المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب فتح مكة وحكم رباعها - شرح السنة للبغوي - جـ ١١

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ التَّأْمِيرِ فِي الْحَرْبِ، وَالسَّفَرِ، وَوَصِيَّةِ الإِمَامِ الْجَيْشَ

- ‌بابُ الْغزْوِ بالنِّساءِ

- ‌بابُ أخْذِ الجُعلِ

- ‌بابُ مَتى يخْرُجُ إِلى السّفرِ

- ‌بابُ الابْتِكارِ

- ‌بابُ كراهِيةِ السّفرِ وحْدهُ

- ‌بابُ الخِدْمةِ فِي السّفرِ

- ‌بِابُ كراهِيةِ الجرسِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ قطْعِ القلائدِ والأوتارِ

- ‌بابُ الإِرْدافِ على الدّابةِ

- ‌بابُ إرْدافِ المرْأةِ

- ‌بابُ كراهِية الوُقُوفِ على الدّابّةِ

- ‌بابُ يُعْطِي الإِبِل حقّها

- ‌بابُ بذْلِ الزّادِ فِي السّفرِ

- ‌بابُ العُقْبةِ

- ‌بابُ مشقةِ السّفرِ

- ‌بابُ الْصبرِ عِنْد لِقاء العدُوِّ والدُّعاءُ

- ‌بابُ المكْرِ فِي الحرْبِ والكذِبِ والخدِيعةِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ قتْلِ النِّساء والصّبْيانِ

- ‌بابُ الْبياتِ

- ‌بابُ الشِّعارِ فِي الحرْبِ

- ‌بابُ تحْرِيقِ أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ

- ‌بابُ الكفِّ عَن القِتالِ إِذا رأى شِعار الإِسْلامِ

- ‌بابُ الصَّفّ فِي الْقِتَال والتعبئة

- ‌بابُ المُبارزةِ

- ‌بابُ الفِرارِ مِن الزّحْفِ

- ‌بابُ حُكْمِ الجاسُوسِ

- ‌بابُ الأسيرِ يُقيّدُ والحُكْم فيهِ

- ‌بابُ المنِّ والفِداء

- ‌بابُ الكافِرِ إِذا جَاءَ مُسْلِمًا بعْد مَا غنم مالُهُ لَا يجِبُ الرّدُّ عليْهِ

- ‌بابُ الأمانِ

- ‌بابُ النُّزْولِ على الحُكْمِ

- ‌بابُ حِلِّ الغنيمةِ لِهذِهِ الأُمّةِ

- ‌بابُ الغنِيمة لِمنْ شهِد الْوقْعة

- ‌بابُ قسْمَة الْغَنَائِم

- ‌بابُ منْ يسْتحِقُّ الرّضْخ مِن الغنِيمةِ

- ‌بابُ السّلبِ لِلْقاتِلِ

- ‌بابُ التّنْفِيلِ

- ‌بابُ الغُلُولِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا يُصابُ مِن الطعامِ بِقدْرِ الْحاجةِ

- ‌بابُ مَا يُصيبُ الكُفارُ مِنْ مِالِ المُسْلِمين

- ‌بابُ إِخْراجِ الخُمسِ مِن الغنِيمةِ وبيانِ سهْمِ ذوِي القُرْبى

- ‌بابُ حُكْمُ الفيْءِ

- ‌بابُ الدِّيوانِ

- ‌بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها

- ‌بابُ المُهادنةِ مَعَ المُشْرِكِين

- ‌بابُ أخْذِ الجِزْيةِ مِن المجُوسِ

- ‌بابُ قدْرِ الجِزْيةِ

- ‌بابُ سُقُوطِ الجِزْيةِ عنِ الذِّمِّيِّ إِذا أسْلم

- ‌بابُ إِخْراجُ اليهُودِ والنّصارى مِنْ جزِيرةِ الْعربِ

- ‌بابُ اسْتِقْبالِ القادِم ورُكُوِب ثلاثةٍ الدَّابَّة

- ‌بابُ إِذا قدِم لَا يُطْرِقُ أهْلهُ ليْلا

- ‌بابُ من قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فصلى فِيهِ

- ‌26 - كِتابُ الصّيد والذّبائح

- ‌بابُ مَا يجُوزُ الصّيْدُ بِهِ

- ‌بابُ ذبِيحةِ أهْلِ الشِّرْكِ وأهْلِ الْكِتابِ

- ‌بابُ اتِّخاذِ الكلْبِ للصّيْدِ

- ‌بابُ قتْلِ الكِلابِ

- ‌بابُ البعِيرِ إِذا ندّ

- ‌بابُ الإِحْسانِ فِي القتْلِ وتحْديدِ الشّفْرةِ

- ‌بابُ النّهيِ عنْ أنّ يصْبِر الْحيوان

- ‌بابُ كراهِية ذبْحِ الحيوانِ لِغيْرِ الأكْلِ

- ‌بابُ ذكاةِ الجنِينِ

- ‌بابُ وسْمِ الدّوابِّ

- ‌بابُ النّهْيِ عنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ

- ‌بابُ أكْل الضّبِّ

- ‌بابُ أكْلِ الأرْنبِ

- ‌بابُ أكْلِ الجرادِ

- ‌بابُ حيواناتِ الْبحْرِ

- ‌بابُ أكْلُ الدّجاجِ والْحُبارى

- ‌بابُ أكْلِ الْجلّالةِ

- ‌بابُ إِباحةِ لحْمِ الْخيْلِ وتحْرِيمِ لحْمِ الْحُمُرِ الأهْلِيَّةِ

- ‌بابُ الفأْرةِ تمُوتُ فِي السّمْنِ

- ‌بابُ الذُبابِ يقعُ فِي الشّرابِ

- ‌بابُ العقِيقةِ

- ‌بابُ التّحْنِيكِ

- ‌بابُ الأذانِ فِي أُذنِ الْموْلُودِ

- ‌27 - كِتابُ الأطْعِمةِ

- ‌بابُ التسْمِيةِ على الأكْلِ والْحمْد فِي آخِرِهِ

- ‌بابُ الْوُضُوءِ عِنْد الطّعامِ

- ‌بابُ النَّهْي عنِ الأكْلِ بِالشِّمالِ

- ‌بابُ الأكْلِ على السّفرِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مُتكِئًا

- ‌بابُ الأكْلِ مُقْعِيًا

- ‌بابُ لَا يعِيبُ الطَّعَام

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأْكُلُهُ

- ‌بابُأكْلِ الشِّوَاءِ

- ‌بابُ مَا كَانَ النّبي صلى الله عليه وسلم يحب من اللَّحْم

- ‌بابُ الثَّرِيد والتلبينة

- ‌بابُ الْمرقِ والدُّبّاءِ

- ‌بابُ السِّلْقِ والشّعِيرِ

- ‌بابُ الحلْواءِ والْعسلِ

- ‌بابُ الخلِّ

- ‌بِابُ أكْلِ الزّيتِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الأكْلِ مِنْ وسطِ القصْعةِ

- ‌بابُ لعْقِ الأصابِعِ

- ‌بابُ كراهِيةِ الْبيْتوتةِ وَفِي يدِهِ غمرٌ

- ‌بابُ المُؤْمِنُ يأْكُلُ فِي معي واحِدٍ

- ‌بابُ طعامِ الاثْنيْنِ يكْفِي الثَّلَاثَة

- ‌بابُ التّمْرِ

- ‌بابُ مَا فِي التّمْرِ مِن الشِّفاءِ

- ‌بابُ النَّهْي عنْ أَن يقرن بيْن تمرتين

- ‌بابُ الجمْع بيْن الشّيْئيْنِ فِي الأكْلِ

- ‌بابُ الْكمْأةِ

- ‌بابُ الْكباثِ وهُو ثمرُ الأراكِ

- ‌بابُ كيْلِ الطّعامِ

- ‌بابُ إِكْرامِ الضّيْفِ

- ‌بابُ حقِّ الضّيْفِ

- ‌بابُ دُعاءِ الضّيْفِ لِصاحِبِ الطّعامِ

- ‌بابُ المُضْطرِّ إِلى الميْتةِ

- ‌28 - كِتابُ الأشْرِبةِ

- ‌بِابُ تحْرِيمِ الْخمْرِ

- ‌بابُ وعيدِ شارِبِ الْخمْرِ

- ‌بابُ الْخلِيطيْنِ

- ‌بابُ إِباحةِ مَا لَا يُسْكِرُ مِن الأنْبِذةِ

- ‌بابُ أحبِّ الشِّرابِ إِلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بابُ الأوْعِيةِ

- ‌بابُ تَحْرِيم الشّرْب من آنِية الْفضة

- ‌بابُ كَرَاهِيَة التنفس فِي الْإِنَاء والنفخ فِي الشَّرَاب

- ‌بابُ التّنفُّسِ فِي الشُّرْبِ ثَلَاثًا

- ‌بابُ النّهُيِ عَن الشُّرْبِ مِنْ فمِ السِّقاء وعنِ اخْتِناثِ الأسقية

- ‌بابُ الرُّخْصَة فِيهِ

- ‌بابُ النّهْيِ عنِ الشّرْبِ قائِمًا

- ‌بابُ الرُّخْصةِ فِيهِ

- ‌بَاب استِعْذابِ الماءِ

- ‌بابُ الْبداءة بِالأيْمنِ وشُرْبِ اللّبنِ

- ‌بابُ إيْكاء الأسْقِيةِ وتخْمِيرِ الآنِيةِ

الفصل: ‌باب فتح مكة وحكم رباعها

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ

‌بابُ فتْحِ مكّة وحُكْمِ رِباعِها

2745 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ

ص: 148

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ، قَالَ لِلْعَبَّاسِ: " احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْجَبَلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلِ تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ قَال: هَؤُلاءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَعَهُ الرَّايَةُ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَبَّاسُ، حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ، ثُمّ جَاءَتْ كُتَيْبَةٌ، وَهِيَ أَقَلُّ

ص: 149

الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: مَا قَالَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيِهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ.

قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟ قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كُدَا ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

حطْمُ الْجَبَل: مَا حُطِم، أيْ: ثُلِم من عُرضِهِ، فَبَقيَ مُنْقَطِعًا، والملحمةُ: المقتلةُ.

قوْله: حبّذا يوْم الذِّمار، يُريد يوْم القتالِ والذُّمر: الحضُّ على القِتالِ، يُقال: ذمر الرّجُل صاحِبه يذمُره، وَيُقَال: فُلان حامي الذِّمار، يعْنِي: إِذا ذمِر،

ص: 150

وغضِب، حمِي، فتمنى أبُو سُفْيان أَن يكُون لهُ يدٌ، فيحمى قومه، وَيدْفَع عنْهُمْ.

2746 -

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنْ رَبَاحٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي، فَقَالَ:«يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لِي الأَنْصَارَ» ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:" انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، وَقَالَ: مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا "، قَالَ: فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ

ص: 151

أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ، قَالَ: وَصعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّفَا، وَجَاءَتِ الأَنْصَارُ، وَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلاحَ فَهُوَ آمِنٌ» ، فَقَالِتِ الأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ، فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، أَلا فَمَا اسْمِي إِذًا {ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النُّور: 58] أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ "، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضَنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ:«فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ، وَيَعْذِرَانِكُمْ» .

ص: 152

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قوْله: المُجنّبةِ اليُمْنى، قِيل: هِي الميمنة، والمجنبة الْيُسْرَى: هِي الميسرة، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أرْسلُوا مجنبتين، أيْ: كتيبتين أخذتا ناحيتي الطَّرِيق.

قَالَ الإِمامُ: اخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي فتح مكّة أنّهُ كَانَ صلحا، أما عنْوَة؟ فَذهب الأوْزاعِي، وأصْحاب الرّأْيِ، وَأَبُو عُبيْد، إِلى أنّها فتحت عنْوَة، لقَوْل النّبي صلى الله عليه وسلم للْأَنْصَار:«انْظُرُوا إِذا لقِيتُمُوهُمْ غَدا أنْ تحْصُدُوهُمْ حصْدًا» .

وَذهب قومٌ إِلى أنّها فتحت صلحا، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، لِأَن النّبي صلى الله عليه وسلم بذل لهُم الْأمان بقوله:«منْ ألْقى السِّلاح فهُو آمِنٌ، ومنْ أغْلق بابُهُ، فهُو آمِنٌ» ، وَجُمْلَة الْأَمر فِي فتح مكّة أنّهُ لمْ يكن أمرا منبرمًا فِي أول مَا بذل لهُم الْأمان، وَلكنه كَانَ أمرا مترددًا بيْن أَن يقبلُوا الْأمان، ويمضوا على الصُّلْح، وَبَين أَن يردوا الْأمان، ويحاربوا، فَأخذ النّبي صلى الله عليه وسلم أُهبة الْقِتَال، وَدخل مكّة على رَأسه المغفر، إِذْ لمْ يكن من أَمرهم على يَقِين، وَلَا من وفائهم على ثِقَة، إِلى أَن ظهر من أَمرهم قبُول الْأمان، والثبات على الصُّلْح، فالالتباس فِي أمرهَا إِنّما كَانَ من أجل التَّرَدُّد فِي الِابْتِدَاء.

واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي بيع رباع مكّة، ومِلكها، وكِراء بيوتها، فَذهب جمَاعَة إِلى أنّها مَمْلُوكَة لأربابها يجوز بيعُها وكراؤُها، رُوِي أَن عُمر ابْتَاعَ دَارا للسجن بأَرْبعَة آلَاف، وهُو قوْل طَاوس، وَعَمْرو

ص: 153

بْن دِينار، وإِليْهِ ذهب الشّافِعِي، وَاحْتج بقول الله سبحانه وتعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الْحَشْر: 8]، فَالله عز وجل أضَاف الدّيار إِلَيْهِم، وَالْإِضَافَة دلِيل المُلك.

ورُوِي عنْ أُسامة بْن زيْد، أنّهُ قَالَ زمن الْفَتْح: يَا رسُول اللهِ، أَيْن ننزل غَدا؟ فَقَالَ النّبي صلى الله عليه وسلم:«وهلْ ترك لنا عُقيْلٌ مِنْ منْزِل» .

2747 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا؟ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَيْئًا» ، ثُمَّ قَالَ: " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ قَالَ:«نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفٍ بني كنَانَة حَيْثُ قاسمت قُرَيْش على الْكفْر» يَعْنِي بخيف الأَبْطَحِ.

قَالَ الزُّهرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا حَالَفُوا بَنِي بَكْرٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُجَالِسُوهُمْ، وَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبايِعُوهُمْ، وَلا يُؤْوُوهُمْ.

ص: 154

هَذَا حَدِيث مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلانَ، عَنْ عبْدِ الرَّزَّاقِ

فَقَوله: «وهلْ ترك لنا عَقِيلٌ شيْئًا» ، أَرَادَ أَن عقيلا وطالبًا هما ورثا أَبَا طالِب، لِأَن أَبَا طالِب مَاتَ كَافِرًا، وَكَانَ عليٌّ وجعفرٌ مُسلمين، فَلم يرثاهُ، وَكَانَ عقيلٌ قدْ بَاعَ منَازِل آبَائِهِ، فَرَأى النّبي صلى الله عليه وسلم بيعهُ مَاضِيا حَيْثُ قَالَ:«وَهل ترك لنا عُقيْلٌ منْزِلا» ، على أَن تِلْك الدّور لَو كَانَت قَائِمَة على مُلك عقيل، لمْ ينزلها رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهَا دورٌ هجروها فِي الله، فَلم يَكُونُوا ليعودوا فِيها بِسُكناها، ولمْ يبلغنَا عنْ مهَاجر أنّهُ سكن دَاره بِمَكَّة بعد أَن هجرها، فَكَانَ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أولاهم بِذلِك.

وَذهب قومٌ إِلى أنّهُ لَا يحلُّ بيع دور مكّة وَلَا كراؤها، لِأَنَّهَا حرَّة كالمساجد، رُوِي ذلِك عنْ عبْد الله بْن عمْرو بْن الْعَاصِ.

ورُوِي

ص: 155

عنْ عَطاء، وَعمر بْن عبْد الْعزِيز النَّهْي عنْ كِرَاء بيوتها، وَقَالَ أحْمد بْن حَنْبَل: إِنِّي لأتوقّى الكرِاء، أما الشِّرَاء، فقد اشْترى عُمر دَارا لسجنٍ، وَقَالَ إِسْحاق: بيعهَا، وشراؤها، وإجارتها مَكْرُوه، وَلَكِن الشِّرَاء أَهْون.

وَذهب أبُو عُبيْد إِلى أَن مكّة فتحت عنْوَة، ثُمّ منّ النّبي صلى الله عليه وسلم على أَهلهَا فردّها عَلَيْهِم، ولمْ يقسِمها، وَكَانَ هَذَا خَاصّا لرسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مكّة ليْس لغيره من الْأَئِمَّة أَن يفعل ذلِك فِي شيْء من الْبلدَانِ غَيرهَا، وذلِك أنّها مسْجِد لجَماعَة المُسْلِمين، وهِي مناخُ من سبق، وأجور بيوتها لَا تطيب، ولاتباع رباعُها، وَلَيْسَ هَذَا لغَيْرهَا من الْبلدَانِ.

قوْله: «نحْنُ نازِلُون بِخيْفِ بني كِنانة» ، يُشبه أَن يكُون صلى الله عليه وسلم إِنّما اخْتَار النُّزُول بِها شكرا لله على دُخُوله مكّة ظَاهرا، وعَلى نقضِ مَا تعاقده أهل الشّرك من مهاجرتهم.

والخيف: مَا انحدر عنِ الْجَبَل، ارْتَفع من المسيل، وبهِ سُمِّي مسْجِد الْخيف، وقِيل: هُو وَاد بِعينِهِ.

ص: 156