الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين
قَالَ الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الْأَنْفَال: 61]
2748 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَة، يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى
أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فِيمَنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيِهِنَّ:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ إِلَى قَوْلِهِ: غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: 12]، قَالَ عُرْوَة: قَالَت عَائِشَة: فَمن أقرّ بِهَذَا الشَّرْط مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَايَعْتُكِ، كَلامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ " هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
وَقَالَ ابْن إِسْحاق، عنِ الزُّهْرِي، عنْ عُرْوَة، عنِ الْمسور، ومروان بْن الحكم: إِنَّهُم اصْطَلحُوا على وضع الْحَرْب عشر سِنِين يَأْمَن فِيها النّاس
وعَلى أنّ بيْننا عيْبةً مكْفُوفةً، وأنّهُ لَا إِسْلال وَلَا إِغْلال.
والعيبة المكفوفة: هِي المشدودة بشرجها، والعيبة هَاهُنَا مثلٌ، وَالْعرب تكنى عنِ الْقلب والصدر بالعيبة، لِأَن الرجل يضع فِي عيبتهِ حرّ ثِيَابه، شبهت الصُّدُور بِها، لِأَنَّهَا مستودع السرائر، وَمَعْنَاهُ: أَن بَيْننَا صدورًا سليمَة، وعقائد صَحِيحَة فِي الْمُحَافظَة على الْعَهْد الّذِي عقدناه، وقِيل: مَعْنَاهُ أَن الذحول الّتِي كَانَت بَينهم قد اصْطَلحُوا عليْها على أَن لَا ينشروها، بل يتكافُّون عنْها، كَأَنَّهُمْ قدْ جعلوها فِي وعَاء، فأشرجوا عليْها.
والإسلال من السِّلة: وهِي السّرقَة، وَالْإِغْلَال: الْخِيَانَة، يُقَال: أغلّ الرجل، إِذا خَان إغلالا، وغلّ فِي الْغَنِيمَة غلولا، يقُول: إِن بَعْضنَا يَأْمَن بَعْضًا، فَلَا يتَعَرَّض لدمهِ، وَلَا مَاله سرا وَلَا جَهرا.
2749 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، نَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: " صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ
يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ، وَيُقِيمُ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلاحِ: السَّيْفِ، وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يحْجُلُ فِي قُيُودِهِ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
قَالَ الإِمامُ: قدْ جَاءَ فِي التَّفْسِير الجلبان فِي الْحدِيث، قَالَ: فَسَأَلته مَا جُلبان السِّلَاح؟ قَالَ: القِراب بِمَا فِيها، وَإِنَّمَا شُرِط هَذَا ليَكُون إِمَارَة للسِّلم، فَلَا يُظنُّ أَنهم يدْخلُونَهَا قهرا، قَالَ الأزْهرِيُّ: القِراب: غمد السَّيْف، والجلبان: شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغمودًا، ويطرح فِيهِ الرَّاكِب سَوْطه، وأداته، ويعلِّقه من آخرةِ الرحل، أوْ واسطته.
قَالَ شمرٌ: كَأَن اشتقاقه من الجُلبة، وهِي الْجلْدَة الّتِي تجْعَل على القتب، والجلدة الّتِي تغشى التميمة، لِأَنَّهَا كالغشاء للقراب.
قَالَ الْخطّابِيُّ: أكْثر الْمُحدثين يرويهِ: جُلُبّان، بِضَم اللَّام مُشددة الْبَاء، وَزعم بعْض أهل اللُّغَة، أنّهُ إِنّما سمي بِذلِك لخفائه، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكُون جلبان سَاكِنة اللَّام غيْر مُشَدّدَة الْبَاء جمع جُلبٍ، وقدْ يُروى: إِلَّا بجلب السِّلَاح، وجُلب السِّلَاح نَفسه كجُلب الرجل، إِنّما هُو خشب الرحل، وأحناؤه من غيْر أغشيته، كأنّهُ أَرَادَ نفس السِّلَاح، وهُو السَّيْف خَاصَّة من غيْر أَن يكُون معهُ أدوات الْحَرْب، ليَكُون عَلامَة الْأَمْن.
والحجل: مشيُ الْمُقَيد.
قَالَ الإِمامُ: قدْ شَرط النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَام الْحُدَيْبِيَة شُرُوطًا لضعف حَال المُسْلِمين، وعجزهم فِي الظَّاهِر عنْ مقاومة الْكفَّار، وخوفهم الْغَلَبَة مِنْهُم لَا يجوز الْيَوْم شيْء من ذلِك لقُوَّة أهل الإسْلام، وغلبه أمره، وَظُهُور حُكمِهِ، وَالْحَمْد لله، إِلَّا فِي مَوضِع قريب من دَار الْكفْر يخَاف أهلُ الإسْلام مِنْهُم على أنفسهم.
مِنْهَا أنّهُ هادنهم عشر سِنِين، واخْتلف أهلُ الْعلم فِي مِقْدَار الْمدَّة الّتِي يجوز أَن يُهادن الكفارُ إليْهِ عِنْد ضعف أهل الإسْلام، فَذهب الشّافِعِي إِلى أَن أقصاها عشرُ سِنِين لَا يجوز أَن يجاوزها، لِأَن الله سبحانه وتعالى أَمر بِقِتَال الْكفَّار فِي عُمُوم الْأَوْقَات، فَلَا يُخرج مِنْهَا إِلَّا القدْرُ الّذِي اسْتَثْنَاهُ الرّسُول صلى الله عليه وسلم عَام الْحُدَيْبِيَة، وَقَالَ قوم: لَا يجوز أكْثر من أَربع سِنِين، وَقَالَ قوم: ثَلَاث سِنِين، لِأَن الصُّلْح لمْ يبْق بَينهم أكْثر من ثَلَاث سِنِين، ثُمّ إِن الْمُشْركين نقضوا الْعَهْد، فَخرج النّبي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم وَكَانَ الْفَتْح.
وَقَالَ بعْضهم: ليْس لِذلِك حدٌّ مَعْلُوم، وهُو إِلى الإِمام يفعل على حسب مَا يرى من الْمصلحَة، أما فِي حَال قُوَّة أهل الإسْلام، لَا يجوز أَن يهادنهم سنة بِلَا جِزْيَة، وَيجوز أَرْبَعَة أشهر، لقَوْله سبحانه وتعالى:{فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التَّوْبَة: 2]، وَجعل النّبي صلى الله عليه وسلم لِصَفْوَان بعد فتح مكّة تسيير أَرْبَعَة أشهر، وفِي أكْثر من أَرْبَعَة أشهر إِلى سنة قَولَانِ، الْأَصَح: أَن لَا يجوز، وَلَو هادنهم إِلى غيْر مُدَّة على أنّهُ مَتى بدا لهُ نقضُ الْعَهْد، فَجَائِز.
وَمِنْهَا أنّهُ عليه السلام شَرط: «منْ أَتَانَا مِنْهُمْ نرُدهُ عليْهِمْ، ومنْ أتاهُمْ مِنّا لَا يردُّونهُ» ، ثُمّ ردّ أَبَا جنْدلٍ بْنِ سُهيْلٍ إِلى أبِيهِ، وردّ أَبَا بصِيرٍ
إِلى قوْمِهِ، ولمْ يرُدّ النِّساء.
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أَن الصُّلْح: هَل كَانَ وَقع على رد النِّساء أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: أنّهُ وَقع على رد الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا، لما روينَاهُ أنّهُ:«لَا يَأْتِيك منا أحدٌ إِلَّا رَددته» ، ثُمّ صَار الحكم فِي رد النِّساء مَنْسُوخا بقوله سبحانه وتعالى:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]، وَمن ذهب إِلى هَذَا، أجَاز نسخ السّنة بِالْكتاب.
وَالْقَوْل الآخر: أَن الصُّلْح لمْ يَقع على رد النِّساء، لِأَنَّهُ يُروى: على أنّهُ لَا يَأْتِيك منا رجُل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته، لِأَن الرجل لَا يُخشى عليْهِ من الْفِتْنة مَا يُخشى على الْمَرْأَة من إِصَابَة الْمُشرك إِيَّاهَا، وأنّهُ لَا يُؤمن عليْها الردّة إِذا خُوِّفت، وأكْرِهت عليْها لضعف قَلبهَا، وَقلة هدايتها إِلى الْمخْرج مِنْهُ بِإِظْهَار كلمة الْكفْر مَعَ التورية، وإضمار الْإِيمَان، وَلَا يُخشى على الرجل ذلِك، لقُوته وهدايته إِلى التقية، فَلم يكن فِي ردِّه إِلَيْهِم إسلامًا لهُ للهلاك، لتيسُّر سَبِيل الْخَلَاص عليْهِ.
وإِذا احْتَاجَ الإِمام إِلى مثل هَذَا الشَّرْط عِنْد ضعف أهل الإسْلام، فَلَا يجوز أَن يُصالحهم على ردِّ النِّساء، وإِذا صَالحهمْ على رد الرِّجَال، ثُمّ جَاءَ فِي طلبه غيرُ عشيرته لَا يجوز ردُّه، وَإِن جَاءَ فِي طلبه بعضُ عشيرته، ردّه، لِأَنَّهُ لَا يُخشى عليْهِ مِمَّن هُو من عشيرته أَن يقْتله، أوْ يَقْصِدهُ بِسوء، بل ينبُّ عَنهُ من يَقْصِدهُ لشفقته، وقرابته.
على هَذَا الْوَجْه كَانَ ردُّ أبِي جندلٍ، وَأبي بَصِير، فإِنّهُ ردّ أبِي جندل إِلى أبِيهِ، وَأَبا بَصِير إِلى عشيرته الّذِين يقومُونَ بالذبِّ عَنهُ، ورعاية جَانِبه.
ورُوِي عنْ أبِي رَافع، قَالَ: بعثتني قُرَيْش إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمّا رأيتهُ، ألْقى فِي قلبِي الإسْلام، فقُلْتُ: وَالله لَا أرجعُ إِلَيْهِم، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لَا أخِيسُ بالعهْدِ، وَلَا أحْبِسُ البُرُد، ولكِنِ ارْجعْ فِإِنْ كَانَ فِي نفْسِك الّذِي فِي نفْسِك الْآن، فارْجِعْ» .
قوْله: «لَا أخيس بالعهد» ، يُقَال: خاس فُلان وعده، أيْ: أخلفهُ، وخاس بالعهد: إِذا نقضه.
ثُمّ إِن الله سبحانه وتعالى كَمَا منع رد النِّساء إِلَيْهِم، أَمر بردِّ مَا أنْفق الْأزْوَاج عَلَيْهِنَّ إِلَيْهِم، فَقَالَ جلّ ذكره:{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]، وَالْمرَاد من النَّفَقَة: الصّداق.
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أنّهُ هَل يجب الْعَمَل بِهِ الْيَوْم إِذا شَرطه فِي معاقدة الْمُشْركين؟ فَقَالَ قوم " لَا يجب ذلِك، وَزَعَمُوا أَن الْآيَة مَنْسُوخَة، وهُو قوْل عَطاء، وَمُجاهد، وَقَتَادَة، وَالزهْرِيّ، وبِهِ قَالَ الثّوْرِي، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، وَذهب قوْمٌ إِلى أنّها غيْر مَنْسُوخَة، ويُردُّ إِلَيْهِم مَا أَنْفقُوا، يُروى ذلِك أيْضًا عنْ مُجَاهِد، وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، قَالَ: إِذا جَاءَت امْرَأَة حُرة من أهل الْهُدْنَة مسلمة، فإِن جَاءَ فِي طلبَهَا غيْر زَوجهَا، فَلَا يعْطى إليْهِ شيْء، وَإِن جَاءَ زَوجهَا فِي طلبَهَا، فإِن لمْ يكن دفع صَدَاقهَا، فَلَا يعْطى شيْئًا، وَإِن كَانَ دفع صَدَاقهَا إِليْها، رُدّ إليْهِ من بيْت المَال، وَلَو جَاءَ عبْد مِنْهُم مُسلما، فقدْ عتق، وَلَا يُردُّ إِلَيْهِم، فإِن جَاءَ سَيّده فِي طلبه، دفع إليْهِ قِيمَته.
وقوْله سبحانه وتعالى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10]، أيْ: فأسألوا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِين ذهبت أزواجُهم إِلى الْمُشْركين مَا أنفقتم عَلَيْهِنَّ من الصّداق مِمَّن تزوجهن مِنْهُم، {وَلْيَسْأَلُوا} [الممتحنة: 10] يعْنِي: الْمُشْركين الّذِين لحقت أَزوَاجهم بكم مؤمنات مَا أَنْفقُوا من الْمهْر، فلمّا نزلت الْآيَة، أقرّ الْمُؤْمِنُونَ بِحكم الله، وأدوا مَا أمِروا بِهِ من نفقات الْمُشْركين على نِسَائِهِم، وأبى الْمُشْركُونَ ذلِك فَأنْزل الله عز وجل:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11]، مَعْنَاهُ: إِن مَضَت امْرأة مِنْكُم إِلَيْهِم مرتدة، فعاقبتم، أيْ: أصبْتُم مِنْهُم عُقبى، وهِي الْغَنِيمَة، ظفرتم
وَقُرِئَ: {فعقّبْتُمْ} (والتعقيبُ: غَزْوَة بعد غَزْوَة)، {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11]، من مهورهن من الْغَنَائِم الّتِي صَارَت فِي أيديكُم.
ورُوِي عنْ ربعي بْن حراشٍ، عنْ علِي بْن أبِي طالِب، كرّم الله وَجهه، قَالَ: خرج عبدانٌ إِلى رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يعْنِي يوْم الْحُدَيْبِيَة قبل الصُّلْح، فَكتب إِلَيْهِم مواليهم، فَقَالَ:«هُمْ عُتقاءُ اللهِ» ، وأبى أَن يردهم.
قَالَ الإِمامُ: فِيهِ بَيَان أَن عُبيْد أهل الْحَرْب إِذا خَرجُوا إِلى دَار الإسْلام مُسلمين، فهُمْ أَحْرَار، وَلَا يجب ردُّ قيمهم، فَأَما إِذا خرج إِلَيْنَا كافرٌ وفِي يَده عبْدٌ لهُ، فَأَسْلمَا قبل أَن يُقْدر عَلَيْهِمَا، فمِلك السيِّد مستقِرٌّ على عَبده كَمَا كَانَ، وَلَو أَن العَبْد غلب سَيّده فِي دَار الْحَرْب وقهره، ثُمّ خرجا إِلَيْنَا مُسلمين، وَيَد العَبْد ثَابِتَة على سَيّده، كَانَ السَّيِّد مَمْلُوكا، والمملوك مَالِكًا، وَمن هَاجر إِلَيْنَا مُسلما من أهل الْحَرْب، فقدْ أحرز جمِيع أَمْوَاله وَأَوْلَاده الصغار، سَوَاء كانُوا فِي دَار الإسْلام، أوْ فِي دَار الْحَرْب، عقارا كَانَ مَاله، أوْ مَنْقُولًا.
حاصر النّبي صلى الله عليه وسلم بني قُرَيْظَة فَأسلم ابْنا سعية: ثَعْلَبَة، وَأسيد، فأحْرز إِسْلامُهُما أموالهُما وأوْلادهُما
الصِّغار.
وكذلِك لَو دخل مُسْلِم دَار الْحَرْب، فَاشْترى مِنْهُم فِيها عقارا، ثُمّ ظهر عليْها المُسْلِمُون، كَانَ ذلِك للمشترى.
وَذهب أصْحاب الرّأْيِ إِلى أنّهُ غنيمَة، وَاتَّفَقُوا على أنّهُ لَو اشْترى مَنْقُولًا لَا يُغنم.
وإِذا هادن الإِمام قوما، فليْس لهُ أَن يسير إِلَيْهِم قبل انْقِضَاء الْمدَّة، فيحلُّ بِسَاحَتِهِمْ، حتّى إِذا انْقَضتْ الْمدَّة، أغار عَلَيْهِم، رُوِي عنْ سليم بْن عَامر، قَالَ: كَانَ بيْن مُعاوِية، وَبَين الرّوم عهدٌ، وَكَانَ يسير نَحْو بِلَادهمْ حتّى إِذا انْقَضى الْعَهْد غزاهم، فإِذا رجُل على دَابَّة، أوْ فرسٍ، وهُو يقُول: الله أكبر وَفَاء لَا غدرٌ، فنظروا فإِذا عمْرو بْن عبسة، فَأرْسل إليْهِ مُعاوِية فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: سمِعْت رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقُول:«منْ كَانَ بيْنهُ وبيْن قوْمٍ عهْدٌ، فَلَا يشُدُّ عُقْدةً، وَلَا يحِلُّها حتّى ينْقضِي أمدُها، أوْ ينْبِذْ إِليْهِمْ على سواءٍ» .
فَرجع مُعاوِية.
وَمعنى قوْله: «أوْ ينْبِذ إِليْهِمْ على سواءٍ» ، أيْ: يُعلمهم أنّهُ يُرِيد أَن يغزوهم، وَأَن الصُّلْح الّذِي كَانَ قد ارْتَفع، فَيكون الْفَرِيقَانِ فِي علم ذلِك على السوَاء، ويُشبه أَن يكُون إِنّما كره عمْرو بْن عبسة ذلِك من أجل أنّهُ إِذا هادنهم إِلى مُدَّة وهُو مُقيم فِي وَطنه، فقدْ صَارَت مُدَّة مسيره