الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحرام في غيرها، وعند مالك وجوب الدم بتأخير طواف الزيارة عنها، قال القاضي: جميع ذلك، والله أعلم.
[باب ما يتوقى المحرم وما أبيح له]
قال: ويتوقى المحرم في إحرامه ما نهاه الله عز وجل عنه من الرفث - وهو الجماع - والفسوق - وهو السباب - والجدال، وهو المراء.
ش: قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] قرئت [المنفيات] الثلاث بالنصب والرفع، وعلى كليهما هو خبر بمعنى النهي، أي لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا، وهذه وإن منع الإنسان منها في غير الحج، لكن فيه أجدر، ولهذا وردت بلفظ الخبر، إشارة بأنها
جديرة بأن تنفى ولا توجد ألبتة، وقرئ الأولان بالرفع، والثالث بالنصب، حملا للأوليين - والله أعلم - على النهي، أي لا يكون رفث ولا فسوق، والثالث على الخبر [المحض] بانتفاء الجدال.
1525 -
وذلك أن قريشا كانت تخالف سائر العرب، فتقف في المشعر الحرام، وسائر العرب يقفون بعرفة، وكانوا يقدمون الحج سنة، ويؤخرونه سنة، وهو النسيء، فرد إلى وقت واحد، ورد الوقوف إلى عرفة، فأخبر الله - سبحانه - أنه قد ارتفع الجدال في الحج.
1526 -
ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ولم يذكر الجدال، وميل الخرقي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - للأول.
1527 -
وفسر الرفث بالجماع، والفسوق بالسباب، والجدال بالمراء، تبعا في ذلك لابن عباس رضي الله عنهما، ذكره عنه البخاري تعليقا.
1528 -
وحكي ذلك [أيضا] عن ابن عمر، وجماعة من التابعين وقيل: الرفث الفحش من الكلام، وأصله الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه كلفظ النيك.
1529 -
ويحكى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أنشد وهو محرم:
وهن يمشين بنا هميسا
…
إن تصدق الطير ننك لميسا
فقيل له: أرفثت؟ فقال: إنما الرفث ما كان عند النساء. انتهى.
وكني به عن الجماع لأنه لا يكاد يخلو منه. وقيل في الفسوق: إنه الخروج عن حدود الله تعالى، وهو أعم وأوفق للغة، والمراد بالمراء المراء مع الخدم، والرفقاء، والمكارين ونحو ذلك.
(تنبيه)«هميسا» : [المشي] اللين و «لميسا» اسم جارية لابن عباس رضي الله عنه والله أعلم.
قال: ويستحب له] قلة الكلام إلا فيما ينفع، وقد روي عن شريح رحمه الله أنه كان إذا أحرم كأنه حية صماء.
ش: قلة الكلام في الجملة مستحب لكل أحد، وهو في حق المحرم آكد، لتلبسه بهذه العبادة العظيمة، وتشبهه بالقادم على ربه عز وجل في يوم القيامة.
1530 -
وفي الصحيح: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» .
1531 -
«ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» .
1532 -
وقد استشهد أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - على قلة الكلام في هذا
بخصوصه بفعل شريح - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - – أما ما فيه نفع من الكلام - كتعليم جاهل، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، ونحو ذلك - فأمر مطلوب بلا ريب، بل قد يجب، ويتأكد في حق المحرم، فإنه كما يتأكد في [حقه] ترك المنهيات، كذلك يتأكد في حقه فعل الواجبات والمندوبات والله أعلم.
قال: ولا يتفلى المحرم ولا يقتل القمل.
ش: المحرم لا يقتل القمل في أنص الروايتين، واختيار الخرقي، لأنه مما يترفه به، فمنع منه كقطع الشعر.
1533 -
وهو ظاهر حال كعب بن عجرة.
1534 -
وفي الموطأ عن نافع أن ابن عمر قال: يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادا عن بعيره.
(والثانية) : له ذلك منيطا للحكم
بالأذى، قال: كل شيء من جسده لا بأس به، إذا آذى انتهى، وقياسا على البراغيث، فإنه لا نزاع في جواز قتلهن، وقال أبو محمد: وقتل القمل، وإلقاؤه على الأرض، وقتله بالزئبق ونحو ذلك سواء، نظرا لعلة المنع وهو الترفه. انتهى.
قال القاضي في الروايتين: وموضع الروايتين إذا ألقاها من بين شعر رأسه، أو بدنه، أو لحمه، أما إن ألقاها من ظاهر بدنه، أو ثيابه، أو بدون محل، أو محرم غيره، فهو جائز، ولا شيء عليه رواية واحدة. انتهى.
والتفلي وسيلة إلى قتل القمل، فإن جاز جاز وإلا منع، وحيث تفلى وقتل القمل حيث منع منه (فعنه) : لا شيء عليه لأن كعبا رضي الله عنه قتل قملا كثيرا بحلق رأسه، ولم يؤمر إلا بفدية حلق الشعر فقط.
1535 -
وعن ابن عمر: هو أهون مقتول.
1536 -
وعن ابن عباس في محرم ألقى قملة ثم طلبها: تلك ضالة لا تبتغى (وعنه) : يتصدق بشيء ما، جبرا لما حصل منه، والله أعلم.
قال: ويحك رأسه وجسده حكا رفيقا.
ش: يحك رأسه وجسده في الجملة، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
1537 -
وقد روى مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه قالت: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم يحك جسده؟ قالت: نعم، فليحكه وليشدد. قالت عائشة: لو ربطت يداي فلم أجد إلا رجلي لحككت.
ويكون برفق حذارا من إزالة ما منع منه من شعر أو قمل، فإن حك فوجد في يديه شعرا استحب له الفداء احتياطا، ولا يجب حتى يتيقن أنه قلعه، والله أعلم.
قال: ولا يلبس القميص، ولا السراويل، ولا العمامة، ولا البرنس.
ش: هذا إجماع - والحمد لله - من أهل العلم.
1538 -
وقد شهد له ما في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم؟ فقال: «لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس، ولا زعفران، ولا الخفين، إلا
أن لا يجد نعلين، فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين» . وفي رواية: ما يترك المحرم من الثياب؟ فتخصيصه صلى الله عليه وسلم القميص تخصيص تمثيل، فيلحق به ما في معناه من الجبة، والدراعة ونحوهما، وكذلك العمامة يلحق بها ما في معناها، من كل ساتر معتاد، أو كل ساتر ملاصق، على اختلاف العلماء، وكذلك السراويل يلحق به التبان وما في معناه، وضابط ذلك كل شيء عمل للبدن على قدره، أو قدر عضو منه، كهذه المذكورات، وسواء كان مخيطا أو غير مخيط كلبد ونحوه، والله أعلم.
قال: فإن لم يجد الإزار لبس السراويل، فإن لم يجد النعلين لبس الخفين.
1539 -
ش: لما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجد إزارا فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين
فليلبس الخفين» رواه الجماعة، ولفظ الترمذي:«المحرم إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين» .
1540 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل» رواه أحمد، ومسلم والله أعلم.
قال: ولا يقطعهما ولا فداء عليه.
ش: إذا لبس المحرم الخفين لعدم النعلين جاز له لبسهما من غير قطع، على المنصوص [المشهور] المختار من الروايتين، عملا بإطلاق حديثي ابن عباس، وجابر، فإنه لم يأمر فيهما بقطع، ولو وجب لبينه، لا يقال: قد بين ذلك صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر، فيحمل المطلق على المبين، جمعا بين الأدلة، لأنا نقول: يشترط في حمل المطلق على المقيد أن لا يفضي الإطلاق إلى تأخير بيان واجب، والحمل هنا مفض إلى ذلك، لأن حديث ابن عمر كان في المدينة، كذا في رواية لأحمد والدارقطني.
1541 -
ففي رواية أحمد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر، وفي رواية الدارقطني: أن رجلا نادى في المسجد: ماذا يترك المحرم من الثياب؟ وحديث ابن عباس كان في خطبته بعرفات، كذا في الصحيح، وهو وقت الحاجة للبيان، وقد حضره في ذلك الوقت من لم يحضره في غيره، واجتمع من الخلائق عدد لا يحصيهم إلا الله تعالى، ثم تفرقوا عنه بعد قليل، والذين حضروا قوله بالمدينة كانوا نفرا يسيرا، بحيث يقطع المنصف بأنه لا يتصور منهم البيان لكل من حضر إذ ذاك، فيلزم من ذلك أن يكون إطلاق خبر ابن عباس ناسخا للتقييد في حديث ابن عمر، دفعا لمحذور تأخير البيان عن وقت الحاجة، ويؤيد هذا أن جملة الصحابة عملوا على ذلك.
1542 -
فعن عمر رضي الله عنه: الخفان نعلان، لمن لا نعل له.
1543 -
وعن علي رضي الله عنه: السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين، ونحوه عن ابن عباس.
1544 -
ورئي على المسور بن مخرمة في رجليه خفان وهو محرم، فقيل له: ما هذا؟ قال: أمرتنا به عائشة. روى ذلك كله النجاد بإسناده، ويرشح هذا ما في القطع من إفساد المال
المنهي عنه شرعا.
1545 -
على أنه قد روى ابن أبي موسى، عن صفية بنت أبي عبيد، عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما.» [وكان ابن عمر يفتي بقطعهما] قالت صفية فلما أخبرته بهذا رجع وهذا تصريح بالنسخ.
1546 -
إلا أن الذي في سنن أبي داود عن سالم بن عبد الله، «أن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك - يعني يقطع الخفين - للمرأة المحرمة. ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة - رضي
الله عنها - حدثتها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين. فترك ذلك.»
(والرواية الثانية) : يقطعهما إلى أسفل الكعبين، فإن لبسهما من غير قطع افتدى، وهذا مذهب أكثر الفقهاء، حملا للمطلق على المقيد تساهلا.
قال الخطابي: العجب من أحمد في هذا - يعني في قوله بعدم القطع قال: فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه، وقل سنة لم تبلغه. قلت: والعجب كل العجب من الخطابي رحمه الله في توهمه عن الإمام أحمد رحمه الله مخالفة السنة أو خفاءها، وقد قال المروذي: احتججت على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: هو زيادة في الخبر. فقال: هذا حديث، وذاك حديث. فقد اطلع رحمه الله على السنة، وإنما نظر نظرا لا ينظره إلا الفقهاء المتبصرون، وهو يدل على غايته في الفقه والنظر.
وقد دل كلام الخرقي رحمه الله أنه لا فدية على من لبس السراويل لعدم الإزار، ولا على من لبس الخفين لعدم النعلين، وهو واضح، لظاهر حديثي ابن عباس وجابر رضي الله عنهما، والله أعلم.
قال: ويلبس الهميان، ويدخل السيور بعضها في بعض، ولا يعقدها.
ش: يلبس الهميان، قال أبو عمر بن عبد البر: على ذلك جماعة الفقهاء، متقدموهم ومتأخروهم، ويدخل السيور بعضها في بعض، لئلا تسقط، ولا يعقدها لعدم الحاجة إلى ذلك، نعم، إن احتاج إلى ذلك، كأن لا يثبت بدون العقد جاز ذلك، نص عليه أحمد.
1547 -
لقول عائشة رضي الله عنها أوثق عليك نفقتك.
1548 -
وعلى هذا يحمل قول إبراهيم النخعي: كانوا يرخصون في عقد الهميان للمحرم، ولا يرخصون في عقد غيره، والله أعلم.
قال: وله أن يحتجم.
1549 -
ش: في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. «قال: احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم.»
1550 -
وعن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، على ظهر القدم من وجع كان به» . رواه أبو داود، والله أعلم.
قال: ولا يقطع شعرا.
ش: لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فإن احتاج إلى القطع فله ذلك.
1551 -
لما رواه عبد الله بن مالك بن بحينة قال: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحي جمل، من طريق مكة في وسط رأسه» . متفق عليه، ومن ضرورة ذلك حلق الشعر، وتلزمه والحال هذه الفدية لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: 196] الآية، والله أعلم.
قال: ويتقلد بالسيف عند الضرورة.
1552 -
ش: لما روى البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «لما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالحهم على أن لا يدخلوها إلا
بجلبان السلاح. فسألته: ما جلبان السلاح؟ قال: القراب بما فيه.» رواه الشيخان، وأبو داود وهذا لفظه، وهذا محل حاجة، لأنه عليه السلام لم يأمن أهل مكة أن ينقضوا العهد. ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يفعل ذلك لغير ضرورة، ولذلك قال أحمد: لا إلا من ضرورة.
1553 -
وذلك لأن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا يحمل المحرم السلاح في الحرم. قال أبو محمد: والقياس إباحة ذلك، لأنه ليس في معنى اللباس المنصوص على منعه.
(تنبيه) : «الجلبان» بضم الجيم واللام، وفتح الباء الموحدة المشددة، وبنون بعد الألف، وروي بضم الجيم وسكون اللام، مثل الجلبان من الحبوب، وصوبه جماعة، وقد فسرها هنا بالقراب وما فيه.
1554 -
وفي حديث آخر: السيف والقوس ونحوه، والله أعلم.
قال: وإن طرح على كتفيه القباء والدواج فلا يدخل يديه في الكمين.
ش: لا إشكال في أنه ليس له أن يدخل يديه في كمي القباء والفرجية ونحوهما، ومن فعل ذلك افتدى، أما إن وضع ذلك على كتفيه، ولم يدخل يديه في كميه، فظاهر كلام الخرقي أن له ذلك ولا شيء عليه، وهو الذي صححه صاحب التلخيص، لأنه لم يشتمل على جميع بدنه، أشبه ما لو ارتدى بالقميص.
وظاهر كلام الإمام أحمد المنع من ذلك، قال في رواية حرب: لا يلبس الدواج ولا شيئا يدخل منكبيه فيه.
وقال في رواية ابن إبراهيم: إذا لبس القبا لا يدخل عاتقيه فيه. وهذا اختيار القاضي في خلافه وأبي الخطاب، وأبي البركات وغيرهم، لأنه يلبس معتادا هكذا، فمنع منه كالقميص.
1555 -
وقد روى النجاد بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: من اضطر إلى لبس قباء وهو محرم، ولم يكن له غيره، فلينكس القباء وليلبسه.
1556 -
وروى ابن المنذر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الأقبية» وعلى هذا عليه الفدية كما لو لبس القميص، والله أعلم.
قال: ولا يظلل على رأسه في المحمل.
ش: هذا هو المشهور عن أحمد، والمختار لأكثر الأصحاب، حتى أن القاضي في التعليق وفي غيره، وابن الزاغوني، وصاحب التلخيص، وجماعة لا خلاف عندهم في ذلك، لأن المحرم أشعث أغبر، وهذا تظليل مستدام فيزيلهما.
1557 -
واعتمد أحمد على قول ابن عمر - وقد رأى رجلا محرما على رحل، قد رفع ثوبه بعود يستره من حر الشمس - فقال: أضح لمن أحرمت له، رواه الأثرم، وفي لفظ أنه قال له: إن الله لا يحب الخيلاء. وفي لفظ أنه ناداه: اتق الله. رواهما النجاد.
وحكى ابن أبي موسى والشيخان رواية بالجواز، وهي اختيار أبي محمد، قال: ظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه إنما كره ذلك كراهية تنزيه، وذكر رواية الأثرم عن أحمد: أكره ذلك، قيل له: فإن فعل يهريق دما؟ قال: لا، وأهل المدينة يغلظون فيه.
1558 -
وذلك لما «روت أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة، وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة» . رواه مسلم وغيره.
1559 -
وعن عثمان رضي الله عنه أنه ظلل عليه وهو محرم.
1560 -
وعن ابن عباس: لا بأس بالظل للمحرم. وكما لو استظل بخيمة، أو بيت ونحوهما، وقد ذكر لأحمد حديث أم الحصين فقال: هذا في الساعة، يرفع له الثوب بالعود، يرفعه بيده من حر الشمس، يعني أن هذا يسير غير مستدام، [بخلاف ظل المحمل ونحوه، فإنه مستدام] وهذا هو الجواب عن الاستظلال بالخيمة ونحوها، وعلى هذا يحمل قول ابن عباس، وحمل القاضي قوله وفعل عثمان على أن ثم عذرا من حر أو برد، وهو يمشي له في فعل عثمان، لأنها واقعة عين، بخلاف قول ابن عباس. والله أعلم.
قال: فإن فعل فعليه دم.
ش: هذا إحدى الروايتين، واختيار الخرقي، والقاضي في التعليق، لأنه ستر ممنوع منه [مستدام] أشبه ما لو ستره بعمامة ونحوها.
(والثانية) : - وإليها ميل أبي محمد - لا فدية عليه، إذ الأصل عدم الوجوب والمنع من الستر احتياطا، لاختلاف العلماء، والروايتان عند ابن أبي موسى، وأبي محمد في الكافي، وأبي البركات على الروايتين في الأصل، فإن قلنا بالجواز ثم فلا فدية، وإلا وجبت، وهما عند القاضي
وموافقيه على القول بالمنع، إذ لا جواز عندهم، إلا أن القاضي يستثني اليسير فيبيحه، ولا يوجب فيه فدية، ونص أحمد على ذلك في رواية الجماعة، وبه أجاب عن [حديث] أم الحصين كما تقدم، وقال في رواية حرب - وقد سئل: هل يتخذ على رأسه فوق المحمل؟ فقال: لا إلا الشيء الخفيف.
وحكى صاحب التلخيص في الفدية ثلاث روايات، الثالثة تجب الفدية في الكثير دون اليسير، وأطلق القول بالمنع، كما أطلقه الخرقي وجماعة، وهو مردود بالحديث، وبنص أحمد، والله أعلم.
قال: ولا يقتل الصيد ولا يصيده.
ش: هذا إجماع والحمد لله [وقد شهد له] قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 96] . والله أعلم.
قال: ولا يشير إليه، ولا يدل عليه حلالا ولا محرما.
1561 -
ش: لما «روى أبو قتادة رضي الله عنه قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم عام الحديبية [فأبصروا حمارا وحشيا، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. قالوا: والله لا نعينك عليه بشيء. [فغضبت] فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا وخبأت العضد معي، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك، فقال «هل معكم شيء» ؟ فقلت: نعم، فناولته العضد فأكلها وهو محرم وفي رواية: فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «منكم أحد أمره أن يحمل عليه، أو أشار إليه» ؟ قالوا: لا. قال «فكلوا ما بقي من لحمها» متفق عليه.
[قلت] : وظاهره أن جواز الأكل مرتب على عدم الإشارة ونحوها، وكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم حيث قالوا: والله لا نعينك.
(تنبيه) : «خصف نعله يخصفها» إذا أطبق طاقا على طاق، وأصل الخصف الضم والجمع، و «عقرت الصيد» إذا أصبته بسهم أو غيره فقتلته، والله أعلم.
قال: ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله.
ش: لا يأكل المحرم الصيد الذي صاده الحلال من أجله.
1562 -
لما روى جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «صيد البر لكم حلال وأنتم حرم، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم» رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وقال الشافعي: وهو أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. انتهى.
وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه أكل مما صاده أبو قتادة، فيحمل على أنه علم أو ظن أنه لم يصده لأجله.
1563 -
مع أنه قد ورد في حديث أبي قتادة: وإني إنما صدته لك. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا، ولم يأكل حين أخبرته أني اصطدته له. رواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني، قال
بعض الحفاظ: بإسناد جيد. وقال الدارقطني: قال أبو بكر - يعني النيسابوري -: قوله: اصطدته لك. وقوله: ولم يأكل منه. لا أعلم أحدا ذكره في الحديث غير معمر، وهذا إن ثبت فهو كحديث جابر، لا يحتاج إلى تأويل. انتهى.
ويحمل ما في الصحيح أنه أكل على أنه صلى الله عليه وسلم أكل ظانا أنه لم يصده له، فلما أخبره بالحال امتنع.
1564 -
ويحمل «حديث الصعب بن جثامة. وهو أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، وهو بالأبواء أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم» متفق عليه. [على أنه علم أنه صيد من أجله] .
وقد فهم من [كلام الخرقي أن المحرم يأكل مما صاده الحلال لا من أجله] ، وهو واضح لما تقدم، وفهم من كلامه بطريق التنبيه أنه لا يأكل ما صاده محرم مطلقا، ولا ما صاده هو بطريق الأولى، وكذلك ما أعان عليه، أو أشار إليه.
وفهم من كلامه [أيضا] أن للمحل أكل ما صاده الحلال لأجل المحرم، وهو كذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رد على الصعب بن جثامة الحمار الوحشي علل بكونه حرما، ولم ينهه عن أكله، وهل للمحرم غير الذي صيد لأجله أكله؟ فيه احتمالان، والله أعلم.
قال: ولا يتطيب المحرم.
1565 -
ش: هذا إجماع، وقد شهد له قوله عليه السلام: في المحرم «لا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا» ، فمنع من تطييبه، وعلل بكونه يبعث يوم القيامة ملبيا، فدل على أن المنع لأجل الإحرام، والطيب ما تطيب رائحته، ويتخذ للشم، كالمسك، والكافور، والعنبر، والغالية، والزعفران، وماء الورد، ودهن البنفسج، ونحو ذلك، وفي النباتات الطيبة الريح - كالريحان، والورد، والبنفسج ونحوها - ثلاثة أقوال، ثالثها - وهو اختيار أبي محمد - يباح [شم] الريحان ونحوه مما لا يتخذ منه طيب، دون الورد، والبنفسج، ونحوه مما يتخذ منه طيب، والله أعلم.
قال: ولا يلبس ثوبا مسه ورس، ولا زعفران ولا طيب] .
ش: لما تقدم من حديث ابن عمر «ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران» وغيرهما من الطيب مقيس عليهما.
(تنبيه) : «الورس» نبت أصفر يكون باليمن، تصبغ به الثياب، يخرج على الرمث، بين الشتاء والصيف، والرمث - براء مهملة مكسورة، وميم وثاء مثلثة - مرعى من مراعي الإبل، والله أعلم.
قال: ولا بأس بما صبغ بالعصفر.
1566 -
ش: لما «روى ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر، أو خز، أو حلي أو سراويل، أو قميص، أو خف» . رواه أبو داود.
1567 -
وعن عائشة بنت سعد رضي الله عنها قالت: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحرمن في المعصفرات. رواه الإمام أحمد في المناسك وفارق الورس والزعفران، فإنه ليس بطيب، بخلافهما، والله أعلم.
قال: ولا يقطع شعرا من رأسه ولا جسده.
ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ولا فرق بين قطع الشعر بالموسى أو بغير ذلك، أو زواله بنتف ونحوه، ولا بين شعر الرأس والبدن، لما في ذلك من الرفاهية التي حال المحرم ينافيها، والله أعلم.
قال: ولا يقطع ظفرا إلا أن ينكسر.
ش: لا يقطع ظفرا إجماعا، لأنه يترفه به، فمنع منه كإزالة الشعر، فإن انكسر فله قطع ما انكسر بالإجماع أيضا، لأنه يؤذيه ويؤلمه، أشبه الصيد الصائل عليه، والله أعلم.
قال: ولا ينظر في المرآة لإصلاح شيء.
ش: لا ينظر في المرآة لإصلاح شيء زينة كتسوية شعر ونحوه، قال أحمد؛ لا بأس [أن ينظر] في المرآة، ولا يزيل شعثا، ولا ينفض عنه غبارا، وذلك لزوال الشعثة والغبرة اللتين هما من صفات المحرم.
1568 -
وفي الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه «أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من الحاج؟ قال: «الشعث التفل» قال: وأي الحج أفضل؟ قال: «العج والثج» قال: وما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة» وله أن ينظر في المرآة لا لزينة.
1569 -
وقد روى مالك في الموطأ أن ابن عمر نظر في المرآة لشكوى بعينه وهو محرم.
1570 -
وعن ابن عباس أيضا أنه أباح ذلك، رواه البخاري وعلى كل حال فالمنع من ذلك منع أدب، لا فدية فيه قاله أبو محمد.
(تنبيه) : «الشعث» البعيد العهد بتسريح شعره وغسله.
«التفل» التارك للطيب واستعماله، و «العج» رفع الصوت بالتلبية] . و «الثج» سيلان دماء الهدي، والله أعلم.
قال: ولا يأكل من الزعفران ما يجد ريحه.
ش: إذ المقصود من الطيب ريحه، وهو موجود، فلا فرق بين ما مسته النار وغيره، لوجود المقتضي للمنع وهو الرائحة، وذكر الزعفران على سبيل التمثيل، فيساويه كل مأكول فيه طيب وجد ريحه، والله أعلم.
قال: ولا يدهن بما فيه طيب.
ش: كدهن البنفسج والورد ونحوهما، لوجود الطيب الممنوع منه شرعا، والله أعلم.
قال: ولا ما لا طيب فيه.
ش: لا يدهن بما لا طيب فيه، كالزيت، والشيرج، ونحوهما، على أنص الروايتين، واختيار الخرقي، لأنه يزيل الشعثة والغبرة، وعلى هذا اعتمد أحمد رحمه الله قال في رواية أبي داود: الزيت الذي يؤكل لا يدهن به المحرم رأسه. فذكرت له حديث ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مقتت؛» فسمعته يقول: الأشعث الأغبر. (والرواية
الثانية) : يجوز ذلك، سأله الأثرم: يدهن بالزيت والشيرج؟ قال: نعم، يدهن به إذا احتاج إليه. وذلك لما استدل به أبو داود رحمه الله على أحمد.
1571 -
وهو ما روى عن سعيد بن جبير عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدهن بدهن غير مقتت» ، يعني غير مطيب، وفي رواية:«كان يدهن بالزيت - وهو محرم - غير المقتت» . رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد، وقد روى عنه الناس.
1572 -
وعن ابن عباس قال: يشم المحرم الريحان، وينظر في المرآة، ويتداوى بما يأكل بالزيت والسم، رواه البخاري. وهنا
شيئان «أحدهما» منع أحمد إنما هو في الرأس، فلذلك خص أبو محمد في مقنعه ومغنيه الروايتين بذلك، أما البدن فيجوز عنده دهنه بلا نزاع، وجعل ذلك في الكافي احتمالا، وقدم إجراء الروايتين فيهما، وهذه طريقة الأكثرين، القاضي في تعليقه، وأبي الخطاب وصاحب التلخيص، وأبي البركات وغيرهم، فلعلهم نظروا إلى تعليل أحمد بالشعث، وذلك موجود في البدن، وإن كان في الرأس أكثر.
(الثاني) : حيث قيل بالمنع فإن الفدية تجب كغيره، على ظاهر كلام عامة الأصحاب، ولذلك قال القاضي في تعليقه: إنه ظاهر كلام الإمام أحمد، لأنه منع منه، وهو اختيار الخرقي انتهى. ولم يوجب أبو محمد الفدية على الروايتين، وقد ذكر ذلك أيضا القاضي في تعليقه لكنه جعل المنع بمعنى الكراهة، فقال: ويحتمل أن يكون منع على طريق الكراهة من غير فدية.
(تنبيه) : «المقتت» المطيب بالقت، وهو الذي تطبخ فيه الرياحين حتى يطيب والله أعلم.
قال: ولا يتعمد لشم الطيب.
ش: كما إذا جلس عند العطار للشم، أو دخل البيت حال تجميره لذلك، إذ المقصود من الطيب الرائحة، فإذا تعمد شم الطيب فقد وجد الممنوع منه شرعا وهو الطيب، ولو لم يتعمد الشم فشم - كما إذا جلس عند العطار لحاجة ونحو ذلك - فلا شيء عليه، لأن ذلك يشق الاحتراز منه، والله أعلم.
قال: ولا يغطي شيئا من رأسه.
ش: لما تقدم من حديث ابن عمر «ولا العمامة ولا البرنس» «وحديث ابن عباس في المحرم الذي وقصته ناقته «لا تخمروا رأسه» والمنهي عنه يحرم فعل بعضه، بدليل الحلق. وكلام الخرقي يشمل التغطية بمعتاد - كالعمامة والبرنس ونحوهما -[وغيره] كما لو عصبه أو طينه بطين، أو جعل عليه دواء ونحوه. وهو كذلك. نعم يستثنى من ذلك ما لو حمل على رأسه طبقا ونحوه ولو قصد به الستر، لأنه لا يقصد له غالبا، ولم يستثنه ابن عقيل مع الستر، ويستثنى أيضا الستر بيديه، وتلبيد الشعر بغسل أو نحوه، وستر بعضه بطيب الإحرام.
1573 -
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبد رأسه، وكان وبيص الطيب في مفرقه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
قال: والأذنان من الرأس.
ش: فلا يجوز تغطيتهما كبقية أبعاض الرأس.
1574 -
لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم «الأذنان من الرأس» رواه ابن ماجه من طرق.
1575 -
وعن الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه» وذكر الحديث إلى أن قال: «فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه» رواه مالك في الموطأ، والنسائي وابن ماجه فقوله:«حتى تخرج من أذنيه» دليل على دخولهما في مسماه.
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يحرم عليه تغطية وجهه. وهو إحدى الروايتين عن أحمد واختيار القاضي في تعليقه، و [في] جامعه، وأبي محمد وغيرهما، لأن الأشهر والأكثر
في الرواية في المحرم «ولا تخمروا رأسه» ومفهومه جواز [تخمير] ما عدا ذلك.
1576 -
وقد خمر عثمان وجهه، ذكره مالك في الموطأ.
1577 -
ورواه عنه أيضا وعن زيد، وابن الزبير، وابن عباس، [وجابر] وسعد رضي الله عنهم؛ النجاد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (والرواية الثانية) لا يجوز.
1578 -
لأن في رواية في الصحيح «ولا تخمروا وجهه ولا رأسه» .
1579 -
وعن نافع، أن ابن عمر كان يقول: ما فوق الذقن من الرأس، فلا يخمره المحرم. رواه مالك في الموطأ أي من حكم الرأس، والله أعلم.
قال: والمرأة إحرامها في وجهها.
ش: المرأة إحرامها في وجهها، فلا تغطيه ببرقع، ولا نقاب ولا غيرهما.
لأن في حديث ابن عمر رضي الله عنه الذي في الصحيح «ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين» وفي حديثه الذي في السنن أنه «سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين، والنقاب» .
1580 -
وروى النجاد بإسناده عن نافع عنه قال: «إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه» .
(تنبيهان) : «أحدهما» : يجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطية الوجه، ولا يمكن تغطية
محل الرأس إلا بتغطية جزء من الوجه، ولا كشف [جميع] الوجه إلا بكشف جزء من الرأس، فإذا المحافظة على ستر الرأس أولى، قاله أبو محمد، لأنه عورة يجب ستره مطلقا.
«الثاني» : «القفاز» بالضم والتشديد، قال الجوهري:[هو] شيء يعمل لليدين، يحشى بقطن، ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد. وقال صاحب المطالع: هو غشاء الأصابع مع الكف، معروف يكون من جلد وغيره. ونحو هذا قال صاحب التلخيص؛ قال: معمول لليد كالمعمول لأيدي البازبازية ونحو ذلك قال ابن الزاغوني، وقال ابن دريد وابن الأنباري: ضرب من الحلي. ثم قال ابن دريد: لليدين. وقال الآخر: وللرجلين. والله أعلم.
قال: فإن احتاجت سدلت على وجهها.
ش: إذا احتاجت المرأة لستر وجهها حذارا من رؤية الرجال سدلت على وجهها ثوبا ونحوه.
1581 -
لما روي «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها [من رأسها] على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» . رواه أبو داود وابن ماجه.
1582 -
وعلى هذا يحمل ما روى مالك في الموطأ عن فاطمة بنت المنذر قالت: كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر.
ثم شرط القاضي في الساتر كونه متجافيا عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي، وخالفه في ذلك أبو محمد، فقال: لم أر هذا الشرط عن أحمد، ولا
هو في الخبر، بل الظاهر من الخبر خلافه والله أعلم.
قال: لا تكتحل بكحل أسود.
ش: لأن في حديث جابر الطويل - وسيأتي إن شاء الله تعالى - قال: «وقدم علي من اليمن، فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، وقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «صدقت صدقت» فدل هذا على أنها قبل الإحلال ممنوعة من ذلك. وتقييده بالأسود لأنه الذي تحصل به الزينة، فيخرج ما ليس للزينة، كالذي يتداوى به، فلا تمنع منه.
1583 -
لما روى نبيه بن وهب «أن عمر بن عبيد الله بن معمر اشتكى عينيه وهو محرم، فأراد أن يكحلها، فنهاه أبان بن عثمان، وأمره أن يضمدها بالصبر، وحدثه عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم[أنه كان يفعله» ] رواه مسلم وغيره، ولفظ النسائي: عن النبي صلى الله عليه وسلم «للمحرم إذا اشتكى عينه أن يضمدها بالصبر» » فيلحق بذلك ما في معناه مما ليس فيه زينة.
وظاهر كلام الخرقي أن المنع من ذلك على سبيل التحريم، بل قد يقال: ظاهر كلامه وجوب الفدية، وقد أقره على ذلك أبو الحسن بن الزاغوني، فقال:[هو] كالطيب واللباس، وجعله أبو البركات مكروها، وكذلك أبو محمد، ولم يوجب فيه فدية، وسوى في ذلك بين الرجل والمرأة، والله أعلم.
قال: وتجتنب كل ما يجتنب الرجل إلا في اللباس، وتظليل المحمل.
ش: لأن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم[على المحرم] بأمر، يدخل فيه النساء، وإنما استثني اللباس، وتظليل المحمل، لحاجتها إلى السترة إذ هي عورة، [وقد] قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم [على] أن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجل إلا بعض اللباس، وأجمعوا على أن للمحرمة لبس القميص، والدرع، والسراويلات، والخمر، والخفاف، وقد تقدم حديث ابن عمر «ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب» إلى آخره، والله أعلم.
قال: ولا تلبس القفازين.
ش: يستثنى من جواز اللباس لها القفازان فإنها تمنع منهما كما يمنع الرجل، لما تقدم في حديث ابن عمر «ولا تلبس القفازين» وتقدم ثم أيضا معناهما، والله أعلم.
قال: ولا الخلخال وما أشبهه.
ش: أي من الحلي كالسوار ونحوه، لأن ذلك يتخذ للزينة ويدعو إلى نكاحها، أشبه الطيب، وقد قال أحمد: المعتدة والمحرمة يتركان الطيب [والزينة] ، ولهما ما عدا ذلك.
وظاهر كلام الخرقي وأحمد في هذا النص أن المنع من ذلك على سبيل التحريم، ونص [أحمد] في رواية حنبل على الجواز، فقال: تلبس المحرمة الحلي والمعصفر. وعلى هذا جمهور الأصحاب. لما تقدم من حديث ابن عمر «ولتلبس بعد ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر، أو خز، أو حلي» وحمل أبو محمد كلام الخرقي على الكراهة، كقوله في الكحل، وجزم بأنه لا فدية فيه، والله أعلم.
قال: ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها.
ش: لما كان مفهوم كلام الشيخ أنه يباح لها ما يباح للرجل، استثنى من ذلك رفع صوتها بالتلبية، فإنها لا ترفع إلا
بمقدار ما تسمع رفيقتها، حذارا من الفتنة بصوتها، ولهذا لم يشرع في حقها أذان ولا إقامة.
1584 -
وعن سليمان بن يسار أنه قال: «السنة عندهم أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال» .
وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها، وإنما عليها أن تسمع نفسها، وظاهر إطلاق الخرقي تحريم الزيادة على ذلك، وهو ظاهر إطلاق الشيخين وغيرهما، والله أعلم.
قال: ولا يتزوج المحرم ولا يزوج، فإن فعل فالنكاح باطل.
ش: هذه المسألة قد ذكرها الخرقي هنا وفي النكاح، وقد تكلمنا عليها في النكاح ولله الحمد، فلا حاجة إلى
إعادتها، ونزيد هنا بأنه إذا خالف وفعل فلا فدية عليه بلا خلاف نعلمه، لأنه عقد فسد لأجل الإحرام، أشبه شراء الصيد، والله أعلم.
قال: فإن وطىء المحرم في الفرج فأنزل أو لم ينزل فقد فسد حجهما.
ش: مجرد النكاح لا يفسد الإحرام بلا ريب، بل إذا وطىء فيه، أو وطىء مطلقا في الفرج فقد فسد حجه اتفاقا، قاله ابن المنذر، فقال: أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد بإتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع. انتهى وقد قضى بهذا الصحابة.
1585 -
فقال مالك في الموطأ: بلغني أن عمر، وعليا، وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم [بالحج] فقالوا: ينفذان لوجههما حتى يقضيا حجهما، ثم عليهما حج من قابل والهدي.
1586 -
قال: وقال علي: وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا، حتى يقضيا حجهما.
1587 -
وعن ابن عمر وابن عباس نحو ذلك، رواه الأثرم في سننه (ولا فرق بين) أن ينزل أو لا ينزل، لإطلاق الصحابة، (ولا بين) أن يكون الوطء قبل الوقوف أو بعده، لإطلاقهم أيضا، (ولا بين)[أن يكون] الوطء قبل الوقوف أو بعده، لإطلاقهم أيضا، (ولا بين)[أن يكون] الوطء في القبل أو الدبر، من آدمي أو بهيمة، لأنه وطء محرم، يجب الاغتسال، أشبه وطء الآدمية في القبل، يتخرج أن لا يفسد الحج بوطء البهيمة، كما لا تجب الكفارة على الصائم في نهار رمضان في قول. (ولا فرق: بين العامد والساهي، على المنصوص المشهور المختار للأصحاب، حتى أن الشيخين [وجماعة] لم يذكروا خلافا. وخرج القاضي في الروايتين رواية بعدم الفساد مع النسيان، قال: من قوله في رواية أبي طالب في الصائم: إذا وطىء ناسيا لم يفسد صومه.
(قلت) : وقد يخرج من رواية عدم وجوب الكفارة ثم، وهو أولى، إذ إيجاب الكفارة [ثم] هو نظير إفساد الحج، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأيضا هذه الرواية هي أشهر ثم من القول الذي خرج منه القاضي، وهذا التخريج لازم لأبي محمد، لأنه المخرج في البهيمة أنه لا يفسد الحج بوطئها، لكنه لم ينص على محل التخريج، انتهى.
وحكم الجاهل بالتحريم والمكره حكم الناسي قاله أبو محمد، والله أعلم.
قال: وعليه بدنة إن كان استكرهها، وإن كانت طاوعته فعلى كل واحد منهما بدنة.
ش: لا يخلو الواطىء المحرم من أن يكون استكره الموطوءة أو طاوعته، فإن طاوعته فعلى كل واحد منهما بدنة، على المشهور من المذهب، والمختار للأصحاب، لأنها أحد المجامعين، أشبهت الرجل.
1588 -
وقد ثبت الأصل بما في الموطأ عن ابن عباس أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض، فأمره أن ينحر بدنة.
1589 -
وعنه أيضا أنه قال: أهد ناقة ولتهد ناقة.
1590 -
قال أحمد في رواية أبي طالب: على كل واحد هدي أكرهها أو لم يكرهها، هكذا قال ابن عباس. (وعن أحمد) أنه قال: أرجو أن يجزئها هدي واحد. وخرج ذلك القاضي في روايتيه من قوله في الصوم: لا كفارة وإن طاوعت. وعلى هذه [الرواية] لا يجب مع الإكراه إلا بدنة واحدة بطريق الأولى، وذلك على المذهب على المشهور من الروايتين، إذ المكره لا ينسب له فعل، فوجوده كالعدم. (وعنه) : عليها بدنة كالرجل، وقد تقدم نصه على ذلك، واعتماده على قول ابن عباس، وقد تقدم نصه على ذلك، واعتماده على قول ابن عباس، وعلى هذه يتحملها الزوج عنها على المشهور، لأن ذلك حصل [بسبب] فعله وعدوانه، وظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب أنها تستقر عليها، وحكم النائمة حكم المكرهة، والله أعلم.
قال: فإن وطئها دون الفرج فلم ينزل فعليه دم، فإن أنزل فعليه بدنة وقد فسد حجه.
ش: إذا وطىء دون الفرج فلا يخلو إما أن ينزل أو لا. فإن لم ينزل لم يفسد نسكه بلا نزاع، ووجب عليه دم، لأنه فعل محرم، لم يفسد النسك، أشبه الحلق، ثم هل هو شاة أو
بدنة؟ على روايتين أشهرهما الأول، وإن أنزل وجبت بدنة بلا ريب، لأنه وطء اقترن به الإنزال، أشبه الوطء في الفرج. وهل يفسد النسك؟ فيه روايتان أشهرهما عنه - وهي اختيار الخرقي وأبي بكر والقاضي في روايتيه - يفسد، لما تقدم، ولأن الصحابة أطلقوا الإصابة.
(والثانية) - واختارها أبو محمد - لا يفسد، لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد، فلم يفسد النسك، كما لو لم ينزل، والإصابة في كلام الصحابة رضي الله عنهم كناية عن الوطء في الفرج، والله أعلم.
قال: وإن قبل فلم ينزل فعليه دم، فإن أنزل فعليه بدنة، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى: إن أنزل فسد حجه.
ش: إذا قبل أو مس فلم ينزل فعليه دم لما تقدم.
1591 -
وقد روى الأثرم بإسناده عن عبد الرحمن بن الحارث أن عمر بن عبيد الله قبل عائشة بنت طلحة محرما، فسأل فأجمع له على أن يهريق دما والظاهر أنه لم ينزل وإلا لذكر. (وإن أنزل)
فعليه بدنة لأنه نوع مباشرة أشبه المباشرة فيما دون الفرج، وفل يفسد نسكه؟ فيه روايتان، توجيههما يفهم مما تقدم.
واعلم أن الخرقي رحمه الله جزم [ثم] بالفساد، وحكى الروايتين هنا، وتبعه على ذلك صاحب التلخيص، [وعاكسه] ابن أبي موسى فيما أظن، فحكى [الروايتين] في الوطء دون الفرج. وجزم في القبلة بعدم الفساد، وجعل القاضي والشيخان الروايتين في الجميع، وهو أوجه من جهة النقل، إذ أحمد قد نص على الفساد بالقبلة، وإذا أردت جمع الطرق كان في المسألتين ثلاثة أقوال، ونظير ذلك لو باشر في الصيام، على ما حكاه أبو البركات تجب الكفارة، لا تجب، تجب بالوطء [دون الفرج دون القبلة وهي المشهورة، واختيار الخرقي هنا أيضا، ولا شك أن الوطء] دون الفرج أبلغ من القبلة ونحوها، واللذة به أزيد، فاقتضى زيادة في الواجب، والله أعلم.
قال: وإن نظر فصرف بصره فأمذى فعليه دم.
ش: ظاهر هذا أنه إذا أمذى بمجرد النظر كان عليه دم، وعلى ذلك شرح ابن الزاغوني، لأنه إنزال يؤثر في فساد الصوم، فأوجب الكفارة، دليله إنزال المني، وظاهر كلام أبي الخطاب، وصاحب التلخيص، والشيخين - بل صريحه - أنه لا يجب والحالة هذه شيء، لأن ذلك يوجد كثيرا، لا سيما من الشبان، فالوجوب به فيه حرج. والله أعلم.
قال: فإن كرر النظر حتى أمنى فعليه بدنة.
ش: هذا إحدى الروايتين، لأن نوع استمتاع ممنوع منه، أشبه القبلة ونحوها (والثانية) - وهي المنصوصة - عليه شاه، لأنه إنزال لا عن مباشرة، أشبه الإنزال بالفكر انتهى. ولو كرر النظر فمذى فاتفق الأصحاب هنا فيما علمت أنه يجب عليه شاة، ويفهم ذلك مما تقدم من كلام الخرقي بطريق التنبيه.
وفهم من كلام الخرقي أيضا أنه متى لم ينزل بالنظر فلا شيء عليه، وهو كذلك، وقد بقي عليه من أنواع الاستمتاع الفكر، إذا أنزل به، ولا نزاع أنه لا شيء عليه إذا غلبه، وكذلك إن استدعاه، على أشهر الوجهين، وقد يقال: إنه مقتضى كلام الخرقي.
(تنبيه) : فساد النسك هنا بمنزلة وجوب الكفارة في الصوم، لأن ذلك الأمر الأغلظ فيهما، ووجوب الكفارة هنا بمنزلة فساد الصوم ثم، لأنه الأخف فيهما، فالوطء [في الفرج] موجب للفساد والكفارة في البابين، والوطء دون الفرج
مع الإنزال موجب لفساد الصوم [بلا ريب] والكفارة على الأشهر، وهنا موجب للكفارة بلا ريب [وكذلك] لفساد النسك على الأشهر.
والقبلة ونحوها مع الإنزال موجب للفساد ثم بلا ريب أيضا، [غير] موجب للكفارة على الأشهر. وهنا موجب للكفارة لا الفساد على الأشهر.
وتكرار النظر بشرطه يفسد ثم، ويوجب الكفارة هنا، ولا يقتضي كفارة ثم، ولا فسادا هنا، والإنزال بالفكر المستدعى لا يوجب كفارة ثم، ولا فسادا هنا، وهل يفسد ثم، ويوجب الكفارة هنا؟ فيه وجهان، والله أعلم.
قال: وللمحرم أن يتجر.
1592 -
ش: لما روى أبو داود عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198][قال] : كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات.
1593 -
وفي الصحيح عنه قال: كان ذو المجاز، وعكاظ متجر الناس
في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك، حتى نزلت:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] في مواسم الحج، والله أعلم.
قال: ويصنع الصنائع كلها.
ش: لأن ذلك في معنى التجارة، والله أعلم.
قال: ويرتجع زوجته، وعن أبي عبد الله أحمد رحمه الله رواية أخرى في الارتجاع أن لا يفعل ذلك.
ش: الرواية الأولى اختيار أبي محمد، والقاضي في روايتيه، إذ الرجعية زوجة، والرجعة إمساك، قال سبحانه:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ولهذا لا يفتقر إلى الولي، ولا إلى الشهود.
(والثانية) : هي الأشهر عن أحمد، واختيار القاضي في التعليق في مواضع، لأنه عقد يتوصل به إلى استباحة بضع مقصود، فمنع منه الإحرام، دليله عقد النكاح. ولا يرد شراء الأمة [إذ] المقصود منه الملك، لا
استباحة البضع، ولا المظاهر إذا كفر في حال الإحرام، فإنه يتوصل إلى إباحة، لكن ذلك ليس بعقد.
وقد أورد على هذا أن الرجعية مباحة فلا استباحة، فأجاب القاضي: الاستباحة تتعلق بها، وإن قلنا هي مباحة، فإنه لو تركها حتى مضت العدة حرم وطؤها، فرجعتها تبيح الوطء بعد مضي [مدة] العقد، والله أعلم.
قال: وله أن يقتل الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور.
1594 -
ش: في الصحيحين [وغيرهما] من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور " وفي رواية: " خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام» .
1595 -
– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم – بقتل خمس من الفواسق في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور» . متفق عليه.
وقد شمل كلام الخرقي وكلام غيره من الأصحاب صغار هذه، وعموم الحديث [أيضا] يقتضيه، وإذا قيل: إن فسقهن لأذاهن فلا ينبغي أن يدخل في ذلك إلا من وجد فيه حقيقة الأذى، أو تأهله لذلك.
(تنبيه) : المراد بالغراب [الغراب] الأبقع بلا ريب، وهو الذي في بطنه وظهره بياض، وغراب البين عندنا كذلك، نظرا لعموم الأحاديث الصحيحة ولأنه يعدو على الناس، ويحرم أكله، فهو كالأبقع، ويخرج من ذلك غراب الزرع لجواز أكله، وعدم أذاه. وقيل: المراد في الحديث الأبقع فقط، حملا للمطلق على المقيد، إذ في مسلم «والغراب الأبقع» و «الحدأة» بكسر الحاء والهمزة، «والعقور» العضوض، فعول بمعنى فاعل، أي العاقر، واختلف فيه، فقيل: هو كل سبع يعقر، نظرا لجانب اللفظ.
1596 -
ويؤيده «أن النبي صلى الله عليه وسلم دعى على عتبة بن أبي لهب فقال: «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» فافترسه الأسد.
وقيل: هو الكلب المألوف، نظرا لجانب العرف، إذ الظاهر في اللام أنها لمعهود ذهني، و «الحرم» ضبطه جماعة بفتح الحاء والراء وهو الحرم المشهور، وضبطه القاضي في المشارق بضم الحاء والراء، جمع حرام، كقوله سبحانه وتعالى:{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] قال: والمراد به المواضع المحرمة. قال النووي: والأول أظهر.
وتمسية هؤلاء فواسق قيل: لخروجهن عن السلامة منهن
إلى الأذى، وقيل: لخروجهن عن الحرمة إلى الأمر بقتلهن. وقيل: سمي الغراب فاسقا لتخلفه عن نوح، [وخروجه] عن طاعته، وأصل الفسوق الخروج، يقال: فسقت الرطبة، إذا خرجت عن قشرها، والله أعلم.
قال: وكل ما عدا عليه، أو آذاه، ولا فداء عليه.
ش: أي يجوز قتله، ويحتمل أن يريد بذلك كل ما عدا على المحرم في نفسه أو ماله، وإن لم يكن من طبعه الأذى، ولا نزاع في ذلك، لأنه إذا هو الجاني على نفسه، ويحتمل أن يريد ما في طبعه الأذى وإن لم يوجد [منه] كسباع البهائم، وجوارح الطير، كالنمر، والفهد، والبازي، والعقاب، ونحو ذلك. والزنبور، والبق، والبراغيث، وشبهها من الحشرات المؤذية، إذ قوله صلى الله عليه وسلم:«خمس من الفواسق يقتلن» من باب ترتيب الحكم على الوصف، فحيث وجد الفسق ترتب الحكم، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أكد ذلك بأن عدد أنواعا، تنبيها على ما في معناها [كالعقرب] .