الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ذكر الحج ودخول مكة]
نبدأ وبالله التوفيق قبل الشروع في ذلك بحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه حديث عظيم، يعرف منه غالب المناسك.
1612 -
«قال جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين. فأهوى بيده إلى رأسي، فنزع زري الأعلى، ثم نزع زري الأسفل، ثم وضع كفه بين ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحبا بابن أخي، سل عما شئت. فسألته - وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة، فقام في ساجة ملتحفا بها، كلما وضعها على منكبيه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فصلى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بيده، فعقد تسعا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم -
ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال «اغتسلي واستثفري بثوب، وأحرمي» فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت مد بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهل بالتوحيد «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك له لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته، قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فجعل المقام بينه
وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ في الركعتين:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] و: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]«أبدأ بما بدأ الله» فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، ووحد الله وكبره، وقال:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي، [سعى] حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر الطواف عند المروة قال:«لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة» [فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه الهدي] فقام سراقة بن جعشم فقال: يا رسول الله
ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه [واحدة] في الأخرى، وقال «دخلت العمرة في الحج» مرتين «لا بل لأبد أبد» وقدم علي بن أبي طالب من اليمن ببدن [رسول الله صلى الله عليه وسلم] فوجد فاطمة ممن حل، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أبي أمرني بهذا، قال: وكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة، للذي صنعت. مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال:«صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟» قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «فإن معي الهدي، قال: فلا تحل» قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به على من اليمن، والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم الروية توجهوا إلى منى، وأهلوا بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس، فأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر
الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: «إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي [موضوع، ودماء الجاهلية تحت قدمي] وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد، فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم
تسألون عني، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت، ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس «اللهم اشهد، اللهم اشهد» ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى «أيها الناس السكينة السكينة» كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء [بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح] بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله، ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن العباس، وكان رجلا حسن الشعر، أبيض وسيما، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم[يده] على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق
الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده [من الشق] الآخر [على وجه الفضل، فصرف وجهه من الشق] ينظر حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنة، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على بئر زمزم، فقال:«انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلوا فشرب منه» . رواه أبو داود، وابن ماجه، [ومسلم] وهذا لفظه، وله في رواية أخرى «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف» » .
(تنبيه) : محمد بن علي بن حسين هو الباقر، والذي فعله معه جابر من وضع كفه بين ثدييه ونحره تأنيسا به، ورقا عليه، أو تبركا بالذرية الطاهرة، «ومرحبا» كلمة تقال عند المسرة للقادم، ومعناها: صادفت رحبا، أي سعة. «والساجة» الطيلسان، ويقال لها أيضا «الساج» وقيل: هي الخضر خاصة وفي رواية أبي داود «نساجة» بكسر النون، ضرب من الملاحف المنسوجة، وقوله: بشر كثير. قيل حضر معه حجة الوداع أربعون ألفا. «والمشجب» بكسر الميم وبالشين المعجمة، وباء موحدة بعد الجيم [عيدان تضم رءوسها] ، ويفرج بين قوائهما، توضع الثياب عليها، وقد تعلق عليها الأسقية، لتبريد الماء، «واستثفري» بالثاء المثلثة، وقد تقدم معناه، وفي أبي داود «واستفذري» بذال معجمة، قيل: مأخوذ من «الذفر» وهو كل ريح ذكية من طيب أي تستعمل طيبا يزيل هذا الشيء عنها، «والقصوى» بفتح القاف ممدود وقيل ومقصور - ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم[والقصواء هي
الناقة التي قطع طرف أذنها. فقيل: كانت ناقته [صلى الله عليه وسلم] كذلك وقيل - وهو المشهور: إنما كان [هذا] لقبا لها، لأنها كانت لا تكاد تسبق، كان عندها أقضى الجري.
وقوله في الصفا: فرقي عليه. أي صعد، بكسر القاف على الأشهر.
وقوله: محرشا على فاطمة. التحريش الإغراء بين القوم والبهائم، وتهييج بعضهم على بعض، وهو ههنا ذكر ما يوجب عتابه لها.
ويوم التروية هو [اليوم] الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده، وقيل: لأن قريشا كانت تحمل الماء من مكة إلى منى للحجاج تسقيهم وتطعمهم، فيروون منه. وقيل: لأن الإمام يروي للناس فيه من أمر المناسك. وقيل: لأن إبراهيم تروى فيه في ذبح
ولده. «والمورك» بكسر الراء المرفقة التي تكون عند قادمة الرحل، يضع الراكب رجله عليها، يستريح من وضع رجليه في الركاب، شبه المخدة الصغيرة و «الوسامة» الحسن الوضيء الثابت «والإفاضة» الدفع في السير، قيل: أصلها الصب، فاستعيرت لذلك «والبضعة» بفتح الباء القطعة من اللحم. «وحبل المشاة» بفتح الحاء المهملة، أي صفهم ومجتمعهم في مشيهم، وقيل: طريقهم الذي يسلكونه في الرمل. وقوله: «كلما أتى حبلا» الحبل المستطيل [من الرمل] وقيل: الحاج دون الحبال.
وقوله: ينكتها. بالتاء ثالث الحروف، هذه الرواية، وروي: ينكبها. بالباء الموحدة، قال المنذري: وهو الصواب أي يميلها إليهم، يشهد الله عليهم.
وقوله: «بكلمة الله» قيل: قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وقيل: إباحة الله الزواج، وإذنه فيه.
وقوله: «تكرهونه» قيل: أن لا يستخلين مع الرجال، وليس المراد الزنا، لأنه حرام مع من يكرهه أو [من] لا يكرهه، «مبرح» أي غير مؤثر ولا شاق. «والظعن» بضم العين المهملة وسكونها، جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج، فإذا لم تكن فيه فليست بظعينة.
وتحريكه في بطن محسر: قال الشافعي: يجوز أنه فعله لسعة الموضع، أو لأنه مأوى الشياطين.
1613 -
و «حصى الخذف» قال الشافعي: أصغر من الأنملة طولا وعرضا، وقال عطاء: مثل طرف الإصبع.
1614 -
و «الناس» في قوله {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] قيل: آدم، وقيل: إبراهيم، وقيل: سائر العرب. والله أعلم.
قال: وإذا دخل المسجد الحرام فالاستحباب له أن يدخل من باب بني شيبة.
ش: اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
1615 -
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء، وإذا خرج خرج من الثنية السفلى» . متفق عليه. وعلى هذا استمر فعل الأمة سلفا بعد سلف، والله أعلم.
قال: فإذا رأى البيت رفع يديه.
1616 -
ش: لما روي عن ابن جريج «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتكريما، وتعظيما [ومهابة، وزد من شرفه وكرمه - ممن حجه واعتمره - تشريفا، وتعظيما، وتكريما] وبرا» رواه الشافعي في مسنده، والله أعلم.
قال: وكبر.
ش: إشعارا بعظمة الرب سبحانه وتعالى.
1617 -
وفي حديث ابن عباس قال: «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير،