المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تعلم حتّى تقدم جنَاح الدَّاء، وتؤخر جنَاح الشِّفَاء؟ قَالَ: وَهَذَا - شرح السنة للبغوي - جـ ١١

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ

- ‌بابُ الْغزْوِ بالنِّساءِ

- ‌بابُ أخْذِ الجُعلِ

- ‌بابُ مَتى يخْرُجُ إِلى السّفرِ

- ‌بابُ الابْتِكارِ

- ‌بابُ كراهِيةِ السّفرِ وحْدهُ

- ‌بابُ الخِدْمةِ فِي السّفرِ

- ‌بِابُ كراهِيةِ الجرسِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ قطْعِ القلائدِ والأوتارِ

- ‌بابُ الإِرْدافِ على الدّابةِ

- ‌بابُ إرْدافِ المرْأةِ

- ‌بابُ كراهِية الوُقُوفِ على الدّابّةِ

- ‌بابُ يُعْطِي الإِبِل حقّها

- ‌بابُ بذْلِ الزّادِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ العُقْبةِ

- ‌بابُ مشقةِ السّفرِ

- ‌بابُ الْصبرِ عِنْد لِقاء العدُوِّ والدُّعاءُ

- ‌بابُ المكْرِ فِي الحرْبِ والكذِبِ والخدِيعةِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ قتْلِ النِّساء والصّبْيانِ

- ‌بابُ الْبياتِ

- ‌بابُ الشِّعارِ فِي الحرْبِ

- ‌بابُ تحْرِيقِ أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بابُ الكفِّ عَن القِتالِ إِذا رأى شِعار الإِسْلامِ

- ‌بابُ الصَّفّ فِي الْقِتَال والتعبئة

- ‌بابُ المُبارزةِ

- ‌بابُ الفِرارِ مِن الزّحْفِ

- ‌بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ

- ‌بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ

- ‌بابُ المنِّ والفِداء

- ‌بابُ الكافِرِ إِذا جَاءَ مُسْلِمًا بعْد مَا غنم مالُهُ لَا يجِبُ الرّدُّ عليْهِ

- ‌بابُ الأمانِ

- ‌بابُ النُّزْولِ على الحُكْمِ

- ‌بابُ حِلِّ الغنيمةِ لِهذِهِ الأُمّةِ

- ‌بابُ الغنِيمة لِمنْ شهِد الْوقْعة

- ‌بابُ قسْمَة الْغَنَائِم

- ‌بابُ منْ يسْتحِقُّ الرّضْخ مِن الغنِيمةِ

- ‌بابُ السّلبِ لِلْقاتِلِ

- ‌بابُ التّنْفِيلِ

- ‌بابُ الغُلُولِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا يُصابُ مِن الطعامِ بِقدْرِ الْحاجةِ

- ‌بابُ مَا يُصيبُ الكُفارُ مِنْ مِالِ المُسْلِمين

- ‌بابُ إِخْراجِ الخُمسِ مِن الغنِيمةِ وبيانِ سهْمِ ذوِي القُرْبى

- ‌بابُ حُكْمُ الفيْءِ

- ‌بابُ الدِّيوانِ

- ‌بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها

- ‌بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين

- ‌بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ

- ‌بابُ قدْرِ الجِزْيةِ

- ‌بابُ سُقُوطِ الجِزْيةِ عنِ الذِّمِّيِّ إِذا أسْلم

- ‌بابُ إِخْراجُ اليهُودِ والنّصارى مِنْ جزِيرةِ الْعربِ

- ‌بابُ اسْتِقْبالِ القادِم ورُكُوِب ثلاثةٍ الدَّابَّة

- ‌بابُ إِذا قدِم لَا يُطْرِقُ أهْلهُ ليْلا

- ‌بابُ من قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ

- ‌26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح

- ‌بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ

- ‌بابُ ذبِيحةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأهْلِ الْكِتابِ

- ‌بابُ اتِّخاذِ الكلْبِ للصّيْدِ

- ‌بابُ قتْلِ الكِلابِ

- ‌بابُ البعِيرِ إِذا ندّ

- ‌بابُ الإِحْسانِ فِي القتْلِ وتحْديدِ الشّفْرةِ

- ‌بابُ النّهيِ عنْ أنّ يصْبِر الْحيوان

- ‌بابُ كراهِية ذبْحِ الحيوانِ لِغيْرِ الأكْلِ

- ‌بابُ ذكاةِ الجنِينِ

- ‌بابُ وسْمِ الدّوابِّ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ

- ‌بابُ أكْل الضّبِّ

- ‌بابُ أكْلِ الأرْنبِ

- ‌بابُ أكْلِ الجرادِ

- ‌بابُ حيواناتِ الْبحْرِ

- ‌بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى

- ‌بابُ أكْلِ الْجلّالةِ

- ‌بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ

- ‌بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ

- ‌بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ

- ‌بابُ العقِيقةِ

- ‌بابُ التّحْنِيكِ

- ‌بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ

- ‌27 - كِتابُ الأطْعِمةِ

- ‌بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ

- ‌بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ

- ‌بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ

- ‌بابُ الأكْلِ على السّفرِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا

- ‌بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا

- ‌بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأْكُلُهُ

- ‌بابُأكْلِ الشِّوَاءِ

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبي صلى الله عليه وسلم يحب من اللَّحْم

- ‌بابُ الثَّرِيد والتلبينة

- ‌بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ

- ‌بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ

- ‌بابُ الحلْواءِ والْعسلِ

- ‌بابُ الخلِّ

- ‌بِابُ أكْلِ الزّيتِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ

- ‌بابُ لعْقِ الأصابِعِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ

- ‌بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ

- ‌بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة

- ‌بابُ التّمْرِ

- ‌بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ

- ‌بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين

- ‌بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ

- ‌بابُ الْكمْأةِ

- ‌بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ

- ‌بابُ كيْلِ الطّعامِ

- ‌بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ

- ‌بابُ حقِّ الضّيْفِ

- ‌بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ

- ‌بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ

- ‌28 - كِتابُ الأشْرِبةِ

- ‌بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ

- ‌بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ

- ‌بابُ الْخلِيطيْنِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ

- ‌بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بابُ الأوْعِيةِ

- ‌بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة

- ‌بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب

- ‌بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا

- ‌بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية

- ‌بابُ الرُّخْصَة فِيهِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا

- ‌بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ

- ‌بَاب استِعْذابِ الماءِ

- ‌بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ

- ‌بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ

الفصل: تعلم حتّى تقدم جنَاح الدَّاء، وتؤخر جنَاح الشِّفَاء؟ قَالَ: وَهَذَا

تعلم حتّى تقدم جنَاح الدَّاء، وتؤخر جنَاح الشِّفَاء؟ قَالَ: وَهَذَا سُؤال جَاهِل، أوْ متجاهل، فإِن الّذِي يجد نَفسه ونفوس عَامَّة الْحَيَوَان قدْ جمع فِيها بيْن الْحَرَارَة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهِي أَشْيَاء متضادة إِذا تلاقت تفاسدت، ثُمّ يرى أَن الله عز وجل قدْ ألف بَينهَا، وَجعل مِنْهَا قوى الْحَيَوَان الّتِي بِها بَقَاؤُهَا، لجدير أَن لَا يُنكر اجْتِمَاع الدَّوَاء والداء فِي جزأين من حَيَوَان وَاحِد، وَإِن الّذِي ألهم النحلة أَن تتَّخذ الْبيْت العجيب الصَّنْعَة، وتعسِل فِيهِ، وألهم الذّرّة أَن تكتسب قوتها، تدخره لِأَوَانِ حَاجَتهَا إليْهِ، هُو الّذِي خلق الذبابة وَجعل لَهَا الْهِدَايَة إِلى أَن تقدم جنَاحا، وتؤخر جنَاحا، لما أَرَادَ من الِابْتِلَاء الّذِي هُو مدرجة التَّعَبُّد والامتحان الّذِي هُو مضمار التَّكْلِيف، وفِي كُل شيْء حكمةٌ وعبرةٌ، وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب.

‌بابُ العقِيقةِ

2816 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ:«مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ»

2817 -

وَقَالَ أَصْبَغُ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ،

ص: 262

عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، نَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَعَ الْغُلامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَالَ الإِمامُ: الْعَقِيقَة اسْم للشاة الّتِي تُذبح على ولادَة الْوَلَد، وَاخْتلفُوا فِي اشتقاقها، فَقَالَ بعْضهم: هِي اسْم للشعر الّذِي يحلق من رَأس الصبيِّ عِنْد وِلَادَته، فسميت الشَّاة عقيقة على الْمجَاز، إِذْ كَانَت إِنّما تُذبح عِنْد حِلاق الشّعْر، وقِيل: هِي اسْم للشاة حَقِيقَة، سميت بِها، لِأَنَّهَا تُعقُّ مذابحها، أَي: تُشقُّ وتقطع، والعقُّ: الشقُّ، وَمِنْه عقوق الْوَلَد أَبَاهُ، وهُو جفوته وقطيعته، وَأَرَادَ بإماطة الْأَذَى عَنهُ: حلق رَأسه.

والعقيقة سُنةٌ عِنْد أكْثر أهْل الْعِلْمِ إِلَّا أصْحاب الرّأْيِ، فَإِنَّهُم قالُوا: لَيست بسنةٍ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِي عنْ عمْرو بْن شُعيْب، عنْ أبِيهِ، عنْ جده، قَالَ: سُئِلَ النّبي صلى الله عليه وسلم عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ:«لَا يُحِبُّ اللهُ العُقُوق» ، وَلَيْسَ هَذَا الْحدِيث عِنْد الْعَامَّة على توهين أَمر الْعَقِيقَة،

ص: 263

وَلكنه كره تَسْمِيَتهَا بِهذا الِاسْم على مذْهبه فِي تغير الِاسْم الْقَبِيح إِلى مَا هُو أحْسن مِنْهُ، فَأحب أَن يسميها بِأَحْسَن مِنْهُ من نسيكة، أوْ ذَبِيحَة، أوْ نَحْوهَا.

وقدْ رُوِي فِي هَذَا الْحدِيث: «لَا أُحِبُّ العُقُوق، ولكِنْ منْ وُلِد لهُ ولدٌ، فأحبّ أنْ ينْسك عنْهُ فلْيفْعلُ» ، وَقَالَ الْحسن: إِذا علمت أنّهُ لمْ يعق عنْك، فعق عنْ نَفسك، وَقَالَ ابْن سِيرِين: عققت عنْ نَفسِي ببُختيةٍ بعد أَن كنت رجُلا، وَكَانَ أنسٌ يعقٌ عنْ وَلَده الجُزر.

وَاخْتلفُوا فِي التَّسْوِيَة بيْن الْغُلَام وَالْجَارِيَة، فَكَانَ الْحسن وَقَتَادَة لَا يريان عنِ الْجَارِيَة عقيقة، وَذهب قوْمٌ إِلى التَّسْوِيَة بيْنهُما عنْ كُل واحدةٍ بشاةٍ واحدةٍ، لما رُوِي أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم «عقّ عنِ الحسنِ بِشاةٍ» .

وَعَن ابْن عُمر

ص: 264

كَانَ يعقُّ عنْ وَلَده بشاةِ شاةٍ للذكور وَالْإِنَاث.

وَمثله عنْ عُرْوَة بْن الزُّبيْر، وهُو قوْل مالِك.

ورُوِي عنْ أَسمَاء بنت أبِي بكْر أنّها كَانَت تعقُّ عنْ بنيها وَبني بنيها شَاة شَاة الذكرِ وَالْأُنْثَى، ثُمّ تصنع أطيب مَا تقدر عليْهِ من الطَّعَام، وَتَدْعُو إليْهِ.

وَذهب جمَاعَة إِلى أَن يذبح عنِ الْغُلَام شَاتين، وَعَن الْجَارِيَة شَاة وَاحِدَة، وهُو قوْل عَائِشَة، وبِهِ قَالَ عَطاء، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، لما.

2818 -

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرْبَنْدُ كُشَائِيُّ، أَنَا أَبُو سَهْلٍ السِّجْزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانُ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ دَاسَةَ، نَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمُّ كُرْزٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا» ، قَالَتْ: وَسَمِعْتُهُ، يَقُولُ:«عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، وَلا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ، أَوْ إِنَاثًا» .

ص: 265

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قوْله: «أقِرُّوا الطّير على مكِناتِها» ، قَالَ أبُو زِيَاد الكِلابي: لَا يُعرف للطير مكِناتٌ، وَإِنَّمَا هِي الوُكُناتُ، وهِي مَوضِع عُشِّ الطَّائِر، وَقَالَ أبُو عُبيد: المكنات بيض الضِّباب، وَاحِدهَا: مكِنةٌ، فَجعل للطير على وَجه الِاسْتِعَارَة، وقِيل على مكناتها، أَي: أمكنتها، وَقَالَ شِمرٌ: هِي جمع المكنة وهِي التَّمَكُّن، وَهَذَا مثل التّبعة للتبع، والطلِبة للتطلب.

ثُمّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد من إِقْرَار الطير على مكناتها، فَقَالَ بعْضهم: مَعْنَاهُ: كَرَاهِيَة صيد الطير بِاللَّيْلِ، وقِيل: فِيهِ النَّهْي عنْ زجر الطير، مَعْنَاهُ: أقروها على موَاضعهَا الّتِي جعلهَا الله بِها من أنّها لَا تضر وَلَا تَنْفَع.

ويُحكى عنِ الشّافِعِي رضي الله عنه أنّهُ حمله على النَّهْي عنْ زجر الطير، وذلِك أَن الْعَرَب كَانَت تُولع بالعيافة، وزجر الطير، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا خرج من بَيته لسفر أوْ حَاجَة، نظر هَل يرى طائرًا يطير، فإِن لمْ ير، هيج طائرًا عنْ مَكَانَهُ، فإِن طَار من جَانب يسَاره إِلى يَمِينه، سَمَّاهُ سائحًا وتفاءل بِهِ، وَمضى لأَمره، وَإِن طَار من جَانب يَمِينه إِلى يسَاره، سَمَّاهُ بارحًا وتطيّر بِهِ، ولمْ يمضِ لأَمره، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يكُون يسَار الطَّائِر إليْهِ، «فأمرهُم النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرُّوا الطّيْر على أمْكِنتها، وَلَا يُطيِّرُوها وَلَا يزْجرُوها» .

ص: 266

وقوْله فِي الْحدِيث: «وَلَا يضُرُّكُمْ ذُكْرانًا كُنّ أوْ إِناثًا» ، أَرَادَ شَاة الْعَقِيقَة يجوز، ذكرا كَانَ أوْ أُنْثَى، وَيخْتَص بِمَا يجوز أضْحِية، ورُوِي عنْ أمِّ كُرزٍ، قالتْ: سمِعْت النّبي صلى الله عليه وسلم، يقُول:«عنِ الغُلامِ شَاتَان مُكافِئتانِ، وعنِ الْجارِيةِ شاةٌ» ، قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: مُكافِئتانِ مستويتان، أوْ مقاربتان، يُرِيد أَلا تكون إِحْداهُما مِمَّا يجوز أضْحِية، وَالْأُخْرَى دونهَا فِي السن.

وَقَالَ مالِك: لَيست الْعَقِيقَة بواجبة، وَلَكِن يسْتَحبّ الْعَمَل بِها، فَمن عق عنْ وَلَده، فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة النّسك والضحايا، لَا يجوز فِيها عرجاء، وَلَا مَكْسُورَة، وَلَا عجفاء، وَلَا مَرِيضَة، وَلَا عوراء، وَلَا يُبَاع من لَحمهَا شيْء، وَلَا من جلدهَا، وَلَا يكسر عظامها، وَيَأْكُل أَهلهَا من لَحمهَا، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَلَا يُمسُّ الصبيُّ بِشَيْء من دَمهَا.

وَقَالَ عَطاء: العقيقةُ تُقطع أعضاؤها، وتطبخ بماءٍ وملح.

وَقَالَ الْحسن، وَابْن سِيرِين: الْأُضْحِية تُجزئ من الْعَقِيقَة، وسُئل عنِ الْعَقِيقَة، فَقَالَ: هِي مثل الْأُضْحِية، كُلْ مِنْهَا وأطعِم.

وَقَالَ مُحمّد بْن إِبْراهِيم بْن الْحارِث

ص: 267

التّيميُّ: سمِعْت أبِي يسْتَحبّ الْعَقِيقَة وَلَو بعصفور.

وَعَن ربيعَة أنّهُ كَانَ يستحبُّ أَن يعقُّ عنِ الصّبِي وَلَو بعصفور، أوْ دجاجةٍ، ورُوِي فِي الْعَقِيقَة الإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم.

وقدْ رُوِي فِي وَقت ذبح الْعَقِيقَة عنِ الْحسن، عنْ سَمُرَة، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الغُلامُ مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ تُذْبحُ عنْهُ يوْم السّابِع، ويُسمّى، ويُحْلقُ رأْسُهُ» ، وقدْ تكلم النّاس فِي معنى قوْله:«مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ» ، أجودُها مَا قَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: أَن مَعْنَاهُ أنّهُ إِن مَاتَ طفْلا ولمْ يُعقّ عَنهُ لمْ يشفّع فِي وَالِديهِ، ويُرْوى عنْ قَتَادَة أيْضًا أنّهُ يُحرمُ شفاعتهم.

وقِيل: «مُرْتهنٌ بِعقِيقتِهِ» ، أَي: بأذى شعره، وهُو معنى قوْله:«أمِيطُوا عنْهُ الْأَذَى» .

واستحبُّ أهلُ الْعلم ذبح الْعَقِيقَة يوْم السَّابِع من ولادَة الْمَوْلُود، فإِن لمْ يتهيأ، فَيوم الرَّابِع عشر، فإِن لمْ يتهيأ فَيوم إِحْدَى وعِشْرِين، ثُمّ بعد الذّبْح يحلق رَأسه.

ويُرْوى عنْ عائِشة: «شَاتَان عنِ الْغُلَام، وشاةٌ عنِ الْجَارِيَة تطبخ جُدولا لَا يُكسر لَهَا عظمٌ، فتأكل وَتطعم، وَتَتَصَدَّق وَيكون ذلِك فِي الْيَوْم السَّابِع، فإِن لمْ يكن، فَفِي أَربع عشرَة، فإِن لمْ تفعل، فَفِي إِحْدَى وعِشْرِين» .

قوْله: «جُدُولا» ، أَي: أَعْضَاء، والجدْل: الْعُضْو بِفَتْح الْجِيم.

ص: 268

وَاسْتحبَّ غيرُ وَاحِد من أهْل الْعِلْمِ أَن لَا يُسمى الصبيُّ قبل السَّابِعَة، رُوِي ذلِك عنِ الْحسن، وبِهِ قَالَ مالِك، ويُرْوى فِي الْحدِيث:«ويْدمى» ، مَكَان قوْله:«ويُسمّى» ، ورُوِي عنِ الْحسن، أنّهُ قَالَ: يطلى رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة، وَكَانَ قَتَادَة يصف الدَّم، فيقُول: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة تُؤْخَذ صوفةٌ مِنْهَا، فيُستقبل بِها أوداجُ الذَّبِيحَة، ثُمّ تُوضَع على يافوخ الصبيِّ حتّى إِذا سَالَ شبه الْخَيط، غسل رَأسه ثُمّ حلق بعدُ.

وَكره أكْثر أهْل الْعِلْمِ لطخ رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة، وقالُوا: كَانَ ذلِك من عمل الْجاهِلِيّة، وضعّفوا رِوَايَة من رواهُ «ويدْمى» ، وقالُوا: إِنّما هِي: «ويُسمّى» ، ويُرْوى لطخ الرَّأْس بالخلوقِ والزعفران مَكَان الدَّم.

قَالَ الإِمامُ: وَصَحَّ عنْ ثَابت، عنْ أنسٍ، قَالَ: قَالَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وُلِد لِي اللّيْلة غُلامٌ، فسمّيْتُهُ بِاسْمِ أبِي إِبْراهِيم» ، فَفِيهِ تعجيلُ تَسْمِيَة الْمَوْلُود حَالَة مَا يُولد.

ص: 269

2819 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ:«وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَعْرِ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَزَيْنَبَ، وَأُمِّ كُلْثُومٍ، فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَتِهِ فِضَّةً»

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «عَقَّ عَنْ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ شَاةً، وَأَمَرَ فَاطِمَةَ يَوْمَ سَابِعِهِ حِينَ يُحْلَقُ شَعْرُهُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِزِنَةِ شَعْرِهِ» ، فَوَزَنَ شَعْرَهُ، فَوَجَدَ دِرْهَمًا وَشَيئًا، أَوْ دِرْهَمًا إِلا شَيْئًا، فَتُصُدِّقَ بِهِ ورُوِي وزن شعر الْحسن وَالْحُسَيْن رطبا حِين حُلِقا.

ورُوِي عنْ علِي بْن الْحُسيْن، عنْ أبِي رَافع، قَالَ: لما ولدت فَاطِمَة حسنا، قالتْ: يَا رسُول اللهِ، أَلا أعقُّ عنِ ابْني بدمٍ؟ قَالَ:«لَا، ولكِن احْلِقِي شعْرهُ، فتصدّقِي بِوزْنِهِ مِن الورقِ على الأوْفاضِ، أوْ على المساكِينِ» ، فَفعلت ذلِك، فلمّا ولدت حُسَيْنًا، فعلت مثل ذلِك.

قَالَ شريك: الأوفاض: أهل الصّفة، قَالَ أبُو عُبيد: هُم الفِرقُ

ص: 270