الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَمَّا خفّف الله عَنْهُم من الْعدَد، نقّص من الصَّبْر بِقدر مَا خفف عَنْهُم.
قَالَ ابْن عبّاس: من فرّ من ثَلَاثَة، فَلم يفرّ، وَمن فرّ من اثْنَيْنِ، فقدْ فرّ: يُرِيد إِذا فر مُسْلِم من كَافِرين غير متحرفٍ لقِتَال، أوْ متحيزًا إِلى فِئَة، يسْتَحق الْوَعيد الّذِي أوعده الله سبحانه وتعالى فِي قوْلِهِ عز وجل:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الْأَنْفَال: 16]، وَإِن كانُوا أكْثر من اثْنَيْنِ بِإِزَاءِ كُل مُسْلِم، فَلَا عتب على من فرّ، وَمن فرّ من اثْنَيْنِ، فليْس لهُ أَن يصلى بِالْإِيمَاءِ فِي الْفِرَار، لِأَنَّهُ عاصٍ كقاطع الطَّرِيق، وهُو من الْكَبَائِر.
قَالَ الْحسن: ليْس الْفِرَار من الزَّحْف من الْكَبَائِر، إِنّما كَانَ ذلِك يوْم بدرٍ.
بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ
2709 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، وفِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ الرّجُلَ؟» ، قَالُوا: ابْنَ الأَكْوَعِ، قَالَ:«لَهُ سلبُهُ أجْمعُ»
وفِيهِ دلِيلٌ على أَن من دخل دَار الإِسْلام من أهل الْحَرْب من غيْر أَمَان حلّ قتلُه، وَمن تجسّس للْكفَّار من أهل الذِّمَّة، كَانَ ذلِك مِنْهُ نقضا للْعهد، وَإِن فعله مُسْلِم، فَلَا يحلُّ قَتله، بل يُعزّر، فإِن ادّعى جَهَالَة بِالْحَال، ولمْ يكن مُتَّهمًا، يُتجافى عَنهُ، هَذَا قوْل الشّافِعِي، وَقَالَ الأوْزاعِي: عاقبهُ الإمامُ عُقُوبَة مُنكِّلةً، وغرّبهُ إِلى بعْض الْآفَاق،
وَقَالَ أصْحاب الرّأْيِ: عاقبه، وَأطَال حَبسه، وَقَالَ مالِك: ذلِك إِلى اجْتِهَاد الإِمام.
2710 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا، وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ:«انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ» ، فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَتُلْقِنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟» ، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ،
إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِها، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلا رِضًى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ:«اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ، وَنَزَلَتْ:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1].
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ
وَغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ، كُلٌّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
قَالَ الإِمامُ: فِي الْحدِيث دليلٌ على أنّهُ يجوز النظرُ فِي كتاب الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، وَإِن كَانَ سرا إِذا كَانَ فِيهِ ريبةٌ وضررٌ يلْحق الْغَيْر، أما مَا رُوِي عنِ ابْنِ عبّاسٍ، أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«منْ نظر فِي كِتابِ أخيهِ بِغيْرِ إِذْنِهِ فإِنّما ينْظُرُ فِي النّارِ» ، فهُو فِي الْكتاب الّذِي فِيهِ أَمَانَة، أوْ سر بيْن الْكَاتِب والمكتوب إِليْهِ لَا رِيبَة فِيهِ، وَلَا ضَرَر بأحدٍ من أهل الإِسْلام، فَأَما كتبُ الْعلم، فقدْ قِيل: يجوز النظرُ فِيهِ بِغَيْر إِذن صَاحبه، لِأَن الْعلم لَا يحلُّ مَنعه، وَلَا يجوز كتمانُه، وقِيل: لَا يجوز لظَاهِر الْحدِيث، وَلِأَن صَاحب الشَّيْء أولى بِمَنْفَعَة مِلكه، وَإِنَّمَا يَأْثَم بكتمان الْعلم الّذِي سُئل عَنهُ، فَأَما منع الْكتاب عنْ غَيره، فَلَا إِثْم فِيهِ.
وقوْله: «فإِنّما ينظر فِي النَّار» ، أَرَادَ بِالنّظرِ إِلى النَّار: الدنوّ مِنْهَا، والصِّلى بِها، لِأَن النّظر إِلى الشَّيْء إِنّما يتَحَقَّق عِنْد الدنو مِنْهُ.
واللهُ أعْلمُ.
وفِي حَدِيث حَاطِب دلِيل على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور