الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى الناس عنه. فقال له عثمان: دعنا. قال: إني لا أستطيع أن أدعك. فلما رأى ذلك أهل بهما جميعا» ، متفق عليه، وفي رواية: لما رأى ذلك عليٌّ أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة. ففهم عليٌّ دخول القران في لفظ التمتع، ففعله ليعلم الناس أنه غير منهي عنه.
1764 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: «نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها بقرة يوم النحر» . رواه مسلم. وقد تقدم أنها كانت قارنة، ولأنه ترفه بأحد السفرين، فلزمه دم كالمتمتع. وإذا لم يجد الهدي صام على الصفة المذكورة كالمتمتع، وسيأتي [ذلك] إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[دم التمتع وصيامه]
قال: ومن اعتمر في أشهر الحج، فطاف وسعى وحل، ثم أحرم بالحج من عامه، ولم يكن خرج من مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة، فهو متمتع، وعليه دم.
ش: وجوب الدم على المتمتع في الجملة إجماع، وقد شهد له الآية الكريمة:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، أي: فعليه، أو فالواجب:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] .
1765 -
وفي مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: «كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها» .
ويشترط لذلك شروط: (أحدها) أن يعتمر في أشهر الحج، فلو اعتمر بها في غير أشهره، لم يكن متمتعا، لأن قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، أي: أوصل ذلك بالحج، وهذا إنما يكون إذا كان في أشهر الحج، والاعتبار عندنا بالشهر الذي أحرم فيه، لا بالشهر الذي حل فيه، فلو أحرم بالعمرة في رمضان، ثم حل في شوال لم يكن متمتعا، نص عليه أحمد في رواية جماعة.
1766 -
ويروى ذلك عن جابر رضي الله عنه، وعليه اعتمد أحمد، رحمه الله.
(الشرط الثاني) أن يحل من عمرته ثم يحرم بالحج، فلو أدخل الحج على العمرة قبل طوافها صار قارنا، إذ أحد نوعي القران أن يدخل الحج على العمرة.
1767 -
كما صنع ابن عمر، رضي الله عنهما، عام حجة الحرورية، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم.
(الثالث) أن يحج من عامه، لظاهر الآية الكريمة، مع أن هذا كالإجماع.
(الرابع) أن لا يخرج من مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة، فإن خرج إلى ما تقصر فيه الصلاة لم يكن متمتعا، نص عليه أحمد، إلا أن لفظه: إن خرج من الحرم سفرا تقصر في مثله الصلاة، ثم رجع فحج، فليس بمتمتع. وبينه وبين كلام الخرقي فرق، إذ الخرقي اعتبر الخروج من مكة، وأحمد اعتبر الخروج من الحرم.
1768 -
وبالجملة: العمدة في ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع. وعن ابنه نحو ذلك، رواه أبو حفص، وهذه الشروط الأربعة لا أعلم فيها خلافا بين الأصحاب.
ويشترط أيضا (شرط خامس) : لا نزاع فيه بينهم وهو أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، إلى قَوْله تَعَالَى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، أي:(ذلك)
الحكم - وهو وجوب الدم - (لمن لم يكن أهله) من (حاضري المسجد الحرام)، أي: ثابت، (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) ، وهذا أجود من جعل اللام بمعنى (على)، أي: ذلك الواجب على من لم يكن أهله حاضري، كما في قَوْله تَعَالَى:{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، إذ هذا [مجاز] للمقابلة، ومهما أمكن استعمال اللفظ في موضوعه الأصلي فهو أولى، لا يقال:(ذلك) إشارة إلى قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]، أي: هذا التمتع، (لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) فيخرج المكي، لأنا نقول: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة: 196] شرط، و {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: 196] جزاء، و {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ} [البقرة: 196] استثناء، [والاستثناء] يرجع إلى الجزاء دون الشرط، كقول القائل: من دخل داري فأعطه درهما، إلا أن يكون أعجميا. انتهى، وهذا الشرط يعم المتمتع والقارن.
(تنبيه) : إلا حاضري المسجد الحرام المقيم بالحرم، سواء كان من أهله أو داخلا إليه، فلو دخل الآفاقي بعمرة
في غير أشهر الحج، ثم أقام بمكة، فاعتمر في أشهر الحج، وحج من عامه فهو متمتع، نص عليه، وبالغ القاضي فقال: في الآفاقي: إذا تجاوز الميقات إلى أن بقي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، فلا دم عليه، لأنه من حاضريه. وخالفه أبو محمد، لأن الحضور بالإقامة. انتهى.
واختلف في ثلاثة شرائط، (أحدها) : هل يشترط أن لا يحرم من الميقات، فإن أحرم منه فليس بمتمتع؟ وفيه روايتان، أنصهما - وبه جزم أبو البركات - الاشتراط، قال أحمد في رواية يوسف بن موسى، وأحمد بن الحسن: إذا أقام فأنشأ الحج من مكة فهو متمتع، فإن خرج إلى الميقات فأحرم
بالحج فليس بمتمتع، وذلك لأنه لم يترفه بترك أحد الميقاتين، فلم يلزمه الدم، كما لو لم يحج من عامه.
(والثانية) : لا يشترط ذلك، إنما المشترط مفارقة الحرم بمسافة القصر، قال أحمد - في رواية حرب في من أحرم بعمرة في أشهر الحج - فهو متمتع إذا أقام حتى يحج، فإن خرج من الحرم سفرا تقصر في مثله الصلاة، ثم رجع فحج فليس بمتمتع، وهذا اختيار القاضي في تعليقه، وبالغ فحمل الأولى على أن بين الميقات وبين مكة مسافة تقصر فيها الصلاة، ولا يعرف أبو محمد غير هذا، نظرا إلى أن القريب في حكم الحاضر، ويظهر أثر هذا الشرط في «قرن» ميقات أهل نجد، فإنه [على] يوم وليلة من مكة، أما ما عداه فإن بينها وبين مكة مسافة القصر فأزيد، فلا حاجة إلى هذا الشرط فيها.:
(الثاني) هل تشترط النية في ابتداء العمرة أو أثنائها؟ فيه وجهان، والاشتراط اختيار القاضي وأبي الخطاب، وصاحب التلخيص، وعدمه هو اختيار أبي محمد.
(الثالث) هل يشترط أن يكون النسكان عن رجل واحد، فلو كانا عن شخصين فلا تمتع؟ اشترط ذلك صاحب التلخيص، قال: لأنه لا يختلف أصحابنا أنه لا بد للإحرام بالنسك الثاني من
الميقات، إذا كان عن غير الأول، يعني: والإحرام من الميقات يسقط التمتع، ولم يشترط ذلك الشيخان، وأبو محمد يخالف صاحب التلخيص في الأصلين اللذين بني عليهما كما عرفت، أما أبو البركات فيوافقه في الأصل الثاني، فظاهر كلامه مخالفته في الأول، وإذا يزول البناء.
(تنبيه) : هذه الشروط كلها للتمتع الموجب للدم، لا للتمتع المطلق كما تقدم التنبيه عليه، والله أعلم.
قال: فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، آخرها يوم عرفة، وسبعة إذا رجع.
ش: أي إذا لم يجد الدم صام ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله، لقوله سبحانه:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] ،
ويعتبر الوجدان بالموضع الذي هو فيه، دون بلده، ولا ريب في وجوب الصوم على العادم للهدي في الجملة. والكلام فيه في ثلاثة أشياء؛ في وقت وجوبه، ووقت استحبابه، ووقت جوازه، فأما وقت الوجوب فهو وقت وجوب الهدي، لأنه بدل عنه، قاله القاضي وأبو محمد، وقد سئل أحمد في رواية ابن القاسم: متى يجب صيام المتعة؟ فقال: إذا عقد الإحرام، قال القاضي في التعليق: أي إن عقده سبب للوجوب، لأن الوجوب يتعلق به، وهذا التأويل بعيد، لتصريح السائل بالوجوب، ووقت وجوب الهدي عند القاضي في تعليقه، ومن تابعه - كصاحب التلخيص وغيره - بطلوع فجر يوم النحر، واعتمد القاضي على قول أحمد في رواية المروذي، وقيل له: متى يجب على المتمتع الدم؟ قال: إذا وقف بعرفة. قال القاضي: معناه إذا مضى وقت الوقوف. وأجرى أبو محمد الرواية على ظاهرها، فحكى الرواية أنه يجب بالوقوف، وقال: إنها اختيار القاضي، ولعله في المجرد.
وحكى أبو محمد وغيره رواية أخرى أنه يجب بالإحرام بالحج، ولعلهم أخذوه من رواية ابن القاسم التي أولها القاضي، وهي محتملة، إذ الإحرام يحتمل إحرام الحج وإحرام العمرة، ويتلخص على هذا أربعة أقوال، ومدركها - والله أعلم - أن قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة: 196]، أي: فمن تمتع بالعمرة قاصدا إلى الحج، أو: فمن
تمتع بالعمرة موصلا بها إلى الحج. وذلك إنما يكون بالإحرام بالحج، وهذا أظهر، أو أن الحج إنما يتحقق بالحصول بعرفة، إذ هو الركن الأعظم، وقبل ذلك هو معرض للفوات، أو أن وقت نحر الهدي هو يوم النحر، فلا يجب قبله، لعدم قدرته على الفعل، وعلله القاضي بأن الهدي من جنس ما يحصل به التحلل، فكان وقته بعد وقت الوقوف، كالطواف والحلق، وفي كلا التعليلين نظر.
(تنبيه) : على كل الأقوال لا ينحر إلا يوم النحر، على ظاهر إطلاق أحمد في رواية ابن منصور، واختيار الجمهور، والمنصوص عنه في رواية أبي طالب وغيره أنه إن قدم [في] العشر فكذلك، اتباعا لفعل الصحابة، وقبله ينحر حذارا من ضياع الهدي أو تلفه، انتهى.
وأما وقت الاستحباب (ففي الثلاثة) يكون آخرها يوم عرفة، كما ذكره الخرقي، ونص عليه أحمد في رواية الأثرم، وأبي طالب، واختاره القاضي في تعليقه، وأبو محمد وغيرهما، فيصوم السابع، والثامن، والتاسع، وفي المجرد: ويكون
آخرها يوم التروية، فيصوم السادس، والسابع، والثامن، حذارا من صوم يوم عرفة، والأولون قالوا: يوم فاضل، فكان أولى بصوم الواجب، وحذارا من تقديم الإحرام، فعلى الأول قال أبو محمد: يقدم الإحرام على يوم التروية، فيحرم يوم السابع، وعلى ما في المجرد يحرم يوم السادس، لظاهر قَوْله تَعَالَى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196]، أي: بعد الإحرام بالحج، وخروجا من الخلاف، (وفي السبعة) إذا رجع إلى أهله، للآية الكريمة.
1769 -
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه المتفق عليه: «فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله» . وأما وقت الجواز (ففي الثلاثة) إذا أحرم بالعمرة، على المختار للأصحاب، إناطة [للحكم] بالسبب، كالتكفير قبل الحنث ونحوه، وقد أشار أحمد إلى هذا، قال: إذا عقد الإحرام فصام، أجزأه إذا كان في أشهر الحج، وهذا قد يدخل على من قال: لا تجزئ الكفارة إلا بعد الحنث، ولعل هذا ينصرف فلا يحج. انتهى.
ومن هذا أخذ القاضي هذا الحكم، وقال: قوله: عقد الإحرام. أي إحرام العمرة
قال: لتشبيهه بالكفارة، وإنما يقع التشبيه إذا كان صومه قبل الإحرام بالحج، لأنه وجد أحد السببين، قال: ولأنه قال: إذا عقد الإحرام في أشهر الحج، وهذا إنما يقال في إحرام العمرة، ليوجد شرط التمتع، انتهى.
(وعن أحمد رواية ثانية) حكاها أبو محمد: وقت الجواز إذا حل من العمرة. ليتحقق وجود السبب (وحكى بعضهم رواية ثالثة) : يجوز تقديم الصوم على إحرام العمرة، قال أبو محمد: وليست بشيء، لما فيه من تقديم الصوم على سببه ووجوبه، وأحمد رحمه الله ينزه عن هذا. انتهى.
وكأن هذه الرواية أخذت من قول أحمد في رواية الأثرم في قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] : يجعل آخرها يوم عرفة، ولا يبالي أن يقدم أولها، بعد أن يصومها في أشهر الحج، وإن صامها قبل أن يحرم فجائز، انتهى، فجعل أشهر الحج ظرفا وقال: قبل أن يحرم. وأطلق، والقاضي قال: أراد قبل أن يحرم بالحج. وقد أورد على هذا قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] فظاهره أن الصوم إنما يكون بعد أن يصل العمرة بالحج، وذلك إنما يكون بالإحرام بالحج،
وقد أكد سبحانه هذا المعنى بقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] ، جعل الحج ظرفا للصوم، وإنما يكون ذلك بعد الإحرام به (وأجيب) بأن المحرم بالعمرة وهو يريد الحج يصير متمتعا، بدليل لو ساق هديا كان هدي متعة، فإذا معنى الآية الكريمة، والله أعلم: فمن تمتع بالعمرة مريدا إيصالها بالحج، وأما الأمر بالصوم فلا بد فيه من تقدير، إذ نفس الحج لا يصام فيه، فالخصم يقدر: في إحرام الحج. ونحن نقدر: في وقت الحج. وهو أولى، لأن الوقت ظرف للفعل حقيقة، والإحرام ليس بظرف له حقيقة، مع أنا نقول بموجب تقدير الخصم، والآية إذا إنما دلت على الوجوب حالة الإحرام بالحج، ونحن نلتزمه.
قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي - وسئل عن صيام المتعة: متى يجب؟ قال -: إذا عقد الإحرام. والكلام هنا في الجواز. انتهى.
ووقت الجواز في السبعة بعد الفراغ من الحج، هذا قول القاضي، وحكى أبو محمد: بعد أيام التشريق. وهما
متقاربان، وقد قال أحمد في رواية أبي طالب: إن قدر على الهدي، وإلا يصوم بعد الأيام، قيل له: بمكة أم في الطريق؟ قال: كيف شاء. ومراده بالأيام - والله أعلم: أيام التشريق، وذلك لأنه متمتع صام بعد الفراغ من النسك، في وقت يصح فيه الصوم، فوجب أن يجزئه إذا لم يكن معه هدي، كما لو رجع إلى وطنه. وأما قَوْله تَعَالَى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]، فيحتمل: إذا رجعتم من الحج. أي: رجعتم إلى ما كنتم عليه من الحل، وعلى هذا فحديث ابن عمر رضي الله عنه السابق بين الاستحباب، والآية بينت الجواز، ويحتمل أن المراد بالرجوع في الآية الرجوع إلى الأهل كالحديث، ولا ينافي ذلك مدعانا، لأن معنى الآية إذا: وسبعة في وقت رجوعكم إلى أهليكم، وبالفراغ من الحج غالبا يشرع في الرجوع إلى الأهل فيجوز الصوم، ولو سلم أن المراد بالرجوع إلى الأهل الحصول في الأهل فذلك رخصة من الشارع، تخفيفا على المكلف ورفقا به، ولا إشكال في مطلوبية ذلك، ويجوز معه الأخذ بالعزيمة والفعل وقت الوجوب.
(تنبيه) : هنا سؤالات (أحدها) كيف جاز تقديم الصوم قبل وجوبه؟ وجوابه أنه كتقديم الزكاة والكفارة ونحوهما،
مما يقدم بعد سببه، وقبل وجوبه.
(ثانيها) أن الصوم بدل عن الهدي ولا ينتقل إلى البدل إلا عند العجز عن المبدل، ولا يتحقق العجز إلا في وقت الوجوب ووقت الوجوب عندهم على المشهور يوم النحر؟ وجوابه أنا اكتفينا بالعجز الظاهر، إذ الأصل استمراره.
(وثالثها) أن وقت الوجوب على زعمهم يدخل بيوم النحر، ولا يجوز الصوم إذا، بل ولا يصح، وإذا فعله بعد، فعله قضاء كما صرح به القاضي وغيره، فهذا واجب ليس له وقت أداء أصلا، وإنما يفعل قبل وقته على سبيل التعجيل، وأبلغ من هذا أنه لو لم يعجل وأخر إلى وقت الوجوب وجب عليه دم على رواية، ولا يعرف لهذا نظير إلا أن يقال: الحائض يتعلق بها وجوب الصوم، ولا يتصور في حقها، وكذلك من أدرك من الوقت قدر تكبيرة، لأنا نقول ثم: الفعل له وقت إذا في الجملة، وإن تعذر في فرد. ولو قيل: إن الوجوب بالإحرام بالحج، كما هو ظاهر كلام أحمد، بل ليس في كلامه ما يدل على خلافه، لسلمنا من هذه الإيرادات أو غالبها، والله أعلم.
قال: فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى، في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله رحمه الله، والرواية الأخرى: لا يصوم أيام منى، ويصوم بعد ذلك عشرة أيام، وعليه دم.
ش: أيام منى أيام التشريق، وقد تقدم كلام الخرقي في أنه هل يصومها عن الفرض أو لا؟ وتقدم الكلام عليه، فلا حاجة إلى إعادته. لكن هنا شيء آخر، وهو أنه إذا أخر صوم الثلاثة عن يوم النحر، وعن أيام منى، لمنعه من الصوم فيها أو مطلقا، فإنه يقضيها فيما بعد، لأنه واجب، فلا يسقط [بخروج] وقته، كصوم رمضان، وبناء على أصلنا، وهو أن القضاء بالأمر الأول لا بأمر جديد. (وهل عليه دم) والحال هذه؟ فيه ثلاث روايات (إحداها) نعم، اختارها الخرقي، ونص عليها أحمد.
1770 -
معتمدا على [أن] هذا قول ابن عباس ولأنه أخر واجبا من مناسك الحج عن وقته، فلزمه دم [كرمي الجمار](والثانية) لا دم عليه، وهي التي نص عليها القاضي في تعليقه، ونص عليها أحمد في الهدي إذا أخره، وذلك لأنه أخره إلى وقت
جواز فعله، فلم يجب به دم، كما لو أخر الوقوف إلى الليل ونحوه، (والثالثة) يجب الدم إلا مع العذر، حملا عليه، نص عليها أحمد في الهدي أيضا إذا أخره، ويحكى هذا عن القاضي في المجرد، وصرح في التعليق بأن المذهب عدم التفرقة، وقد علمت أن المنصوص في الصوم وجوب الدم، وفي الهدي عدم الوجوب، والوجوب مع انتفاء العذر، فحصل من المجموع ثلاث روايات في المسألتين.
والخرقي، رحمه الله، خص وجوب الدم بما بعد أيام منى، فمقتضاه أنه لو صام أيام منى لا دم عليه، ويقرب منه كلام القاضي، قال: إذا لم يصم قبل يوم النحر صامها قضاء، وهل عليه دم لتأخيرها عن أيام الحج؟ انتهى، وأيام منى هي أيام الحج، والله أعلم.
قال: ومن دخل في الصوم ثم قدر على الهدي، لم يكن عليه أن يخرج من الصوم إلى الهدي إلا أن يشاء.
ش: لأنه تلبس بالصوم، فلم يلزمه الانتقال إلى الهدي، كما إذا دخل في صوم السبعة فإنه اتفاق، ودعوى الخصم بأن الهدي بدل عن الثلاثة لا السبعة، فإذا وجد الهدي في الثلاثة بطل حكمها، للقدرة على المبدل، لا نسلم، بل نقول: الهدي بدل عن الجميع وهو ظاهر الآية الكريمة:
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، [والمعطوف والمعطوف عليه في حكم الشيء الواحد، ويرجح هذا قوله سبحانه] : {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] . ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا قدر على الهدي قبل الشروع في الصوم أنه يلزمه الانتقال إليه، وهو إحدى الروايتين، ومبنى الخلاف على ما قال في التلخيص: هل الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب، أو بأغلظ الأحوال؟ فيه روايتان مشهورتان، تأتيان إن شاء الله تعالى في محلهما، والله أعلم.
قال: والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت، وخشيت فوات الحج أهلت بالحج، وكانت قارنة.
ش: إذا دخلت المرأة متمتعة وحاضت ولم تطف، فإنها ممنوعة من الطواف كما تقدم، ولا يمكن أن تحل من عمرتها إلا به، فحينئذ إن خشيت فوات الحج، بأن كان ذلك قريب وقت الوقوف، وخشيت أنها إن بقيت في عمرتها فاتها الحج، فإنها تحرم بالحج، وتصير قارنة، لتأمن بذلك الفوات، إذ إدخال الحج على العمرة مع الأمن جائز، فكيف مع عدمه.
1771 -
وقد وقع هذا «لعائشة رضي الله عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، موافين هلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال: «من شاء أن يهل بحجة فليهل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل، وإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة» . قالت: فكنت فيمن أهل بعمرة، فلما كان في بعض الطريق حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال:«ما يبكيك؟» . قلت: وددت أني لم أكن خرجت العام. فقال: «ارفضي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج» . فلما كان ليلة الصدر أمر - تعني: النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن فذهب بها إلى التنعيم، فأهلت بعمرة مكان عمرتها، فطافت بالبيت، رواه الشيخان وغيرهما بألفاظ مختلفة.
1772 -
ولمسلم في رواية: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» .
1773 -
ولأبي داود: قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة، يكفيك لحجك وعمرتك» . وإنما يسعها أو يكفيها طوافها لحجها وعمرتها إذا حصلا لها.
1774 -
وعن جابر رضي الله عنه في حديث له قال: «وأقبلت عائشة رضي الله عنها مهلة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف عركت. وذكر
الحديث إلى أن قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها، فوجدها تبكي، فقال:«ما شأنك؟» . قالت: شأني أني قد حضت، وقد أحل الناس ولم أحل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، قال:«إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي ثم أهلي بالحج» . ففعلت ووقفت المواقف كلها، حتى إذا طهرت طافت بالبيت، وبالصفا والمروة، ثم قال:«قد حللت من حجك وعمرتك جميعا» . قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت، قال:«فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم» . وذلك ليلة الحصبة» ، رواه مسلم، والنسائي، وأبو داود وهذا لفظه. وهو صريح في حصول النسكين لها كما قلناه. (وقد اعترض) على حديث عائشة رضي الله عنها بأنها إنما كانت مفردة.
1775 -
بدليل أن في رواية في الصحيح قالت: «فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: «ما يبكيك يا هنتاه؟» . فقلت: سمعت قولك لأصحابك، فمنعت العمرة، قال:«وما شأنك؟» . قلت: لا أصلي. قال: «فلا يضرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها» . وفي رواية: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، [حتى جئنا سرف] فطمثت.
وذكرت القصة، وفيها: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» .
1776 -
وأيضا ففي لفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فقضى الله حجتنا وعمرتنا، ولم يكن في ذلك هدي، ولا صدقة، ولا صوم» . والقارن على قول العامة لا يخلو من أحدها. (ويجاب) بأنها قد أخبرت عن نفسها كما سبق بأنها كانت ممن أهل بعمرة.
1777 -
وكذلك أخبر عنها جابر رضي الله عنه، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم ارفضي العمرة» . ونحو ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» . يدل على أنها كانت معتمرة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:«افعلي ما يفعل الحاج» . أي: أنشئ ما ينشئ الحاج من الإهلال به والاغتسال [له، كما جاء مصرحا به، «وأهلي بالحج» . وكذلك يحمل «فكوني في حجك» . أي ادخلي في الحج] ونحو ذلك، إذ هذا ونحوه مما نقل بالمعنى قطعا، فإن الواقعة واحدة، واللفظ واحد، وأما قولها: ولم يكن في ذلك هدي، ولا صدقة، ولا صوم. [فهو نفي،
وقد جاء في مسلم من رواية جابر رضي الله عنه: «نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة. يوم النحر» . والمثبت مقدم على النافي، ويحتمل أن تريد: لم يكن في ذلك علي هدي، ولا صوم، ولا صدقة] ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل عنها ذلك، وهو يعلم رضاها بذلك، فلا يحتاج إلى أذنها في التكفير. والنعمان رحمه الله يقول: آل أمرها إلى الإفراد، ويوافق [على] أن إحرامها كان بعمرة، ثم لما حاضت أمرها صلى الله عليه وسلم بترك العمرة، ثم بالإهلال بالحج.
1778 -
مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم لها: «ارفضي العمرة، وانقضي رأسك وامتشطي» . وفي رواية: «اتركي العمرة» . وفي رواية «دعي العمرة» . وهذه الألفاظ كلها في الصحيح والسنن.
1779 -
ويرشح هذا ما في الحديث: فأهلت بعمرة مكان عمرتها، وفي رواية:«أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: «هذه مكان عمرتك» . وفي رواية: «قالت يا رسول الله أترجع صواحبي بحج وعمرة، وأرجع أنا بحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب
بها إلى التنعيم، فلبت بالعمرة» . وقد أجيب عن قوله صلى الله عليه وسلم لها:«انقضي رأسك، وامتشطي» . أن ذلك [يجوز أن] يكون لعذر، كما جوز لكعب بن عجرة الحلق، مع أن المحرم يجوز له نقض الشعر، والامتشاط غايته أن يكون برفق، حذارا من نتف الشعر، وإنما قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها هنا لأجل اغتسالها للحج، وأما قوله:«ارفضي العمرة» . ونحو ذلك فحمله الإمام الشافعي وغيره على ترك أفعال العمرة، لا على ترك العمرة رأسا، ليوافق قوله صلى الله عليه وسلم:«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» . وقوله صلى الله عليه وسلم: في حديث جابر رضي الله عنه «قد حللت من حجك وعمرتك» . وأحمد رحمه الله قال في رواية أبي طالب: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «أمسكي عن عمرتك، وامتشطي وأهلي بالحج» . وقال في رواية الميموني وذكر له عن أبي معاوية يرويه: «انقضي عمرتك» . فقال: غير واحد يرويه: «أمسكي عن عمرتك» . أيش معنى: انقضي، هو شيء تنقضه، هو ثوب تلقيه؟ وعجب من أبي معاوية.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «هذه مكان عمرتك» . [أي: مكان عمرتك] التي أحرمت بها مفردة، وقولها: أترجع صواحبي بحج وعمرة. إلى آخره أي بحج، وعمرة مفردة عن الحج، وأرجع بحج اندرجت فيه العمرة، وأما إعمارها من التنعيم فتطييب لقلبها، كذا قال الإمام أحمد وغيره، ويشهد له حديث جابر رضي الله عنه المتقدم، انتهى.
وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يلزمها إدخال الحج والحال هذه، وكذلك كل من خشي فوات الحج، حذارا من تفويت الحج الواجب على الفور.
(تنبيه) : «هنتاه» ، كناية عن البله، وقلة المعرفة بالأمور. «وليلة الصدر» ، و «ليلة الحصبة» ، «وليلة البطحاء» ، كل ذلك واحد، وهو نزوله صلى الله عليه وسلم بالمحصب ليلة النفر الآخر، والمحصب والأبطح، والمعرس وخيف بني كنانة واحد، وهو بطحاء مكة [وهو بين مكة] ومنى. و «سرف» ، على فرسخين من مكة، وقيل: على أربعة أميال. و «عركت» ، بفتح العين والراء، أي: حاضت، والعارك: الحائض، وكذلك «طمثت» ، حاضت، والله أعلم.
قال: ولم يكن عليها قضاء طواف القدوم.
ش: أي إذا طهرت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عائشة رضي الله عنها بقضائه، وهذا مما يورد على المتمتع في قضائه طواف القدوم، ويجاب عنه بأنه هنا سقط عنها لمكان العذر، كما يسقط طواف الوداع عن الحائض، أما ثم فلا عذر، والله أعلم.
قال: ومن وطئ قبل أن يرمي جمرة العقبة فقد أبطل حجهما.
ش: قد تقدمت هذه المسألة في قوله: فإن وطئ محرم في الفرج. إلا أنه ثم فصل بين أن يطأ في الفرج أو دونه، وبين هنا أن شرط بطلان الحج أن يكون قبل رمي جمرة العقبة، أما إن كان بعد رمي الجمرة فإن النسك لا يبطل، لما سيأتي إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
قال: وعليه دم إن كان استكرهها، ولا دم عليها.
ش: تقدمت هذه المسألة أيضا، وأن الدم بدنة، وأنها إذا طاوعته فعلى كل واحد منهما [بدنه] . والله أعلم.
قال: وإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة فعليه دم.
ش: وإذا كان الوطء بعد التحلل الأول - كما إذا رمى جمرة العقبة - فإن النسك لا يفسد.
1780 -
لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن رجل وقع
بأهله وهو بمنى، قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة، وفي رواية عن عكرمة قال: لا أظنه إلا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي. رواه مالك في الموطأ.
1781 -
ولعموم: «الحج عرفة، من صلى صلاتنا، ووقف معنا، حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة في ليل أو نهار، فقد تم حجه، وقضى تفثه» . وقد تقدم ذلك.
ويلزمه دم، وهل هو بدنة، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو شاة، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي محمد، كالوطء دون الفرج إذا لم ينزل، والجامع عدم البطلان بهما؟ فيه روايتان، والله أعلم.
قال: ويمضي إلى التنعيم فيحرم، ليطوف وهو محرم [وكذلك المرأة] .
ش: قد تقرر أن الحج لا يبطل بالوطء بعد رمي جمرة العقبة، وإذا لم يبطل فما بقي من الإحرام يبطل، لحصول
الوطء فيه، وإذا يلزمه أن يحرم، ليأتي بطواف الركن في إحرام صحيح، ويحرم من الحل، ليجمع في الإحرام بين الحل والحرم، وأقرب الحل إلى مكة التنعيم، فلذلك ذكره الخرقي، رحمه الله.
وظاهر كلام الخرقي وجماعة أنه إذا أحرم أتى بالطواف، وإن كان لم يسع أتى بالسعي، على ما تقدم، ثم قد حل، لأن هذا هو الذي بقي عليه من حجه، قال أبو محمد: والمنصوص عن أحمد أنه يعتمر، قال: فيحتمل أنه يريد هذا، وهو يسمى عمرة، لأنه هو أفعال العمرة، ويحتمل أنه يريد عمرة حقيقية، فيلزمه سعي وتقصير.
وظاهر كلامه أيضا أن الوطء بعد رمي جمرة العقبة لا يفسد، وإن كان قبل الحلق وظاهر كلام جماعة أنه إذا أوقفنا الحل عليه فسد النسك به، لأنهم ينيطون الحكم بالحل الأول.
والخرقي ظاهر كلامه أنه متوقف على الحلق، وقرر أبو محمد الأول على ظاهره، وقال: إنه ظاهر كلام أحمد وغيره من الأئمة.
(تنبيهان) : «أحدهما» . إذا وطئ بعد الطواف وقبل الرمي فظاهر كلام جماعة أنه كالأول، لإناطتهم الحكم بالوطء بعد التحلل الأول، ولأبي محمد في موضع في لزوم الدم - والحال هذه احتمالان، وله في موضع القطع بلزوم الدم متابعة للأصحاب.
«الثاني» . لم يتعرض الخرقي لحكم الوطء في العمرة، والحكم أنه يجب بالوطء فيها شاة، وهل تفسد؟ إن كان قبل السعي فسدت، وإن كان بعده وجب دم ولم تفسد، نص عليه أحمد، وقاله الشيخان، ومقتضى كلامهما وإن قلنا: الحلق نسك، بل هو صريح كلام أبي محمد، وبني [ذلك] صاحب التلخيص على الحلق، إن قيل: إطلاق محظور فكذلك، وإن قيل: نسك فسدت، والله أعلم.
قال: ومباح لأهل السقاية والرعاء أن يرموا بالليل.
ش: تخفيفا، ودفعا للحرج والمشقة عنهما، إذ أهل السقاية مشتغلون بالسقي [نهارا] ، وكذلك الرعاة مشتغلون بالرعي [كذلك] فعلى هذا يرمون كل يوم في الليلة التي تعقبه، فجمرة العقبة في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق، ورمي اليوم الأول في ليلة الثاني، ورمي الثاني في ليلة الثالث، والثالث
إذا أخروه إلى الغروب سقط عنهم، كسقوطه عن غيرهم.
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يباح الرمي في الليل لغير الصنفين، وهو ظاهر كلام أحمد، قال في رواية ابن منصور - وقد سئل عن الرمي في الليل إذا فاته فقال: - أما الرعاء فقد رخص لهم، وأما غيرهم فلا يرمون إلا بالنهار من الغد إذا زالت الشمس يرمي رميين، وكذلك صرح صاحب التلخيص بأن آخر الوقت غروب الشمس، والليل على هذا كقبل الزوال.
(تنبيه) : «أهل السقاية» : هم الذين يسقون على زمزم. «والرعاة» : بضم الراء، وبهاء في آخره، وبكسر الراء ممدودا بلا هاء، لغتان مشهورتان، والثانية لغة الكتاب والسنة، والله أعلم.
قال: ومباح للرعاء أن يؤخروا الرمي، فيقضوه في اليوم الثاني، والله أعلم.
ش: الرعاء يشق عليهم المبيت، ليرموا في كل يوم، فلذلك رخص لهم في ترك رمي يوم، ليرموه في الذي بعده.
1782 -
وقد روى أبو البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما، ويدعوا يوما» ، رواه أبو
داود، والنسائي والترمذي وصححه، وفي رواية:«أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم النحر، فيرمونه في آخرهما» ، قال مالك: ظننت أنه قال: في الأول منهما، ثم يرمون يوم النفر.
وقد تضمن هذا الكلام أن للرعاء ترك المبيت بمنى، وكذلك الحكم في أهل السقاية، إلا أن الخرقي لم يتعد هذا الحديث، وقد تقدم أن العباس رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته فأذن له. إلا أن بين الرعاء وأهل السقاية فرقا، وذلك أن الرعاء متى غربت الشمس وهم بمنى لزمهم المبيت، بخلاف أهل السقاية. ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يباح تأخير الرمي من يوم إلى آخر لغير من تقدم، ولعل مراده نفي الإباحة الاصطلاحية، وهو ما استوى طرفاه، لا الإباحة التي هي بمعنى الإذن في الفعل، ومراده بالإباحة في التأخير إلى الليل الإذن في الفعل، والذي ألجأ إلى هذا أن ظاهر كلام الأصحاب أنه يجوز تأخير الرمي كله إلى آخر أيام التشريق، ولا يجوز مجاوزة أيام