الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورُوِي عنْ عبْد الله بْن بُسرٍ، قَالَ: نزل رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أبِي، فَقَرَّبْنَا إِليْهِ طَعَاما ووطبة، فَأكل مِنْهَا، ثُمّ أُتِيِ بِتمْرٍ فَكَانَ يَأْكُلهُ، ويُلقي النَّوَى بيْن إصبعيه، وَيجمع السبابَة وَالْوُسْطَى، ثُمّ أُتِي بشراب، فشربه، ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عنْ يَمِينه.
قَالَ: فَقَالَ أبِي: وَأخذ بلجام دَابَّته، ادعُ الله لنا، فَقَالَ:«اللُّهُم بارِكْ لهُمْ فِيما رزقْتهُمْ، وأَغْفِرْ لهُمْ، وارْحَمْهُمْ» .
بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْأَنْعَام: 145]، قوْلُهُ:{غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، قِيل: معْناهُ لَا يبْغِي، فيأْكُلهُ غيْر مُضْطرٍّ إليْهِ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يعْدُو شِبعهُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يتجاوزُ القدْر الّذِي أُبِيح لهُ، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: لَا يقصرُ عنْهُ، فَلَا يأْكُلُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر طالِبِها وهُو يجِدُ غيْرها، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر مُتعدّ
مَا حُدّ لهُ.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر ظالِمٍ بِتحْلِيلِ مَا حرّم الله سبحانه وتعالى، {وَلا عَادٍ} [الْأَنْعَام: 145]، أيْ: غيْر مُجاوِزٍ القصْد.
وقِيل: {غَيْرَ بَاغٍ} [الْأَنْعَام: 145] أيْ: غيْر خارِجٍ عنِ السُّلْطانِ، أَو قاطِعٍ للطّريقِ، فإِنْ خرج لِمعْصِيةٍ لِفسادٍ فِي الأرْضِ، أوْ لِقطْعِ طريقٍ، فاضْطُرّ إِلى ميْتةٍ لَا يحِلُّ لهُ تناوُلُها، وهُو قوْلُ مُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبيْرٍ، وإِليهِ ذهب الشّافِعِيُّ، ولمْ يُجوِّزِ التّرخُّص لأحدٍ خرج لِسفرِ معْصِيةٍ، وجوّز أصْحابُ الرّأْيِ الترخُّص للعاصِي بِسفرِهِ، وقالُوا: البغْيُ والعُدْوانُ راجِعانِ إِلى الأكْلِ.
وَقَالَ الله سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الْمَائِدَة: 3]، والمخْمصةْ: المجاعةُ، لِأَن البطْن يضْمُرُ بِها، قوْلُهُ:{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [الْمَائِدَة: 3]، أيْ: غيْر مائِلٍ إِلى حرامٍ، ويُقالُ للمائِلِ: أجْنفُ، ومِنْهُ قوْلُهُ سبحانه وتعالى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [الْبَقَرَة: 182] قَالَ مسروقٌ: من اضْطُرّ إِلى الميْتةِ وَالدّمِ ولحْمِ الخنْزيرِ، فلمْ يأْكُلُ ولمْ يشْربُ حتّى يمُوت، دخل النّار.
قَالَ معْمرٌ: ولمْ أسْمعُ فِي الخمْرِ رُخْصةً، قَالَ
الزهْريُّ: لَا يحِلُّ شُرْبُ أبْوالِ النّاسِ لِشِدّةٍ تنْزِلُ بِهِ، لأنهُ رِجْسٌ، قَالَ الله سبحانه وتعالى:{أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [الْمَائِدَة: 4].
3006 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيِّ، أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نَا عُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عُقْبَةَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يُحَدِّثُ عَنِ الْفُجَيْعِ الْعَامِرِيِّ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: «مَا طَعَامُكُمْ؟» قُلْنَا: نَغْتَبِقُ، وَنصْطَبِحُ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَحٌ غُدْوَةً، وَقَدَحٌ عَشِيَّةً.
قَالَ: «ذَلِكَ وَأَبِي الْجُوعُ، فَأَحَلَّ لَهُمُ الْمَيْتَةَ» عَلَى هَذِهِ الْحَالِ
قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: الغبوقُ: الْعشَاء، والصّبُوح: الْغَدَاء، والقدحُ من اللَّبن بالغداةِ، والقدحُ بالعشيِّ يُمسكُ الرّمق ويُقيم النَّفس،
وَإِن كَانَ لَا يُشْبعُ الشِّبع التَّام، وقدْ أَبَاحَ لهُمْ مَعَ ذلِك تنَاول الْميتَة، فَكَانَ دلَالَته أَن تنَاول الْميتَة مُبَاح إِلى أَن تَأْخُذ النَّفس حَاجَتهَا من الْقُوت، وتشبع، وَإِلَى هَذَا ذهب مالِك بْن أنس، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، لِأَن الْحَاجة مِنْهُ قَائِمَة إِلى الطَّعَام.
وَقَالَ أبُو حنِيفة: لَا يجوز أَن يتَنَاوَل مِنْهُ إِلَّا قدر مَا يُمسك رمقه وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، وإِليْهِ ذهب المزنيُّ، وذلِك لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الِابْتِدَاء بِهذِهِ الْحَال، لمْ يجز لهُ أَن يَأْكُل شيْئًا مِنْهَا، فَكَذَلِك إِذا بلغَهَا بعد تنَاولهَا، ورُوِي نَحْو هَذَا عنِ الْحسنِ الْبصْرِيِّ، وَقَالَ قَتَادَة: لَا يتضلعُ مِنْهَا.
قَالَ الإِمامُ الْحدِيث يدل على أَن الْمُضْطَر إِذا وجد من الطَّعَام الْمُبَاح مَا يُمسك رمقه، فتناوله، ولمْ يحصل مِنْهُ الشِّبَع، جَازَ لهُ تناولُ الْميتَة أيْضًا حتّى يشْبع، لِأَن الْقدح من اللَّبن بِالْغَدَاةِ، والقدح بالعشيِّ يمسك رمقه، وَمَعَ ذلِك أَبَاحَ لهُ الْميتَة، فَأَما من كَانَ مُحْتَاجا إِلى الطَّعَام، ولمْ يبلغ حَالَة الِاضْطِرَار بِأَن كَانَ لَا يخَاف على نَفسه التّلف، فاتفقوا على أنّهُ لَا يحلُّ لهُ تنَاول الْميتَة، وَقَالَ مالِك: الْمُضْطَر إِلى الميتةِ يَأْكُل مِنْهَا حتّى يشْبع ويتزود مِنْهَا، فإِن وجد عنْها غنى، طرحها.
3007 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ بْنِ سُلَيْمَانَ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ
بِالأَرْضِ فَيُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ:«مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلا، فَشَأْنَكُمْ بِهَا»
قوْله: «أوْ تحْتفِئُوا بِها بقْلا» ، قَالَ أبُو عُبيْد: أنّهُ من الحفاء مَهْمُوز مَقْصُور، وهُو أصل البردي الْأَبْيَض الرطب مِنْهُ، وهُو يُؤْكَل، يقُول: مَا لمْ تقتلعوا هَذَا بِعَيْنِه، فتأكلوه، وقِيل: صَوَابه «مَا لمْ تحتفوها بِها بقلا» مخفف الْفَاء غيْر مَهْمُوز وكل شيْء استؤصل فقد احتفى، وَمِنْه إحفاء الشّعْر، يُقَال: احتفى الرجل يحتفي: إِذا أَخذ من وَجه الأرْض بأطراف أصابِعه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أعرف «تحتفئوا» ، وَلَكِن أَرَاهَا «تختفوا» ، يقُول بِالْخَاءِ مُعْجمَة، أَي: تقتلعونه من الأرْض وتظهرونه، يُقَال: اختفيت الشَّيْء، أَي: أخرجته، وَمِنْه سمي النباش المختفي، لِأَنَّهُ يسْتَخْرج الأكفان، يُقَال: خفيت الشَّيْء: إِذا أظهرته، وأخفيته: إِذا سترته.
وَقَرَأَ الْحسن: 0 أكاد أخفيها 0، بِالْفَتْح، أَي: أظهرها.
قَالَ أَعْرَابِي: لَعَلَّهَا تجتفئوا، يعْنِي بِالْجِيم، أَي: تقتلعونه وترمون بِهِ من قَوْلك: جفأتُ الرجل: إِذا ضربت بِهِ الأرْض، وجفأتِ القِدرُ بزبدها، إِذا رمت.
قَالَ أبُو عُبيْد: معنى الْحدِيث إِنّما لكم مِنْهَا، يعْنِي من الْميتَة الصبوحُ: وهُو الْغَدَاء، أوِ الغبوق: وهُو الْعشَاء، يقُول: فليْس لكم أَن تجمعوهما من الميتةِ، وأنكروا هَذَا عنْ أبِي عُبيد،
وقالُوا: مَعْنَاهُ إِذا لمْ تَجدوا صَبُوحًا أوْ غبوقًا، ولمْ تَجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الْميتَة، فإِذا اصطبح الرجل لَبَنًا، أوْ تغدى بِطَعَام لمْ يحلّ لهُ نَهَاره ذلِك أكل الْميتَة، وكذلِك إِذا تعشّى، أوْ شرب غبوقًا، فَلم يحل لهُ ليلته تِلْك، لِأَنَّهُ يتبلّغ بِتِلْكَ الشربة.
وإِذا مرّ الْمُضْطَر بِتَمْر، أوْ زرع، أوْ مَاشِيَة للْغَيْر، أكل مِنْهَا ولمْ يكن لمَالِكه منعهُ، فإِن منع، كَانَ فِي دَمه.