الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد انْقِضَاء الْمدَّة كالمشروط مَعَ الْمدَّة المضروبة فِي أَن لَا يغزوهم فِيها، فإِذا صَار إِلَيْهِم فِي أيّام الْهُدْنَة، كَانَ إِيقَاعه قبل الْوَقْت الّذِي يتوقعونه، فعدّ ذلِك عمْرو غدرًا، واللهُ أعْلمُ.
وَإِن نقض أهل الْهُدْنَة عَهدهم، لهُ أَن يسير إِلَيْهِم على غَفلَة مِنْهُم، كَمَا فعل النّبي صلى الله عليه وسلم بِأَهْل مكّة، وَإِن ظَهرت مِنْهُم خِيَانَة بِأَهْل الإسْلام نبذ إِلَيْهِم الْعَهْد، قَالَ الله سبحانه وتعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الْأَنْفَال: 58]، وَمن دخل إِلَيْنَا رَسُولا، فَلهُ الْأمان حتّى يُؤَدِّي الرسَالَة، ويرجِع إِلى مأمنه، قَالَ النّبي صلى الله عليه وسلم لِابْنِ النواحة:«لوْلا أنّك رسُولٌ، لضربْتُ عُنُقك» .
بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29]، قوْلُهُ
تَعَالَى: {عَنْ يَدٍ} [التَّوْبَة: 29]، قِيل: عنْ ذُلٍّ واعْتِرافٍ بِأنّ دِين الإسْلام عالٍ على دِينِهِمْ، وقِيل: عنْ إِنْعامٍ عليْهِمْ مِنَ المُسْلِمين بِقُبُولِ الجِزْيةِ، وقِيل:{عَنْ يَدٍ} [التَّوْبَة: 29]، أيْ: نقْدٍ لَا نسِيئةٍ.
وقوْلهُ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29]، والصّغارُ: الذلُّ، يعْني: بِالصّاغِرين أذِلّاء يُعْطُون الجِزْية عنْ قِيامٍ، والقابِضُ جالِسٌ، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: معْنى الصّغارِ: جريانُ حُكْم الإسْلام عليْهِمْ، فيعْلُوا حُكْمُ الإسْلامِ حُكْم الشِّرْكِ، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [الْبَقَرَة: 61]، قِيل: الذِّلةُ: الجِزْيةُ، والمسْكنةُ: فقْرُ النّفْسِ وإنْ كَانَ مُوسِرًا.
2750 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ بَجَالَةَ، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ
حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِنُ عَوْفٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ
2751 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُقُولُ:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»
قَالَ رحمه الله: اتّفقت الْأمة على أَخذ الْجِزْيَة من أهل الْكِتَابَيْنِ وهُم الْيهُود وَالنَّصَارَى إِذا لمْ يَكُونُوا عربا، لقَوْله سبحانه وتعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29].
وَاخْتلفُوا فِي الْكِتَابِيّ الْعَرَبِيّ، وفِي غيْر أهل الْكتاب من كفار الْعَجم، فَذهب الشّافِعِي إِلى أَن الْجِزْيَة على الْأَدْيَان لَا على الْأَنْسَاب، فتؤخذ من أهل الْكتاب عربا كانُوا أوْ عجمًا، وَلَا تُؤْخَذ من أهل الْأَوْثَان بِحَال، وَاحْتج بِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم أَخذهَا من أكيدِر دومة، وهُو رجُل من الْعَرَب، يُقَال: من غَسَّان، وَأخذ من أهل ذمَّة الْيمن وعامتهم عرب، وَمن أهل نَجْرَان وَفِيهِمْ عربٌ.
وَذهب مالِك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلى أنّهُ تُؤْخَذ من جمِيع الْكفَّار، إِلَّا الْمُرْتَد، وفِي امْتنَاع عُمر رضي الله عنه من أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حتّى شهد عبْد الرّحْمنِ بْن عَوْف أَن النّبي صلى الله عليه وسلم أَخذهَا، دلِيل على أَن رَأْي الصّحابة كَانَ على أنّها لَا تُؤْخَذ من كُل مُشْرك، إِنّما تُؤْخَذ من أهل الْكتاب مِنْهُم.
وَاتَّفَقُوا على أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس، وَذهب أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلى أَنهم لَيْسُوا من أهل الْكتاب، وَإِنَّمَا أُخِذت الْجِزْيَة مِنْهُم بالسُّنّة، كَمَا أُخِذت من الْيهُود وَالنَّصَارَى بِالْكتاب، وقِيل: هُمْ من أهل الْكتاب رُوِي ذلِك عنْ علِي رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ لهُمْ كتاب يدرسونه، فَأَصْبحُوا وقدْ أُسرِي على كِتَابهمْ، فرُفع من بيْن أظهرهم، وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم مناكحة الْمَجُوس، وَتَحْرِيم ذَبَائِحهم إِلَّا شيْء يحْكى عنْ أبِي ثَوْر أنّهُ أَبَاحَهُ، فَأَما الْيهُود وَالنَّصَارَى فَمن كَانَ مِنْهُم من نسل بني
إِسْرَائِيل، فَأَجْمعُوا على حِلِّ مُناكحتهم وذبائحهم، لقَوْل الله سبحانه وتعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [الْمَائِدَة: 5]، فَأَما من دخل فِي دينهم من غَيرهم من الْمُشْركين نُظِر إِن دخلُوا فِيهِ قبل النّسخ، وَقبل التبديل يقرّون بالجزية، وفِي حِلِّ مناكحتهم وذبائحهم اخْتِلاف، فأصحُّ الْأَقْوَال حِلُّها، وَإِن دخلُوا فِيهِ بعد النّسخ، أوْ بعد التبديل، فَلَا يُقرُّون بالجزية، وَلَا تحِلُّ مناكحتهم وذبائحهم، وَمن شككنا فِي أَمرهم أَنهم دخلُوا فِيهِ بعد النّسخ، أوِ التبديل، أوْ قبله، تُؤْخَذ مِنْهُم الْجِزْيَة، وَلَا تحلُّ مناكحتهم وذبائحهم، لِأَن أَخذ الْجِزْيَة لحق الدَّم، وَأمر الدَّم إِذا دَار بيْن الحقن والإراقة يُغلّب جانبُ الحقن، وَأمر البُضع والذبيحة إِذا تردّد بيْن الحِلِّ وَالتَّحْرِيم، تُغلّبُ جِهَة التَّحْرِيم، فَمن هَذِه الْجُمْلَة نَصَارَى الْعَرَب من تنوخ، وبهرًا وَبني تغلِب، أقرهم عُمر رضي الله عنه بالجزية، وَقَالَ: مَا يحلُّ لنا ذَبَائِحهم، وَقَالَ علِي رضي الله عنه: لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بني تغلِب، فَإِنَّهُم لمْ يَتَمَسَّكُوا من دينهم إِلَّا بِشرب الْخمر.
وَسُئِلَ ابْن عبّاس عنْ ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب، فَقَالَ: لَا بَأْس بِها.
وَقَالَ الزُّهْرِي: لَا بَأْس بذبيحة نَصَارَى الْعَرَب، فإِن سمعته يُسمى لغير الله، فَلَا تَأْكُل، فإِن لمْ تسمعه، فقدْ أحله الله، وَعلم كفرهم.