الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البائع لو أقر بذلك لزم البيع في حقه بما أخبر به، أولا، لرضاه به، وتعاطي سببه، فهو كمشتري المعيب عالما بعيبه، ثم إن أقر البائع بذلك لزم البيع بما حصل الإخبار به أولا، لما تقدم، وإن أنكر - بأن قال: ما علمت ذلك. ونحوه - فللمشتري أن يحلفه على حسب جوابه، فإن حلف فلا كلام، وإن نكل، أو أقر قضي عليه، والله أعلم.
[اختلاف المتبايعين في البيع]
قال: وإن باع شيئا واختلفا في ثمنه تحالفا.
ش: إذا اختلف المتبايعان في ثمن المبيع - كأن قال البائع: بعته بمائة. مثلا، وقال المشتري: إنما اشتريته بخمسين. ونحو ذلك - فإن كانت لأحدهما بينة حكم بها، وإلا تحالفا، على المشهور، والمختار للأصحاب من الروايات.
1946 -
لما روى ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» متفق عليه واللفظ لمسلم.
1947 -
وللبيهقي «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» وكل من المتبايعين مدع ومنكر، إذ البائع في مثالنا يدعي فضل الثمن، والمشتري ينكره، والمشتري يدعي السلعة بأقل، والبائع ينكره، وإذا يحلف كل واحد منهما على ما أنكره، عملا بعموم الحديث.
1948 -
وللبيهقي في سننه عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن [الفقهاء من] أهل المدينة، كانوا يقولون: إذا تبايع الرجلان واختلفا في الثمن تحالفا، فأيهما نكل لزمه القضاء، فإن حلفا فالقول قول البائع، وخير المبتاع، إن شاء أخذ بذلك الثمن، وإن شاء ترك، وقد زعم أبو محمد أن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود الآتي «إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، ولا بينة لأحدهما تحالفا» (والثانية) القول
[قول] البائع مع يمينه، حكاها ابن أبي موسى، وابن المنذر، وزاد: ويترادان البيع.
1949 -
لما روى ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادان» رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وفي رواية:«أو يتتاركان» وفي أخرى «فالقول ما قال البائع، والمبتاع بالخيار» وفي أخرى لأحمد والنسائي «عن أبي عبيدة، وأتاه رجلان تبايعا سلعة، فقال هذا: أخذت بكذا وكذا، وقال هذا: بعت بكذا وكذا. فقال أبو عبيدة: أتي عبد الله في مثل هذا، فقال: حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا، فأمر بالبائع أن يستحلف، ثم يخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك» . ولم أر في شيء
من ألفاظ الحديث «تحالفا» .
وهذه الرواية، وإن كانت خفية مذهبا، فهي ظاهرة دليلا، اعتمادا على هذا الحديث، لا يقال: هذا الحديث منقطع، كما قال الشافعي رحمه الله، وكذا قال ابن عبد البر [وغيره: إن فيه انقطاعا. لأنا نقول: لما تعددت طرقه، تقوى بعضها ببعض، ودل ذلك على أن له أصلا، وقد قال ابن عبد البر] : هو محفوظ، مشهور، أصل عند جماعة
العلماء، تلقوه بالقبول، وبنوا عليه كثيرا من فروعه، قد اشتهر عنهم بالحجاز، والعراق، شهرة يستغنى بها عن الإسناد.
1950 -
كما اشتهر حديث «لا وصية لوارث» انتهى.
ويشهد لذلك أيضا (من جهة المعنى) أن السلعة كانت للبائع، والمشتري يدعي نقلها بعوض، والبائع ينكره إلا
بالعوض الذي عينه، والقول قول المنكر، وعدم الرضى إلا بذلك، (ومن جهة المذهب) إذا اختلف المكاتب وسيده في عوض الكتابة: القول قول السيد. على رواية مرجحة عند البعض.
وما ذكر للرواية الأولى فغايته أنه عموم، على أنه قد يمنع أن كلا منهما، منكر، بل قد يقال: البائع هو المنكر للنقل بالعوض الذي ذكره المشتري، أو المنكر هو المشتري، لأن حقيقة ما يدعي عليه قدر رأس المال، وهو ينكره.
(والثالثة) : حكاها أبو الخطاب في الانتصار: إن كان قبل القبض تحالفا، لما تقدم أولا، وإن كان بعده فالقول قول المشتري، لاتفاق البائع والمشتري على حصول الملك له، ثم البائع يدعي عليه عوضا، والمشتري ينكر بعضه، والقول قول المنكر، والله أعلم.
قال: فإن شاء المشتري أخذه بعد ذلك بما قال البائع، وإلا انفسخ البيع بينهما.
ش: هذا تفريع على المذهب من أنهما يتحالفان، وإذا هل ينفسخ البيع بينهما بنفس التحالف، وهو المنصوص، على ما زعم ابن الزاغوني، لأن المقصود من التحالف رفع العقد، فاعتمد ذلك أو لا ينفسخ بذلك، وهو المشهور، والمعروف، والمختار للخرقي، وابن أبي موسى، وأبي الخطاب، والشيخين وغير واحد، لأنه عقد صحيح، فتنازعهما لا يقتضي فسخه، كما لو أقام كل منهما بينة؟ على قولين، وعلى الثاني إن شاء المشتري الأخذ بما قال البائع أخذ به ولا فسخ، لما تقدم من حديث ابن مسعود، وكذلك إن رضي البائع بما حلف عليه المشتري.
وإن امتنعا من ذلك فهل ينفسخ البيع بمجرد إبائهما، وهو ظاهر كلام الخرقي، أو لا ينفسخ بذلك، وهو المعروف عند الشيخين وغيرهما؟ على قولين، وعلى الثاني: هل يفتقر الفسخ إلى حاكم؟ وهو احتمال لأبي الخطاب في الهداية، وقطع به ابن الزاغوني، لوقوع الخلاف في ذلك، أو لا يفتقر
إلى ذلك، بل لكل منهما الفسخ، وهو مختار الشيخين وغيرهما، لما تقدم من حديث ابن مسعود «أو يترادان البيع،
أو يتتاركان البيع، ثم يخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك» وفي الحديث أن الأشعث بن قيس قال لعبد الله بن مسعود - وكانا اختلفا في ثمن مبيع -: فإني تارك لك البيع؟ على قولين، والله أعلم.
قال: والمبتدي باليمين البائع.
ش: لما قال رحمه الله: إن البائع والمشتري يتحالفان. فلا بد من أن أحدهما يبدأ باليمين، فقال: إن المبتدئ بها هو البائع، وذلك لتساويهما من حيث الإنكار، وترجح البائع لكون العين ترجع إليه بعد التحالف، ومن نكل منهما عن اليمين، أو عن بعضها قضي عليه.
(تنبيه) صفة اليمين أن كلا منهما يحلف يمينا واحدة، يجمع فيها بين النفي والإثبات، فيحلف البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، أو ما بعته إلا بكذا. ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا. أو: ما اشتريته إلا بكذا، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه، فالإثبات لدعواه، والنفي لما ادعي عليه، ثم هل يبدأ بالنفي،
وهو المشهور، لدفع قول الخصم، أو بالإثبات، لإثبات دعواه ابتداء؟ على وجهين، والله أعلم.
قال: وإن كانت السلعة تالفة تحالفا.
ش: يعني أنه لا فرق بين أن تكون السلعة قائمة أو تالفة، أنهما يتحالفان، وهذا إحدى الروايتين، (والثانية) - وهي أنصهما، واختيار أبي البركات -: إن كانت السلعة باقية تحالفا، وإن كانت تالفة فالقول قول المشتري مع يمينه.
1951 -
لأن في حديث ابن مسعود - في رواية ابن ماجه - والبيع قائم بعينه وفي رواية لأحمد والسلعة كما هي ومفهومه أن السلعة إذا تلفت لا يكون القول قول البائع، وإذا يكون قول المشتري، لأن حقيقة ما يدعى عليه قدر رأس المال، وهو ينكر بعضه، والقول قول المنكر، وقد صرح بذلك الدارقطني في رواية، فقال:«إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع، فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري» وهذا نص.
والرواية الأولى اختيار الخرقي والأكثرين، لأن المشهور والصحيح من الرواية في الحديث ما تقدم، وهذه الرواية قد ضعفت، من قبل أن راويها محمد بن أبي ليلى، وهو سيء الحظ، ورواية الدارقطني فيها الحسن بن عمارة، وهو متروك.
1952 -
ثم يعارضه ما روى الدارقطني أيضا في الحديث عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلف البيعان، والمبيع مستهلك،
فالقول قول البائع» لكنه من رواية عبد الله بن عصمة، وهو ضعيف، انتهى.
واعلم أن هذه الرواية المنصورة، وقد أخذها القاضي في روايتيه من إطلاق أحمد أن المتبايعين إذا اختلفا تحالفا، ولم يفرق، وعلى هذا من يخص عام كلام إمام بخاصه تكون المسألة عنده رواية واحدة، في أن القول مع التلف قول المشتري. ثم اعلم أن أبا محمد ينصر الرواية المنصورة عند الأصحاب، لكن يقول: ينبغي أن قيمة السلعة إذا كانت مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري، أن القول قول المشتري مع يمينه، لعدم الفائدة في يمين البائع، وفسخ البيع، إذ حاصله يرجع إلى ما ادعاه المشتري، وله فيما إذا كانت القيمة أقل احتمالان:(أحدهما) : كالأول، إذ لا فائدة للبائع في الفسخ، بل وفيه ضرر عليه:(والثاني) : يشرع
التحالف، لحصول الفائدة للمشتري، والله سبحانه أعلم.
قال ورجعا إلى قيمة مثلها، إلا أن يشاء المشتري أن يعطي الثمن على ما قاله البائع.
ش: يعني إذا كانت السلعة تالفة وتحالفا فإن شاء المشتري أن يعطي الثمن عل ما قال البائع، وإلا انفسخ البيع بينهما على ما قاله الخرقي، وإذا يرجع كل منهما إلى ما خرج عنه، والذي خرج عن المشتري هو الثمن، فيرجع فيه، إن كان قد قبض، والذي خرج عن البائع هو السلعة، وقد تعذر الرجوع فيها، فيرجع في بدلها وهو القيمة، فإن تساويا، وكانا من جنس واحد، تقاصا وتساقطا، وإلا سقط الأقل، ومثله من الأكثر، هذا المشهور والمعروف.
وقال ابن المنجا: إن كلام أبي الخطاب أن القيمة إن زادت على الثمن أن المشتري لا تلزمه الزيادة، لأنه قال: المشتري بالخيار بين دفع الثمن الذي ادعاه البائع، وبين دفع
القيمة، وذلك لأن البائع لا يدعي الزيادة (قلت) : وكلام أبي الخطاب ككلام الخرقي، وليس فيه أن ذلك بعد الفسخ، بل هذا التخيير مصرح به بأنه بعد التحالف، وليس إذ ذاك فسخ، ولا شك أن المشتري والحال هذه مخير - على المشهور كما تقدم - عند قيام السلعة، فكذلك عند تلفها، والذي قاله ابن المنجا كأنه بحث لصاحب النهاية، فإنه حكى عنه بعد ذلك أنه قال: وجوب الزيادة أظهر لأن بالفسخ سقط اعتبار الثمن.
وقد بحث أبو العباس ذلك أيضا، فقال: يتوجه أن لا تجب قيمته إلا إذا كانت أقل من الثمن، أما إن كانت أكثر فهو قد رضي بالثمن، فلا يعطى زيادة، لاتفاقهما على عدم استحقاقها، قال: كما قلنا مثل هذا في الصداق ولا فرق، إلا أن هنا انفسخ العقد الذي هو سبب استحقاق المسمى، بخلاف الصداق، فإن المقتضي لاستحقاقه قائم. والله أعلم.