الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ
2666 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، نَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
مُؤْتَةُ مَهْمُوزَةٌ: الأَرْضُ الَّتِي قُتِلَ بِهَا جَعْفَرٌ، وَالْمُوتَةُ بِغَيْرِ هَمْزٍ: شِبْهُ الْجُنُونِ.
2667 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ،
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ، فَمَا يَسُرُّنِي، أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا "، قَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ الإِمَامُ: فِيهِ بَيَانُ أَنَّ التَّأْمِيرَ فِي الْحَرْبِ مَشْرُوعٌ، وَفِيهِ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ أُصِيبَ الأُمَرَاءُ مِنْ غَيْرِ تَأْمِيرٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَظَرَ، فَإِذَا هُوَ فِي ثَغْرٍ مَخُوفٍ لَمْ يَأْمَنْ فِيهِ ضَيَاعَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ، وَتَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَارَ هَذَا أَصْلا فِي كُلِّ أَمْرٍ حَدَثَ مِمَّا سَبِيلُهُ أَنْ يَتَوَلاهُ الأَئِمَّةُ، وَلَمْ يَشْهَدُوهُ، وَخِيفَ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ أَنَّ الْقِيَامَ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنْ
وَقَعَ ذَلِكَ فِي وَاحِدٍ خَاصٍّ، نَحْوُ أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ بِفَلاةٍ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ حِفْظَ مَالِهِ، وَإِيصَالَهُ إِلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ، وَتَجْهِيزُهُ لأَنَّ أَمْرَ الدِّينِ عَلَى التَّعَاوُنِ، وَالتَّنَاصُحِ، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ رحمه الله.
قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ يَدٌ، لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ، وَلِوَلَدِهِ بِمِثْلِ مَا يَحْكُمُ لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ عَلَى وَلِيَّتِهِ، وَأَنْ يَقْطَعَ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ بِالَّذِي سَرَقَ الْحُلِيَّ مِنْ بَيْتِهِ.
وَفِيهِ أَيْضًا جَوَازُ دُخُولِ الْخَطَرِ فِي الْوِكَالاتِ، وَتَعْلِيقِهَا بِالشَّرَائِطِ، قَالَ الإِمَامُ: يَعْنِي قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ، فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ، عَلَّقَ إِمَارَةَ جَعْفَرَ بِقَتْلِ زَيْدٍ، وَإِمَارَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِقَتْلِ جَعْفَرٍ.
2668 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ طَرَفَةَ السِّجْزِيُّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَنْبَارِيُّ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ، أَوْ جَيْشٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ: " إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ، أَوْ خِلالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ: ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا، وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِثْلَ أَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلا تُنْزِلْهُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ، وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ، ثُمَّ اقْضُوا فِيهَا بَعْدُ مَا شِئْتُمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ
قَالَ الإِمامُ: هَذَا الْحدِيث يشْتَمل على فَوَائِد وعدة أَحْكَام: أَحدهَا: التأمير فِي الْحَرْب، فَيَنْبَغِي للْإِمَام إِذا بعث جَيْشًا أَن يؤمِّر عَلَيْهِم أَمِيرا، وَيَأْمُرهُمْ بِطَاعَتِهِ، حتّى لَا يختلِف أَمرهم، وقدْ رُوِي عنْ أبِي سعِيد الخدريِّ، أَن النّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذا خرج ثلاثةٌ إِلى سفرٍ فلْيُؤمِّرُوا أحدهُمْ» ، وَعَن أبِي الْأَحْوَص، عنْ عبْد اللهِ، قَالَ:«إِذا كُنْتُمْ ثَلَاثَة فِي سفرٍ، فأمِّرُوا أحدكُمْ» ، وَإِنَّمَا أَمرهم بِذلِك، ليَكُون أَمرهم جَمِيعًا، وَلَا يتفرّق بِهِمُ الرّأْيِ، فيحملهم ذلِك على الْخلاف، والشِّقاقِ.
وفِي الْحدِيثِ دلِيلٌ على أنّهُ لَا يُقاتِلُ الْمُشْركين إِلَّا بعد دُعَائِهِمْ إِلى الإِسْلام، وَقد اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي ذلِك، فَقَالَ مالِك: لَا يُقَاتلُون حتّى يُدعوا، ويؤذنوا، وَذهب جمَاعَة إِلى أَنهم يُقَاتلُون قبل الدعوةُ، والدعوة اسْتِحْبَاب، لِأَن الدعْوَة قدْ بلغتهم، وهُو قوْل الثّوْرِي، والشّافِعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وَاحْتج الشّافِعِي بقتل ابْن أبِي
الحُقيق، وَأَيْضًا رُوِي عنْ أنس، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُغيرُ عِنْد صَلَاة الصُّبْحِ، فإِذا سمع أذانًا أمْسك، وإِلّا أغار، وأغار على بني المُصْطلِقِ وهُمْ غارُّون» ، وَقَالَ عليه السلام لأسامة:«أغِرْ على أُبني صباحًا وحرِّقْ» ، فَثَبت بِهذِهِ الأحادِيث أَن تَقْدِيم الدعْوَة ليْس بِشَرْط إِذا كَانَت الدعْوَة قدْ بلغتهم قبل ذلِك.
فَأَما من لمْ تبلغه الدعْوَة من الْكفَّار فَمَا بعُدت دَاره، ونأى مَحَله، فإِنّهُ لَا يُقاتل حتّى يدعى إِلى الإِسْلام، فإِن قُتِل مِنْهُم واحدٌ قبل الدعْوَة فَتجب فِيهِ الْكَفَّارَة وَالدية، وفِي وجوب اخْتِلاف الْقود اخْتِلاف بيْن أهْل الْعِلْمِ، وَقَالَ سعِيد بْن جُبيْر فِي قوْلِهِ عز وجل {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، أهل الْحَرْب ادعوهُمْ فإِن أَبَوا، فجادلوهم بِالسَّيْفِ.
وقوْله: «وأعلِمْهُمْ أنّهُمْ إِنْ فعلُوا ذلِك أنّ لهُمْ مَا للمُهاجِرِين» أَرَادَ من مَال الْفَيْء، وذلِك أَن الْمُهَاجِرين كانُوا أَقْوَامًا من قبائل مختلفةٍ تركُوا أوطانهم، وهجروها فِي الله، واختاروا الْمدِينة دَارا ووطنًا، ولمْ يكن
لأكثرهم بِها زرع، وَلَا ضرع، وَكَانَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ينْفِق عَلَيْهِم من مَال الْفَيْء، وإِذا دُعوا إِلى الْجِهَاد، لَا يتخلفون عَنهُ، ولمْ يكن أم لأعرابي؟، وسكان الْبَلَد فِي الْفَيْء نصيب إِلَّا من شهد الْوَقْعَة مِنْهُم، فَلهُ سَهْمه، وَمن لمْ يخرج مِنْهُم فِي الْبَعْث، فَلَا شيْء لهُ من الْفَيْء، وَلَا عتب عليْهِ فِي التَّخَلُّف مَا دَامَ فِي الْمُجَاهدين كِفَايَة.
وقوْله: «وعليْهِمْ مَا على المُهاجِرِين» ، أَي: من النفير أيّ وقتٍ دُعوا إِليْهِ.
وقوْله: «فإنْ هُمْ أبوْا، فادْعُهُمْ إِلى إِعْطَاء الجِزْيةِ» ، فَظَاهره يُوجب قبُول الْجِزْيَة من كُل مُشْرك، كتابي أوْ غيْر كتابي، مثل عبدةِ الشَّمْس، والنيران، والأوثان إِذا أعطوها، وَإِلَى هَذَا ذهب الأوْزاعِي، ومالِك: أنّهُ تقبل الْجِزْيَة من كُل كَافِر، عَرَبيا كَانَ أوْ أعجميًا، إِلَّا الْمُرْتَد، قَالَ الْمُغِيرة بْن شُعْبة لعامل كسْرَى: أمرنَا نبيُّنا رسُول ربِّنا أَن نقاتِلكم حتّى تعبدوا الله وَحده، أوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَة، وأخْبرنا نبيُّنا عنْ رِسَالَة ربِّنا أنّهُ من قُتِل منا صَار إِلى الْجَنَّةِ فِي نعيم لمْ يُر مثلهَا قطّ، وَمن بقى منا ملك رِقَابكُمْ، وَعَن أبِي وَائِل قَالَ: كتب خالِد بْن الْولِيد إِلى أهل فَارس: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، مِن خالِد بْن الْولِيد إِلى رُستم ومهران فِي مَلأ فَارس: سَلام على من اتبع الْهدى، أما بعد فَإنَّا ندعوكم إِلى الإِسْلام، فإِن أَبَيْتُم، فأعطوا الْجِزْيَة عنْ يدِ وَأَنْتُم صاغرون، فإِن أَبَيْتُم، فإِن معي قوما يحبونَ الْقَتْل فِي سَبِيل الله، كَمَا تحبُّ فَارس الْخمر، وَالسَّلَام على
منِ اتّبع الهُدى.
وقوْله: «فإِن أجابُوا، فاقْبلْ مِنْهُمْ، وكُفّ عنْهُمْ» ، يعْنِي: إِذا قبلوا الْجِزْيَة، دخلُوا فِي ذمَّة الْمُسْلِمِين يجب الكفُّ عَنْهُم قتلا، واسترقاقًا، والذبُّ عَنْهُم.
قَالَ عُمر رضِي الله فِي وَصيته: أوصِي الْخَلِيفَة من بعدِي بالمهاجرين، وَالْأَنْصَار، أوصيه بِذِمَّة الله وَذمَّة رَسُوله أَن يُوفي لهُمْ بعدهمْ وَأَن يُقَاتل من ورائهم، وَلَا يكلّفوا إِلَّا طاقتهم.
وَذهب قوْمٌ إِلى أَن الْجِزْيَة لَا تقبل إِلَّا من أهل الْكتاب وَمن الْمَجُوس سَوَاء كانُوا عربا، أوْ عجمًا، وَلَا تُقبل من أهل الْأَوْثَان بِحَال، إِليْهِ ذهب الشّافِعِي.
وَقَالَ أبُو حنِيفة: تُقبل من أهل الْكتاب على الْعُمُوم، وتُقبل من مُشْركي الْعَجم، وَلَا تُقبل من مُشْركي الْعَرَب، وَقَالَ أبُو يُوسُف: لَا تُقبل من الْعَرَبِيّ، كتابيًا كَانَ، أوْ مُشْركًا، وتُقبل من العجمي، كتابيًا كَانَ أوْ مُشْركًا.
قَالَ الشّافِعِيُّ: وَلَوْلَا أَن نأثم بتمني بَاطِل، وَدِدْنَا أَن لَا يجْرِي على عَرَبِيّ صغَار، وَلَكِن الله أجلُّ فِي أَعيننَا من أَن نحب غيْر مَا حكم بِهِ.
ورُوِي: أَن النّبي صلى الله عليه وسلم «أَخذ الجِزْية مِنْ أُكيْدِر دومة وهُو رجُلٌ مِنْ غسّان، أوْ كِنْدة، ومنْ أهْلِ ذِمَّةِ اليمنِ، وعامّتُهُمْ عربٌ» .
2669 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرْسُوسِيُّ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغُلُّوا، وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تَقْتُلُوا امْرَأَةً، وَلا وَلِيدًا، وَلا شَيْخًا كَبِيرًا، وَإِذَا حَاصَرْتُمْ أَهْلَ مَدِينَةٍ، أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ، فَادْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَهُمْ مَا لَكُمْ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْكُمْ، فَإِنْ أَبَوْا، فَادْعُوهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، يُعْطُونَكُمْ عَنْ يَدٍ، وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَإِنْ أَبَوْا، فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعْبَةَ
قَالَ الإِمامُ: نسَاء أهل الْحَرْب وصبيانهم لَا يجوز قتلُهم بعد الإسار، لأَنهم صَارُوا أرقاء بِنَفس الأسرِ، فهُمْ غنيمَة للْمُسلمين، وَلَا يجوز أيْضًا قَتلهمْ قبل الْأسر، فإِن قَاتلُوا، دُفِعوا وَلَو بِالْقَتْلِ، وكذلِك إِذا اخْتَلَط نسَاء أهل الْحَرْب وصبيانُهُم بالمقاتلة مِنْهُم، وَلَا يُوصل إِلَى الْمُقَاتلَة إِلَّا بقتل النِّسَاء وَالصبيان، فَإِنَّهُم لَا يُحاشون، وكذلِك يجوز البيات وَإِن كَانَ ذلِك يَأْتِي على النِّساء وَالصبيان.
وَاخْتلفُوا فِي الشُّيُوخ، والزّمني، والعميان، والرهبان، والعُسفاء، فَذهب قوم إِلى أَنهم لَا يُقتلون، وهُو قوْل مالِك، والثّوْرِي، والأوْزاعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، ورُوِي عنِ الصِّدِّيق أنّهُ نهى عنْ قَتلهمْ، وَذهب قومٌ إِلى أَنهم يُقتلون، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي فِي أظهر قوليه، وَقَالَ: إِنّما نهى أبُو بكْر عنْ قَتلهمْ ليشتغلوا بالأهم، وهُو قتل الْمُقَاتلَة، وَلَا يتشاغلوا بالْمقَام على الصوامع عنِ الْحَرْب، كَمَا رُوِي أنّهُ نهى عنْ قطع الْأَشْجَار المثمرة، ولمْ يكن ذلِك على وَجه التَّحْرِيم، وقدْ حضر النّبِي صلى الله عليه وسلم «وهُو يقطع نخل بني النَّضِير» ، وَلَكِن نهى عنْ قطعهَا ليشتغلوا بِالْقِتَالِ الّذِي هُو الأهم، أوْ لِأَن النّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ قدْ «وعد لهُمْ فتح الشَّام، فَأَرَادَ بَقَاء نَفعهَا للْمُسلمين» ، فَأَما الشَّاب الْمَرِيض، فيُقتل بالِاتِّفَاقِ.