المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بيع اللحم بالحيوان] - شرح الزركشي على مختصر الخرقي - جـ ٣

[الزركشي الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[حكم الاعتكاف]

- ‌[مكان الاعتكاف]

- ‌[ما يجوز للمعتكف]

- ‌[ما لا يجوز للمعتكف]

- ‌[مفسدات الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج] [

- ‌حكم الحج]

- ‌[شروط وجوب الحج]

- ‌[شرط الاستطاعة للحج بالنسبة للمرأة]

- ‌[الحج عن الميت]

- ‌[شروط الحج عن الغير]

- ‌[حج الصبي والعبد]

- ‌[باب ذكر المواقيت]

- ‌[باب ذكر الإحرام]

- ‌[سنن وآداب الإحرام]

- ‌[أنواع النسك]

- ‌[الاشتراط في الإحرام]

- ‌[التلبية في الحج]

- ‌[أشهر الحج]

- ‌[باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له]

- ‌[صيد الحرم ونباته]

- ‌[الإحصار في الحج]

- ‌[باب ذكر الحج ودخول مكة]

- ‌[طواف التحية وتقبيل الحجر الأسود]

- ‌[شروط صحة الطواف وسننه]

- ‌[السعي بين الصفا والمروة]

- ‌[طواف وسعي القارن والمفرد]

- ‌[باب ذكر الحج]

- ‌[ذهاب الحاج إلى منى يوم التروية]

- ‌[الدفع إلى عرفة والوقوف بها]

- ‌[الدفع من عرفة إلى المزدلفة والمبيت بها]

- ‌[رمي الجمرات]

- ‌[نحر الهدي]

- ‌[الحلق والتقصير]

- ‌[من أركان الحج الطواف بالبيت]

- ‌[طواف الوداع]

- ‌[دم التمتع وصيامه]

- ‌[باب الفدية وجزية الصيد]

- ‌[سوق الهدي]

- ‌[كتاب البيوع]

- ‌[باب خيار المتبايعين]

- ‌[باب الربا والصرف وغير ذلك]

- ‌[بيع اللحم بالحيوان]

- ‌[بيع العرايا]

- ‌[باب بيع الأصول والثمار]

- ‌[الاستثناء في البيع]

- ‌[وضع الجوائح]

- ‌[تلف المبيع قبل القبض]

- ‌[باب المصراة وغير ذلك]

- ‌[البيع بشرط البراءة من العيوب]

- ‌[اختلاف المتبايعين في البيع]

- ‌[بيع العبد الآبق والطير في الهواء]

- ‌[بيع الملامسة والمنابذة]

- ‌[بيع الحمل في البطن دون الأم]

- ‌[بيع عسب الفحل]

- ‌[بيع النجش]

- ‌[بيع الحاضر للبادي]

- ‌[حكم تلقي الركبان]

- ‌[بيع العصير ممن يتخذه خمرا]

- ‌[بيع الكلب]

- ‌[بيع الفهد والصقر المعلم والهر]

الفصل: ‌[بيع اللحم بالحيوان]

بالعسل، لا يباع إلا بعد التصفية، ومال أبو محمد إلى عدم اشتراط ذلك، وذكر أنه ظاهر كلام الإمام، وعلله بأن العظم تابع من أصل الخلقة، فأشبه النوى في التمر، وخرج الشمع في العسل، لأنه من فعل النحل.

[بيع اللحم بالحيوان]

قال: ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان.

ش: لا نزاع عندنا فيما نعلمه أنه لا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه، كبيع لحم بقر ببقر، ونحو ذلك.

1865 -

لما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان» ، رواه مالك في الموطأ، وأبو داود في المراسيل.

1866 -

وعنه أيضا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحي بالميت» . احتج به أحمد، ورواه أبو داود في المراسيل أيضا، وناهيك بمراسيل سعيد، مع أن الأول قد أسند من حديث ثابت

ص: 448

بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ثابتا منكر الحديث، قاله أبو حاتم الرازي.

1867 -

وقال أبو الزناد: كل من أدركت ينهى عن بيع اللحم بالحيوان. ولأنه مال ربوي، بيع بما فيه من جنسه، مع جهالة المقدار، أشبه السمسم بالشيرج، والزيتون بالزيت [ونحو ذلك] .

واختلف في بيع اللحم بحيوان من غير جنسه، كلحم بقر بإبل، وظاهر كلام أحمد والخرقي، وأبي بكر، وابن أبي موسى، والقاضي في تعليقه، وجامعه الصغير، وأبي الخطاب في خلافه الصغير، وغيرهم، أنه لا يجوز، نظرا لإطلاق ما تقدم.

ص: 449

1868 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جزورا نحرت، فجاء رجل بعناق، فقال أعطوني جزءا بهذا العناق. فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا يصلح هذا. رواه الشافعي، وقال: لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك.

واختار القاضي - فيما حكاه عنه أبو محمد - الجواز، لأنه مال ربوي بيع بغير أصله ولا جنسه فجاز، كما لو باعه بذهب أو فضة، وبعض المتأخرين بنى القولين على الخلاف في اللحم، هل هو جنس من أجناس؟ وصرح أبو الخطاب في الانتصار بأنهما على القول بأنه أجناس، وهو الصواب، ولهذا اختلف في بيع اللحم بحيوان لا يؤكل، كعبد وحمار ونحوهما، قال أبو الخطاب: ولا رواية في ذلك، فيحتمل وجهين. والجواز صرح به في خلافه الصغير، وكذا شيخه في التعليق، وابن الزاغوني، وهو ظاهر كلام أبي جعفر، وشيخه في الجامع الصغير، والمنع أورده ابن عقيل في

ص: 450

التذكرة مذهبا، وهو احتمال له في الفصول، والصحيح عنده فيه كقول الأكثرين، ولم يطلع أبو محمد على المسألة صريحا، فقال: ظاهر كلام الأصحاب الجواز. والله أعلم.

قال: وإذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين، فوجد أحدهما فيما اشترى عيبا فله الخيار بين أن يرد أو يقبل، ويأخذ قدر ما نقص بالعيب، إذا كان بصرف يومه، وكان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه.

ش: لما فرغ الخرقي رحمه الله من بيان الربا، شرع يتكلم في الصرف، ومعنى العين بالعين أن يقول: بعتك هذه الدراهم بهذه الدنانير، ونحو ذلك، فإذا وقع العقد كذلك، فوجد أحدهما بما اشتراه عيبا فله حالتان، (إحداهما) أن يكون من غير جنس المعقود عليه، كالرصاص في الفضة،

ص: 451

ونحو ذلك، فهنا يبطل العقد على المذهب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، (الثانية) أن يكون العيب من جنس المعقود عليه، كالسواد في الفضة، ونحو ذلك، وهذا الذي ذكره الخرقي هنا، ولا بد من بنائه على أصل، وهو أن النقود هل تتعين بالتعيين أم لا؟ فإن قلنا: لا تتعين، فحكم ذلك حكم التصارف في الذمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وإن قلنا: تتعين - وهو المذهب، وعليه بنى الخرقي كلامه - فلواجد العيب - والحال ما تقدم - الخيار بين الرد والإمساك بلا خلاف نعلمه، كغير الذهب والفضة من المبيعات، فإن اختار الرد بطل العقد، ولم يكن له أخذ البدل، كما لو كان المبيع عرضا، لأن البيع تعلق بعينه، فيفوت بفواته، وإن اختار الإمساك فله ذلك بلا نزاع نعلمه أيضا، وله مع ذلك أخذ ما نقص المبيع بالعيب في الجملة، وعلى المذهب المجزوم به عند الشيخين، وصاحب التلخيص، والسامري، وهو جار

ص: 452

على قاعدة المذهب في سائر المبيعات، من جواز أخذ الأرش مع القدرة على الرد.

وظاهر ما أورده أبو الخطاب في الهداية مذهبا - وأحد نسخ الخرقي - أنه لا يجوز أخذ الأرش مطلقا، لأن ذلك زيادة على ما وقع عليه العقد، وهذا قد يتوجه من جهة الدليل، وهو قياس الرواية الضعيفة في سائر المبيعات، لأنه لا أرش مع القدرة على الرد، فعلى الأول لا يجوز أخذ الأرش في الجنس الواحد مطلقا، كفضة بفضة، حذارا من فوات المماثلة المشترطة.

وعن القاضي أنه خرج وجها بالجواز في المجلس، نظرا إلى أن الزيادة طرأت بعد العقد، وأبو الخطاب في الهداية يخرج قولا بجواز أخذ الأرش، ويطلق، ويدخل في كلامه الجنس والجنسان، وفي المجلس وبعده، وابن عقيل يحكي ذلك رواية في صورة تلف أحد العوضين، ووجهه جعل الإمام الصنعة مقومة مع الجنس، كذلك الصفة، وهذا ليس بشيء لأن أحمد رحمه الله – وإن جعل الصنعة مقومة - فإنه لا يجوز أخذ عوضها مع اتحاد الجنس بلا ريب، بل يمنع على هذا القول من بيع الصحاح بالمكسرة ونحو ذلك، وأما قول القاضي فقد رده أبو محمد بأن الأرش من العوض، بدليل أنه يخبر به في المرابحة، ويأخذ به الشفيع، وقوله: إن

ص: 453

الأرش من العوض. ليس بجيد، كما سيأتي، مع أن هذا القول لا وجه له، لأن الأرش في المعيب عوض عن جزء من مقابله، وهو الصحيح، إذ الثمن يتقسم على المثمن، فالعيب لم يقابله شيء فيرجع بقسطه، فلو جاز أخذ الأرش في الجنس الواحد لكان صاحب الدينار الصحيح دفع دينارا [إلا جزءا - وهو الأرش الذي أخذه في مقابلة العيب - وأخذ دينارا] معيبا، وإنه عين الربا، انتهى.

ويجوز في الجنسين مطلقا، أعني قبل المجلس وبعده، على ظاهر إطلاق الخرقي، وصاحب التلخيص، وأبي البركات، والسامري، وهو الصواب، الذي لا ينبغي على المذهب غيره، لما تقدم من أن الأرش عوض عن الجزء الفائت من الثمن، فالدافع لأرش دينار ظهر معيبا بيع بعشرة دراهم، إنما يدفعه عوضا عن جزء من العشرة [دراهم] تبينا عدم استحقاقه، وإذا فالعوضان في الصرف قد قبضا بكمالهما، ومع أحدهما زيادة تبينا عدم استحقاقه لها.

وفصل أبو محمد فقال: إن كانا في المجلس جاز أخذ الأرش، إذ قصاراه تأخر قبض بعض عوض الصرف عن بعض، وإنه جائز ما داما في المجلس، وإن تفرقا لم يجز،

ص: 454

حذارا من التفرق قبل قبض بعض الصرف، إلا أن يجعلا أرش الفضة مثلا ثوبا، نحو ذلك فيجوز، لعدم اشتراط القبض لذلك، وهذا منه يقتضي أن الأرش عوض عن الجزء الفائت من المعيب، [فكأنه من جملة العوض، وهذا ليس بشيء على المذهب، وإنما هو بدل ما قابل الجزء الفائت من المبيع بالعيب][ويدل على ذلك قطعا نسبة الأرش إلى الثمن، ولو كان عوض الجزء الفائت من المبيع المعيب] لكان المأخوذ ما نقص بالعيب فقط، من غير نسبة إلى ثمن ولا غيره، نعم أظن أن هذا اختيار أبي العباس ثم يلزم أبا محمد أن يقول: بالتفرق بطل العقد، أو بطل في قدر ما يقابل العيب، لحصول

ص: 455

التفرق قبل كمال الصرف، ويلزمه أيضا أن لا يجوز أخذ أرش عيب الفضة ذهبا، ولا أرش عيب الذهب فضة، حذارا من مسألة مد عجوة، وهو لم يشترط ذلك، بل هذا الإلزام وارد في سائر المبيعات، فإنا إذا أخذنا أرش ثوب بيع بعشرة دراهم درهما مثلا، كان على مقتضى قوله قد بيع جنس فيه الربا بعضه ببعض، مع أحدهما من غير جنسهما، فكان ينبغي أن لا يجوز ذلك، والظاهر أن الإجماع على خلافه.

إذا تحققت هذا فشرط الخرقي رحمه الله للتخيير المتقدم أن يكون المردود بصرف يومه أي يوم الصرف، فلو نقصت قيمته عن يوم الصرف - كأن كان الدينار بعشرة، فصار بتسعة - زال التخيير - وتعين الأرش، كذا فهم عنه ابن عقيل، وأبو محمد، وهو ظاهر كلام أحمد على ما قال أبو محمد، وقطع به السامري، حذارا من أن يرد المبيع مع تعيبه في يده، والصحيح عند أبي محمد أن التخيير بحاله، بناء على أن

ص: 456

تغير السعر ليس بعيب، بدليل عدم ضمانه في الغصب، ثم لو سلم أنه عيب فظاهر المذهب - وهو الذي قاله الخرقي كما سيأتي إن شاء الله تعالى - أن تعيب المبيع عند المشتري لا يمنع الرد، انتهى. هذا شرح أبي محمد أو نحوه، بناء على أحد نسخ الخرقي، ولفظها: فله الخيار بين أن يرد أو يقبل إذا كان بصرف يومه، وكان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه، وليس فيها ذكر الأرش، إلا أنه جعل الشرط راجعا للرد، ويلزم على قوله أن في الكلام تقديما وتأخيرا، التقدير: له الخيار بين أن يرد إذا كان بصرف يومه، وكان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه، أو يقبل، والظاهر جعل الشرط راجعا للتخيير كما تقدم، حذارا من تقديم وتأخير الأصل عدمه، انتهى. ثم على هذه النسخة قد عطف على اشتراط كون المردود بصرف يومه، كون العيب من جنس المعقود عليه، فثبوت الخيار مشروط بشرطين، كون المردود على صرف يومه، وكون عيبه من

ص: 457

جنسه، فلو كان عيبه من غير جنسه زال التخيير، وأما الحكم فيأتي، وهو أن الصرف يكون فاسدا.

وفي بعض النسخ - وعليها شرح ابن الزاغوني -: فله الخيار بين أن يرد، أو يأخذ قدر ما نقص بالعيب، وهذه واضحة، وفي أخرى: له الخيار بين أن يرد أو يقبل، إذا كان بصرف يومه، وكان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه، أو يأخذ أرش ما نقص بالعيب، وعلى هذه النسخة يكون في الكلام أيضا تقديم وتأخير، أي له الخيار بين أن يرد بشرط كذا وكذا، وبين أن يقبل ويأخذ الأرش، ويكون «أو» بمعنى الواو.

وأما على النسخة التي كتبناها فالظاهر رجوع الشرط إلى الأرش، أي: له الخيار بين أن يرد أو يقبل ويأخذ الأرش،

ص: 458

بشرط كونه على حساب يوم اصطرفا [لا على أزيد منه، كما إذا كان الدينار يوم اصطرفا] بعشرة، فصار باثني عشر، ولا على أنقص، كما إذا صار بثمانية، وما ذاك إلا أن الثمن ينقسم على المثمن يوم العقد، فالفائت بالعيب فات على حساب يوم العقد، وهذا فرع من مسألة تقويم المبيع المعيب، وقد صرحوا بأنه يقوم يوم العقد، إلا ما كان من ضمان البائع فتقويمه يوم القبض، وعلى هذا يسلم من الاعتراض السابق، ومن دعوى تقديم وتأخير الأصل عدمه، بقي أنه عطف على ذلك كون العيب من جنس المعقود [عليه] ، فلو كان من غير الجنس لم يتصور أخذ الأرض كما سيأتي.

فإن قيل: ظاهر هذا أن العيب إذا كان من غير الجنس امتنع الأرش، وله القبول، قيل: إذا حصل التصريح بخلاف

ص: 459

ذلك فلا عبرة بالظاهر، انتهى.

وقول الخرقي: فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا. يشمل العيب في الجميع وفي البعض، وهو كذلك، إلا أنه إذا اختار إمساك الصحيح ورد العيب فهل له ذلك؟ على قولي تفريق الصفقة، والله أعلم.

قال: وإذا تبايعا ذلك بغير عينه، فوجد أحدهما [فيما اشتراه] عيبا فله البدل، إذا كان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه، كالوضوح في الذهب، والسواد في الفضة.

ص: 460

ش: هذا هو المعبر عنه بالصرف في الذمة، ومثاله: بعتك دينارا مغربيا، بعشرة دراهم ناصرية، ونحو ذلك، وهو جائز عندنا، لظاهر قوله «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» فمقتضاه جواز ما عدا ذلك، بشرط القبض في المجلس، بدليل الرواية الأخرى يدا بيد ونحو ذلك، إذا ثبت هذا فتصارفا في الذمة، ثم وجد أحدهما بما قبضه عيبا ليس من غير جنس المعقود عليه، بل من جنسه كما مثل الخرقي رحمه الله، فلا يخلو إما أن يجد ذلك قبل التفرق أو بعده، فإن وجده قبل التفرق فله المطالبة بالبدل الذي وقع عليه العقد وهو صحيح لا عيب فيه، وله الإمساك، إذ قصاراه الرضى بدون حقه، وله أخذ الأرش في الجنسين، لا في الجنس على المذهب فيهما، وإن وجده بعد التفرق واختار الرد فهل يبطل

ص: 461

العقد برده، وهو اختيار أبي بكر، لوجود التفرق قبل القبض، لأن البدل إنما يأخذه عوضا عما وقع عليه العقد، أو لا يبطل وله البدل في مجلس الرد، فإن تفرقا قبله بطل العقد، وهو اختيار الخرقي والخلال، والقاضي وأصحابه، وغيرهم، لأن القبض وقع صحيحا، وإلا لبطل العقد بالتفرقة مطلقا، وبدله يقوم مقامه؟ فيه روايتان، وحكى عنه ثالثة: أن البيع قد لزم، وهي بعيدة، لأنه يلزم منها إلزام العاقد بما لم يلتزمه.

فعلى الأولى إن وجد البعض رديئا فرده بطل فيه، وفي البقية قولا تفريق الصفقة.

وعلى الثانية: له بدل المردود في مجلس الرد. انتهى، وإن اختار الإمساك فله ذلك بلا ريب، لكن إن طلب مع ذلك

ص: 462

الأرش فقال أبو محمد - بناء على ما تقدم -: له ذلك على الثانية لا الأولى، وأما على المحقق - وقد تقدم - فله ذلك في الجنسين على الروايتين، إذ الذي يأخذه عوض عن جزء فات من الثمن، ولا يجوز في الجنس الواحد مطلقا حذارا مما تقدم، والله أعلم.

قال: فأما إن كان عيب ذلك دخيلا عليه من غير جنسه، كان الصرف فيه فاسدا.

ش: لما فرغ الخرقي رحمه الله من بيان العيب إذا كان من الجنس شرع في بيانه إذا كان من غير الجنس، ثم إنه فصل

ص: 463

بين ما إذا تصارفا عينا بعين وبين ما إذا تصارفا في الذمة، وهنا أطلق فشمل كلامه المسألتين، ثم كلامه أيضا شامل لما قبل التفرق وبعده، وعلى ذلك جرى السامري مصرحا به، وزاعما أن أحمد رحمه الله نص عليه، وذكره الخرقي، والظاهر أن مستنده من كلام أحمد إطلاق، كما هو في كلام الخرقي، وكذلك تبعه أبو العباس، حتى أنه وهم جده في قوله: وعنه أنها لا تتعين فتبدل مع الغصب والعيب بكل حال، لشمول كلامه للعيب من الجنس ومن غيره، وفي توهيمه بهذا الإطلاق نظر، لأنه قد تقدم له قبل ذلك بأسطر أن المتصارفين إذا تفرقا فوجد أحدهما بما قبضه عيبا من غير الجنس بطل الصرف، فيحمل كلامه هنا على غير الصرف، توفيقا بين كلاميه.

وإذا عرف هذا فلا بد من التعرض للتفصيل، وبيان محل الوفاق من محل الخلاف، فنقول: إذا تصارفا مثلا ذهبا بفضة عينا بعين ثم وجدا أو أحدهما عيبا من غير جنس المعقود عليه - مثل أن ظهرت الدراهم أو بعضها رصاصا، أو الدنانير نحاسا، ونحو ذلك - فلا يخلو إما أن نقول: إن النقود تتعين بالتعيين، أم لا، فإن قلنا، لا تتعين. فكما لو تصارفا في

ص: 464

الذمة على ما سيأتي، وإن قلنا: تتعين - وهو المذهب كما تقدم - فإنا نتبين فساد الصرف على المعروف المجزوم به لعامة الأصحاب، لأن البدل متعذر، لتعلق البيع بالعين، وكذلك الرضى بالموجود، لأنه غير ما وقع عليه العقد، فهو كما لو قال: بعتك هذه البغلة. فإذا هي حمار، ونحو ذلك، وقيل عنه: يلزم العقد والحال هذه، تغليبا للإشارة، ولا معول عليه، فعلى المذهب إن ظهر البعض معيبا بطل فيه، وهل يبطل في غيره؟ قولا تفريق الصفقة، وإن تصارفا في الذمة ثم وجدا أو أحدهما العيب السابق، فإن كان قبل التفرق رد وأخذ بدله، والصرف صحيح، وفاقا لابن عقيل، والشيرازي وصاحب التلخيص، وأبي محمد، وهو ظاهر كلام أبي الخطاب، إذ المقبوض تبين أنه غير الذي وقع عليه العقد، وظاهر إطلاق

ص: 465

الخرقي - وهو الذي قاله السامري وأبو العباس - فساده كما بعد التفرق.

وإن كان بعد التفرق - وعليه عندي يحمل كلام الخرقي، نظرا للغالب فإنا نتبين فساد الصرف على المذهب المحقق، لأنهما تفرقا قبل قبض المعقود عليه فيما شرط له القبض، ولا قبض ما يصلح أن يكون عوضا عنه، وبهذا خرج إذا كان العيب من الجنس، لصلاحية المقبوض للعوضية عن ذلك، ولا أرش قبل التفرق ولا بعده لما قلناه من أن المقبوض لا يصلح

ص: 466

أن يكون عوضا، وأجرى أبو محمد في الكافي وصاحب التلخيص فيه هنا - والحال هذه - الروايتين اللتين فيما إذا كان العيب من الجنس، إحداهما أن العقد يبطل برده، والثانية لا يبطل، وبدله في مجلس الرد يقوم مقامه، فمجرد وجود العيب من غير الجنس عندهما بعد التفرق لا يبطل قولا واحدا، عكس المذهب، وليس بشيء، فعلى ما اختاره أبو محمد وغيره إن وجد العيب في البعض فقبل التفرق يبدل، وبعده يبطل فيه، وفي غير المعيب قولا تفريق الصفقة.

واعلم أن كلام الأصحاب في هذه المسألة فيه اضطراب كثير، وقد تقدم أن أبا العباس وهم جده فيها، مع أن في توهيمه ما فيه، وناهيك بهما، وقد بالغت في تحريره على غاية الضعف وبالله المستعان.

وقول الخرقي: وجد. أي ظهر، فيخرج منه ما إذا علم حال العقد، والحكم فيه أن العيب إن كان من الجنس فالعقد لازم ولا كلام.

ص: 467

نعم إن كان الصرف في جنس، والعيب في البعض، فقد يبطله من يمنع بيع النوعين بنوع منه، وإن كان العيب من غير الجنس والصرف في جنسين انبنى على إنفاق [المغشوشة] ، وفيه روايتان، المختار منهما الجواز، وأبو محمد يحمل رواية الجواز على ما ظهر غشه، واصطلح عليه ورواية المنع على ما خفي غشه، ويقع في اللبس، ونحو ذلك قال ابن عقيل في الفصول.

وإن كان الصرف في جنسين، فإن كان العيب في أحد العوضين، ويخل بالمماثلة، ولا قيمة له، لم يجز، لإفضائه إلى عدم التماثل المشترط شرعا، وإن كان له قيمة خرج على مسألة مد عجوة، وإن كان العيب في العوضين وتساوى العيبان فقولان، أظهرهما عند أبي محمد الجواز، وقطع ابن عقيل في الفصول، والسامري بالمنع.

ثم اعلم أنا قد ذكرنا أصلا بنينا عليه ما تقدم، وهو: أن النقود هل تتعين بالتعيين أم لا؟ فنشير إلى بيان ذلك فنقول: المذهب المنصوص في رواية الجماعة، والمعمول عليه عند الأصحاب كافة، أن النقود تتعين بالتعيين كالعروض بالاتفاق، لأن ذلك عوض مشار إليه في العقد، فوجب أن يتعين

ص: 468

كالعروض، ولأن ما تعين في الغصب والوديعة تعين بالعقد كالعروض، ومعنى تعين ذلك في الغصب أنه لو طولب بذلك لزمه تسليمه بعينه، ولا يجوز العدول عنه.

1869 -

ومما استدل به على ذلك أيضا حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين» .

ولو كان الذهب والفضة في الذمة لم يكن عينا بعين، وإنما يكون عينا بعين إذا ملكت عين كل واحد منهما، وفيه نظر، إذ يلزم منه أن لا يباع الذهب بمثله إلا عينا بعين، وقد حكي الإجماع على خلافه، والذي يظهر أن المراد من الحديث والله أعلم حضور الطرفين المصطرف عليهما، كما يحكى عن مالك أو تعيينهما بإقباضهما، وحضورهما في المجلس،

ص: 469

وكونهما حالين، كما يقوله أصحابنا وغيرهم، بدليل أن في رواية أخرى في هذا الحديث يدا بيد بدل عينا بعين وكذا في رواية أخرى يدا بيد وفي وراية أخرى «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» وقول القاضي وأبي الخطاب وغيرهما: إن رواية عبادة «يدا بيد، عينا بعين» وإن يدا بيد أن لا يكون نسيئة «وعينا بعين» تعينهما بالتعيين، لم أرهما مجموعين في روايته، ولا في رواية غيره، مع أنه معترض بما تقدم، انتهى.

ونقل أبو داود عن أحمد - وسأله عن عبد دفع إلى رجل مالا، وأمره أن يشتريه فاشتراه به فأعتقه - قال: يرد الدراهم على المولى، ويؤخذ المشتري بالثمن، والعبد حر. فظاهر هذا أنه لم يحكم بتعيينه، وإلا لبطل العقد، ولم تقع الحرية، وتأول القاضي ذلك في تعليقه على أن قوله: اشتراه به. أي نقده في ثمنه، واشترى في ذمته، توفيقا بين نصوصه، وأبى ذلك أبو الخطاب والجمهور، نظرا للظاهر، ووجه ذلك أنه لا غرض في أعيان الدراهم والدنانير، وإنما الغرض في مقدارها، فإذا عينت كان تعيينها كالمكيال والميزان، وكما لو استأجر أرضا ليزرعها حنطة، فإن الحنطة لا تتعين، بل له أن يزرع ما

ص: 470

هو مثلها ضررا، ولأن الفراء قال في قوله سبحانه:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] الآية: الثمن ما يثبت في الذمة. فجعل من صفة الثمن ثبوته في الذمة، ومن قال بالتعيين لم يجعلها تثبت في الذمة، وهي ثمن قطعا، ونقض الأول بالغصوب والعواري، فإنها لا تبدل وإن كان المعنى واحدا، وبما إذا باع قفيزا معينا من صبرة، لم يكن للبائع إبداله بمثله من تلك الصبرة، وإن لم يتعلق به غرض، على أنا نمنع أن التعيين لا غرض فيه، إذ قد يكون فيه غرض، وهو اعتقاد حلها ونحو ذلك، وقول الفراء لا يقبل في الأحكام، وإنما يقبل في ما طريقه اللغة، والتعيين وعدمه حكم شرعي.

وفائدة الخلاف - على ما قال أبو الخطاب في الانتصار - أن على المذهب لا يجوز للمشتري إبدالها، وإذا خرجت مستحقة بطل العقد، وإذا وجد البائع بها عيبا كان له الفسخ، وإذا تلفت قبل القبض تلفت من مال البائع، بناء على المذهب من أن المتعين، لا يفتقر إلى قبض.

وعلى المرجوح للمشتري إبدالها، ولا يبطل العقد بكونها مستحقة، ولا يفسخ البائع بالعيب فيها، ويجب إبدالها، وإذا تلفت كانت من مال المشتري، ما لم يقبض البائع.

ص: 471

(تنبيه) : في نسخة من التلخيص بخط الموفق المصري فيما أظن: الثمن إن عين تعين بالتعيين، في البيع وغيره من عقود المعاوضات، في أصح الروايتين، وينفسخ العقد بتلفه قبل القبض في كل معاوضة محضة، كالإجارة، والصلح بمعنى البيع، وإن لم يتمحض لم ينفسخ بتلفه كالمهر، وهذا سبق قلم منه أو من الناسخ، لأنه إذا تعين تلف من مال البائع كما تقدم، واستقر الملك فيه، أما إن لم يتعين فيتلف من مال المشتري، وينفسخ العقد فيه، والله أعلم.

قال: ومتى انصرف المتصارفان قبل التقابض فلا بيع بينهما.

ش: الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض كما تقدم، والقبض في المجلس شرط لصحة العقد، نص عليه القاضي، وابن عقيل، والشيخان، وغير واحد، مع أن ابن المنذر قد حكاه إجماعا، فقال: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد، وقد شهد لذلك النصوص السابقة «الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء» وغير ذلك، والمجلس هنا مجلس الخيار في البيع، فلا يضر طوله مع تلازمهما، فلو مشيا ولو يوما ونحوه إلى منزل أحدهما مصطحبين صح، وقبض الوكيل يقوم مقام قبض موكله، بشرط قبضه قبل مفارقة موكله المجلس، فإن

ص: 472