطاب في خلافه الصغير بأنها مع نفاقها لا تباع بمثلها إلا متماثلة، معللا بأنها أثمان فأشبهت الدراهم والدنانير، ثم عقب ذلك بذكر الخلاف
في معمول الحديد، وظاهر هذا أنها مع كسادها يجوز التفاضل فيها إن لم يعتبر الوزن، ويتلخص من ذلك أن الفلوس النافقة هل تجري مجرى الأثمان، فيجري الربا فيها، إن قلنا، العلة في النقدين الثمنية مطلقا، وهو ظاهر ما حكاه عن أبي الخطاب في خلافه الصغير، أو لا تجري مجراها، نظرا إلى أن العلة ما هو ثمن غالبا، وذلك يخص الذهب والفضة، وهو قول أبي الخطاب في خلافه الكبير؟ على قولين، فعلى الثاني لا يجري الربا فيها إلا إذا اعتبرنا أصلها، وقلنا: العلة في النقدين الوزن، كالكاسدة، وعلى رواية الطعم والثمنية في النقدين يجري الربا في كل مطعوم قوتا كان أو أدما، أو فاكهة، أو دواء.
ويستثنى من ذلك الماء، على ما قطع به القاضي في الجامع الصغير، وأبو محمد وصاحب التلخيص، والسامري، وغيرهم، مع أنه مطعوم، قال سبحانه:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] وعلل ذلك صاحب التلخيص بأن أصله الإباحة، وهو منتقض بلحم الطير، وبالطين الأرمني ونحوهما، وبأنه مما لا يتمول، وهو مردود، بأن العلة عندنا ليست المالية،
والقياس جريان الربا فيه على هذه الرواية، وهو ظاهر ما في خلاف أبي الخطاب الصغير.
والمعتبر الطعم للآدميين لا لغيرهم، فلا يجري الربا في التبن ونحوه على مقتضى كلام أبي محمد، ويجري الربا في الذهب والفضة، تبرهما ومضروبهما، وكيف ما كانا، على المشهور، وعنه أنه منع من بيع الصحاح بالمكسرة، ولا عمل عليه، لظواهر النصوص، وهل يجري الربا في الفلوس النافقة؟ فيه تردد تقدم، وعلى رواية اعتبار الطعم مع الكيل أو الوزن لا يجري الربا في مطعوم لا يكال ولا يوزن، كالتفاح، والرمان، والسفرجل، والخوخ، والكمثرى، والأجاص، والجوز، والأترج، والخيار والبيض، ونحو ذلك، [ولا في غير مطعوم، كالأشنان، والحديد والرصاص، ونحو ذلك] .
(التنبيه الثاني) : قول أحمد: لا تباع سكين بسكينتين. محمول على ما إذا اختلف الوزنان، أما إن اتحدا جاز، إذ العبرة به لا بالعدد.
(الثالث) : «سائر» استعملها الخرقي هنا، وفي قوله - بعد - وسائر اللحمان جنس واحد. وفي مواضع بمعنى
«جميع» وهو خلاف اللغة المشهورة، حتى أن بعضهم أنكر ذلك، وقد استعمل الخرقي رحمه الله اللغة المشهورة أيضا في الغسل، في قوله: ثم يفيض الماء على سائر جسده. وكذلك في باب المصراة.
1846 -
وهي التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لغيلان بن سلمة «أمسك أربعا، وفارق سائرهن» وعلى هذا هي مأخوذة من السؤر، وهو البقية، وعلى الأول من سور البلد، وهو ما أحاط به، «والتمر الجنيب» بفتح الجيم وكسر النون، وآخره باء موحدة، نوع من جيد التمر، «والجمع» بفتح الجيم،
وسكون الميم، تمر مختلف، من أنواع متفرقة، غير مرغوب فيه للاختلاط، إذ ما يخلط إلا لرداءته «والرماء» بفتح الراء مخففا ممدودا، لغة في الربا، «ويضارع» أي يشابه «وأبي مجلز» بكسر الميم، وسكون الجيم، وآخره زاي، «وحيان» بحاء مهملة مفتوحة، وبعدها ياء مشددة، مثناة من تحت، والله أعلم.
قال: وما كان من جنسين جاز التفاضل فيه يدا بيد، ولا يجوز نسيئة.
ش: قد تقدم أن شرط جريان ربا الفضل الجنس عند العامة، فإذا عدم الجنس امتنع ربا الفضل، وجرى ربا النسيئة، إن اجتمع الجنسان في علة واحدة، كمكيل بمكيل،
وموزون بموزون، ومطعوم بمطعوم، إن علل بالطعم، وذلك لما تقدم من حديث عبادة، وأبي سعيد يدا بيد وفي حديث أبي سعيد «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» .
وإن اختلفا في العلة - كمكيل مع موزون - فروايتان، (إحداهما) - وهي ظاهر كلام الخرقي - جريانه أيضا، لحديث عبادة المتقدم «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» (والثانية) لا يجري، لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل، فأشبه الثياب، والحيوان، كما سيأتي.
ويستثنى مما تقدم إذا كان أحد العوضين ثمنا والآخر مثمنا، فإنه يجوز النساء بغير خلاف نعلمه، وإن اتحدا في الوزنية، لئلا ينسد باب السلم في الموزونات.
وقول الخرقي: يدا بيد. يقتضي وجوب التقابض في الجنسين من مالي الربا، إذا بيع أحدهما بالآخر، ولا نزاع عندنا فيما نعلمه في ذلك، إن كانت العلة واحدة، لما تقدم من حديثي عبادة، وأبي سعيد.
1847 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
«الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» متفق عليه أي: إلا هاك وهات. كذا فهمه عمر رضي الله عنه.
1848 -
ففي الموطأ: قال مالك بن أوس بن الحدثان النصري: أنه التمس صرفا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف مني، وأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتيني خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الحديث، وهذا يمنع تأويل من ادعى أن «يدا بيد» أي لا يكون نسيئة انتهى.
أما إن اختلفت العلة فظاهر إطلاق الخرقي وجوب التقابض أيضا، وصرح بذلك ابن عبدوس على رواية منع النساء التي هي أيضا ظاهر كلام الخرقي، وهو ظاهر حديث عبادة المتقدم، والمعروف عند كثير من المتأخرين - حتى أن أبا الخطاب قال: إنه رواية واحدة - جواز التفرقة قبل القبض، وإن منعنا النساء، وحيث أوجبنا التقابض فتفرقا قبله بطل العقد.
(تنبيه) : هاء وهاء بالمد، وفتح الهمزة، وفيه أربع لغات هذه إحداهن، وفيها لغتان (إحداهما) أنها تقال بلفظ واحد مطلقا، (وثانيتهما) تلحق بها العلامات المفرقة، فللمذكر «ها» وللمؤنث «هات» وللاثنين «هاءآ» وللجميع «هاؤا» كالحال في «هاؤم» (اللغة الثانية) في الأربع «هأ» بالقصر والهمزة الساكنة على وزن «خف» وفيها اللغتان المتقدمتان، فعلى التفريق للمذكر «هأ» كخف وللمؤنث «هائي» كخافي، وللاثنين «هاآ» كخافا، وللجمع «هاؤا» كخافوا (اللغة الثالثة)«هاء» بالمد، وكسر الهمزة، [بلفظ واحد مطلقا، غير أنهم زادوا ياء مع المؤنث، فقالوا: هائي. (الرابعة) بالقصر وترك الهمزة] ، حكاها بعض اللغويين، وأنكرها أكثرهم، حتى أن الخطابي خطأ من روى من المحدثين كذلك، ومعنى «هاء وهاء» : خذ وهات في الحال، كما قيل: يدا بيد. «وتراوضنا» تجارينا، والله أعلم.
قال: وما كان مما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه يدا بيد، ولا يجوز نسيئه.
ش: قد علم من ترجمة هذه المسألة أن وضع المسألة السابقة فيما كان مكيلا أو موزونا، وهذا والله أعلم الذي أحوج الخرقي إلى فصل المسألتين، ليفصل مسألة الوفاق من مسألة الخلاف، وإلا فحكم المسألتين عنده واحد.
إذا عرف هذا فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله فيما إذا انتفت علة ربا الفضل، هل يجوز النساء؟ على أربع روايات (إحداهن) - وهي اختيار القاضي وأبي الخطاب، وابن عبدوس، وأبي محمد، وغيرهم - يجوز.
1849 -
لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا، فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة» ، رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني وصححه.
1850 -
وعن علي رضي الله عنه أنه باع جملا له يسمى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل، رواه مالك في موطئه، والشافعي في مسنده.
1851 -
وعن ابن عمر، ورافع بن خديج نحوه، ذكر ذلك البخاري وغيره. (والثانية) - واختارها ابن أبي موسى، وأبو بكر، والخرقي فيما قاله القاضي، وأبو الخطاب وغيرهما - لا يجوز.
1852 -
لما روى الحسن عن سمرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» ، رواه الخمسة وصححه الترمذي.
1853 -
وقد روي من حديث جابر بن سمرة رواه عبد الله بن أحمد، ومن رواية ابن عباس، رواه البزار، ومن رواية ابن عمر رضي الله عنهم جميعا وهو يشمل بعمومه الجنس والجنسين، ولا يضر التكلم في بعضها، إذ الحجية تحصل بمجموعها، لتقوي بعضها ببعض، مع أن الترمذي قد صحح الأول، وأحمد احتج به في رواية ابن إبراهيم، وحديث عبد الله بن عمرو قضية عين، فلعل ذلك كان في بدء الإسلام، قبل نزول تحريم الربا، أو كانت المعاملة مع أهل الحرب، جمعا بين الأدلة.
ومن نصر الأول رجحه بفعل الصحابة، وطعن في الأحاديث بأن أحمد قال: ليس فيها حديث يعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه، وقال في حديث ابن عمر وابن عباس: إنهما مرسلان، وإن الحسن لا يصح سماعه من سمرة، ولا يخفى أن مثل هذا الطعن لا يسقط الحجية، لما تقرر من أن المرسل حجة عندنا، بل وعند العامة في مثل هذا الموطن لاعتضاده بحديث آخر، وبمرسل آخر، فعلى هذه الرواية لو باع عرضا بعرض، ومع أحدهما دراهم، العروض نقدا، والدراهم نسيئة جاز، إذ لا نساء بين الثمن والمثمن، ولو كانت الدراهم نقدا، والعرضان أو أحدهما نسيئة لم يجز، حذارا من النسيئة في العروض، نص عليه أحمد، وقاله القاضي وغيره (والرواية الثالثة) يحرم في الجنس الواحد، ولا يحرم في الجنسين لأن الجنس أحد وصفي علة ربا الفضل، فمنع النساء كالكيل والوزن، ويحمل حديث سمرة بن جندب ونحوه على ذلك، وهو مردود بأن الجنس شرط الجريان ربا الفضل أو محل في ذلك، لا وصف في العلة، والحمل على ما ذكر فيه تعسف
(والرابعة) يحرم في الجنس الواحد متفاضلا لا متماثلا، ولا في الجنسين.
1854 -
لما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يصلح الحيوان بالحيوان اثنان بواحد نسيئة، ولا بأس به يدا بيد» رواه الترمذي وحسنه، ومفهومه جواز الواحد بالواحد، لكنه من رواية الحجاج بن أرطاة، وقد قال أحمد: زاد فيه «نساء» وليث بن سعد سمعه من أبي الزبير، لا يذكر فيه «نساء» قال أبو محمد: ويحتمل أن الخرقي أراد هذه الرواية، قلت: وعلى هذا يكون تقدير الكلام: وما كان مما لا يكال ولا يوزن، فجائز التفاضل فيه يدا بيد، إذا كان جنسا واحدا، ولا يجوز نسيئة، وعلى ما قال الجماعة أنه اختيار الخرقي التقدير في الثاني: أي ولا يجوز بيعه نسيئة، ويحتمل كلام الخرقي منع النساء مع التفاضل مطلقا، والتقدير إذا: ولا يجوز التفاضل فيه نسيئة، وهذا يرجحه أن في اللفظ ما يدل عليه وهو ذكر
التفاضل، ويبعده ما تقدم في صدر المسألة.
(تنبيه) : «القلائص» جمع قلوص، وقد تقدم في أول الكتاب، «والراحلة» [اسم للجمل والناقة إذا كانا قويين على الأحمال والأسفار «ونفذت الإبل» أي فنيت] ، والله أعلم.
قال: ولا يباع شيء من الرطب بيابس من جنسه إلا العرايا.
ش: الألف واللام في الرطب لمعهود ذهني، وهو رطب يجري فيه الربا، كالرطب والعنب، فلا يباع الأول بالتمر، ولا الثاني بالزبيب، متماثلا ولا متفاضلا.
1855 -
لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل تمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا، وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا، وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله» ، متفق عليه.
1856 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب؟ فقال لمن حوله «أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا: نعم. فنهى عن ذلك» ، رواه
الخمسة، وصححه الترمذي، وهذا السؤال إرشاد للعلة، وهي النقص في ثاني الحال، أو انفراد أحدهما بالنقص، سؤال تقرير وتنبيه، لا استفهام حقيقي، لعلمه بذلك صلى الله عليه وسلم. واستثنى الخرقي العرايا، وسيأتي ذلك إن شاء الله، ومفهوم كلامه جواز بيع الرطب بالرطب، ويأتي أيضا إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: ولا يباع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا، ولا ما أصله الوزن كيلا.
ش: المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل هي المساواة في معياره الشرعي، وهو الكيل في المكيل، والوزن في الموزون، فلا يباع المكيل بجنسه، إلا كيلا، ولا الموزون
بجنسه إلا وزنا، إلا إذا علم مساواته في معياره [الشرعي] .
1857 -
لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذهب بالذهب وزنا بوزن، مثلا بمثل، والفضة بالفضة، وزنا بوزن، مثلا بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربا» رواه مسلم.
1858 -
وفي حديث عبادة في رواية أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدي بمدي، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى» فاعتبر صلى الله عليه وسلم في الموزون الوزن، وفي المكيل الكيل، فمن خالف ذلك خرج عن المشروع المأمور به.
1859 -
وإذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» نعم لا يعتبر كيل جرت العادة به، بل يجوز
التعديل بإناء لم تجر العادة بالكيل به، كما يجوز بالوضع في كفتي الميزان، ذكره في التلخيص.
ومفهوم كلام الخرقي جواز بيع المكيل بمكيل [من غير جنسه وزنا، وبيع الموزون بموزون] من غير جنسه كيلا، وهو كذلك لحديث عبادة «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» .
1860 -
وفي الصحيح من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: «وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا» ، متفق عليه، ومن ثم اختار الشيخان وابن عقيل، وصاحب التلخيص، وغيرهم جواز بيع المكيل بالمكيل جزافا، وبيع الموزون بالموزون جزافا، ومنع ذلك ابن أبي موسى، والقاضي في المجرد، والشريف، وغيرهم ونص عليه أحمد في رواية الحسن بن ثواب وغيره.
1861 -
لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام بالطعام مجازفة، وهو محمول على الجنس الواحد، جمعا بين الأدلة.
(تنبيه) : المرجع في الكيل إلى مكيال أهل المدينة، وفي الوزن إلى ميزان أهل مكة، في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
1862 -
لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة» رواه النسائي.
1863 -
وهو لأبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وما لا عرف له بهما فهل يعتبر عرفه في موضعه، أو يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز؟ فيه احتمالان حكاهما القاضي في التعليق ومن بعده، وما لا أصل له بالحجاز في كيل ولا
وزن، ولا له شبهه بما جرى فيه العرف، كالثياب، والحيوان، والمعدود من الجوز، والبيض، والرمان، والقثاء، والخيار، والخضروات، والبقول، [والسفرجل] ، والكمثرى، والخوخ ونحو ذلك، فإذا اعتبر التماثل فيه اعتبر بالوزن، لأنه أضبط، قاله أبو محمد، وكذلك ذكر القاضي في الفواكه الرطبة.
إذا عرف هذا فالبر والشعير مكيلان بالنص [قال أبو محمد: وكذلك سائر الحبوب، والأبازير، والأشنان، والجص، والنورة ونحوها والتمر مكيل بالنص][قال أبو محمد: وكذلك سائر ثمرة النخل، من الرطب والبسر ونحوهما] ، وسائر ما تجب فيه الزكاة كالزبيب، والفستق، والبندق، والعنب، والمشمش، والبطم، والزيتون، واللوز.
والملح [مكيل بالنص، والذهب والفضة موزونان، قال أبو محمد: وكذلك ما أشبههما من جواهر الأرض كالحديد، والرصاص، والصفر والنحاس، والزجاج والزئبق] ، وكذلك
الإبرسيم، والقطن والصوف والكتان، وغير ذلك [وكذلك الخبز واللحم، والشحم، والزبد، والجبن، وكذا الشمع وما أشبهه] وكذلك الزعفران، والعصفر، والورس.
والدقيق، والسويق مكيلان عند أبي محمد، نظرا لأصلهما، وجوز القاضي بيعهما بالوزن كالخبز، أما المائعات كاللبن، والأدهان، من الزيت، والشيرج، والعسل، والدبس، فقال أبو محمد: الظاهر أنها مكيلة، وكذا قال القاضي في الأدهان أنها مكيلة، وقال في اللبن: يصح السلم فيه كيلا، وعن أحمد أنه سئل عن السلف في اللبن، فقال: نعم كيلا أو وزنا. والله أعلم.
قال: والتمور كلها جنس واحد، وإن اختلفت أنواعها.
ش: الجنس هو الشامل لأشياء مختلفة [بأنواعها، والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة] بأشخاصها، والمراد هنا الجنس
الأخص، والنوع الأخص، إذ قد يكون الشيء جنسا بالنسبة إلى ما تحته، ونوعا بالنسبة [إلى ما فوقه، وكالإنسان فإنه جنس بالنسبة إلى الزنجي، والتركي، وغير ذلك، ونوعا بالنسبة] إلى الحيوان، والمعتبر هنا الاتفاق في الاسم الخاص من أصل الخلقة، كالحنطة والتمر وغيرهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر التمر بالتمر، والبر بالبر وأطلق، بل ومنع من بيع الجنيب بالجمع متفاضلا كما تقدم.
إذا عرف هذا فالأدقة والأدهان تختلف باختلاف أصولها، [فدقيق الحنطة والشعير والفول أجناس، كما أن أصولها] كذلك، والزيت، والشيرج، ودهن بزر الكتان، ودهن السمك، ونحو ذلك أجناس كأصولهن، ودهن الورد، ودهن البنفسج ونحوهما جنس، إن كان أصلهما واحدا، والخلول أجناس على المذهب كأصولها، (وعنه) أن خل العنب والتمر في حكم الجنس الواحد، وفي التلخيص وجه أن الخلول كلها جنس واحد ولا معول عليهما، أما على المذهب فيجوز
بيع خل العنب بخل التمر متماثلا ومتفاضلا، وخل التمر بخل التمر متماثلا لا متفاضلا، ويغتفر ما فيهما من الماء، لأنه غير مقصود للمصلحة، أما خل العنب بخل الزيت فالمنصوص - وقاله القاضي وغيره - منع بيع أحدهما بالآخر مطلقا، لانفراد أحدهما بالماء، فأشبها تمرين في أحدهما نواه، والآخر نزع منه والله أعلم.
قال: والبر والشعير جنسان.
ش: هذا على المذهب المنصوص بلا ريب، لحديث عبادة «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» وللنسائي وأبي داود فيه:«وأمرنا أن نبيع البر بالشعير، والشعير بالبر، يدا بيد، كيف شئنا؛» (وعنه) ما يدل على أنهما جنس واحد، قال: الحنطة والشعير والسلت صنف، وقال: يكره أن يبيع الحنطة بالشعير اثنين بواحد؛ لما تقدم عن معمر بن عبد الله، وهو محمول على التورع، كما أشار هو إليه فقال: أخاف أن يضارع. أي يشابه، ثم مع النص السابق لا يعرج على غيره، والله أعلم.
قال: وسائر اللحمان جنس واحد.
ش: هذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله (والثانية) أنها أجناس باختلاف أصولها، اختارها أبو بكر، والقاضي في تعليقه، وأبو الحسين، وأبو الخطاب في خلافه، وابن عقيل، وأبو محمد ومبناهما - والله أعلم - على أن الاعتبار - هل هو بحال جريان الربا فيه، وهو إذا يشمله اسم واحد، ويرجحه نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل، وهي كلها طعام، أو باعتبار أصوله، وأصوله مختلفة، وينقض الأول
بعسل النحل، وعسل القصب، والحديث محمول على ما إذا اتفق الجنس، بدليل ما تقدم (والثالثة) أنها أربعة أجناس، لحم الأنعام جنس، ولحم الوحش جنس، ولحم الطير جنس، ولحم دواب الماء جنس، وهي اختيار القاضي في روايتيه، وحمل كلام الخرقي على ذلك، لأن لحم هذه الحيوانات تختلف المنفعة بها، والقصد إليها، فجعل كل واحد جنسا، نظرا لذلك، فعلى الثانية لحم الإبل كله جنس واحد، وكذلك البقر، وكذلك الغنم على المشهور، ولأبي محمد احتمال بأنهما جنسان، ضأن ومعز، لتفريقه سبحانه بينهما حيث قال:{مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] وكل ما له اسم يخصه من الوحش والطير جنس.
(تنبيهات)«أحدها» اللبن، والشحم، والأكبدة، والأطلحة، والرئات، والجلود، والأصواف، والعظام، والرؤوس، والأكارع، ونحو ذلك مما اشتمل عليه اللحم، فيجري فيهن ما يجري فيه من الخلاف، وكذلك مقلو البيض، لصيرورته موزونا، أما قبل ذلك فهو معدود، فلا يجري فيه الربا على المذهب.
(الثاني) اللحم والشحم جنسان على المشهور، فيخرج [بيع أحدهما بالآخر متماثلا ومتفاضلا، وعن القاضي منع] بيع أحدهما بالآخر مطلقا.
(الثالث) اللحم الأبيض - كسمين الظهر - والأحمر جنس واحد على الأشهر، قاله القاضي، وابن البنا، وغيرهما، وقال أبو محمد: إن ظاهر كلام الخرقي أنهما جنسان، لقوله: إن اللحم لا يخلو من شحم، قال: ولو لم يكن هذا شحما لم يختلط لحم بشحم، وفرع على قوله أن كل أبيض في الحيوان يصير دهنا جنس واحد، واختار ذلك في المغني، وبنى على ذلك أن الألية والشحم جنس، والمشهور عند الأصحاب أنهما جنسان، وهو الذي قاله في المقنع.
(الرابع) هل لحم رأس شيء جنس برأسه كالقلب ونحوه، أو نوع من لحم جنسه؟ فيه وجهان.
(الخامس) هل يجوز بيع اللبن باللبأ؟ فيه وجهان، حكاهما ابن البنا، وعن القاضي أنه خصهما بما إذا مست النار أحدهما، وعند أبي محمد والسامري أنهما جنس واحد، يجوز بيع أحدهما بالآخر متماثلا، لا متفاضلا ولا بعد أن تمس النار أحدهما، وعلى ما إذا مست النار أحدهما حمل السامري وجه منع ابن البنا، والله أعلم.
قال: ولا يجوز بيع بعضه ببعض رطبا، ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل.
ش: لا إشكال في جواز بيع ما كان رطبا، عند تناهي جفافه، من التمر، واللحوم، وغيرهما بمثله، واختلف في بيع كل رطب بمثله رطبا، فعنه المنع مطلقا، حكاه ابن الزاغوني، واختاره أبو حفص العكبري، وحمل كلام الخرقي عليه، لنصه عليه في اللحم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر، مشيرا للتعليل بالنقص، وهذا موجود في الرطبين، لأنهما ينقصان، يحققه أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل في باب الربا.
1864 -
بدليل «نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر» ، رواه مسلم، وهنا يجهل التساوي في
ثاني الحال، وذهب جمهور الأصحاب - القاضي، وأبو الخطاب، والشيخان وغيرهم، وهو مقتضى مفهوم كلام الخرقي السابق، ونص عليه أحمد في الرطب بالرطب - إلى الجواز، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل، والرطبان إذا بيعا مثلا بمثل قد استويا في المثلية، فدخلا في عموم المستثنى، ولأنهما استويا في الحال، على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص، فأشبها اللبن باللبن، وخرج بيع الرطب بالتمر، لانفراد أحدهما بالنقص واشتراط عدم الجهل بالتساوي [في ثاني الحال] لا نسلمه، بل المشترط عدمه في الحال، فكان مناط المسألة - والله أعلم - التساوي، هل يشترط في الحال ولا يضر الجهل به في ثاني الحال، أو يشترط حالا ومآلا؟ على قولين، إلا أنه استثنى على الثاني بيع رطب لا يجيء منه تمر، وعنب لا يجيء منه زبيب، فإنه يجوز بيعه بمثله قبل جفافه، نظرا إلى أن كمال ذلك في حال رطوبته، وفساده في حال جفافه، قاله في التلخيص.
(تنبيه) : اشترط القاضي والأكثرون في بيع اللحم بمثله نزع العظم، لتتحقق المساواة المعتبرة شرعا، وكالعسل