الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعضهم فغلط راويها كما حكاه عياض. قال: وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفة حالة انحداره فيما مضى، وقوله: كأني أنظر إليه جواب أما والأصل فكأني فحذف الفاء وهو حجة على من قال من النحاة أنه لا يجوز حذفها، لكن قد يقال: إن حذفه وقع من الراوي، وقد جوّز ابن مالك حذفها في السعة وخصه بعضهم بالضرورة، وقد اعترض المهلب قوله موسى وقال: إنه وهم من بعض الرواة، وصوّب أنه عيسى لأنه حي، واستدلّ بقوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء.
وأجيب: بأنه لا فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض وإنما ثبت أنه سينزل عند أشراط الساعة، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ: كأني أنظر إلى موسى من الثنية واضعًا إصبعيه في أذنيه مارًا بهذا الوادي وله جوار إلى الله تعالى بالتلبية قاله لما مرّ بوادي الأزرق، وقد زاد في باب: الجعد من كتاب اللباس ذكر إبراهيم ولفظه قال ابن عباس: لم أسمعه قال ذلك، ولكنه قال: أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلب كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي. أفيقال: أن الراوي غلط فزاد إبراهيم، وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس وفي أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان.
31 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ
؟
أَهَلَّ: تَكَلَّمَ بِهِ، وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ: كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ. وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ: خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ.
{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] وَهْوَ مِنِ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ.
هذا (باب) بالتنوين (كيف تهلّ) أي تحرم (الحائض والنفساء)؟ يقال: (أهلّ) الرجل بما في قلبه إذا (تكلم به. واستهللنا وأهللنا الهلال:) بالنصب على المفعولية أي طلبنا ظهوره، ولأبي ذر: الهلال بالرفع أي استهل الهلال على صيغة المعلوم أي تبين. قال المجد الشيرازي كالجوهري، ولا يقال أهل ويقال أهللنا عن ليلة كذا ولا يقال أهللنا فهل كما يقال أدخلناه فدخل وهو قياسه (كله) أي ما ذكر من هذه الألفاظ مأخوذ (من) معنى (الظهور. و) من الظهور أيضًا (استهل المطر:) أي (خرج من السحاب) ومنه أيضًا قوله تعالى: ({وما أهل لغير الله به})[المائدة: 3] أي نودي عليه بغير اسم الله وأصله رفع الصوت (وهو من استهلال الصبي) أي رفع صوته بِالصياح عند الولادة. قال
في الفتح: وهذا في رواية المستملي والكشميهني وليس مخالفًا لما سبق من أصل الاستهلال رفع الصوت لأن الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره.
1556 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) لخمس بقين من ذي القعدة (في حجة الوداع) سميت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودّع الناس فيها (فأهللنا بعمرة)، أدخلناها على الحج بعد أن أهللنا به في الابتداء كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، (ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم): لمن معه بعد إحرامهم بالحج ودنوّهم من مكة بسرف كما في رواية عائشة أو بعد طوافهم بالبيت فهم بالبيت كما في رواية جابر أو قاله مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.
(من كان معه هدي) بإسكان الدال وتخفيف الياء وبكسر الدال وتشديد الياء والأولى أفصح وأشهر اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة (فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل) وفي اليونينية: بالنصب مصلح (حتى يحل منهما) أي من الحج والعمرة (جميعًا) وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي على إحرامه حتى يحل من الحج كونه أدخل الحج على العمرة لا مجرد سوق الهدي كما يقوله أبو حنيفة وأحمد وموافقوهما من أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد تمسكوا بقوله في رواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر
هديه، ومن أهلّ بحج فليتم حجه" وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم، لكن تأولها الشافعية على أن معناها ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، واستدلوا لصحة هذا التأويل بهذه الرواية لأن القصة واحدة فتعين الجمع بين الروايتين.
قالت عائشة: (فقدمت مكة وأنا حائض) جملة اسمية وقعت حالاً وكان ابتداء حيضها بسرف يوم السبت لثلاث خلون من في الحجة (ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة)، عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع وهو من باب علفتها تبنًا وماء باردًا، ويجوز أن يقدر ولم أطف بين الصفا والمروة على طريق المجاز لما في الحديث وطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة قاله في شرح المشكاة. (فشكوت ذلك) أي ترك الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال):
(انقضي رأسك) بالقاف المضمومة والضاد المعجمة المكسورة من النقض أي حلي ضفر شعر رأسك (وامتشطي) أي سرحيه بالمشط (وأهلي بالحج ودعي العمرة) أي عملها من الطواف والسعي وتقصير الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وحينئذٍ فتكون قارنة كذا تأوله الشافعي.
والحاصل أنها أحرمت بالحج ثم فسخته إلى العمرة حين أمر الناس بذلك، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالحج أمرها صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج فأحرمت به فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة، لكن استشكل الخطابي قوله لها انقضي رأسك وامتشطي لأنه ظاهر في إبطال العمرة لأن المحرم يفعل مثل ذلك لأنه يؤدّي إلى انتتاف الشعر.
وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك إبطال العمرة فإن نقض الرأس والامتشاط جائزان في الإحرام إذا لم يؤدّ إلى انتتاف الشعر لكن يكره الامتشاط لغير عذر أو إن ذلك كان بسبب أذى كان برأسها فأبيح كما أبيح لكعب بن عجرة في حلق رأسه للأذى، أو المراد بالامتشاط تسريح الشعر بالأصابع لغسل الإحرام بالحج، ولا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر ثم تضفره كما كان ويلزم منه نقضه، ويشهد لما أوله الشافعي رحمة الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: قد حللت من حجتك وعمرتك جميعًا، وقوله في الحديث الآخر: طوافك وسعيك كافيك لحجك وعمرتك فهو صريح في أنها كانت قارنة، لكن عند المؤلّف في باب: التمتع والقران من طريق الأسود عنها أنها قالت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحج وأرجع أنا بحجة. وزاد في رواية عطاء عنها عند أحمد ليس معها عمرة، وهذا يقوي قول الحنفية أنها تركت العمرة وحجت مفردة متمسكين بقوله لها: دعي عمرتك. واستدلوا به على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة رضي الله عنها، لكن قال: في الفتح: إن في رواية عطاء عنها ضعفًا والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلّت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال: قد حللت من حجك وعمرتك. قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. قال: فأعمرها من التنعيم. قالت عائشة رضي الله عنها: (ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض والامتشاط والإهلال بالحج وترك عمل العمرة وهذا موضع الترجمة.
(فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر (أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم مع) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصدّيق رضي الله عنه (إلى التنعيم) المشهور بمساجد عائشة (فاعتمرت. فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه) العمرة (مكان عمرتك) برفع مكان خبرًا لقوله هذه أو بالنصب، وهو الذي في اليونينية لا غير على الظرفية وعامله المحذوف هو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك. قال القاضي عياض: والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف إنما أراد عوض عمرتك، فمن قال كانت قارنة قال مكان عمرتك التي أردت