الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين تجتمع عندهم ويتولون تفرقتها صبيحة العيد لأنه السنة قاله ابن بطال أو الذين يدّعون الفقر من غير أن يتجسس، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقبلون بإسقاط ضمير المفعول (وكانوا) أي الناس (يعطون) بضم أوّله وثالثه أي صدقة الفطر (قبل) يوم (الفطر بيوم أو يومين) فيه جواز تقديمها قبل يوم العيد فله تعجيلها من أوّل رمضان ليلاً والصحيح منعه قبل رمضان لأنه تقديم على السبب.
78 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ
(باب) وجوب (صدقة الفطر على الصغير والكبير).
1512 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال):
(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر على) ولي (الصغير) الذي لم يحتلم إن كان له مال أو على من تلزمه نفقته، وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور خلافًا لمحمد بن الحسن حيث قال: على الأب مطلقًا (والكبير والحر والمملوك).
تنبيه
لا فطرة على جنين خلافًا لابن حزم حيث قال بوجوبها مستدلاً بقوله: أو صاعًا من التمر على الصغير قال: لأن الجنين في بطن أمه يقع عليه اسم صغير فإذا أكمل مائة وعشرين يومًا في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة العيد وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر، واستدلّ بما رواه بكر بن عبد الله المزني وقتادة أن عثمان رضي الله عنه كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن الحمل في بطن أمه، وعورض بأن ما ذكر عن عثمان لا حجة فيه لأنه منقطع فإن بكرًا وقتادة روايتهما عن عثمان مرسلة. وأما قوله: على الصغير والكبير فلم يفهم عاقل منه إلا الموجودين في الدنيا وأما المعدوم فلا نعلم أحد أوجب عليه والله أعلم.
وهذا آخر كتاب الزكاة والله أسأل بوجهه الكريم وبنبيه العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم أن يمن عليّ بإكماله وتحريره على ما يحبه تعالى ويرضاه وينفعني به والمسلمين في عافية بلا محنة. استودع الله تعالى ذلك فإنه لا تخيب ودائعه وكذا جميع مآربي، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كبيرًا.
ولما فرغ المؤلّف من الزكاة عقبها بالحج لما بينهما من المناسبة لأن كلاًّ منهما عبادة مالية فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
25 - كتاب الحج
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
1 - باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ. وقول الله [آل عمران: 97]: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
(باب وجوب الحج وفضله). ولأبي ذر: تقديم البسملة على كتاب، وسقط لغيره البسملة وباب. نعم ثبت لفظ باب لابن عساكر في اليونينية، وفي نسخة تقديم البسملة، وللأصيلي فيما حكاه في فتح الباري كتاب المناسك.
والحج: بفتح الحاء وكسرها وبهما قرئ بالفتح لغة أهل العالية والكسر لغة نجد، وفرق سيبويه بينهما فجعل المكسور مصدرًا واسمًا للفعل والمفتوح مصدرًا فقط. وقال ابن السكيت بالفتح القصد وبالكسر القوم الحجاج، وقال الجوهري: والحجة بالكسر المرة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس بالفتح وهو مبني على اختياره أنه بالفتح الاسم ومعنى الحج في اللغة القصد وفي الشرع عبادة يلزمها وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة وطواف ذي طهر اختص بالبيت عن يساره سبعًا.
والمناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها والنسك العبادة والناسك العابد واختص بأعمال الحج، والمناسك مواقف النسك وأعمالها والنسيكة مختصة بالذبيحة. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه، وسقط ذلك لغير أبي ذر:({ولله}) فرض واجب ({على الناس حج البيت}) قصده للزيارة على الوجه المخصوص الآتي بيانه إن شاء الله تعالى ({من استطاع إليه سبيلاً})[آل عمران: 97] بدل من الناس مخصص له، والضمير في إليه للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشيء فهو سبيله وحذف الرابط لفهمه أي من استطاع منهم كذا أعربه جمهور المعربين، لكن قال البدر الدماميني: يلزم عليه فصل البدل والمبدل منه بالمبتدأ وفيه نظر انتهى.
وقال ابن هشام: زعم ابن
السيد أن فاعل بالمصدر، ويردّه أن المعنى حينئذ ولله على الناس أن يحج المستطيع فيلزم إثم جميع الناس إذا تخلف المستطيع، وتعقبه في المصابيح بأنه بناه على الألف واللام لاستغراق الجنس وهو ممنوع لجواز كونها للعهد الذكري، والمراد حينئذ بالناس من جرى ذكره وهم المستطيعون وذلك لأن حج البيت مبتدأ والخبر قوله: لله على الناس والمبتدأ مقدم على الخبر رتبة وإن تأخر لفظًا، فإذا قدّمت المبتدأ وما هو من متعلقاته كان التقدير يرجح البيت المستطيعون حق ثابت لله على الناس أي هؤلاء المذكورين، ويدل عليه أنك لو أتيت بالضمير سد مسد أل ومصحوبها وهو علامة الأداة التي للعهد الذكري بل جعلها كذلك مقدم على جعلها للعموم، فقد صرح كثيرون بأنه إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم فإنا نحملها على العهد للقرينة المرشدة إليه. ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة ولهذه الآية وهو أحد أركان الإسلام الخمس ولا يتكرر وجوبه إلا لعارض نذر أو قضاء عارض.
روى مسلم حديث أبي هريرة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: يا رسول الله أكل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) أي أتأمرنا أن نحج كل عام؟ وهذا يدل على أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة وإلاّ لما صح الاستفهام، وإنما سكت صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثًا زجرًا له عن السؤال فإن التقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهي عنه لقوله تعالى:{لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] لأنه صلى الله عليه وسلم مبعوث لبيان الشرائع وتبليغ الأحكام، فلو وجب الحج كل سنة لبينه عليه الصلاة والسلام لهم لا محالة ولا يقتصر على الأمر مطلقًا سواء سئل عنه أو لم يسأل عنه فيكون استعجالاً ضائعًا، ثم لما رأى أنه لا يزجر به ولا يقنع إلا بالجواب الصريح أجاب عنه بقوله: لو قلت نعم لوجبت كل عام حجة فأفاد به أنه لا يجيب في كل عام لما في لو من الدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره وأنه لم يتكرر لما فيه من الحرج والكلف الشاقة قاله البيضاوي.
وتعقبه الطيبي بأن الاستدلال بسؤال الرجل على أن الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة ضعيف لأن الإنكار وارد على السؤال الذي لم يقع موقعه ولهذا زجره وقال: ذروني ما تركتكم يعم الخطاب يعني اقتصروا على ما أمرتكم به على قدر استطاعتكم، فقد علم أن الرجل لو لم يسأل لم يفد غير المرة وأن التكرار يفتقر إلى دليل خارجي انتهى.
ثم إن الحج مطلقًا إما فرض عين أو فرض كفاية أو تطوع واستشكل تصويره. وأجيب: بأنه يتصور في العبيد والصبيان لأن الفرضين لا يتوجهان إليهما وبأن في حج من ليس عليه فرض عين جهتين جهة تطوع من حيث أنه ليس عليه فرض عين وجهة فرض كفاية من حيث إحياء الكعبة.
قال الزركشي: وفيه التزام السؤال إذ لم يخلص لنا حج تطوع على حدته وفي الأول التزامه بالنسبة للمكلفين ثم إنه لا يبعد وقوعه من غيرهم فرضًا ويسقط به فرض الكفاية عن المكلفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة انتهى.
واختلف هل هو على الفور أو على التراخي؟ فعند الشافعية على التراخي لأن الحج فرض سنة خمس كما جزم به الرافعي في كتاب الحج أو سنة ست كما صححه في السير، وتبعه عليه في الروضة ونقله في شرح المهذّب عن الأصحاب وعليه الجمهور لأنه نزل فيها قوله تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده ما أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عن علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي أنهم قرؤوا وأقيموا الحج، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهو يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد أخره صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشر من غير مانع فدلّ على التراخي، وإليه ذهب اللخمي وصاحب المقدمات والتلمساني من المالكية، وحكى ابن القصار عن مالك أنه على الفور، وتابعه العراقيون، وشهره صاحب الذخيرة وصاحب العدة وابن بزيزة، لكن القول بالتراخي مقيد بعدم
خوف الفوات.
والاستطاعة الزاد والراحلة كما فسره، صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد قول الشافعي: إنها بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك: بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين ثم إن اليهود حين أمروا بالحج قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى: ({ومن كفر}) أي جحد فريضة الحج ({فإن الله غني عن العالمين})[آل عمران: 97] فلا يضره كفرهم ولا ينفعه إيمانهم.
قال البيضاوي: وضع كفر موضع من لم يحج تأكيد الوجوب به وتغليطًا على تاركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:"من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيّا" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه ثانيًا فإنه كإيضاح بعد إبهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرًا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء عنه بالبرهان والأشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وأتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله انتهى.
وهذا أخذه من قول الزمخشري لكن عبارته: جعل ومن كفر عوضًا عن ومن لم يحج تغليطًا إلى آخر الحديث، واستشكله ابن المنير بأن تاركه لا يكفر بمجرد تركه فتعين حمله على تاركه جاحدًا لوجوبه فالكفر يرجع إلى الاعتقاد قال: والزمخشري سهل عليه ذلك لأنة يعتقد أن تارك الحج يخرج عن الإيمان ويخلد في النار، ويحتمل أن يكون قوله: ومن كفر استئناف وعيد للكافرين.
1513 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ
عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ". [الحديث 1513 - أطرافه في: 1854، 1855، 4399، 6228].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الفضل) اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فرواه ابن جريج كما في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة عنه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف عن الخثعمي قال: قلت: يا رسول الله إن أبي، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل. قال فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة انتهى.
قال في الفتح وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والفضل هو شقيق عبد الله أمهما أم الفضل لبابة الكبرى (رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم)، راكبًا خلفه على الدابة "فجاءت امرأة من خثعم" بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير منصرف. قال البرماي كالزركشي للعملية ووزن الفعل حي من بجيلة من قبائل اليمن، وتعقبه في المصابيح فقال: إن لم يحمل هذا على سبق قلم من المصنف أو الغلط من الناسخ فهو عجيب إذ ليس فيه وزن الفعل المعتبر عندهم، ولو قيل بأنه على وزن دحرج للزم منع صرف جعفر وهو باطل بالإجماع انتهى.
(فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه) وفي رواية شعيب الآتية في الاستئذان إن شاء الله تعالى، وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة وطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر) بكسر الشين وفتح الخاء (فقالت:) أي المرأة (يا رسول الله وإن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي) حال كونه (شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة) صفة لشيخًا أو حال متداخلة للتي قبلها أي وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير أو حصل له المال في هذه الحالة والأول أوجه كما قاله الطيبي. واختلفت طرق الأحاديث في السائل عن ذلك هل هو امرأة أو رجل وفي المسؤول عنه أيضًا أن يحج عنه هل هو أب أو أم أو أخ؟ فأكثر طرق الأحاديث الصحيحة دالة على أن السائل امرأة سألت عن