الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه، هل يجري على ظاهره، لما تقدم من قلة الجهالة، أو يحمل على الرواية التي قال فيها ثم بالصحة.
واختلفوا أيضا فيما إذا قال: بعتك هذا الحيوان إلا ثلثه، أو إلا ربعه، ونحو ذلك، فأجازه أبو محمد، وابن عقيل، كما لو قال في الصبرة: إلا ثلثها، ومنع ذلك القاضي في المجرد، قال: على قياس قول الإمام في الشحم، ورد بأن الشحم مجهول، ولا جهالة هنا، وحمل ابن عقيل كلام شيخه على أنه استثنى ربع لحم الشاة، لا ربعها مشاعا، ثم اختار الصحة في ذلك أيضا، والله أعلم.
[وضع الجوائح]
قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل فلحقتها جائحة من السماء رجع بها إلى البائع.
ش: لا نزاع عندنا فيما نعلمه في وضع الجوائح في الجملة.
1899 -
لما روى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم تأخذ من مال أخيك بغير حق؟» وفي رواية: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح» . رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وللنسائي في رواية أخرى «من باع ثمرا فأصابته
جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا، علام يأكل أحدكم مال أخيه المسلم» ولأن الثمار على رؤوس الأشجار تجري مجرى الإجارة، لأنها تؤخذ شيئا فشيئا كالمنافع، ثم المنافع إذا تلفت قبل مضي المدة كانت من ضمان المؤجر، كذلك الثمار، لا يقال: المنافع قبل مضي المدة غير مقبوضة، بخلاف الثمار فإنها مقبوضة، لأنا نقول: كلاهما في حكم المقبوض من وجه، ولهذا جاز التصرف في كل منهما على المذهب، ثم لا نسلم أن الثمرة مقبوضة القبض التام، بدليل أنها لو تلفت بعطش كانت من ضمان البائع، فلا ترد صحة التصرف فيها، فإنا نمنعه على رواية اختارها أبو بكر، فيما حكاه عنه ابن شاقلا.
1900 -
وقال: إنه قول زيد بن ثابت، وإن سلمناه فالإجارة، يجوز التصرف فيها، وإذا تلفت كانت من ضمان المؤجر.
1901 -
وقد اعترض على هذا بالحديث الصحيح «أن رجلا أصيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا عليه» ، قال: فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك» ولو كان الضمان على البائع لكانت المصيبة عليه، وأجيب بأن هذا واقعة عين، فيحتمل أنه أصيب بعد حرزها وقبضها القبض التام.
1902 -
واعترض أيضا بحديث عمرة بنت عبد الرحمن، قالت:«ابتاع رجل ثمرة حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعالجه وقام فيه، حتى تبين له النقصان، فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله، فحلف أن لا يفعل، فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تألى فلان أن لا يفعل خيرا» رواه أحمد ومالك في الموطأ
وظاهره أن الوضع غير واجب على البائع، وإلا لطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم البائع، وأمره بذلك، وأنكر عليه حلفه، وامتناعه من الواجب، وقد أجيب بأن الجائحة هنا يحتمل أن تكون بفعل آدمي والضمان عليه، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينزجر بقوله، ويخرج من الحق، فلم يحتج إلى طلبه.
1903 -
ويشهد لذلك ما في المسند أن الرجل بلغه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن شئت الثمن كله، وإن شئت ما وضعوا، فوضع عنهم ما وضعوا.
1904 -
وفي الموطأ فسمع بذلك رب الحائط، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هو له ويحتمل أنه كان قبل الأمر بوضع الجوائح، على أنه ليس في الحديث أن الثمرة أصابتها جائحة، مع أن الحديث مرسل، ثم يضعفه اختلاف ألفاظه، وما في المغني من أن المرأة قالت: فأذهبتها الجائحة، وأنه متفق عليه [الظاهر] أنه وهم.
واعترض أيضا بالأحاديث الصحيحة من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تزهو، وقوله:«أرأيت إن لم يثمرها الله بم تستحل مال أخيك؟» ولو كان الضمان على البائع لما استحل مال أخيه، وهذا أقوى ما اعترض به.
وقد أجاب عنه القاضي بأن معناه: بم تستحل جواز الأخذ، فهو إنكار على البائع في أخذ الثمن، نظيره قَوْله تَعَالَى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] ولا يخفى أن ظاهر اللفظ خلاف هذا.
والذي يظهر لي عدم القول بوضع الجوائح، وأن ذلك كان أولا، حين كانوا يتبايعون الثمار قبل بدو الصلاح.
1905 -
بدليل ما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: «كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار، فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنه أصاب الثمر الدمان، أصابه مراض، أصابه قشام، عاهات يحتجون بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة -: «إما لا فلا تبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر» كالمشورة يشير بها، لكثرة خصومتهم، رواه البخاري، وأبو داود، وزاد: «يتبايعون
الثمار قبل بدو صلاحها» ، وهذا بين في أنهم كانوا يتبايعون الثمار [قبل بدو صلاحها، وأن الجوائح ما كانت توضع، وإلا لم يكن في الخصومة فائدة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع ذلك، بأن منع البيع] قبل بدو الصلاح.
ولا تفريع على هذا، أما على المذهب، فهل توضع الجوائح مطلقا، عملا بعموم الحديث، وهو اختيار جمهور الأصحاب، إلا القدر اليسير الذي لا بد من تلفه غالبا، قال أحمد: لا أقول في عشر تمرات، ولا عشرين تمرة، وما أدري ما الثلث؟ أو لا يوضع إلا أن أتلفت الثلث فصاعدا، وهو اختيار الخلال، لأن اليسير مغتفر إذ لا بد من تلف ما غالبا، وما دون الثلث يسير.
1906 -
بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير» ؟ على روايتين، وقيدهما ابن عقيل وصاحب التلخيص بما بعد التخلية، وظاهره أن قبل التخلية الكل على البائع، ثم على الثانية: عل يعتبر الثلث بالقدر أو بالقيمة؟ فيه قولان. ومعنى وضع الجوائح أن الثمرة إذا تلفت أو بعضها قبل الجذاذ كان ذلك من ضمان البائع على المذهب، فيرجع المشتري عليه بالثمن أو ببعضه حسب التالف. وعلى الرواية الأخرى إن أتلفت دون الثلث فمن ضمان المشتري، وإن أتلفت الثلث فصاعدا فمن ضمان البائع، وإن تعيبت الثمرة ولم تتلف خير المشتري بين الإمضاء والأرش، وبين الرد وأخذ الثمن كاملا.
ثم الجائحة التي هذا حكمها ما لم يكن بفعل آدمي، كالريح، والمطر، والجراد، والبرد، ونحو ذلك، أما ما كان بفعل آدمي كالحاصلة من قطاع الطريق، ونهب الجيوش، ونحو ذلك، فإن المشتري مخير بين فسخ العقد، ومطالبة البائع بالثمن، وبين إمضائه ومطالبة المتلف بالبدل، قاله القاضي وغير واحد، واختار أبو الخطاب في الانتصار أن الضمان - والحال هذه - يستقر على المشتري، فيلزم العقد في حقه، ثم يرجع هو على المتلف، وفي التلخيص وغيره أن في إحراق اللصوص، ونهب الحرامية والجيوش وجهان، يعني هل هو من الجائحة أم لا؟ وكأن مرادهم خلاف أبي الخطاب وشيخه، انتهى.
وقول الخرقي: اشترى الثمرة. الألف واللام للعهد، أي: الجائز بيعها، وذلك بعد بدو صلاحها مطلقا، وقبله بشرط القطع، (وقوله) : دون الأصل، يخرج به ما إذا اشتراها
مع الأصل، فإن ضمانها يستقر عليه، لحصولها تابعة لما ضمانه عليه، وهو الأرض. (وقوله) : ولحقتها جائحة من السماء. يخرج به الجائحة من آدمي، وكذا قال أبو البركات، وظاهره كقول أبي الخطاب. (وقوله) : رجع بها على البائع. هذا فيما قبل تناهي الثمرة، أما إن جذت فلا نزاع في استقرار العقد، ولزوم الضمان للمشتري، وكذلك إن حصل تناهيا، لأن التفريط إذا من المشتري، وكذلك إن تمكن من قطعها ولم يقطعها، فيما إذا بيعت قبل الصلاح بشرط القطع، قاله أبو البركات، والقاضي فيما حكاه عنه أبو محمد، وهو احتمال له في التعليق، لما تقدم، وزعم فيه أن ظاهر كلام الإمام الوضع أيضا، اعتمادا على إطلاقه، ونظرا إلى أن القبض لم يحصل.
ثم قول الخرقي: اشترى الثمرة. يشمل ثمرة النخل وغيرها، وأحمد قال - فيما حكاه عنه ابن عقيل -: إنما الجوائح في النخل، فظاهره إخراج ثمرة الشجرة، لكن قال القاضي: إنما أراد إخراج [الزرع] ، والخضروات إذ لا فرق يظهر بين الشجر، والنخل.
ويخرج من قول الخرقي وأحمد ما عدا الثمار، من الزرع، والخضروات، فلا وضيعة في ذلك، بل ضمانه على المشتري، وهذا أحد احتمالي القاضي: وقال: إنه الأشبه، بعد أن قال: إنه لا يعرف الرواية في ذلك، وفرق بأن الزرع لا يباع من غير شرط القطع إلا بعد تكامل صلاحه، فإذا تركه بعد فقد فرط، والثمرة تباع بعد بدو الصلاح، وقبل تكاملها على الترك، فلا تفريط. (والثاني) : وبه قطع أبو البركات حكم ذلك حكم الثمرة بالقياس عليها.
(تنبيهان) : «أحدهما» : ليس من الجائحة إذا استأجر أرضا للزراعة فزرعها ثم تلف الزرع بغرق أو نحوه، نص عليه
أحمد، وقاله الأصحاب، قال أبو محمد: ولا نعلم فيه خلافا، لأن المعقود عليه منفعة الأرض، وقد استوفيت بالزراعة، والتلف حصل لمال المستأجر، فهو كما لو استأجر بهيمة لحمل متاع، فحملته فتلف أو سرق.
(الثاني) : «الجائحة» في اللغة واحدة الجوائح، وهي الآفات التي تصيب الثمار فتتلفها، يقال: جاحهم الدهر يجوحهم، واجتاحهم، إذا أصابهم مكروه عظيم، «وتألى» حلف، و «الدمان» بفتح الدال، [وتخفيف الميم] ، عفن يصيب النخل فيسوده، و «المراض» داء يقع في الثمرة فتهلك، يقال: أمرض الرجل. إذا وقع في ماله العاهة، و «القشام» هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحا، و «إما لا» أصله، إن ما لا. فأدغمت