المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب خيار المتبايعين] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٣

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[حكم الاعتكاف]

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌[ما يجوز للمعتكف]

- ‌[ما لا يجوز للمعتكف]

- ‌[مفسدات الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج] [

- ‌حكم الحج]

- ‌[شروط وجوب الحج]

- ‌[شرط الاستطاعة للحج بالنسبة للمرأة]

- ‌[الحج عن الميت]

- ‌[شروط الحج عن الغير]

- ‌[حج الصبي والعبد]

- ‌[باب ذكر المواقيت]

- ‌[باب ذكر الإحرام]

- ‌[سنن وآداب الإحرام]

- ‌[أنواع النسك]

- ‌[الاشتراط في الإحرام]

- ‌[التلبية في الحج]

- ‌[أشهر الحج]

- ‌[باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له]

- ‌[صيد الحرم ونباته]

- ‌[الإحصار في الحج]

- ‌[باب ذكر الحج ودخول مكة]

- ‌[طواف التحية وتقبيل الحجر الأسود]

- ‌[شروط صحة الطواف وسننه]

- ‌[السعي بين الصفا والمروة]

- ‌[طواف وسعي القارن والمفرد]

- ‌[باب ذكر الحج]

- ‌[ذهاب الحاج إلى منى يوم التروية]

- ‌[الدفع إلى عرفة والوقوف بها]

- ‌[الدفع من عرفة إلى المزدلفة والمبيت بها]

- ‌[رمي الجمرات]

- ‌[نحر الهدي]

- ‌[الحلق والتقصير]

- ‌[من أركان الحج الطواف بالبيت]

- ‌[طواف الوداع]

- ‌[دم التمتع وصيامه]

- ‌[باب الفدية وجزية الصيد]

- ‌[سوق الهدي]

- ‌[كتاب البيوع]

- ‌[باب خيار المتبايعين]

- ‌[باب الربا والصرف وغير ذلك]

- ‌[بيع اللحم بالحيوان]

- ‌[بيع العرايا]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[الاستثناء في البيع]

- ‌[وضع الجوائح]

- ‌[تلف المبيع قبل القبض]

- ‌[باب المصراة وغير ذلك]

- ‌[البيع بشرط البراءة من العيوب]

- ‌[اختلاف المتبايعين في البيع]

- ‌[بيع العبد الآبق والطير في الهواء]

- ‌[بيع الملامسة والمنابذة]

- ‌[بيع الحمل في البطن دون الأم]

- ‌[بيع عسب الفحل]

- ‌[بيع النجش]

- ‌[بيع الحاضر للبادي]

- ‌[حكم تلقي الركبان]

- ‌[بيع العصير ممن يتخذه خمرا]

- ‌[بيع الكلب]

- ‌[بيع الفهد والصقر المعلم والهر]

الفصل: ‌[باب خيار المتبايعين]

أتبيعني؟ فليس بقبول، وإذا لا مدخل له في التقسيم، وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في مجلس العقد، ولم يتشاغلا بما يقطعه. وأما المعقود [عليه] فيشترط له شروط:(أحدها) كونه مما فيه منفعة مباحة لغير حاجة.

(الثاني) : كونه مأذونا للعاقد في بيعه، بملك أو إذن.

(الثالث) : كونه معلوما للمتعاقدين برؤية حال العقد بلا ريب، وكذلك على المذهب بصفة ضابطة لما يختلف به الثمن غالبا، أو برؤية متقدمة بشرط عدم تغير المبيع غالبا.

(الرابع) كونه مقدورا على تسليمه، ثم مع [جميع] ذلك لا بد من انتفاء مانعه، وهو مقارنة نهي من الشارع، وتحقيق ذلك يحتاج إلى بسط طويل، لا يليق بهذا الكتاب، والله أعلم.

[باب خيار المتبايعين]

قال: باب خيار المتبايعين

ش: الخيار اسم مصدر من: اختار يختار اختيارا. وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والله أعلم.

ص: 383

قال: والمتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما.

1821 -

ش: الأصل في ذلك ما روى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فإن تبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع» . متفق عليه.

1822 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله» . رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي، وللدارقطني فيه:«حتى يتفرقا من مكانهما» . وهذا نص في أن التفرق بالأبدان لا بالأقوال، ويقرب منه حديث ابن عمر لقوله:«وإن تفرقا بعد أن تبايعا» . وحقيقة ذلك بعد صدور البيع، ثم يعين ذلك فعل راويه المشافه لقائله صلى الله عليه وسلم.

ص: 384

1823 -

ففي مسلم عن نافع، أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله مشى هنية ثم رجع، وراوي الحديث إذا فسره بما يقتضي ظاهره أكد ذلك الظاهر، ومنع تأويله عند العامة، [ثم يرجح ذلك أن البائع اسم مشتق من البيع، وحقيقته بعد البيع] . واعتراض المالكي بعمل أهل المدينة مردود بمخالفة سعيد بن المسيب، والزهري، وابن أبي ذئب، ولقد بالغ ابن أبي ذئب في الإنكار على من خالف الحديث.

ص: 385

واعتراض الحنفي بكونه خبر آحاد فيما تعم به البلوى مردود باستفاضة الحديث.

1824 -

فقد رواه الجماعة من حديث عبد الله بن عمر، وحكيم بن حزام، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؛ والترمذي وأبو داود من حديث أبي هريرة، والنسائي من حديث سمرة بن جندب، وأبو داود من حديث أبي برزة، والترمذي من حديث جابر. ثم قد عمل الصحابة

ص: 386

عليه، على أنا لا نسلم الأصل، بل نقول بخبر الواحد والحال ما تقدم.

وقول الخرقي: والمتبايعان. يدخل فيه جميع أنواع البيع، من التولية، والمرابحة، والشركة، والمواضعة، وكذلك (الصلح) بمعنى البيع، كما إذا أقر له بدين أو بعين، ثم صالحه عنه بعوض، (والإجارة) لأنها بيع منافع، وفي الكافي وجه بالمنع إذا كانت الإجارة على مدة تلي العقد، ويدخل أيضا الصرف، والسلم، لأنهما بيع حقيقة، وعنه: لا خيار فيهما، وخص القاضي في روايتيه الخلاف بالصرف، وتردد في السلم هل يلحق بالصرف أو ببقية البياعات؟ على احتمالين، ويدخل أيضا (الهبة بعوض) ، إذ المغلب إذا حكم البيع على المشهور، والإقالة، والقسمة، حيث قيل:

ص: 387

إنهما بيع، ويدخل أيضا (الحوالة) إن قيل: إنها بيع. لا إن قيل: إنها إسقاط، أو عقد مستقل، لوجود البيع في جميع ما تقدم. ويستثنى من عموم كلامه إذا اشترى من يعتق عليه، فإنه لا خيار له، كما لو باشر عتقه، وسيأتي إن شاء الله تعالى، وفي سقوط حق صاحبه وجهان. ويخرج من كلامه كل ما ليس ببيع، كالنكاح، والخلع، والقرض والكتابة، وغير ذلك، وكذلك المساقاة، والمزارعة، والسبق، والشفعة، إذا أخذ بها، وفي الأربعة إن قيل بلزومها وجه. وقد يخرج من كلامه ما إذا اتحد العاقد، كما إذا اشترى لنفسه من مال ابنه الصغير، ونحو ذلك، إذ لا متبايعان، وقد يدخل لأنه في حكم متبايعين، وبالجملة في ثبوت الخيار لمن هذه حالته قولان، المجزوم به منهما - لصاحب [التلخيص] وابن حمدان في الصغرى، وأورده أبو محمد مذهبا - عدم الثبوت، وعلى القول بالثبوت هل يعتبر مفارقة المجلس، أو لا بد من اختيار اللزوم؟ قولان أيضا.

ص: 388

وقوله: ما لم يتفرقا بأبدانهما. يقتضي أن الخيار لهما ولو طال المجلس بنوم، أو بناء حاجز، أو مشي منهما، ونحو ذلك، وهو كذلك، لظاهر الحديث.

1825 -

وكذا فهم أبو برزة رضي الله عنه أحد رواة الحديث، وكلامه (شامل) لما إذا مات أحدهما، لعدم التفرق بالأبدان، وهو أحد الوجهين.

(والثاني) - وبه جزم ابن حمدان، وصاحب التلخيص، ويحتمله كلام الخرقي كما سيأتي - أن الخيار والحال هذه يبطل، إذ الموت أعظم الفرقتين، (وشامل) أيضا لما إذا تبايعا على أن لا خيار

ص: 389

بينهما، وهو إحدى الروايتين، واختيار القاضي في تعليقه، وأبي الخطاب في خلافه الصغير، وأبي الحسين، وابن عقيل في الفصول، لأن أكثر الأحاديث:«البيعان بالخيار» ، من غير زيادة، ولأنه إسقاط للحق قبل وجوبه.

(والثانية) - وهي اختيار ابن أبي موسى، والقاضي في روايتيه، والشيرازي، وأبي محمد - يبطل الخيار والحال هذه، لما تقدم في حديث ابن عمر:«أو يخير أحدهما الآخر، فإن تبايعا على ذلك فقد وجب البيع» ، والأخذ بالزائد أولى، والتبايع على ذلك يمنع انعقاد السبب مؤقتا.

(فعلى الأولى) في فساد العقد باشتراط ذلك قولان، أظهرهما - وهو ظاهر كلام الخرقي - عدم الفساد. ومفهوم كلامه أنه متى حصل تفرقهما بطل خيارهما، ويدخل في ذلك ما لو حصلت الفرقة بهرب، أو من غير قصد، أو جهلا، أو بإكراه، وهو كذلك، نعم في الإكراه (وجه آخر) ، يحكى عن القاضي، وأورده في التلخيص مذهبا: أن خيار المكره لا ينقطع، وإذا يكون له الخيار في

ص: 390

المجلس الذي زال عنه الإكراه فيه دون صاحبه، (وقول ثالث) : إن كان المكره قادرا على كلام يقطع به خياره انقطع، وإلا فلا، ثم إن أبا محمد في المغني خص الخلاف بما إذا أكره أحدهما، أما إن أكرها فقال: ينقطع خيارهما، لأن كل واحد منهما ينقطع خياره بفرقة الآخر، فأشبه ما لو أكره صاحبه دونه، وصرح في الكافي بالخلاف في الصورتين، [وهو أجود] وقد قطع ابن عقيل في الفصول ببقاء خيارهما مع إكراههما، وجعل من صور ذلك إذا رأيا سبعا، أو ظالما يؤذيهما، أو احتملهما السيل أو أحدهما، أو حملت الريح أحدهما، وجعل في جميع ذلك الخيار لهما في موضع زوال المانع، ويتلخص من ذلك - على ما قطع به ابن عقيل، وأورده في المغني مذهبا، فيما إذا أكرها أو أحدهما - ثلاثة أقوال، يبطل الخيار في الصورتين، لا يبطل فيهما، يبطل فيما إذا أكرها، ولا يبطل فيما إذا أكره أحدهما، بل يكون الخيار له دون صاحبه.

ثم هل له الخيار مطلقا، أو بشرط عدم قدرته على كلام يقطع به خياره؟ فيه قولان.

ص: 391

(تنبيهان) : «أحدهما» المرجع في التفرق إلى العرف لعدم نص من الشارع ببيانه، وقد ضبط ذلك بأنهما إن كانا في رحب واسع فبأن يمشي أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات، على ما قطع به ابن عقيل، وأورده في المغني مذهبا، اتباعا لفعل ابن عمر المتقدم، وقيل - وقطع به في الكافي -:[بل] يبعد منه، بحيث لا يسمع كلامه عادة، وإن كانا في دار كبيرة فمن بيت إلى آخر، أو إلى مجلس أو صفة، بحيث يعد مفارقا له، وفي صغيرة يصعد أحدهما سطحها، أو يخرج منها، وفي سفينة صغيرة يخرج أحدهما ويمشي، وفي كبيرة يصعد أحدهما أعلاها وينزل الآخر أسفلها، ونحو ذلك.

(الثاني) : قول الخرقي: ما لم يتفرقا - وكذلك في الحديث - قال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى - ثعلب - عن الفرق بين التفرق والافتراق، فقال: أخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال: يقال: فرقت بين الكلامين - مخففا - فافترقا، وفرقت

ص: 392

بين اثنين - مشددا - فتفرقا، فجعل الافتراق في الأقوال، والتفرق في الأبدان وهو يؤيد ما ذهبنا إليه.

وقوله في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص «إلا أن يكون صفقة خيار» أصل الصفقة ضرب اليد [على اليد] في البيع، ثم جعل عبارة عن العقد، أي إلا أن يكون عقد خيار، ثم يحتمل أن المراد عقد شرط فيه الخيار، ويكون مستثنى مما بعد الغاية، ويحتمل أنه عقد نفي فيه الخيار، فيكون مستثنى من المنطوق، ولعله أظهر وقول نافع: مشى هنيهة. تصغير «هنة» وهي كلمة يعبر بها عن كل شيء قليل، والله أعلم.

قال: فإن تلفت السلعة، أو كان عبدا فأعتقه المشتري أو مات، بطل الخيار.

ش: إذا تلفت السلعة في مدة الخيار بطل في إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها الخرقي وأبو بكر، نظرا إلى أن التالف لا يتأتى عليه الفسخ (والثانية) - وهي أنصهما، واختارها الشريف، وابن عقيل، وحكاها في موضع من

ص: 393

الفصول عن الأصحاب - يبطل خيار المشتري، لحصول التلف في ملكه، ولا يبطل خيار البائع، بل له الفسخ، والرجوع إلى البدل، لتعذر الرجوع في العين، نظرا إلى أن الفسخ للعقد، وإنما ورد على موجود، ولعموم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وكأن محل التردد هل النظر إلى حال العقد أو إلى الحال الراهنة، وحكم عتق المشتري للعبد [المبيع] حكم تلفه، لأنه تلف معنوي، لانتفاء المالية منه، ولما كان التلف المعنوي قد يتوهم أنه يخالف التلف الحسي نبه الخرقي عليه، مع زيادة فائدة يأتي بيانها إن شاء الله تعالى، ثم لما فصل العبد من بقية السلع، ذاكرا لحكم عتقه، ربما أوهم أن تلفه ليس كذلك، فأزال ذلك الوهم فقال: أو مات. ويحتمل أن يعود الضمير - لعله أظهر - في: أو مات. إلى المشتري، فيفيد أن المشتري إذا مات [في] مدة خيار المجلس يبطل الخيار، لما تقدم من أن الموت أعظم الفرقتين.

والفائدة التي أشرنا إليها ثم في كلام الخرقي هي أن عتق المشتري يصح، وهو مبني على انتقال الملك إليه بمجرد العقد، كما هو المشهور والمختار من الروايتين، وعلى

ص: 394

الرواية التي تقول لا ينتقل الملك إليه إلا بانقضاء الخيار لا ينفذ عتقه، بل عتق البائع، إناطة بالملك.

واعلم أنه لا يصح تصرف المشتري فيما صار إليه، ولا تصرف البائع فيما بذل له، بشيء في مدة الخيار، على المشهور من الروايتين، حذارا من إبطال حق الغير من الخيار أو التصرف في غير ملك، (والثانية) يقع التصرف موقوفا على انقضاء الخيار، [ولا يبطل حق من لم يتصرف من الخيار] فإن انقضى ولا فسخ صح التصرف، وإن فسخ من لم يتصرف، بطل التصرف، ويستثنى من ذلك العتق، فإنه يصح ممن له الملك بلا نزاع نعلمه عندنا.

1826 -

اعتمادا على عموم مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عتق لابن آدم فيما لا يملك» [ولبنائه على التغليب والسراية] ولتشوف الشارع إليه، [ولهذا يسري في ملك الغير] وفي إلحاق الوقف به

ص: 395

خلاف، الأصح: لا، واستثنى أبو الخطاب في الانتصار والشيخان تصرف المشتري والخيار له وحده، وزاد أبو البركات بتصرفه مع البائع، ونبه بذلك على [تصرفه بإذن البائع، أو تصرف البائع، بوكالة المشتري أنه يصح بطريق الأولى، كما صرح به أبو محمد، وله في تصرف البائع بإذن المشتري احتمالان، ولصاحب التلخيص احتمال بعدم] صحة تصرف المشتري، والخيار له وحده، وبناه على القول بأن الملك إنما يحصل له بالعقد واللزوم، على الرواية الضعيفة، وقد عرف من هذا أن الشيخين فرعا على الرواية المشهورة، من حصول الملك له بالعقد، وأن إيراد ابن حمدان المذهب بمنع التصرف مطلقا إلا في العتق - تبعا لإطلاق بعض الأصحاب المنع - ليس بشيء.

(تنبيه) : كلام الخرقي ومن حذا حذوه - والله أعلم - في التلف إنما هو فيما كان من ضمان المشتري، أما ما كان من ضمان البائع فسيأتي أنه تارة ينفسخ العقد فيه بمجرد التلف، وتارة يخير المشتري بين الفسخ والإمضاء، ومطالبة المتلف بالبدل، وكلامهم يشمل ما إذا كان في مدة الخيارة أو بعدها، وقد نبه على ذلك أبو محمد، وإن كان في كلامه

ص: 396

تجوز، فإنه قال: إن التلف إن كان قبل القبض وكان مكيلا أو موزونا انفسخ العقد، وكان من مال البائع، قال: ولا أعلم فيه خلافا، إلا أن يتلفه المشتري، فيكون من ضمانه، ويبطل خياره، وفي خيار البائع روايتان، فأطلق - والحال ما تقدم - أن العقد ينفسخ، وهو ممنوع لأنه إذا أتلفه أجنبي لم ينفسخ العقد كما سيأتي، بل يخير المشتري بين الفسخ ومطالبة متلفه ببدله، وقد وقع لابن عقيل أيضا نحو قوله، والله أعلم.

قال: وإن تفرقا من غير فسخ لم يكن لواحد منهما الرد إلا بعيب أو خيار.

ش: إذا تفرق المتبايعان من غير فسخ لم يكن لواحد منهما الرد في الجملة، لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:«البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وفي رواية حتى يتفرقا» غياه إلى غاية هي التفرق فمفهومه أنه لا خيار لهما بعد التفرق، وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع» أي ثبت واستقر.

ص: 397

وعموم كلام الخرقي يدخل فيه ما يفتقر إلى القبض، وهو المذهب بلا ريب، لظواهر الأحاديث وعن القاضي في [موضع] أن ما يفتقر إلى القبض لا يلزم إلا بقبضه.

واستثنى الخرقي رحمه الله شيئين (أحدهما) أن من اطلع منهما على عيب فإن له الرد، وهو كذلك في الجملة، وقيل: إنه لم يصح فيه حديث، ولكنه إجماع، وفي معنى العيب إذا أخبره في المرابحة بثمن، فبان أنه أقل، أو أخبره أن الثمن حال، فبان مؤجلا، ونحو ذلك، والتدليس بما يختلف به الثمن، ويقرب منه اشتراط صفة تقصد فلم توجد.

(الثاني) : إذا اشترطا أو أحدهما خيار اليوم أو الشهر، فإن له الرد بذلك.

ص: 398

1827 -

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون عند شروطهم» الحديث، ولما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو «إلا أن تكون صفقة خيار» على أحد الاحتمالين فيه، ولأنها مدة ملحقة

ص: 399

بالعقد، فصحت كالأجل، مع أن أبا محمد قد حكى ذلك في الكافي إجماعا، لكنه معترض، نعم هو قول العامة، وهذا يلقب بخيار الشرط، والأول بخيار المجلس.

وقوله: بعيب أو خيار. الباء للسببية، أي بسبب عيب، أو بسبب خيار، فيحتمل أن يريد ما تقدم من شروط الخيار، وهو أظهر لما سيأتي، ويحتمل أن يريد حيث ثبت لواحد منهما خيار، فيدخل في ذلك خيار تلقي الركبان والنجش، ويأتيان إن شاء الله تعالى، وخيار المسترسل، وهو الجاهل بقيمة المبيع، كفقير يشتري جوهرة، ونحو ذلك، والمذهب صحة معاوضة من هذه حاله، والمذهب أيضا على صحة البيع ثبوت الخيار له إذا غبن، والمذهب المنصوص أيضا عدم تحديد الغبن، وإناطته بما لا يتغابن بمثله، أما إن كان عالما بالقيمة فإنه لا خيار له وإن غبن، قاله القاضي وغيره، ولأن ذلك الغبن حصل بعجلته، وعدم تأمله عادة وقدره أبو بكر، وابن أبي موسى بالثلث، وبعض الأصحاب بالسدس، ويدخل أيضا خيار الخلف في الصفة حيث صح البيع بها، أو برؤية

ص: 400

متقدمة، وخيار الرؤية على المشهور من الروايتين، حيث صح البيع بلا رؤية مطلقا ولا صفة، كما هو رواية مرجوحة، والله أعلم.

قال: والخيار يجوز أكثر من ثلاث.

ش: الألف واللام لمعهود تقدم، هو خيار الشرط، وقوله: أكثر من ثلاث أي ثلاث ليال بأيامها، إذ التاريخ يغلب فيه الليالي، وكأن الخرقي رحمه الله تبع لفظ الحديث.

1828 -

وهو ما «روي عن [محمد بن] يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو كان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، فكان لا يزال يغبن، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، إن رضيت فأمسك، وإن سخطت فارددها» رواه البخاري في تأريخه، وابن ماجه والدارقطني.

ص: 401

1829 -

وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر «أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخدع في البيوع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بايعت فقل: لا خلابة» فكان إذا بايع قال: لا خلابة» . رواه البخاري ورواية مسلم قال: لا خيابة. إذا عرف هذا فالأصل في جواز الخيار أكثر من ثلاث قوله سبحانه: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم» ولأنها مدة ملحقة بالعقد، فجاز ما اتفقا عليه كالأجل، ولا يرد خبر منقذ، لأنه خاص به.

ص: 402

1830 -

بدليل أنه عاش إلى زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان يبايع ويغبن، ويرد السلع على التجار، ويقول: الرسول صلى الله عليه وسلم جعل لي الخيار ثلاثا، فيمر الرجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: ويحك صدقك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثا.

ويدخل في عموم كلام الخرقي إذا كان المبيع لا يبقى في المدة المشترطة كطعام رطب [ونحوه] ، وصرح بذلك القاضي في أثناء مسألة اشتراط الخيار [في الإجارة]، وأورد عليه فقال: يصح ويباع، ويحفظ ثمنه إلى المدة، قلت: وهذا قياس ما قالوه في الرهن إذا كان لا يبقى إلى المدة، قال أبو العباس: ويتوجه عدم الصحة من وجه في الإجارة، أي من وجه عدم صحة اشتراط الخيار في إجارة تلي العقد، ومن أن تلف المبيع يبطل الخيار.

(تنبيهان) : (أحدهما) : من شرط الخيار أن يكون معلوما، فلا يصح مجهولا على المشهور المعمول عليه من

ص: 403

الروايتين، (والثانية) يصح وينقطع بانقطاع من له الخيار أو انقطاع مدته (ثم محل الخيار البيع) وما في معناه، إلا بيع بشرط القبض، كالصرف، والسلم، (وفي الإجارة) ، لأنها بيع في الحقيقة، لا إجارة تلي العقد في وجه، (الثاني) قد تقدم عن يحيى بن حبان أن الذي كان يغبن هو جده منقذ بن عمرو، وقال جماعة: إنه والده حبان، وهو بفتح الحاء وبالموحدة «والآمة» [هي التي تصل إلى جلدة الدماغ كما] سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى، ولا خلابة بكسر الخاء، أي لا خديعة، ومنه قولهم:«إذا لم تغلب فاخلب» وقوله: لا خيابة لأنه كان ألثغ، يبدل اللام ياء ورواه بعضهم: لا خيانة. بالنون وهو تصحيف، والله أعلم.

ص: 404