المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يجوز الصيد به - شرح السنة للبغوي - جـ ١١

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ

- ‌بابُ الْغزْوِ بالنِّساءِ

- ‌بابُ أخْذِ الجُعلِ

- ‌بابُ مَتى يخْرُجُ إِلى السّفرِ

- ‌بابُ الابْتِكارِ

- ‌بابُ كراهِيةِ السّفرِ وحْدهُ

- ‌بابُ الخِدْمةِ فِي السّفرِ

- ‌بِابُ كراهِيةِ الجرسِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ قطْعِ القلائدِ والأوتارِ

- ‌بابُ الإِرْدافِ على الدّابةِ

- ‌بابُ إرْدافِ المرْأةِ

- ‌بابُ كراهِية الوُقُوفِ على الدّابّةِ

- ‌بابُ يُعْطِي الإِبِل حقّها

- ‌بابُ بذْلِ الزّادِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ العُقْبةِ

- ‌بابُ مشقةِ السّفرِ

- ‌بابُ الْصبرِ عِنْد لِقاء العدُوِّ والدُّعاءُ

- ‌بابُ المكْرِ فِي الحرْبِ والكذِبِ والخدِيعةِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ قتْلِ النِّساء والصّبْيانِ

- ‌بابُ الْبياتِ

- ‌بابُ الشِّعارِ فِي الحرْبِ

- ‌بابُ تحْرِيقِ أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بابُ الكفِّ عَن القِتالِ إِذا رأى شِعار الإِسْلامِ

- ‌بابُ الصَّفّ فِي الْقِتَال والتعبئة

- ‌بابُ المُبارزةِ

- ‌بابُ الفِرارِ مِن الزّحْفِ

- ‌بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ

- ‌بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ

- ‌بابُ المنِّ والفِداء

- ‌بابُ الكافِرِ إِذا جَاءَ مُسْلِمًا بعْد مَا غنم مالُهُ لَا يجِبُ الرّدُّ عليْهِ

- ‌بابُ الأمانِ

- ‌بابُ النُّزْولِ على الحُكْمِ

- ‌بابُ حِلِّ الغنيمةِ لِهذِهِ الأُمّةِ

- ‌بابُ الغنِيمة لِمنْ شهِد الْوقْعة

- ‌بابُ قسْمَة الْغَنَائِم

- ‌بابُ منْ يسْتحِقُّ الرّضْخ مِن الغنِيمةِ

- ‌بابُ السّلبِ لِلْقاتِلِ

- ‌بابُ التّنْفِيلِ

- ‌بابُ الغُلُولِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا يُصابُ مِن الطعامِ بِقدْرِ الْحاجةِ

- ‌بابُ مَا يُصيبُ الكُفارُ مِنْ مِالِ المُسْلِمين

- ‌بابُ إِخْراجِ الخُمسِ مِن الغنِيمةِ وبيانِ سهْمِ ذوِي القُرْبى

- ‌بابُ حُكْمُ الفيْءِ

- ‌بابُ الدِّيوانِ

- ‌بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها

- ‌بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين

- ‌بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ

- ‌بابُ قدْرِ الجِزْيةِ

- ‌بابُ سُقُوطِ الجِزْيةِ عنِ الذِّمِّيِّ إِذا أسْلم

- ‌بابُ إِخْراجُ اليهُودِ والنّصارى مِنْ جزِيرةِ الْعربِ

- ‌بابُ اسْتِقْبالِ القادِم ورُكُوِب ثلاثةٍ الدَّابَّة

- ‌بابُ إِذا قدِم لَا يُطْرِقُ أهْلهُ ليْلا

- ‌بابُ من قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ

- ‌26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح

- ‌بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ

- ‌بابُ ذبِيحةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأهْلِ الْكِتابِ

- ‌بابُ اتِّخاذِ الكلْبِ للصّيْدِ

- ‌بابُ قتْلِ الكِلابِ

- ‌بابُ البعِيرِ إِذا ندّ

- ‌بابُ الإِحْسانِ فِي القتْلِ وتحْديدِ الشّفْرةِ

- ‌بابُ النّهيِ عنْ أنّ يصْبِر الْحيوان

- ‌بابُ كراهِية ذبْحِ الحيوانِ لِغيْرِ الأكْلِ

- ‌بابُ ذكاةِ الجنِينِ

- ‌بابُ وسْمِ الدّوابِّ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ

- ‌بابُ أكْل الضّبِّ

- ‌بابُ أكْلِ الأرْنبِ

- ‌بابُ أكْلِ الجرادِ

- ‌بابُ حيواناتِ الْبحْرِ

- ‌بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى

- ‌بابُ أكْلِ الْجلّالةِ

- ‌بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ

- ‌بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ

- ‌بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ

- ‌بابُ العقِيقةِ

- ‌بابُ التّحْنِيكِ

- ‌بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ

- ‌27 - كِتابُ الأطْعِمةِ

- ‌بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ

- ‌بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ

- ‌بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ

- ‌بابُ الأكْلِ على السّفرِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا

- ‌بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا

- ‌بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأْكُلُهُ

- ‌بابُأكْلِ الشِّوَاءِ

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبي صلى الله عليه وسلم يحب من اللَّحْم

- ‌بابُ الثَّرِيد والتلبينة

- ‌بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ

- ‌بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ

- ‌بابُ الحلْواءِ والْعسلِ

- ‌بابُ الخلِّ

- ‌بِابُ أكْلِ الزّيتِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ

- ‌بابُ لعْقِ الأصابِعِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ

- ‌بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ

- ‌بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة

- ‌بابُ التّمْرِ

- ‌بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ

- ‌بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين

- ‌بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ

- ‌بابُ الْكمْأةِ

- ‌بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ

- ‌بابُ كيْلِ الطّعامِ

- ‌بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ

- ‌بابُ حقِّ الضّيْفِ

- ‌بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ

- ‌بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ

- ‌28 - كِتابُ الأشْرِبةِ

- ‌بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ

- ‌بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ

- ‌بابُ الْخلِيطيْنِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ

- ‌بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بابُ الأوْعِيةِ

- ‌بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة

- ‌بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب

- ‌بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا

- ‌بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية

- ‌بابُ الرُّخْصَة فِيهِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا

- ‌بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ

- ‌بَاب استِعْذابِ الماءِ

- ‌بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ

- ‌بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ

الفصل: ‌باب ما يجوز الصيد به

‌26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح

‌بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ

قَالَ الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [الْمَائِدَة: 2]، وَالصَّيْد مَا كَانَ حَلَالا مُمْتنِعًا، لَا مالِك لهُ، وَقَالَ سبحانه وتعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [الْمَائِدَة: 4] الْآيَة، قوْلُهُ:{مِنَ الْجَوَارِحِ} [الْمَائِدَة: 4]، يعْني: الصّوائِد، واحِدتُها: جارِحةٌ، لِأنها تجْرحُ الصّيْد، ولِأنّها تكْسِبُ.

قَالَ الله سبحانه وتعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الْأَنْعَام: 60]، أيْ: كسبْتُمْ.

وقوْلُهُ: {مُكَلِّبِينَ} [الْمَائِدَة: 4]، والمُكلِّبُ: الّذِي يُسلِّطُ الكِلاب على الصّيْدِ، والّذي يُعلِّمِهُ، يُقالُ لهُ: مُكلِّبٌ أيْضًا، والكلابُ: صاحِبُ الكِلابِ، ويُقالُ لِلصّائِدِ بِها أيْضًا: كلّابٌ.

2768 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، نَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ، فَأَمْسَكَ، وَقَتَلَ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ، فَلا

ص: 191

تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ، وَقَتَلْنَ، فَلا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ، فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ، أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ، إِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، فَلا تَأْكُلْ».

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ

قَالَ الإِمامُ: هَذَا الْحدِيث يتَضَمَّن فَوَائِد من أَحْكَام الصَّيْد مِنْهَا: أَن من أرسل كَلْبا على صيد، فَأَخذه وَقَتله، يكُون حَلَالا، وكذلِك جمِيع الْجَوَارِح المعلّمة من الفهد والبازي والصقر وَالْعِقَاب وَنَحْوهَا.

وَالشّرط أَن تكون الْجَارِحَة مُعلّمة، وَلَا يحلُّ قتيلُ غيْر المعلّم.

لِما رُوِي عنْ مجَالد، عنِ الشّعْبِيِّ، عنْ عدي بْن حَاتِم، أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا علّمْت مِنْ كلْبٍ، أوْ بازٍ ثُمّ أرْسلْتهُ، وذكرْت اسْم اللهِ عليْهِ فكُلْ مِمّا أمْسك عليْك» .

ص: 192

قَالَ الإِمامُ: والتعليم أَن يُوجد فِيهِ ثلاثُ شَرَائِط: إِذا أُشلي استشلى، وإِذا زُجر انزجر، وإِذا أَخذ الصَّيْد، أمسك ولمْ يَأْكُل، فإِذا فعل ذلِك مرَارًا أوْ أقلهَا ثَلَاثَة، كَانَ مُعلّمًا يحل بعد ذلِك قتيلهُ.

وقوْله: «إِذا أرْسلْت كلْبك» ، دلِيل على أَن الْإِرْسَال من جِهَة الصَّائِد شرطٌ، حتّى لَو خرج الْكَلْب بِنَفسِهِ، فَأخذ صيدا وَقَتله، لَا يكُون حَلَالا، أَجمعت الْأمة عليْهِ، لقَوْله سبحانه وتعالى:{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 3]، وفِيهِ بَيَان أَن ذكر اسْم الله شَرط على الذَّبِيحَة حَاله مَا يذبح، أوْ فِي الصَّيْد حَالَة مَا يُرسل الْجَارِحَة، أوِ السهْم، فَلَو ترك التَّسْمِيَة، فَاخْتلف أهْل الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ حَلَال، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وإِليْهِ ذهب مالِك، والشّافِعِي، وأحْمد، وقالُوا: المُرَاد من ذكر اسْم الله عز وجل: ذكر الْقلب، وهُو أَن يكُون إرْسَاله الْكَلْب على قصد الِاصْطِيَاد بِهِ، لَا على وَجه اللّعب.

وَذهب قوْمٌ إِلى أنّهُ لَا يحل، سَوَاء ترك عَامِدًا أوْ نَاسِيا، وهُو الْأَشْبَه بِظَاهِر الْكتاب وَالسّنة، رُوِي ذلِك عنِ ابْن سِيرِين، والشّعْبِي، وبِهِ قَالَ أبُو ثَوْر، وداوُد.

ص: 193

وَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ لَو ترك التَّسْمِيَة عَامِدًا، لَا يحل، وَإِن تَركهَا نَاسِيا، يحل، وهُو قوْل الثّوْرِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَإِسْحَاق، وَاحْتج من شَرط التَّسْمِيَة بقوله سبحانه وتعالى:{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الْأَنْعَام: 121]، وَتَأَول من لمْ يرهَا شرطا على أَن المُرَاد من ذكر اسْم غيْر الله بِدَلِيل أنّهُ قَالَ:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الْأَنْعَام: 121]، وَالْفِسْق فِي ذكر اسْم غيْر الله، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آخر ال {[:] قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا إِلى قوْله: أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [سُورَة الْأَنْعَام: 145]، وَاحْتج من لمْ يَجْعَل التَّسْمِيَة شرطا بِمَا.

2769 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ، لَا نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِا أَمْ لَا؟ قَالَ:«اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَلَو كَانَت التَّسْمِيَة شرطا للْإِبَاحَة، كَانَ الشَّك فِي وجودهَا مَانِعا من أكلهَا، كالشك فِي أصل الذّبْح.

وَاتَّفَقُوا على حِل ذَبِيحَة أهل الْكتاب.

ص: 194

وقوْله: «إِنْ أكل فَلَا تأْكُلْ» ، فِيهِ دلِيلٌ على أَن الْجَارِحَة إِذا أكلت من الصَّيْد شيْئًا، كَانَ حَرَامًا، واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب أَكْثَرهم إِلى تَحْرِيمه، رُوِي ذلِك عنِ ابْنِ عبّاسٍ، وَعمر، وإِليْهِ ذهب عَطاء، وهُو قوْل الثّوْرِي، وَابْن الْمُبَارك، وأحْمد، وَإِسْحَاق، وأصْحاب الرّأْيِ، وَأَصَح قولي الشّافِعِي.

وَرخّص فِيهِ بعضُ أهْل الْعِلْمِ، وهُو قوْل مالِك.

لما رُوِي عنْ أبِي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عنْ أبِي ثَعْلَبَة الخُشني، قَالَ: قَالَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صيد الْكَلْب: «إِذا أرْسلْت كلْبك وذكرْت اسْم اللهِ، فكُلْ وإِنْ أكل مِنْهُ» ، ويُرْوى هَذَا أيْضًا عنِ ابْن عُمر، وَعَن سعْد بْن أبِي وَقاص:«كُل وإِنْ لمْ تُدْرِكْ إِلّا بِضْعةً واحِدةً» .

وَفرق بعضُ أهْل الْعِلْمِ بيْن الْكَلْب والبازي، فَقَالَ: يحرمُ مَا أكل مِنْهُ الكلبُ، وَلَا يحرمُ مَا أكل مِنْهُ الْبَازِي، وهُو اختيارُ الْمُزنِيّ، لِأَن

ص: 195

الْكَلْب يعلّم بترك الطُّعم، والبازي يعلّم بالطُّعم، فَأَكله لَا يحرِّم الصَّيْد.

فَمن ذهب إِلى تَحْلِيله متمسكًا بِحَدِيث أبِي ثَعْلَبَة، حمل النَّهْي فِي حَدِيث عدي بْن حَاتِم على معنى التَّنْزِيه دُون التَّحْرِيم، وَمن ذهب إِلى تَحْرِيمه.

فَأول قوْله فِي حَدِيث أبِي ثَعْلَبَة: «فكُل وَإِن أكل» ، يعْنِي: وَإِن أكل أكل فِيمَا مضى من الزّمان إِذا لمْ يَأْكُل فِي الْحَال.

واخْتلف الْقَائِلُونَ بِتَحْرِيمِهِ فِي الصيود الّتِي اصطادها من قبل مِمَّا لمْ يَأْكُل مِنْهَا أنّها هَل تحرم؟ فَمنهمْ من ذهب إِلى أنّهُ إِذا أكل من صيد مرّة يحرم بِهِ كُل صيد اصطاده من قبل، وَمِنْهُم من لمْ يحرِّم إِلَّا مَا أكل مِنْهُ، فَأَما إِذا شرب الدَّم، فَلَا يحرم، قَالَ عَطاء، وَالْأَكْثَرُونَ.

وقوْله: «إِذا خالط كلابًا لمْ يذكر اسْم الله عليْها وقتلن، فَلَا تَأْكُل» ، دلِيل على أَن الْكَلْب إِذا خرج بِنَفسِهِ من غيْر إرْسَال صَاحب فَقتل أنّهُ لَا يحلُّ.

وفِيهِ دلِيلٌ على أنّهُ إِذا اشْترك فِي الذّبْح من تحِلُّ ذَبِيحَته، وَمن لَا تحِل ذَبِيحَته، مثل أَن أشترك مُسْلِم ومجوسي أوْ مُرْتَد فِي ذبح شَاة، أوْ أرسل مُسْلِم ومجوسي كَلْبا، أوْ سَهْما، على صيد، فَأَصَابَهُ وَقَتله، أنّهُ يكُون حَرَامًا، وَإِن أرسل كلُّ وَاحِد سَهْما، أوْ كَلْبا، فَأَصَابَهُ مَعًا فَحَرَام، إِلَّا أَن تصيب جارحةُ الْمُسلم المذبح، وجارحةُ الْمَجُوسِيّ غير المذبح، فَيكون حَلَالا، لِأَن الذّبْح قدْ حصل بجارحة الْمُسلم، فَلَا يُؤثر فعل الْمَجُوسِيّ فِي تَحْرِيمه، ويحلُّ مَا اصطاده الْمُسلم بكلب الْمَجُوسِيّ، وَلَا يحل مَا اصطاده الْمَجُوسِيّ بِكُل الْمُسلم إِلَّا أَن يُدْرِكهُ المسلمُ حيًّا، فيذبحه.

ص: 196

وفِي الْحدِيث دلِيل أنّهُ إِذا أرسل كَلْبا، أوْ سَهْما على صيد، فجرحه، فَغَاب عَنهُ، ثُمّ وجده مَيتا، وَلَيْسَ فِي أثرُ جرحه أنّهُ يحل.

واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذهب أَكْثَرهم إِلى أنّهُ حَلَال إِلَّا أَن يجد فِيهِ جِراحة غَيره، أوْ يجده فِي مَاء، فَلَا يحلِ، لِأَنَّهُ لَا يُدرى أنّهُ مَاتَ من فعله، أوْ من فعل غَيره مِمَّن لَا تحل ذَبِيحَته، أوْ غرّقه المَاء، فَأَهْلَكَهُ، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا هَذَا، وَالْقَوْل الثَّانِي: أنّهُ حرَام، وَقَالَ عبْد الله بْن عبّاس: كلْ مَا أصميت، ودع مَا أنْميْت.

وَمَا أصميت: مَا قتلته وَأَنت ترَاهُ، وَمَا أنميت: مَا غَابَ عنْك مَقْتَله.

وَقَالَ مالِك: إِن وجده من يَوْمه، فحلال، وَإِن بَات، فَلَا.

فَأَما إِذا كَانَ سَهْمه، أوْ كَلْبه أَصَابَهُ مذبحه، فهُو حَلَال، سَوَاء وجده فِي مَاء، أوْ وجد فِيهِ سهم غَيره، لِأَن الذّبْح قدْ تمّ بِإِصَابَة المذبح، فَلَا يتَغَيَّر حكم تَحْلِيله بِمَا يحدث من بعد.

ويُروى فِي حَدِيث عدي: «فإِنْ أمْسك عليْك، فأدْركْتهُ حيًّا، فأذْبحه» ، وَهَذَا قوْل أهْل الْعِلْمِ: أَن الْكَلْب إِذا أَخذ صيدا، أوْ رُمي إليْهِ، فأدركه صَاحبه حيًّا، لَا يحلُّ مَا لمْ يذبحه بِقطع الْحلق واللبة، فإِن فرّط فِيهِ ذبحه لتعذر أداةٍ، أوْ غيْر حتّى مَاتَ، فَلَا يحلُّ، وكذلِك كلُّ مَا جرحه السَّبع من الصيود، فأدركه والحياة فِيهِ مُسْتَقِرَّة فذبحه، يحلُّ وَإِن صَار بِجرح السَّبع إِلى حَالَة الْمَذْبُوح، فَلَا يحلُّ، قَالَ الله

ص: 197

سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 3]، وأصل الذَّكَاة: تَمام الشَّيْء وبلوغه منتهاه، يُقَال: ذكيتُ النَّار: إِذا أتممت إشعالها.

2770 -

أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ، فَغَابَ عَنْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ، فَكُلْ مَا لَمْ يَنْتِنْ، وَيُرْوَى: مَا لَمْ يَصِلَّ «، يَعْنِي مَا لَمْ يَنْتِنْ.

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

فَهَذَا دلِيل على أنّهُ يحلُّ وَإِن غَابَ عنْ مَوته، ومنعهُ عنْ أكله بعد مَا أنتن استحبابُ، لِأَن تغير ريحِهِ لَا يُحرمُ أكله، فقدْ رُوِي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم» أكل إِهالة سنِخةً " وهِي المتغيرة الرّيح.

وقدْ يُحتمل أَن يكُون تغيره من هامّةٍ نهستهُ، فدبّ فِيها سمها، فَيكون أكله سَببا لهلاكه.

ص: 198

2771 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، نَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ " أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا، فَلا تَأْكُلُوا مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ ”.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ.

وَرَوَاهُ الْولِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ: قُلْتُ: إِنَّا أَهْلُ سَفَرٍ نَمُرُّ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَلا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ؟، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ، ثُمَّ كُلُوا

ص: 199

فِيهَا وَاشْرَبُوا»

وعائذ الله: هُو أبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، وَأَبُو ثَعْلَبَة: اسْمه جُرثوم، وَيُقَال جُرهم بْن ناشب، وَيُقَال: ابْن ناشر.

قَالَ الإِمامُ: الْأَمر بِغسْل إِنَاء الْكفَّار فِيمَا إِذا علم نَجَاسَته يَقِينا.

فقدْ رُوِي عنْ مُسْلِم بْن مِشْكمٍ، عنْ أبِي ثَعْلَبه، أنّهُ سَأَلَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِنَّا نجاور أهل الْكتاب وهُمْ يطبخون فِي قدورهم الْخَنَازِير، وَيَشْرَبُونَ فِي آنيتهم الْخمر، فَقَالَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ لمْ تجِدُوا غيْرها فأرْحضُوها بِالْماءِ» ، يعْنِي: اغسلوها، فَأَما إِذا لمْ يتَيَقَّن نَجَاسَته، فَالْأَصْل طَهَارَته، وكذلِك مِيَاههمْ وثيابهم على الطَّهَارَة، فقدْ رُوِي أَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأ مِنْ مزادةِ مُشْرِكةٍ» ، وتوضّأ عُمرُ مِنْ ماءٍ فِي جرّةِ

ص: 200

نصْرانِيّةٍ.

ورُوِي عنْ جابِر، قَالَ:«كُنّا نغْزُو مَعَ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فنُصِيبُ مِنْ آنِيةِ المُشْرِكِين وأسْقِيتِهِمْ، فنسْتمْتِعُ بِها، وَلَا يعِيبُ ذلِك عليْهِمْ» .

وَقَالَ عُمرُ بْنُ الخطّابِ: كلوا الْجُبْن مِمَّا يصنعُ أهل الْكتاب، وقالتْ أم سَلمَة فِي الْجُبْن: كلوا واذْكُرُوا اسْم الله.

وَكَانَ الْحسن يكره طَعَام الْمَجُوس كلّه إِلَّا الْفَاكِهَة.

2772 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا قَبِيصَةُ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلابَ الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ:«كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ» ، قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ» ، قُلْتُ: إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ؟ قَالَ: «كُلْ مَا خَرَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلا تَأْكُلْ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ الْحَنْظَلِيِّ،

ص: 201

عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ منْصُورٍ

والمِعْراض: نصلٌ عريضٌ فِيهِ رزانةٌ وثقلٌ، وَيُقَال: المِعراض سهمٌ بِلَا ريش وَلَا نصلٍ.

وفِي الْحدِيث من الْفِقْه أنّهُ إِذا رمى سَهْما إِلى صيد، فجرحه بحده، فَقتله كَانَ حَلَالا، وَإِن وقذه بثقله، أوْ خزقه بثقله، فَلَا يحل، لِأَنَّهَا موقوذة والموقوذة محرمةٌ بِنَصّ الْقُرْآن.

وروى الشّعْبِي، عنْ عدي، عنِ النّبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذا أصبْت بِحدِّهِ، فكُلْ، وإِذا أصَاب بِعرْضِهِ فَقتل، فإِنّهُ وقِيذٌ فَلَا تأْكُلْ» ، وَأَرَادَ بالوقيذ: مَا ذكر سبحانه وتعالى فِي الْمُحرمَات: {وَالْمَوْقُوذَةُ} [الْمَائِدَة: 3]، وهِي الّتِي تقتل بعصا أوْ حِجَارَة لَا حدّ لَهَا، وكذلِك الْمَقْتُول بالبُنْدُقةِ حرامٌ.

فَأَما صيد الْكَلْب وَغَيره من الْجَوَارِح، فَمَا جرحته الْجَارِحَة بِسنِّها، أوْ ظفرها، أوْ مخلبها فَقتلته، فحلال، وَإِن مَاتَ بثقلها ولمْ تجرحه، فعلى قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا هُو اخْتِيَار الْمُزنِيّ: أنّهُ حرَام كَمَا لَو قَتله بثقل السهْم، وَالثَّانِي: حَلَال، لِأَنَّهُ يشقُّ تَعْلِيم الْجَارِحَة الْجرْح، فَسقط اعْتِبَاره.

وَلَو رمى صيدا فِي الْهَوَاء فجرحه، فَسقط على الأرْض فَمَاتَ، كَانَ حَلَالا وَإِن لمْ يدرِ أنّهُ مَاتَ فِي الْهَوَاء، أوْ بَعْدَمَا صَار إِلى الأرْض، لِأَن الْوُقُوع على الأرْض من ضَرُورَته، فإِن وَقع فِي مَاء، أوْ على جبل أوْ شجرٍ، ثُمّ تردى مِنْهُ، فَلَا يحلُّ، لِأَنَّهُ من المتردية، إِلَّا أَن يكُون السهْم قدْ أصَاب مذبحه، فيحلُّ، سَوَاء وَقع فِي مَاء، أوْ تردى من جبل.

وَلَو رمى إِلى صيد، فأبان رَأسه، أوْ قدّه بنصفين، فهُو حَلَال، وَإِن

ص: 202

كَانَ أحد النصفين أَصْغَر من الآخر، وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أنّهُ إِن قدّه بنصفين سَوَاء، فالكلُّ حلالٌ، وَإِن كَانَ أحد النصفين أَصْغَر، فَإِن كَانَ الرَّأْس مَعَ الْأَصْغَر، فَالْكل حَلَال، وَإِن كَانَ مَعَ الْأَكْبَر، حلّ الْأَكْبَر دُون الْأَصْغَر، وَعند الشّافِعِي يحِلُّ الكلُّ بِكُل حَال، فَأَما إِذا رمى إليْهِ فأبان عضوا مِنْهُ، أوْ قطع الْكَلْب المعلّم مِنْهُ قِطْعَة مِنْهُ، وَمَات، فَالْأَصْل حَلَال، وأمّا الْعُضْو المبان، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّهُ حرَام، يُروى ذلِك عنِ ابْن مسْعُود، وبِهِ قَالَ الْحسن، وَإِبْرَاهِيم، وإِليْهِ ذهب أصْحاب الرّأْيِ، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: إِن خرج الرّوح من الْكل مَعًا حلّ الكلُّ، وَإِن بَقِي الأَصْل حيًّا حتّى ذبحه بِفعل آخر، فالعضو المبان حرَام، لما رُوِي عنْ أبِي وَاقد اللَّيْثِيّ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا قُطِع مِن البهِيمةِ وهيِ حيّةٌ، فهِي ميْتةٌ» ، فأمّا إِذا بِقِي الأَصْل حَيا بعد إبانة الْعُضْو مِنْهُ زَمَانا، ثُمّ مَاتَ قبل أَن يُقدر على ذبحه من الرَّمية الأولى، فَالْأَصْل حَلَال، واخْتلف أصْحاب الشّافِعِي فِي الْعُضْو المبان، فأحله بعْضهم، وَحرمه الْآخرُونَ.

ص: 203