الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَو انْتقل يَهُودِيّ أوْ نَصْرَانِيّ فِي زَمَاننَا إِلى دين أهل الْأَوْثَان لَا يُقرُّ بالجزية كَمَا لَو دخل وثنيٌ فِي دينهما، وَلَو انْتقل يَهُودِيّ إِلى نَصْرَانِيَّة، أوْ نَصْرَانِيّ إِلى يَهُودِيَّة، فَهَل يُقرُّ بالجزية، وَهل تحلُّ مناكحته وذبيحته؟ فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا، وبِهِ قَالَ أصْحاب الرّأْيِ: يقرُّ عليْهِ، ويحلُّ نِكَاحه وذبيحته، لِأَن حكم الدينَيْنِ وَاحِد، وَالثَّانِي: لَا يُقر عليْهِ لِأَنَّهُ استحدث دينا بَاطِلا بعد مَا كَانَ معترفًا بِبُطْلَانِهِ، فَأشبه الْمُسلم يرْتَد وَالْعِيَاذ بِاللهِ عز وجل، وَلَو تهوّد مَجُوسِيّ، أوْ تمجس يَهُودِيّ، لَا تحل ذَبِيحَته وَلَا مناكحته، وفِي التَّقْرِير بالجزية هَذَا الاخْتِلاف.
بابُ قدْرِ الجِزْيةِ
2752 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ:«بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
قَالَ الإِمامُ: أَرَادَ بالحالم: الْبَالِغ احْتَلَمَ أوْ لمْ يَحْتَلِم، والمعافر: نوع من الثِّيَاب يكُون بِالْيمن.
وفِيهِ دلِيلٌ على أَن الْجِزْيَة إِنّما تكون على الْبَالِغين من الرِّجَال دُون النِّساء وَالصبيان، وكذلِك لَا تجبُ على المجانين وَلَا العبيد، وأقلُّ الْجِزْيَة دينارٌ على كُل بَالغ فِي كُل سنة، وَلَا يجوز أَن ينقص عَنهُ.
وفِيهِ بَيَان أَن الدِّينَار مَقْبُول من الْغنى وَالْوسط وَالْفَقِير، لِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم أمره أَن يَأْخُذ من كُل حالم دِينَارا، ولمْ يُفصِّل بيْن الْغَنِيّ وَالْفَقِير مَعَ تفَاوت النّاس فِي الْغنى والفقر، وَإِلَى هَذَا ذهب الشّافِعِي، وَله قوْل آخر: أنّهُ لَا جِزْيَة على الْفَقِير.
وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أَن على كُل مُوسر أَرْبَعَة دَنَانِير، وعَلى كُل متوسط دينارين، وعَلى كُل فَقير دِينَارا، وَقَالَ ابْن أبِي نجيح: قُلْت لمجاهد: مَا شَأْن أهل الشَّام عَلَيْهِم أربعةُ دَنَانِير، وَأهل الْيمن دِينار، قَالَ: جُعل ذلِك من قِبل الْيَسَار.
وَيجوز أَن يُصالحهم على أكْثر من دِينار، وَأَن يشْتَرط عَلَيْهِم ضِيَافَة من يمر بِهِمْ من المُسْلِمين زِيَادَة على أهل الْجِزْيَة، وَيبين عدد الضِّيفان من
الرجالة والفرسان، وَعدد أيّام الضِّيَافَة، وَيبين جنس أطعمتهم، وعلف دوابهم، ويُفاوت بيْن الْغَنِيّ وَالْوسط فِي الْقدر دُون جنس الْأَطْعِمَة، رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، قَالَ: صالِح رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أهل نَجْرَان على ألفي حُلة، النصفُ فِي صفر، والنصفُ فِي رَجَب يؤدونها إِلى المُسْلِمين، وعارية ثَلَاثِينَ درعًا وَثَلَاثِينَ قوسًا، وَثَلَاثِينَ فرسا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا، وَثَلَاثِينَ من كُل صنف من أَصْنَاف السِّلَاح يغزون فِيها، والمسلمون ضامنون لَهَا حتّى يردوها عَلَيْهِم إِن كَانَت بِالْيمن كيدٌ ذَات غدر على أَن لَا يُهدم لهُمْ بيعَة، وَلَا يخرج لهُمْ قسٌ، وَلَا يُفتنون عنْ دينهم مَا لمْ يحدثوا حَدثا، أوْ يَأْكُلُوا الرِّبا، وَالْمرَاد بالكيد: الْحَرْب، وفِيهِ بَيَان أَن الْعَارِية مَضْمُونَة.
ورُوِي أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «ضرب على نَصَارَى أيْلة ثَلَاث مائةِ دِينارٍ كُلّ سنةٍ، وأنْ يُضيفُوا منْ مرّ بِهِمْ مِن المُسْلِمين ثَلَاثًا، وَلَا يغُشُّوا مُسْلِمًا» ، ورُوِي أَنهم كانُوا يوْمئِذٍ ثَلَاث مائَة.
ورُوِي عنْ عُمر ضرب الْجِزْيَة على أهل الذِّمَّة أَرْبَعَة دَنَانِير، وعَلى أهل الْوَرق أَرْبَعِينَ درهما، مَعَ ذلِك أرزاقُ المُسْلِمين، وضيافةُ ثَلَاثَة أيّام.
وَلَو صَالحهمْ على خراج ضربه على أراضيهم يجوز إِذا لمْ ينقُص فِي حق كُل حالم عنْ دِينار، وَلَا يجوز أَن يُصالحهم على عشور زُرُوعهمْ وثمارهم، لِأَنَّهَا مَجْهُولَة، وقدْ تُصيبها الآفة، فَلَا يحصل مِنْهَا مَا يبلغ أقلّ