الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفجر - إذ وقتها يدخل بانتصاف ليلة النحر، على المشهور من الروايتين - فعموم كلام أصحابنا يقتضي أنه: لا فرق، حملا على الغالب، ويؤيد هذا أنه لو أخر الرمي إلى بعد صلاة الظهر فإنه يجتمع في حقه التكبير والتلبية، ومنصوص أحمد في رواية ابنه عبد الله أنه يبدأ بالتكبير ثم يلبي، إذ التلبية قد خرج وقتها المستحب، وهو الرمي ضحى، فبذلك قدم التكبير عليها، والله أعلم.
[طواف الوداع]
قال: فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت، يطوف به سبعا، ويصلي ركعتين.
1748 -
ش: لما «روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» . رواه أحمد ومسلم، وليس بركن اتفاقا، بل واجب، يجبر بالدم، لهذا الحديث، هذا المشهور والمعروف عند الأصحاب.
وقال أحمد - في رواية ابن إبراهيم -: إذا نسي طواف الزيارة، فطاف للصدر لا يجزئه، وكيف يجزئه التطوع عن الفريضة، وكذلك نقل المروذي، وظاهر هذا أنه سنة لا واجب. إلا أن يقال: أطلق على الواجب تطوعا حيث قابله بالركن، إذ واجبات الحج تترك،
وتصح العبادة بدونها، فلها شبه بالتطوع.
وقول الخرقي: لم يخرج. يقتضي أنه لو أراد المقام بمكة لا وداع عليه، وهو كذلك، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده. وقوله: لم يخرج. ظاهره أنه لو خرج ولو إلى دون مسافة القصر أنه يلزمه الطواف، وهو ظاهر إطلاق الحديث، والمراد بالخروج: الخروج عن الحرم. ويجزئه طواف الزيارة إذا طافه عند الخروج عن طواف الوداع، في أشهر الروايتين لأنه حصل آخر عهده بالبيت طواف، والله أعلم.
قال: إذا فرغ من جميع أموره، حتى يكون آخر عهده بالبيت.
ش: يعني أن هذا الطواف يكون في وقت فراغه من جميع أموره، كي يكون آخر عهده بالبيت، اتباعا لنص حديث ابن عباس، والله أعلم.
قال: فإن ودع واشتغل في تجارة عاد فودع ثم رحل.
ش: يعني يتفرع على ما تقدم أنه لو ودع ثم اشتغل في تجارة، أو حاجة، أو عيادة مريض، أنه يعيد الوداع، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:«حتى يكون آخر عهده بالبيت» . ومن أقام في تجارة أو زيارة لم يكن آخر عهده بالبيت الطواف، وقد بالغ أحمد في ذلك، فقال له أبو داود: إذا ودع البيت ثم نفر
يشتري طعاما يأكله؟ قال: لا، يقولون حتى يجعل الردم وراء ظهره. وقال في رواية أبي طالب: إذا ودع لا يلتفت، فإن التفت رجع حتى يطوف بالبيت، وأبو محمد، رحمه الله، يجوز شراء اليسير، وقضاء الحاجة في الطريق، لأنه لا يسمى إقامة، والله أعلم.
قال: فإن خرج قبل الوداع رجع إن كان بالقرب، وإن أبعد بعث بدم.
ش: نص أحمد، رحمه الله، على هذا، محافظة على الإتيان بالواجب، إذ القريب في حكم المقيم، أما البعيد فمسافر، مع أن المشقة تلحقه غالبا، بخلاف القريب، ولو تعذر على القريب الرجوع فهو كالعبيد.
1749 -
وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد رجلا من مر الظهران - لم يكن ودع البيت - حتى ودع، رواه مالك في الموطأ.
ومقتضى كلام الخرقي، رحمه الله، أنه لو رجع القريب لا دم عليه، وهو كذلك، لأنه في حكم المقيم أما البعيد إذا رجع؛ فعن القاضي: لا يسقط عنه الدم، لاستقراره بالبعد، ولأبي محمد احتمال، وحد البعد مسافة القصر، نص عليه أحمد، واعتبرها أبو محمد من مكة، وقد يقال من الحرم، والله أعلم.
قال: والمرأة إذا حاضت قبل أن تودع خرجت، ولا وداع عليها ولا فدية.
ش: أما سقوط طواف الوداع عن الحائض فقول العامة.
1750 -
لما «روى ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض» . متفق عليه.
1751 -
وعن نافع، «أن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض، رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم» . رواه الترمذي.
1752 -
وفي مسلم وغيره «عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: حاضت صفية، قالت عائشة: فذكرت حيضها للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال
- صلى الله عليه وسلم: «أحابستنا هي؟» . قلت: يا رسول الله إنها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلتنفر» .
أما انتفاء الفدية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكرها في شيء من الأحاديث، ولو وجبت لذكرها، وحكم النفساء حكم الحائض.
(تنبيه) : إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل مفارقة البنيان لزمها الرجوع والوداع، فإن لم ترجع ولو لعذر فعليها الدم، ولو كان الطهر بعد مفارقة البنيان فلا رجوع عليها، والله أعلم.
قال: ومن خرج قبل طواف الزيارة رجع من بلده حراما، حتى يطوف بالبيت.
ش: قد تقدم أن طواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به، فإذا تركه الإنسان، ورجع إلى بلده، فإنه لا بد أن يرجع من بلده، ليأتي بركن الحج، ويرجع حراما عن النساء، إن كان قد رمى جمرة العقبة، وإلا فحراما عن كل شيء كما تقدم، وقد دل على الأصل قول النبي صلى الله عليه وسلم لصفية: أحابستنا هي؟» . فدل على أن الطواف يحبس صاحبه. والله أعلم.
قال: وإن كان قد طاف للوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة.
ش: لا بد من تعيين النية لطواف الزيارة، فإذا طاف للوداع، أو مطلقا، لم يجزئه عن طواف الزيارة، [نظرا] لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى» . الحديث، وهذا لم ينو طواف الزيارة، فلا يكون له، ونبه بهذا على مذهب مالك، رحمه الله، في أنه يجزئه ذلك، والله أعلم.
قال: وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد.
ش: هذا هو المذهب المختار للأصحاب، والمشهور عن أحمد في الروايتين، حتى إن القاضي في تعليقه لم يذكر غيره، ورواه عن أحمد سبعة من أصحابه، وذلك لما تقدم من أن الصحيح أن النبي
- صلى الله عليه وسلم كان نسكه القرآن، والخصم يسلم ذلك، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه طاف إلا طوافا واحدا.
1753 -
كما صرح به جابر رضي الله عنه فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة، وطاف لهما طوافا واحدا» . رواه الترمذي والنسائي.
1754 -
وعنه أيضا قال: «لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول» . رواه الجماعة إلا البخاري.
1755 -
وروى عبد الله بن عمر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما، حتى يحل منهما جميعا» . رواه الترمذي وهذا لفظه، والنسائي وقال:«إن ابن عمر، رضي الله عنهما، قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافا واحدا، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله» .
1756 -
وفي الصحيحين أيضا معنى هذا عنه رضي الله عنه، في حديث طويل، لما حج حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير رضي الله عنهما.
1757 -
وعن عائشة، رضي الله عنها، في حديثها الصحيح - وسيأتي إن شاء الله تعالى - قالت:«وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا» .
1758 -
ولمسلم في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» .
1759 -
ولأبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة، يكفيك لحجك وعمرتك» . لا يقال: الطواف اسم جنس مضاف لها، فيشمل كل طواف صدر منها، لأنا نقول: طواف. يقتضي ما يقع عليه اسم الطواف، وهو
يصدق بواحد، كذا أجاب القاضي، وفيه شيء، إذ لا يظهر لي فرق بين [طوافك] وعبدك، ونحوه، وهو وإن صدق بواحد، لكن لا يدل على تعيين الواحد، وإنما الجواب: أن المعلوم من قصتها أنها طافت طوافا واحدا، والخصم يسلم ذلك، لأن عنده أن أمرها آل إلى الإفراد، ثم لو لم يكن كذلك لم يكن [في قوله صلى الله عليه وسلم] :«يسعك طوافك لحجك وعمرتك» .
فائدة، إذ لا يتوهم أن في القران ثلاثة أطواف، ولأنهما عبادتان [من جنس واحد] فإذا اجتمعا دخلت الصغرى في الكبرى كالطهارتين.
(والرواية الثانية) : يلزمه طواف وسعي للعمرة، وطواف وسعي للحج، لا يدخل أحدهما في الآخر، حكاها جماعة، وهي نظير الرواية المذكورة في الوضوء والقاضي جعل في التعليق بدل هذه الرواية رواية أن عمرة القران لا تجزئ عن عمرة الإسلام، (وبالجملة) قد استدل لهذه الرواية بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، وإتمامها أن يأتي بأفعالها على الكمال.
1760 -
وبأنه قد روي «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف طوافين، وسعى سعيين» من رواية علي، وابن مسعود، وابن عمر، وعمران بن حصين، رضي الله عنهم.
1761 -
وروي عنه أيضا أنه قال: «من جمع بين الحج والعمرة فعليه طوافان» .
1762 -
وأجيب عن الآية بأن الإتمام أن يحرم بهما من دويرة أهله، كما
قال عمر وعلي، رضي الله عنهما، على أنا نقول بموجبه، لأنا نقول: إذا طاف وسعى لهما فقد أتمهما، وعن الأحاديث بضعفها، قال الحافظ المنذري: ليس فيها شيء يثبت. وينبني على الخلاف إذا قتل القارن صيدا أو أفسد نسكه، فالمنصوص جزاء واحد للصيد، وبدنة للوطء، وخرج جزاآن للصيد، وبدنة وشاة، كما لو فعل ذلك في كل من النسكين.
(تنبيه) : لا نزاع في اتحاد الإحرام والحلق، والله أعلم.
قال: إلا أن عليه دما، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، يكون آخرها يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
ش: هذا استثناء منقطع، لأن الدم ليس من عمل القارن، فالتقدير: لكن عليه دم. أو التقدير: ليس في عمل القارن، ولا في حكمه زيادة على عمل المفرد، ولا في حكمه، إلا أن عليه دما. وبالجملة وجوب الدم قول الجمهور، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] الآية، وقد تقدم أن القارن يدخل في ذلك.
1763 -
ويؤيد ذلك ما «قال سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال له