المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم الفيء - شرح السنة للبغوي - جـ ١١

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ

- ‌بابُ الْغزْوِ بالنِّساءِ

- ‌بابُ أخْذِ الجُعلِ

- ‌بابُ مَتى يخْرُجُ إِلى السّفرِ

- ‌بابُ الابْتِكارِ

- ‌بابُ كراهِيةِ السّفرِ وحْدهُ

- ‌بابُ الخِدْمةِ فِي السّفرِ

- ‌بِابُ كراهِيةِ الجرسِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ قطْعِ القلائدِ والأوتارِ

- ‌بابُ الإِرْدافِ على الدّابةِ

- ‌بابُ إرْدافِ المرْأةِ

- ‌بابُ كراهِية الوُقُوفِ على الدّابّةِ

- ‌بابُ يُعْطِي الإِبِل حقّها

- ‌بابُ بذْلِ الزّادِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ العُقْبةِ

- ‌بابُ مشقةِ السّفرِ

- ‌بابُ الْصبرِ عِنْد لِقاء العدُوِّ والدُّعاءُ

- ‌بابُ المكْرِ فِي الحرْبِ والكذِبِ والخدِيعةِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ قتْلِ النِّساء والصّبْيانِ

- ‌بابُ الْبياتِ

- ‌بابُ الشِّعارِ فِي الحرْبِ

- ‌بابُ تحْرِيقِ أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بابُ الكفِّ عَن القِتالِ إِذا رأى شِعار الإِسْلامِ

- ‌بابُ الصَّفّ فِي الْقِتَال والتعبئة

- ‌بابُ المُبارزةِ

- ‌بابُ الفِرارِ مِن الزّحْفِ

- ‌بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ

- ‌بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ

- ‌بابُ المنِّ والفِداء

- ‌بابُ الكافِرِ إِذا جَاءَ مُسْلِمًا بعْد مَا غنم مالُهُ لَا يجِبُ الرّدُّ عليْهِ

- ‌بابُ الأمانِ

- ‌بابُ النُّزْولِ على الحُكْمِ

- ‌بابُ حِلِّ الغنيمةِ لِهذِهِ الأُمّةِ

- ‌بابُ الغنِيمة لِمنْ شهِد الْوقْعة

- ‌بابُ قسْمَة الْغَنَائِم

- ‌بابُ منْ يسْتحِقُّ الرّضْخ مِن الغنِيمةِ

- ‌بابُ السّلبِ لِلْقاتِلِ

- ‌بابُ التّنْفِيلِ

- ‌بابُ الغُلُولِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا يُصابُ مِن الطعامِ بِقدْرِ الْحاجةِ

- ‌بابُ مَا يُصيبُ الكُفارُ مِنْ مِالِ المُسْلِمين

- ‌بابُ إِخْراجِ الخُمسِ مِن الغنِيمةِ وبيانِ سهْمِ ذوِي القُرْبى

- ‌بابُ حُكْمُ الفيْءِ

- ‌بابُ الدِّيوانِ

- ‌بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها

- ‌بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين

- ‌بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ

- ‌بابُ قدْرِ الجِزْيةِ

- ‌بابُ سُقُوطِ الجِزْيةِ عنِ الذِّمِّيِّ إِذا أسْلم

- ‌بابُ إِخْراجُ اليهُودِ والنّصارى مِنْ جزِيرةِ الْعربِ

- ‌بابُ اسْتِقْبالِ القادِم ورُكُوِب ثلاثةٍ الدَّابَّة

- ‌بابُ إِذا قدِم لَا يُطْرِقُ أهْلهُ ليْلا

- ‌بابُ من قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ

- ‌26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح

- ‌بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ

- ‌بابُ ذبِيحةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأهْلِ الْكِتابِ

- ‌بابُ اتِّخاذِ الكلْبِ للصّيْدِ

- ‌بابُ قتْلِ الكِلابِ

- ‌بابُ البعِيرِ إِذا ندّ

- ‌بابُ الإِحْسانِ فِي القتْلِ وتحْديدِ الشّفْرةِ

- ‌بابُ النّهيِ عنْ أنّ يصْبِر الْحيوان

- ‌بابُ كراهِية ذبْحِ الحيوانِ لِغيْرِ الأكْلِ

- ‌بابُ ذكاةِ الجنِينِ

- ‌بابُ وسْمِ الدّوابِّ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ

- ‌بابُ أكْل الضّبِّ

- ‌بابُ أكْلِ الأرْنبِ

- ‌بابُ أكْلِ الجرادِ

- ‌بابُ حيواناتِ الْبحْرِ

- ‌بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى

- ‌بابُ أكْلِ الْجلّالةِ

- ‌بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ

- ‌بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ

- ‌بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ

- ‌بابُ العقِيقةِ

- ‌بابُ التّحْنِيكِ

- ‌بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ

- ‌27 - كِتابُ الأطْعِمةِ

- ‌بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ

- ‌بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ

- ‌بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ

- ‌بابُ الأكْلِ على السّفرِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا

- ‌بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا

- ‌بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأْكُلُهُ

- ‌بابُأكْلِ الشِّوَاءِ

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبي صلى الله عليه وسلم يحب من اللَّحْم

- ‌بابُ الثَّرِيد والتلبينة

- ‌بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ

- ‌بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ

- ‌بابُ الحلْواءِ والْعسلِ

- ‌بابُ الخلِّ

- ‌بِابُ أكْلِ الزّيتِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ

- ‌بابُ لعْقِ الأصابِعِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ

- ‌بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ

- ‌بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة

- ‌بابُ التّمْرِ

- ‌بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ

- ‌بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين

- ‌بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ

- ‌بابُ الْكمْأةِ

- ‌بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ

- ‌بابُ كيْلِ الطّعامِ

- ‌بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ

- ‌بابُ حقِّ الضّيْفِ

- ‌بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ

- ‌بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ

- ‌28 - كِتابُ الأشْرِبةِ

- ‌بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ

- ‌بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ

- ‌بابُ الْخلِيطيْنِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ

- ‌بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بابُ الأوْعِيةِ

- ‌بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة

- ‌بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب

- ‌بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا

- ‌بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية

- ‌بابُ الرُّخْصَة فِيهِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا

- ‌بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ

- ‌بَاب استِعْذابِ الماءِ

- ‌بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ

- ‌بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ

الفصل: ‌باب حكم الفيء

‌بابُ حُكْمُ الفيْءِ

قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الْحَشْر: 6]، يُقالُ: وجِيفُها: سُرْعتُها فِي سيْرِها، وقدْ أوْجفها راكِبُها إِيجافًا، وقوْلُهُ تَعَالَى:{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 8]، أيْ: شدِيدةُ الاضْطِرابِ.

وَقَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْر: 7]، الْآيَة، وقوْلُهُ سبحانه وتعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الْحَشْر: 7]، الدُّولةُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتداولُ مِن المالِ، والدُّولةُ: الانْتِقالُ مِنْ حالِ البُؤْسِ والضُّرُّ إِلَى حالِ الغِبْطةِ والسُّرُورِ.

وقوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمرَان: 140]، يُقالُ: أدال اللهُ فُلانًا مِنْ فُلِانٍ، أيْ: جعل لهُ الدّولة عليْهِ، والمُدالُ، الظّافِرُ، وجمْعُ الدّوْلةِ: دُولٌ ودُولاتٌ.

2738 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 130

النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ، نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ، إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَأَقْبِضْهُ، فَأَقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ.

قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي؟ قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ.

فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأُ يسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلا، فَسَلَّمَا، فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي، وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ،

ص: 131

فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ، وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: تَيْدَكُمْ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ.

قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ، إِلَى قَوْلِهِ: قَدِيرٌ} [الْحَشْر: 6]، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ

ص: 132

لِعَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تُوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ فِيهَا، بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصيِبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا، يُرِيدُ عَلِيًّا، يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا، دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ، وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنُشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلْمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ

ص: 133

ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا، فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيِّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ مَالِكٍ

قَالَ أبُو داوُد السجسْتانِي حِين روى هَذَا الْحدِيث فِي سنَنه: إِنّما سألاه أَن يُصيِّرها بيْنهُما نِصْفَيْنِ، فَقَالَ عُمر: لَا أوقعُ عليْها اسْم القسْمِ.

قَالَ أبُو سُليْمان الْخطابِيّ: مَا أحْسن مَا قَالَ أبُو داوُد، والّذِي يدلُّ من نفس الْحدِيث على مَا قَالَ أبُو داوُد قوْل عُمر رضي الله عنه: إِنّما جِئْتُمانِي وكلِيمتُكُما واحِدةٌ، وأمْرُكُما واحِدٌ، فَهَذَا يُبيِّن أَنَّهُمَا إِنّما اخْتَصمَا إليْهِ فِي رَأْي حدث لَهما فِي أَسبَاب الْولَايَة وَالْحِفْظ، فَرَأى كُل وَاحِد مِنْهُمَا التفرد، وَلَا يجوز عَلَيْهِمَا أَن يَكُونَا طالباه بِأَن يَجعله مِيرَاثا بيْنهُما، ويردّه ملكا بعد أَن كَانَا سلمّاهُ فِي أيّام أبِي بكْر، وَكَيف

ص: 134

يجوز ذلِك وَعمر يُناشِدهما الله هَل تعلمان أَن رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا نُورثُ مَا تركْنا صدقةٌ» ، فيعترفان بِهِ، وَالْقَوْم حُضُور يشْهدُونَ على رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذلِك، وكل هَذِه الْأُمُور تؤكد مَا قَالَه أبُو داوُد رحمه الله.

قَالَ الإِمامُ: وَيدل عليْهِ عمْرو بْن دِينار، عنِ الزُّهْرِي، عنْ مالِك بْن أَوْس، فِي هَذَا الْحدِيث أَن عُمر قَالَ: أتريدان أَن أدفَع إِلى كُل واحدٍ مِنْكُمَا نصفا؟ قَالَ الإِمامُ: وَإِنَّمَا منعهُما عُمر الْقِسْمَة احْتِيَاطًا لأمر الصَّدَقَة، لِأَن الْقِسْمَة من سَبِيل الأمْوال الْمَمْلُوكَة، الْقَابِلَة لأنواع التَّصَرُّف، فَلَو قسمهَا بَينهم، لمْ يَأْمَن إِذا اخْتلفت الْأَيْدِي فِيها أَن يتملّكها بعد علِي، وَالْعَبَّاس من ليْس لهُ بصيرتُهما فِي الْعلم، وَلَا تقيّتُهما فِي الدَّين، فَكَانَ الأولى تَركهَا جملَة على حالتها.

وقدْ رُوِي أَن عليًّا رضي الله عنه غلب عليْها الْعبّاس، فَكَانَ يَليهَا أيّام حَيَاته، ثُمّ كَانَت بعده فِي يدِ الْحسن بْن علِي، ثُمّ فِي يَد الْحُسيْن بْن علِي، ثُمّ فِي يَد علِي بْن الْحُسيْن، وَالْحسن بْن الْحسن، كِلَاهُمَا كَانَا يتداولانها، ثُمّ بيد زيْد بْن الْحسن.

قوْله فِي الْحدِيث: حِين متع النّهارُ، أيْ: ارْتَفع، والماتع:

ص: 135

الطَّوِيل، يُقال: أمتع الله بك، أيْ: أَطَالَ مُدَّة الِانْتِفَاع بك، وقوْله سبحانه وتعالى:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشُّعَرَاء: 205]، أيْ: عمّرناهم سِنِين.

وقوْله: هُو جَالس على رمال سَرِير، أيْ: مَا يُرمل وينسج بِهِ من شريطٍ وَنَحْوه.

وقوْله: يَا مَال، يُريد يَا مالِك، فرخّم، كَقَوْلِهِم لحارث: يَا حارِ، وَقُرِئَ:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77].

وقوْله: تيدكم، يُرِيد: على رِسْلكُم، وَأَصله من التؤدة، يقُول: الزموا تؤدتكم، وَكَانَ أَصْلهَا: تأد، تأدًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تأدكُم فأبدل الْيَاء من الْهمزَة.

وفِي قوْل عُمر: إِنّ الله قدْ خصّ رسُولهُ فِي هَذَا الفيءِ بِشيْءٍ لمْ يُعْطِ أحدا، دلِيل على أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء كَانَت لرسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّة فِي حَيَاته، وَاخْتلفُوا فِي مصرفها من بعده، فَذهب بعضُ أهْل الْعِلْمِ إِلى انها للأئمة بعده، وكذلِك سهمُه من الخُمس، لما رُوِي عنْ أبِي الطُّفيل، قَالَ أبُو بكْر: سمعتُ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُول: «إِنّ الله إِذا أطْعم نبِيًّا طُعْمةً، فهِي للّذِي يقُومُ مِنْ بعْدِهِ» .

وَللشَّافِعِيّ فِيها قَولَانِ، أَحدهمَا: أنّهُ للمقاتِله يُقسمُ كلهَا فيهم، لِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم إِنّما كَانَ يَأْخُذهَا لما لهُ من الرُّعب، والهيبة فِي قلب الْعَدو، والمقاتِلة

ص: 136

هُم القائمون مقَامه فِي إرهاب الْعَدو وإخافتهم.

وَالْقَوْل الثَّانِي: أنّها لمصَالح المُسْلِمين، وَيبدأ بالمقاتلة أَولا يُعطون مِنْهَا كفايتهم، ثُمّ بالأهم فالأهم من الْمصَالح، لِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْخُذهَا لفضيلته الّتِي خصّهُ الله تَعَالَى بِها، وَلَيْسَ لأحد من الْأَئِمَّة تِلْك الفضيلةُ، كَمَا كَانَ لهُ الصفيُّ من الْغَنِيمَة وهُو أَن يصطفي من رَأسه الْغَنِيمَة قبل أَن تخمّس شيْئًا: عبدا أوْ جَارِيَة، أوْ فرسا، أوْ سَيْفا، أوْ غَيرهَا، وَلَيْسَ ذلِك لأحد من الْأَئِمَّة.

قَالَت عَائِشَة: كانتْ صفِيّةُ مِن الصّفِيِّ.

وَمن خصائصة أنّهُ كَانَ يُسهم لهُ من الْغَنِيمَة كسهم رجُل مِمَّن شهد الْوَقْعَة، سواءٌ حضرها أوْ غَابَ عنْها، وَقَالَ مالِك: أَرْبَعَة أَخْمَاس الْفَيْء للْمصَالح، وكذلِك كَانَ فِي زمَان النّبي صلى الله عليه وسلم، ولمْ يكن للنّبي صلى الله عليه وسلم مِلكٌ.

2739 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ:«مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»

ص: 137

2740 -

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بِنْ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التَّوْبَة: 60 حَتَّى بَلَغَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ سُورَة النِّسَاء آيَة 26]، فَقَالَ:«هَذِهِ لِهَؤُلاءِ» ، ثُمَّ قَرَأَ:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، حَتَّى بَلَغَ: وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْأَنْفَال: 41]، ثُمَّ قَالَ:«هَذِهِ لِهَؤُلاءِ» ، ثُمَّ قَرَأَ:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الْحَشْر: 7]، حَتَّى بَلَغَ:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10]، ثُمَّ قَالَ:«هَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، فَلَئِنْ عِشْتُ، فَلَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ وَهُوَ بِسَرْوِ حِمْيَرَ نَصِيبُهُ مِنْهَا لَمْ يَعْرَقْ فِيهَا جَبِينُهُ» .

ص: 138

وَعَنْ مَالِكِ ابْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَوْمًا الْفَيْءَ، فَقَالَ: مَا أَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْفَيْءِ مِنْكُمْ، وَمَا أَحَدٌ مِنَّا أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا أَنّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، «وَقَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالرَّجُلُ وَقَدَمُهُ، وَالرَّجُلُ وَبَلاؤُهُ، وَالرَّجُلُ وَعِيَالُهُ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ»

قَالَ رحمه الله: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي تخميس الْفَيْء، والفيء: مَا صَار إِلى المُسْلِمين، من أمْوال الْكفَّار من غيْر إيجَاف خيلٍ وَلَا ركاب، فَذهب الشّافِعِي إِلى أنّهُ يُخمّسُ، ويخمس خُمسُهُ على خَمْسَة أَقسَام، كخمس الْغَنِيمَة، ويُصرفُ أَرْبَعَة أخماسه، إِلى الْمُقَاتلَة، أوْ إِلى الْمصَالح، وَاحْتج بقول الله سبحانه وتعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْحَشْر: 7]، وَكَانَ يذهب إِلَى أَن ذكر الله فِي أول الْآيَة على سَبِيل التَّبَرُّك بالافتتاح باسمه، كَمَا قَالَ فِي آيَة الْغَنِيمَة (فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ) [الْأَنْفَال: 41] وهُو قوْل جمَاعَة من أهل التَّفْسِير، قَالَ عَطاء بْن أبِي رَبَاح والشّعْبِي: سهم الله وَسَهْم رَسُوله وَاحِد، وَقَالَ قَتَادَة:{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الْأَنْفَال: 41]، هُو لله، ثُمّ بيّن مصارفها.

وَذهب أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلى أَن الْفَيْء لَا يخّمس، بل مصرِفُ جَمِيعهَا وَاحِد، إليْهِ كَانَ يذهب عُمر رضي الله عنه.

قَالَ الزُّهْرِي: قَالَ عُمر: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الْحَشْر: 6]، هَذِه لرسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّة قرى عَرَبِيَّة فدكُ وَكَذَا وَكَذَا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

ص: 139

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْحَشْر: 7]{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الْحَشْر: 8] و {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الْحَشْر: 9] و {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10] فاستوعبت هَذِه الْآيَة النّاس، فَلم يبْق أحد من المُسْلِمين إِلَّا لهُ فِيها حقٌ، إِلَّا بعْض مَا تمِلكون من أرقّائِكُمْ.

فَذهب عُمر إِلى أَن هَذِه الْآيَة مسوقةٌ بعْضها على بعْض، وَأَن جملَة الْفَيْء لجَمِيع المُسْلِمين يصرفهَا الإِمام إِلى مصالحهم على مَا يرَاهُ من التَّرْتِيب وهُو قوْل أكْثر أهل الْفَتْوَى.

أما العبيد فقدْ رُوِي عنْ أبِي بكْر أنّهُ كَانَ يُعطى الْأَحْرَار وَالْعَبِيد.

وروينا عنْ عُمر قوْله: إِلّا مَا ملكتْ أيْمانِكُمْ، فهُو يُتأول على وَجْهَيْن، أَحدهمَا: مَا ذهب إليْهِ أبُو عُبيد أَن الِاسْتِثْنَاء يرجعُ إِلى مماليك بِأَعْيَانِهَا كانُوا شهدُوا بَدْرًا، ورُوِي بِإِسْنَادِهِ عنْ مخلدٍ الغِفاريِّ، أَن مملوكين أوْ ثَلَاثَة لبني غِفارٍ شهدُوا بَدْرًا، فَكَانَ عُمر يُعطي كلِّ رجُل مِنْهُم فِي كلِّ سنة ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم.

قَالَ: فأحسِبُ أنّهُ أَرَادَ هؤُلاءِ المماليك.

وَقَالَ غَيره: بل أَرَادَ جمِيع المماليك، وَقَالَ أحْمد وَإِسْحَاق: الْفَيْء للْفَقِير والغني، إِلَّا العبيد، لِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم أعْطى الْعبّاس من مَال الْبَحْرين وَهُوَ غَنِي، وَذكر الشّافِعِي فِي قسمه الْفَيْء، قَالَ: يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يُحصي جمِيع من فِي الْبلدَانِ من الْمُقَاتلَة، وهُمْ من قد احْتَلَمَ، أوِ اسْتكْمل خمس عشرَة سنة من الرِّجَال، ويحصى الذُّرِّيَّة، وهُمْ من دُون

ص: 140

المحتلم وَدون خمس عشرَة سنة، وَالنِّسَاء صغيرهن وكبيرهن، وَيعرف قدر نفقاتهم وَمَا يَحْتَاجُونَ إليْهِ من مئوناتهم بِقدر معاش مثلهم فِي بلدانهم، ثُمّ يُعطي الْمُقَاتلَة فِي كُل عَام عطاءهم، والذرية وَالنِّسَاء مَا يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم.

وَالعطَاء الْوَاجِب فِي الْفَيْء لَا يكُون إِلَّا لبالغ يُطيق مثله الْقِتَال.

قَالَ: ولمْ يخْتَلف أحد لقيتهُ فِي أَن ليْس للمماليك فِي الْعَطاء حق، وَلَا للأعراب الّذِين هُمْ أهل الصَّدَقَة.

قَالَ: وَإِن فضل من الْفَيْء شي بعد مَا وصفتُ من إِعْطَاء الْعَطاء، وَضعه الإِمام فِي إصْلَاح الْحُصُون والازدياد فِي السِّلَاح والكُراع، وكل مَا قوِّي بِهِ المُسْلِمين، فإِن استغنوا عَنهُ وكمُلت كلُّ مصلحَة لهُمْ، فرّق مَا يبْقى مِنْهُ بَينهم على قدر مَا يسْتَحقُّونَ فِي ذلِك المَال.

قَالَ: وَيُعْطِي من الْفَيْء رزق الْحُكَّام، وولاة الْأَحْدَاث، وَالصَّلَاة بِأَهْل الْفَيْء، وكل من قَامَ بِأَمْر الْفَيْء من والٍ، وَكَاتب، وجندي مِمَّن لَا غنى لهُ لأهل الْفَيْء عَنهُ رزق مثله.

وَاخْتلفُوا فِي التَّفْضِيل على السَّابِقَة وَالنّسب، فَذهب أبُو بكْر إِلى التَّسْوِيَة بيْن النّاس، ولمْ يفضِّل بالسابقة حتّى قَالَ لهُ عُمر: أَتجْعَلُ الّذِين جاهدوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم، وَهَاجرُوا من دِيَارهمْ كمن دخل فِي الإسْلام كرها؟!، فَقَالَ أبُو بكْر: إِنّما عمِلُوا لله، وَإِنَّمَا أُجُورهم على الله، وَإِنَّمَا الدِّينَا بَلَاغ.

وَكَانَ عُمر يُفضِّل السَّابِقَة، وَالنّسب، فَكَانَ يُفضِّل أَقْرَان ابْنه على ابْنه، ويقُول: هَاجر بك أَبوك، وَكَانَ يُفضِّل عَائِشَة على حَفْصه، ويقُول: إِنَّهَا كَانَت أحبّ إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم منكِ، وأبوها كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم من أبيكِ، ورُوِي نَافِع، عنِ ابْن عُمر، قَالَ: فرض

ص: 141

عُمر لأسامة بْن زيدٍ أكْثر مِمَّا فرض لي، فقُلْتُ: إِنّما هجرتي وهجرة أُسامة وَاحِدَة؟ قَالَ: إِن أَبَاهُ كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم من أَبِيك، وإِنّهُ كَانَ أحبّ إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْك، وَإِنَّمَا هَاجر بك أَبوك، ثُمّ رد عليٌّ الْأَمر إِلى التَّسْوِيَة.

وَمَال الشّافِعِي إِلى التَّسْوِيَة، وشبهة بِالْمِيرَاثِ يُسوّى فِيهِ بيْن الْوَلَد الْبَار والعاق، وبسهم الْغَنِيمَة يُسوى فِيهِ بيْن الشجاع الّذِي حصل الْفَتْح على يَدَيْهِ، وَبَين الجبان إِذا شَهدا جَمِيعًا الْوَقْعَة.

2741 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

ص: 142

النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا ".

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْنٍ، عَنْ لَيْثٍ

وَقَالَ صالِح عنِ ابْنِ شِهابٍ: فَأبى أبُو بكْر عليْها ذلِك، وَقَالَ: لستُ تَارِكًا شيْئًا كَانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعْمل بِهِ إِلَّا عملتُ بِهِ، إِنِّي

ص: 143

أخْشَى إِن تركتُ شيْئًا من أمره أَن أزيغ.

فَأَما صدقته بِالْمَدِينَةِ، فَدَفعهَا عُمر إِلى علِي وعباس، فغلبه عليْهِ علِي، وأمّا خيبرُ وفدك، فَأَمْسكهَا عُمر، وَقَالَ: هما صَدَقَة رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتَا لحقوقه الّتِي تعروه ونوائِبِه، وأمرُهما إِلى من ولي الْأَمر.

قَالَ: فهما على ذلِك الْيَوْم.

ورُوِي عنْ سهل بْن أبِي حثْمَة، قَالَ:«قسم رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَر نِصْفَيْنِ، نصفا لنوائبه وحاجاته، وَنصفا بيْن المُسْلِمين، قسمهَا بَينهم على ثَمَانِيَة عشر سَهْما» .

قَالَ الإِمامُ: رُوِي أَن الْجَيْش كانُوا ألفا وَخمْس مائةٍ، فيهم ثَلَاث مائَة فَارس، فَأعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ، والراجل سَهْما، وقِيل: هُو وهمٌ إِنّما كانُوا مِائَتي فَارس، فَكَانَ للفارس ثَلَاثَة أسْهم، وللراجل سهم، وَإِنَّمَا صَارَت خَيْبَر نِصْفَيْنِ بيْن الرسُول صلى الله عليه وسلم وَبَين الْجَيْش، لِأَنَّهَا قرى كَثِيرَة، فُتح بعْضها عنْوَة، فَكَانَ للنّبي صلى الله عليه وسلم مِنْهَا خُمس الخُمس، وفُتح بعْضها صلحا، فَكَانَ فَيْئا خَالِصا لرسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعهُ حَيْثُ أرَاهُ اللهُ من حَاجته ونوائبه، ومصالح المُسْلِمين، فاستوتِ الْقِسْمَة فِيها على المناصفة.

ورُوِي عنْ بُشير بْن يسَار، عنْ رجال من أصْحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خَيْبَر، قسمهَا إِلى سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما، جمع كلُّ سهم مائَة سهمٍ، فعزل للْمُسلمين الشّطْر ثَمَانِيَة عشر سَهْما، النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 144