المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب بيع الأصول والثمار] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٣

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[حكم الاعتكاف]

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌[ما يجوز للمعتكف]

- ‌[ما لا يجوز للمعتكف]

- ‌[مفسدات الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج] [

- ‌حكم الحج]

- ‌[شروط وجوب الحج]

- ‌[شرط الاستطاعة للحج بالنسبة للمرأة]

- ‌[الحج عن الميت]

- ‌[شروط الحج عن الغير]

- ‌[حج الصبي والعبد]

- ‌[باب ذكر المواقيت]

- ‌[باب ذكر الإحرام]

- ‌[سنن وآداب الإحرام]

- ‌[أنواع النسك]

- ‌[الاشتراط في الإحرام]

- ‌[التلبية في الحج]

- ‌[أشهر الحج]

- ‌[باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له]

- ‌[صيد الحرم ونباته]

- ‌[الإحصار في الحج]

- ‌[باب ذكر الحج ودخول مكة]

- ‌[طواف التحية وتقبيل الحجر الأسود]

- ‌[شروط صحة الطواف وسننه]

- ‌[السعي بين الصفا والمروة]

- ‌[طواف وسعي القارن والمفرد]

- ‌[باب ذكر الحج]

- ‌[ذهاب الحاج إلى منى يوم التروية]

- ‌[الدفع إلى عرفة والوقوف بها]

- ‌[الدفع من عرفة إلى المزدلفة والمبيت بها]

- ‌[رمي الجمرات]

- ‌[نحر الهدي]

- ‌[الحلق والتقصير]

- ‌[من أركان الحج الطواف بالبيت]

- ‌[طواف الوداع]

- ‌[دم التمتع وصيامه]

- ‌[باب الفدية وجزية الصيد]

- ‌[سوق الهدي]

- ‌[كتاب البيوع]

- ‌[باب خيار المتبايعين]

- ‌[باب الربا والصرف وغير ذلك]

- ‌[بيع اللحم بالحيوان]

- ‌[بيع العرايا]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[الاستثناء في البيع]

- ‌[وضع الجوائح]

- ‌[تلف المبيع قبل القبض]

- ‌[باب المصراة وغير ذلك]

- ‌[البيع بشرط البراءة من العيوب]

- ‌[اختلاف المتبايعين في البيع]

- ‌[بيع العبد الآبق والطير في الهواء]

- ‌[بيع الملامسة والمنابذة]

- ‌[بيع الحمل في البطن دون الأم]

- ‌[بيع عسب الفحل]

- ‌[بيع النجش]

- ‌[بيع الحاضر للبادي]

- ‌[حكم تلقي الركبان]

- ‌[بيع العصير ممن يتخذه خمرا]

- ‌[بيع الكلب]

- ‌[بيع الفهد والصقر المعلم والهر]

الفصل: ‌[باب بيع الأصول والثمار]

في التمر فترك المشتري لها حتى تتمر وعدمه سيان، والله أعلم.

[باب بيع الأصول والثمار]

ش: «الأصول» جمع أصل، كفلس وفلوس والمراد هنا الأشجار «والثمار» جمع ثمر، كجبل وجبال، وواحدة الثمر ثمرة، وجمع الثمار ثمر، ككتاب وكتب، وجمع الثمر أثمار كعنق وأعناق، والله أعلم.

قال: ومن باع نخلا مؤبرا - وهو ما قد تشقق طلعه - فالثمرة للبائع متروكة في رؤوس النخل إلى الجذاذ، إلا أن يشترطها المبتاع.

ش: من باع نخلا مؤبرا فإن ثمرته تكون للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع.

ص: 489

1883 -

على نص حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع» متفق عليه وتكون للبائع متروكة في النخل إلى الجذاذ، ولا يلزمه قطعها في الحال، إذ النقل والتفريغ جار على العرف، كما لو باع دارا له فيها قماش ونحو ذلك، فلا يلزم بالنقل ليلا، ولا جمع دواب البلد لذلك، بل إنما ينقله على المعتاد، والمعتاد في الثمرة أخذها عند جذاذها، والمرجع في ذلك إلى العادة، فإن كان نخلا فحين تتناهى حلاوة ثمره، إلا أن تجري العادة بأخذه بسرا، أو يكون بسره خيرا من رطبه، فإنه يجذه حين استحكام حلاوة بسره، وإن كان فاكهة فأخذه حين [يتناهى] إدراكه، ويجذ مثله، وإن قيل: إن بقاءه خير له، فلو أصابت الثمرة آفة، بحيث لم يبق في بقائها فائدة، فهل يجب تفريغ الأشجار منها في الحال، لعدم الفائدة في بقائها إذا؟ فيه احتمالان، ولو خيف على الأصول ضرر كثير - كالجفاف ونحوه - فهل يجبر أيضا رب الثمرة على القطع حفظا للأصول، أو لا، لأن رب الأصول دخل على ذلك؟ فيه وجهان أيضا، وإن احتاجت الثمرة مدة بقائها على الأصول إلى سقي لم يلزم المشتري، لأن البائع لم يملكها من جهته، لكنه لا يملك منع البائع منه إن احتاجت إليه الثمرة،

ص: 490

وإن أضر بالأصل، لاقتضاء العقد البقاء، وكذلك إن احتاجت الأصول إلى سقي، لم يملك صاحب الثمرة منع ربها، وإن أضر بثمرته كذلك أيضا.

ومفهوم كلام الخرقي أن الثمرة إذا لم تؤبر فهي للمشتري بإطلاق العقد، وهو مفهوم الحديث أيضا.

والخرقي رحمه الله إنما حكم على النخل إذا أبر جميعه، أما إذا أبر بعضه فلم يتعرض له، والحكم أن النخلة الواحدة، ما لم يؤبر منها يتبع ما أبر، فيكون الجميع للبائع، بلا خلاف نعلمه، وكذلك الحكم في النوع عند ابن حامد، حذارا من سوء المشاركة، واختلاف الأيدي، والمنصوص أن لكل حكم نفسه نظرا لظاهر الحديث، فعلى الأول هل الجنس كالنوع، فيتبع النوع الذي لم يؤبر النوع الذي أبر جميعه وبعضه، ويكون الجميع للبائع إذا بيع جميع الجنس، أم لكل حكمه؟ فيه قولان، أشهرهما الثاني، أما الحائطان فلا يتبع أحدهما الآخر، ولهذه المسألة التفات إلى مسألة بدو الصلاح في البعض، ويأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى بما هو أتم من هذا.

ص: 491

(تنبيه) : أصل التأبير التلقيح، وهو وضع الذكر في الأنثى، والخرقي رحمه الله فسره بالتشقق، لأن الحكم عنده منوط به، وإن لم يلقح، لصيرورته في حكم عين أخرى، وعلى هذا فإنما أنيط الحكم - والله أعلم - في الحديث بالتأبير لملازمته للتشقق غالبا، وهذا الذي قاله الخرقي هو أشهر الروايتين، وقد بالغ أبو محمد فقال: إنه لا اختلاف فيه بين العلماء.

(والثانية) : لا بد من التلقيح بعد التشقق وإلا يكون للمشتري، عملا بظاهر الحديث، وتمسكا بالمقتضى اللغوي، والله أعلم.

قال: وكذلك بيع الشجر إذا كان فيه ثمر باد.

ش: أي ظاهر كالتين ونحوه، والحكم في ذلك كالحكم فيما تقدم أنه إن ظهر فهو للبائع، لأنه قد صار كعين أخرى إلا أن يشترطه المبتاع، وإن لم يظهر فهو للمشتري، قياسا على ما تقدم، لمساواته له في المعنى، والأصحاب قد قسموا الشجر على أضرب ليس هذا موضع بيانها، والله أعلم.

ص: 492

قال: وإذا اشترى الثمرة دون الأصل ولم يبد صلاحها على الترك لم يجز، وإن اشتراها على القطع جاز.

ش: بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بدون أصلها له ثلاثة أحوال.

(أحدها) أن تباع بشرط التبقية، فلا يصح إجماعا.

1884 -

لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع، وفي رواية قال: لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه» .

1885 -

وعن أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر حتى تزهو، قلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: حتى تحمر وتصفر» .

قال: «أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه» وفي رواية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لم يثمرها الله فبم تستحل مال أخيك» متفق عليه.

ص: 493

1886 -

وروي نحو ذلك من حديث جابر، وأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم.

(والثاني) : أن يشتريها بشرط القطع في الحال، فيجوز في قول العامة، لأمن المفسدة التي علل بها صاحب الشريعة، وهو منع الله الثمرة، واستحلال مال أخيه بغير شيء، وهنا الأخذ في الحال، فالاستحلال بما أخذ في الحال.

(الثالث) : اشتراها وأطلق، وهذا لم يتعرض الخرقي رحمه الله للحكم عليه بنفي ولا إثبات، وفيه قولان للعلماء، هما روايتان عن إمامنا، أشهرهما - وبه جزم الشيخان والأكثرون - لا يصح، لأن الإطلاق يقتضي النقل على ما جرت به العادة، والعادة في الثمرة كما تقدم قطعها إذا بدا صلاحها، فصار كأنه مشروط عدم القطع.

(والثانية) : يصح إن قصد القطع، ويلزم به في الحال، نص عليها في رواية عبد الله، حملا على عرف الشرع والحال

ص: 494

هذه، وتصحيحا لكلام المكلف ما أمكن، والشيرازي يحكي رواية بالصحة من غير اشتراط قصد القطع، وما حكاه السامري عن ابن عقيل في التذكرة - أنه ذكر في هذه المسألة أربع روايات - ليس بجيد، إنما حكى ذلك - على ما اقتضاه لفظه - فيما إذا شرط القطع ثم ترك، انتهى، أما بيعها مع أصلها فيجوز إجماعا، لأنها إذا تتبع الأصل، فأشبهت الحمل مع أمه، وأس الحيط، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم «من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع» .

وإن بيعت لمالك الأصل - كما إذا باع أصولها بعد أن أبرت، ولم يشترطها المشتري، ثم باعها له، وكذلك لو وصى بنخل مؤبر ثم باع الورثة الثمرة للموصى له - فوجهان (أحدهما) : يصح، وهو اختيار السامري، وصاحب التلخيص فيه، لأنه اجتمع الأصل والثمرة للمشتري، فأشبه ما لو اشتراهما معا (والثاني) : - وهو

ص: 495

ظاهر كلام الخرقي - لا يصح، لعموم الحديث، ولأنه لا متبوع ولا تابع، وعلى هذا لو شرط القطع صح، قال أبو محمد: ولا يلزم الوفاء بالشرط، لأن الأصل له، ومقتضى هذا أن اشتراط القطع حق للآدمي، وفيه نظر، بل هو حق لله تعالى كما سيأتي.

(تنبيهان) : (أحدهما) : الزرع قبل اشتداده كالثمرة قبل بدو صلاحها، يجري فيها ما تقدم.

1887 -

ولمسلم وأبي داود، والترمذي، في رواية في حديث ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري» .

1888 -

وعن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد» ، رواه أبو داود والترمذي.

(الثاني) : «الزهو» قد فسره أنس رضي الله عنه،

ص: 496

وفيه لغتان: زهى يزهو، وأزهى يزهي، حكاهما أبو زيد، قال الأصمعي: لا يقال النخل يزهو. وإنما يقال: يزهي، قال الخطابي: هكذا روي الحديث. يعني «يزهو» ، والصواب في العربية «تزهي» قال ابن الأثير: وهذا القول منه ليس عند كل أحد، فإن اللغتين قد جاءتا عند بعضهم، وبعضهم لا يعرف في النخل إلا «أزهى» ، انتهى وابن الأعرابي فسر «زهى يزهو» بمعنى: ظهر. «وأزهى يزهي» إذا احمر أو اصفر، «والحب» الطعام، واشتداد الحب قوته وصلابته، والله أعلم.

قال: فإن تركها حتى يبدو صلاحها بطل البيع.

ش: هذا هو المذهب المنصوص، والمختار من الروايات للأصحاب الخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي وأصحابه، وغيرهم، لعموم نهيه عن بيع الثمرة حتى تزهو، خرج منه صورة اشتراط القطع، وفعله عقب العقد بما هو كالإجماع فيبقى فيما عداه على مقتضى النهي، ولأنه أخر قبضا مستحقا لله تعالى، فأبطل العقد، كتأخير [قبض] رأس مال السلم والصرف.

ص: 497

والمعتمد في المسألة سد الذرائع، فإنه قد يتخذ اشتراط القطع حيلة، ليسلم له العقد، وقصده الترك، والذرائع معتبرة عندنا في الأصول وقد عاقب الله سبحانه وتعالى أصحاب السبت بما عاقبهم به، لما نصبوا الشباك يوم الجمعة، حيلة على الصيد بها يوم السبت، وعاقب أصحاب الجنة بما عاقبهم، لما قصدوا حرمان الفقراء، والتحيل على إسقاط حق الله سبحانه، ونهى سبحانه عن سب الآلهة التي تدعى من دون الله، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب الله جل وعلا، بقوله:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] .

1889 -

وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين، حذارا من أن يقال: إن محمدا يقتل أصحابه.

ص: 498

1890 -

ومنع صلى الله عليه وسلم سائق الهدي أن يأكل منه هو أو أحد من رفقته إذا عطب دون محله، حذارا من أن يقصر في علفه ويفرط فيه.

1891 -

ومنع القاتل من الإرث، لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى تعجيل الميراث.

1892 -

وأمر عمر بقتل الجماعة بالواحد، سدا للذريعة أيضا، وأدلة هذا الأصل كثيرة، وقد عمل إمامنا على ذلك في كثير من المسائل. (والرواية الثانية) لا يبطل البيع، نظرا إلى أن المبيع بحاله، وغاية الأمر أنه انضاف إليه غيره، وذلك لا يقتضي البطلان، بدليل ما لو اشترى حنطة فاختلطت بأخرى ولم تتميز، (والثالثة) : نقلها أبو طالب - إن قصد الحيلة فسد البيع، لمقارنة النهي للعقد إذا، وإن لم يقصد

ص: 499

الحيلة لم يفسد، لخلو العقد عن النهي ظاهرا وباطنا، وقد اختلف الأصحاب في هذه الرواية والتي قبلها، فأثبتها ابن عقيل وغيره، وتأول الثالثة شيخه فقال: معناها ما إذا لم يقصد الحيلة وهو أسهل، يعني أنه لا يأثم، وإن قصد الحيلة أثم، قال: وإلا فهما يتفقان في حكم الصحة والبطلان، إذ ما يبطل العقد لا فرق فيه بين القصد وعدمه، قال: فمحصول المذهب فيه روايتان، وأبو محمد تأول الثانية على ما إذا لم يقصد الحيلة، ومع القصد يبطل البيع عنده رواية واحدة، ومحل الخلاف عنده مع عدم القصد، وطريقته أخص الطرق، كما أن أعم الطرق طريقة ابن عقيل. (وحيث قيل) بالفساد فإن المبيع بزيادته للبائع، نص عليه أحمد، ويرد الثمن، لأنه قد تبين عدم الشرط المصحح للعقد، فبطل من أصله. (وحيث قيل) بالصحة فهل يشترك البائع والمشتري في الزيادة، لحدوثها عن ملكيهما، أو يتصدقان بها استحسانا للاختلاف؟ فيه روايتان منصوصتان، وحمل القاضي في

ص: 500

روايتيه وفي تعليقه كلا النصين على الاستحباب، وجعل الزيادة للمشتري، هذا هو التحقيق في النقل، وفاقا لنصوص الإمام وللقاضي في التعليق، وأبي البركات، وحكى ابن الزاغوني وأبو محمد وغيرهما رواية أن البائع يتصدق بالزيادة على القول بالبطلان، وكأنهم تبعوا القاضي في روايتيه، فإنه زعم أن حنبلا روى ذلك عن الإمام، وفيه نظر، فإنه صرح في التعليق بأن حنبلا وابن سعيد اتفقا على الصحة، إلا أن ابن سعيد [قال] : يشتركان، وحنبلا قال: يتصدقان، وفي الكافي رواية بالشركة على القول بالبطلان أيضا، وكأنه أخذها من قول ابن أبي موسى: وقيل عنه. ويتلخص من ذلك أن على القول بالبطلان ثلاثة أقوال، كما ذلك على القول بالصحة.

ومعنى التصدق بالزيادة أو الاشتراك فيها أن ينظر كم قيمتها وقت العقد، وكم قيمتها بعد الزيادة، فما بينهما محل التردد،

ص: 501

فإذا قيل - مثلا - قيمتها وقت العقد مائة، ثم صارت قيمتها بعد الزيادة مائتين، فالصدقة أو الشركة له بالمال الزائد.

ثم من المباشر للصدقة فيها؟ قد تقدم أن على رواية البطلان يتصدق بها البائع، أما على رواية الصحة فظاهر نص الإمام كما سيأتي أنهما يتصدقان بها، وقال ابن الزاغوني: لا تدخل في ملك واحد منهما، ويتصدق بها المشتري.

(تنبيه) : ترجم الخرقي رحمه الله المسألة إذا ترك حتى بدا الصلاح، وكذا القاضي وجماعة، وكذا وقعت نصوص أحمد الذي حكم فيها بالبطلان، أما نصاه اللذان حكم فيهما بالصحة، فقال فيهما: إذا كبرت وزادت، قال في رواية ابن سعيد: لا يشتري الرطبة إلا جزة، فإن تركها حتى تطول وتكبر كان البائع شريكا للمبتاع في الثمن، إلا أن يكون يسيرا، قدر يوم أو يومين، وكذلك النخل، ومن ثم استثن ابن عقيل من كون البائع يشارك المشتري الزمن اليسير، تبعا لنص الإمام انتهى، وقال في

ص: 502

رواية حنبل: إذا باعه زرعا على أن يجزه، أو نخلا على أن يصرمه، فتركه حتى زاد، فالزيادة لا يستحقها واحد منهما، ويتصدقان بها، فقد يقال بتقرير نصوصه، فالبطلان إذا بدا الصلاح، والصحة إذا لم يبد، والله أعلم.

قال: وإن اشتراها بعد أن يبدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز.

ش: الأصل في ذلك ما تقدم من نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن بيعها حتى تزهو، ونحو ذلك.

1893 -

وعن عمرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة» ، رواه مالك في الموطأ.

ودلالة هذه الأحاديث من أوجه (أحدهما) : أنه صلى الله عليه وسلم غيا النهي بغاية، فبوجودها يزول النهي، ويبقى على أصل الإذن في جواز البيع (الثاني) أن ما بعد الغاية والحال هذه يعطى

ص: 503

عكس حكم ما قبلها، وإلا فذكر الغاية إذا وعدمها سيان، وما قبلها لا يجوز إلا بشرط القطع، فما بعدها يجوز وإن شرط الترك، (الثالث) : أنه صلى الله عليه وسلم علل المنع بعلة، وهي الخوف من تلفها، ووقوع العاهة بها، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وإذا بدا الصلاح زالت العلة غالبا، فيزول المنع انتهى، والخرقي رحمه الله نص على ما إذا اشتراها بشرط القطع، ليصرح بمخالفة الخصم، ويفهم منه بطريق التنبيه صورة الوفاق، وهي ما إذا أطلق.

(تنبيهان) : «أحدهما» بدو الصلاح في شجرة صلاح لجميعها، بلا خلاف أعلمه بين الأصحاب، وكثير منهم يقول: رواية واحدة، واختلف في صلاح بعض النوع، هل يكون صلاحا [لسائر ذلك النوع الذي في القراح؟ فيه روايتان، أشهرهما عن الإمام: لا يكون صلاحا له كما لا يكون صلاحا] لقراح آخر، وهذا اختيار أبي بكر في الشافي، وابن شاقلا في تعاليقه، واستدل له ابن شاقلا بقوله صلى الله عليه وسلم «حتى يبدو صلاحه» وقال: وهو يقتضي الكل

ص: 504

بدلالة قَوْله تَعَالَى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] فإنه يقتضي الكل لا البعض (والثانية) : - وهي اختيار الأكثرين، ابن أبي موسى، وابن حامد، والقاضي وأصحابه وغيرهم - يكون صلاحا كما في النخلة الواحدة [إذ سوء المشاركة والاختلاط موجود في النوع، كما في النخلة الواحدة] ، وخرج بذلك قراح آخر، واختلف القائلون بهذه الرواية في النوع - كالبرني مثلا - هل يكون صلاحا لسائر الجنس الذي في القراح؟ فقال القاضي، وابن عقيل، وأبو محمد والأكثرون: لا يكون صلاحا، وقال أبو الخطاب: يكون صلاحا، وهو ظاهر النص الآتي.

ولا نزاع أن المذهب أن صلاح الجنس لا يكون صلاحا لجنس آخر، وكذلك صلاح نوع من بستان، لا يكون صلاحا لنوع آخر من بستان آخر، وعنه أن بدو الصلاح في شجرة من القراح صلاح له ولما قاربه.

ص: 505

(الثاني) نص أحمد في الرواية الأولى: إذا احمر بعضه وبعضه أخضر، يباع الذي بلغ، وهذا يشمل النخلة والنخلات، لكن القاضي قال: يجب أن يحمل هذا على أنه لا يكون صلاحا لنخلة أخرى، أما النخلة فيكون صلاحا لها رواية واحدة، ونصه في الثانية، في بستان بعضه بالغ، وبعضه غير بالغ: بيع إذا كان الأغلب عليه البلوغ، فمن القائلين بالرواية الثانية، من قصر الحكم على الغلبة، كالقاضي في تعليقه، وأبي حكيم النهرواني، وأبي البركات، تبعا لهذا النص، ومنهم من سوى بين القليل والكثير، كابن أبي موسى مصرحا به، وأبي الخطاب وغير واحد، تبعا - والله أعلم - للنص المحكي أخيرا، ويتلخص في المسألة ثلاث روايات، (الثالثة) الفرق بين الغلبة وغيرها، ثم كلا النصين اللذين حكم فيهما الإمام بالصلاح يشملان النوع، والجنسين، كما يقوله أبو الخطاب، عكس المشهور.

واعلم أن معنى: ما لم يبد صلاحه في حكم ما بدا صلاحه، في جواز بيعه مع ما بدا صلاحه تبعا له، فلو أفرد بالبيع فوجهان، وحكاهما القاضي في المجرد، فيما لم يؤبر من النوع، إذا أفرد بالبيع أن ثمرته تكون للبائع، إن قيل: إن ما لم يؤبر تبع لما أبر، وخالفه ابن عقيل فقال: إن الثمرة

ص: 506

- والحال هذه - تكون للمشتري قولا واحدا، والله أعلم.

قال: فإن كانت ثمرة نخل فبدو صلاحها أن تظهر فيها الحمرة أو الصفرة، وإن كانت ثمرة كرم فصلاحها أن تتموه، وصلاح ما سوى النخل والكرم أن يبدو فيه النضج.

ش: لما أناط الخرقي رحمه الله جواز البيع ببدو الصلاح فسره وبينه، بأنه ظهور الحمرة أو الصفرة في ثمرة النخل، وذلك لما تقدم عن أنس رضي الله عنه: حتى تحمر وتصفر.

1894 -

وعن جابر رضي الله عنه، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع الثمرة حتى تشقح، قيل: وما تشقح؟ قال: حتى تحمار وتصفار ويؤكل منها» .

1895 -

وسأل سعيد بن فيروز ابن عباس عن بيع النخل، فقال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يأكل منه أو يؤكل، وحتى يوزن، قال فقلت: وما يوزن؟ فقال رجل عنده:

ص: 507

حتى يحزر» . متفق عليهما، وصلاح ثمرة الكرم أن تتموه، أي يجري فيها الماء الحلو وتلين، وكذلك ما سوى ثمرة النخيل والكرم، صلاحه أن يبدو فيه النضج لصلاحيته، وكذلك الذي قبله للأكل، وإذا يدخل في معنى الأحاديث السابقة، وعلى هذا أيضا ينبغي أن يحمل كلام الخرقي في ثمرة النخل، أنه لا بد مع احمرارها واصفرارها من صلاحيتها للأكل، وفاقا لحديث جابر وابن عباس، وكذلك جعل أبو البركات الضابط في جميع الثمار أن يطيب أكلها، ويظهر فيها النضج، وأبو محمد جعل ما يتغير لونه عند صلاحه، كالأجاص، والعنب الأسود، صلاحه تغير لونه كثمرة النخل، والضابط الذي ذكره أبو البركات أجود.

(تنبيهان) : «أحدهما» اختلف الأصحاب فيما يؤكل صغارا وكبارا، كالقثاء والخيار، ونحوهما، فقال القاضي وابن عقيل: صلاحه تناهي عظمه، وقال أبو محمد: أكله

ص: 508

عادة. وتوسط صاحب التلخيص فقال: صلاحه التقاطه عرفا، وإن طاب أكله قبل ذلك.

(الثاني)«تشقح» بضم التاء وإسكان الشين، وتخفيف القاف، مضارع «أشقح» وقد فسره جابر، و «تحزر» بتقديم الزاي على الراء، أي تخرص، وفي بعض الأصول بتقديم الراء، قيل: إنه تصحيف، والله أعلم.

قال: ولا يجوز بيع القثاء والخيار، والباذنجان، وما أشبهها إلا لقطة لقطة.

ش: لا يجوز بيع الخيار، والباذنجان، وما أشبه ذلك - كالقثاء والبطيخ - إلا لقطة لقطة، لأن الزائد على ذلك غير معلوم، فلم يجز بيعه، لعدم العلم به.

واعلم أن هذه الأشياء عند جمهور الأصحاب أصولها كالشجر النابت، وثمرتها كثمرته، فتباع أصولها مطلقا، وثمرتها قبل بدو صلاحها [معها] ، أو لمالكها على وجه، أو بشرط القطع، أو مطلقا بشرطه على رواية، وبعد بدو الصلاح يباع الموجود منها واختار صاحب التلخيص المنع

ص: 509

من بيع ثمارها قبل بدو صلاحها إلا بشرط القطع، وإن بيعت مع أصولها، لتعرضها للآفة مع الأصول إلا إن بيعت مع الأرض، أو لمالكها، وقياس قوله أن أصولها لا تباع صغرة إلا إذا أمنت العاهة، إلا أن تباع مع الأرض أو لمالكها، أو بشرط القطع، والله أعلم.

قال: وكذلك الرطبة كل جزة.

ش: حكم الرطبة وما ثبت أصوله في الأرض ويؤخذ دفعة بعد دفعة - كالنعنع، والهندباء، ونحو ذلك - حكم الخيار، والباذنجان، لا يباع إلا الموجود منه جزة جزة، بشرط القطع في الحال، إذ ما لم يظهر معدوم، والموجود متى ترك ولم يقطع اختلط بغيره، وإذا يفضي إلى مشاجرة ونزاع، وذلك مما لا يرضاه الشارع.

(تنبيه) : حكم بيع الخيار ونحوه، والرطبة ونحوها - إذا بيع بشرط القطع، ثم ترك حتى طالت الجزة، أو حدثت ثمرة أخرى ولم يتميزا - حكم بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، إذا بيعت بشرط القطع، ثم تركت حتى بدا صلاحها على ما تقدم، قال غير واحد: ونص أحمد وقع في رواية ابن

ص: 510

سعيد في الرطبة إذا تركها حتى طالت بالصحة، وأظن أن ذلك وقع لابن عقيل أيضا.

أما إن اشتريت ثمرة بعد بدو صلاحها، فحدثت ثمرة أخرى للبائع، فإن تميزتا فلا كلام، وإن لم تتميزا اشتركا بقدر ما لكل منهما، فإن لم يعلم القدر وقف الأمر حتى يصطلحا، هذا رأي ابن عقيل، وأبي محمد وهو الصواب، بخلاف الثمرة قبل بدو صلاحها ونحوها، لارتكاب النهي ثم، وسدا للذريعة، لئلا يتخذ ذلك حيلة لما هو ممنوع منه شرعا، وأجرى أبو الخطاب في ذلك الروايتين اللتين في الثمرة قبل بدو صلاحها، وقال القاضي: إن كانت الثمرة للبائع، فحدثت أخرى، قيل لكل منهما: اسمح بنصيبك. فإن فعل أجبر الآخر على القبول، وإن امتنعا فسخ العقد، وإن اشترى ثمرة فحدثت أخرى لم يقل للمشتري اسمح، إذ الثمرة كل المبيع، ويقال للبائع ذلك، فإن سمح أجبر المشتري على القبول، وإلا فسخ العقد، قال ابن عقيل: ولعل هذا القول لبعض أصحابنا، فإني لم أجده معزيا إلى أحمد، والله أعلم.

ص: 511

قال: والحصاد على المشتري.

ش: الحصاد قطع الزرع، والخرقي رحمه الله كأنه استعمله في جميع ما تقدم، لأن الجميع قطع، وإنما كان ذلك على المشتري لأنه لتفريغ ملكه عن ملك البائع، وأنه عليه كنقل الطعام ونحوه، وفارق الكيل والوزن والذرع والعدد، فإنهن من تمام التسليم، وذلك على البائع، والتسليم هنا حصل بالتخلية، والله أعلم.

قال: فإن شرطه على البائع بطل البيع.

ش: اختلف الأصحاب أولا في جواز هذا الشرط، فذهب جماعة منهم - كأبي بكر، وابن حامد، والقاضي وجماعة من أصحابه وغيرهم - إلى جوازه، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن البيع لا يبطله شرط واحد، ولأن قصاراه أنه بيع وإجارة، وإنهما جائزان منفردين، فجازا مجتمعين، وذهب الخرقي إلى منعه، وهو الذي أورده ابن أبي موسى مذهبا، لأنه اشترط العمل في المبيع قبل ملكه، أشبه ما

ص: 512

لو استأجره ليخيط له ثوب زيد إذا ملكه، وأجيب بأن في مسألتنا حصلت الإجارة والملك معا، ومثل ذلك لا يمنع، على المنصوص في جواز رهن المبيع على الثمن، بخلاف ما تقدم، وعلى هذا القول هل يبطل البيع لبطلان الشرط؟ فيه روايتان حكاهما ابن أبي موسى.

ص: 513

والخرقي قطع بالبطلان، فيحتمل أن مذهبه بطلان البيع بالشرط الفاسد، وهو إحدى الروايتين، واختيار القاضي وابن عقيل، ويحتمل أن يخص البطلان هذا الشرط، وهو المرجح عند أبي محمد.

(تنبيه) : خرج أبو الخطاب وجماعة من أتباعه من قول الخرقي عدم صحة اشتراط منفعة البائع في المبيع مطلقا، وأبو البركات وصاحب التلخيص ذكرا ذلك رواية، فيحتمل أن مستندهما ذلك، ويحتمل أنهما اطلعا على نص، وتردد أبو محمد في التخريج، والأرجح عنده عدمه، وقصر كلام الخرقي على هذه المسألة وشبهها مما يفضي إلى التنازع، فإن البائع يريد القطع من أسفل، ليبقى له بقية، والمشتري يريد الاستقصاء ليزيد له ما يأخذه، وإنما ترجح ذلك عنده لما تقدم من إفضاء ذلك إلى التنازع، وليوافق المذهب [في صحة اشتراط منفعة البائع في المبيع، إذ القاضي قد قال: إنه لم يجد بما قال الخرقي رواية في المذهب] لأن الخرقي قال بعد: والبيع لا يبطله شرط واحد.

ص: 514

وجميع ذلك معترض، أما الإفضاء إلى التنازع فممنوع، إذ القطع على ما جرت به العادة، كما لو لم يشترطه عليه، وأما موافقة المذهب فإن المذهب أيضا عند الأكثرين صحة هذا الشرط، والقاضي إنما كلامه فيه، وأما قول الخرقي فلا بد من تخصيصه بهذا الشرط، أو بشرط منفعة البائع في المبيع.

وبالجملة يتلخص في صحة اشتراط منفعة البائع في المبيع ثلاثة أقوال، (الصحة) مطلقا، وهو المختار للأكثرين، والمنصوص عن الإمام.

1896 -

محتجا بأن محمد بن مسلمة رضي الله عنه اشترى من نبطي جزرة حطب، وشارطه على حملها، (والمنع) مطلقا، (والمنع) في جز الرطبة وما في معناها، والصحة فيما عدا ذلك، ثم محل الخلاف إذا كانت المنفعة معلومة، أما إن جهلت لهما أو لأحدهما فإنه لا يصح اشتراطها بلا نزاع نعلمه، والله أعلم.

ص: 515