الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاف حكم المتعمِّد لاستحلاله من غيْر تَأْوِيل، وَأَن من تعاطى شيْئًا من الْمَحْظُور، ثُمّ ادّعى لهُ تَأْوِيلا مُحْتملا، لَا يقبل مِنْهُ، وَأَن من تجسّس للْكفَّار، ثُمّ ادّعى تَأْوِيلا، وجهالة يُتجافى عَنهُ.
وفِيهِ جَوَاز النّظر إِلى مَا ينكشِف من النِّساء لإِقَامَة حدٍّ، أوْ إِقَامَة شَهَادَة فِي إِثْبَات حقٍّ إِلى مَا أشبه ذلِك من الْأُمُور.
وفِيهِ دلِيلٌ على أَن من كفّر مُسلما، أوْ نفّقه على التَّأْوِيل، وَكَانَ من أهل الِاجْتِهَاد لَا يُعَاقب، فإِن النّبِي صلى الله عليه وسلم لمْ يعنِّف عُمر بْن الْخطّاب على قوْله: دعْنِي أضْرِب عُنُق هَذَا المُنافِقِ بعد مَا صدّقه الرّسُول صلى الله عليه وسلم فِيمَا ادَّعَاهُ، لِأَن عُمر لمْ يقل ذلِك على سَبِيل الْعدوان، إِذْ كَانَ ذلِك الصنيعُ من حَاطِب شَبِيها بِأَفْعَال الْمُنَافِقين، إِلَّا أَن النّبِي صلى الله عليه وسلم قدْ أخبر أَن الله قدْ غفر لهُ ذلِك وَعَفا عَنهُ، فَزَالَ عنِ اسْم النِّفَاق.
بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، قوْلُهُ:{وَخُذُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَي ائْسِرُوهُمْ، ويُقالُ للأسيرِ: الأخيذْ، {وَاحْصُرُوهُمْ} [التَّوْبَة: 5]، أَي: احْبِسُوهُمْ، والحصيرُ: السِّجْنُ الّذي يُحْبسُ فِيهِ، ومِنْهُ قوْلُهُ سبحانه وتعالى:{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الْإِسْرَاء: 8]، وقوْلُهُ عز وجل:{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التَّوْبَة: 5]،
أيْ: على كُلِّ طريقٍ، أيْ: كُونُوا لهُمْ رصدًا، لِتأْخُذُوهُمْ مِنْ أيِّ وجْهٍ توجّهُوا، ومِنْهُ قوْلُهُ تبارك وتعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الْفجْر: 14]، أيْ: بالطّريقِ الّذي ممرُّك عليْهِ، وقِيل: يرْصُدُ كُلّ إِنْسانٍ حتّى يُجازيهُ بِعملِهِ، وَقَالَ جلّ ذِكْرُهُ:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [مُحَمَّد: 4]، قِيل: الإثخانُ: المُبالغةُ فِي الحرْبِ، وَقيل: القهْرُ والقتْلُ، وَقيل: معنى قوْلِهِ: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الْأَنْفَال: 67]، أيْ: حتّى يُكْثِر القتْل، والإيقاع بالعدوِّ، وَقيل: حتّى يتمكّن فِي الأرْضِ.
2711 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّد بْنُ بَشَّارٍ، نَا غُنْدَرٌ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ»
هَذَا حدِيثٌ صحِيحٌ، وقِيل فِي قوْلِهِ:«عجِب الله» ، مَعْنَاهُ:
الرضى، وكذلِك الْفَرح والاستبشار الْوَارِد فِي صِفَات الله عز وجل مَعْنَاهُ: الرضى، وَقُرِئَ 0 بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ 0، بِضَم التَّاء.
قِيل: «قل فِيهِ» مُضْمر، وقِيل: مَعْنَاهُ: جازيتهم على عجبهم، وذلِك أَن الله سبحانه وتعالى أخبر عَنْهُم فِي غيْر مَوضِع بالعجب من الْحق، فَقَالَ:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} [ص: 4]، وَقَالَ:{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، وَهَذَا كَقَوْلِه سبحانه وتعالى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [الْبَقَرَة: 15]، أَي: يجازيهم على استهزائهم، وَقَالَ:{فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التَّوْبَة: 79]، أَي جازاهم على سخريتهم، وقدْ يكُون الْعجب بِمَعْنى وُقُوع ذلِك الْعَمَل عِنْد الله عَظِيما، فَيكون معنى قوْله:{بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12]، أَي: عظم عِنْدِي فعلهم قَالَ الإِمامُ: فِيهِ دلِيلٌ على جَوَاز الاستيثاق من الْأَسير الْكَافِر بالرِّباط، والغُلِّ والقيد إِذا خيف انفلاتُه، ولمْ يُؤمن شرُّه، وَمن وَقع فِي الْأسر من نسَاء أهل الْحَرْب وذراريهم، صَارُوا أرقاء، وَكَانُوا من جملَة الْغَنَائِم، فَأَما الرِّجَال العاقلون البالغون مِنْهُم إِذا وَقَعُوا فِي الْأسر فالإمام فيهم بِالْخِيَارِ، إِن شَاءَ قَتلهمْ من غيْر أَن يمثل بِهِمْ، وَإِن شَاءَ استرقّهُم، وَإِن شَاءَ منّ عَلَيْهِم، وَإِن شَاءَ فاداهم بِالْمَالِ، أوْ بأسرى الْمُسْلِمِين، وَإِن وقف بِهِ الرأيُ فيهم، حَبسهم إِلى أَن يرى فيهم رَأْيه،
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [الْبَقَرَة: 191]، أَي وَجَدْتُمُوهُمْ، وَقَالَ الله تَعَالَى:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الْأَنْفَال: 57]، أَي افْعَل بِهِمْ من الْعقُوبَة تخيف من وَرَاءَهُمْ من أعدائك فتشردهم وتفرقهم.
وَمن أشكل بُلُوغه مِنْهُم، كُشف عنْ عَوْرَته، فإِن أنبت، جُعِل فِي البالغِين، وَمن لمْ يُنبت فَفِي الذُّرِّيَّة، ورُوِي عنْ عبْد الْملِك بْن عميرٍ، عنْ عَطِيَّة القُرظي، قَالَ:«عرضنَا على النّبِي صلى الله عليه وسلم يوْم قُريظة، فَكَانَ من أنبت قُتِل، وَمن لمْ يُنبت خُلِّي سبيلُه، فَكنت مِمَّن لمْ ينْبت، فخُلِّي سبيلي» .
قَالَ الشّافِعِيُّ: «أسر رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أهل بدرٍ، فَقتل عقبَة بْن أبِي مُعيط، وَالنضْر بْن الْحارِث، ومنّ على أبِي عزّة الجُمَحِي على أَن لَا يُقاتله» ، فأخفره وقاتله يوْم أحد، فَدَعَا أَن لَا يفلت، فَمَا أسر غَيره، «ثُمّ أسِر ثُمَامَة بْن أثالٍ الْحَنَفِيّ فمنّ عليْهِ» ، فَأسلم وحسُن إِسْلَامه، «وفادى رجلا برجلَيْن» .
ورُوِي عنِ ابْن مسْعُود، أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، " لما أَرَادَ قتل عقبَة بْن أبِي معيطٍ، فَقَالَ: من للصبية؟، قَالَ: النّارُ ".