الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التطوع ليس بواجب فيلزم (فقال) الأعرابي (أخبرني) يا رسول الله (ما) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: بما (فرض الله عليّ من الصيام؟)(فقال): عليه الصلاة والسلام: فرض الله عليك (شهر رمضان) زاد في الإيمان فقال: هل عليّ غيره؟ فقال: لا. (إلا أن تطوع شيئًا فقال): الأعرابي (أخبرني ما فرض الله عليّ من الزكاة فقال): ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: قال: (فأخبره رسول الله) بشرائع الإسلام الشاملة لنصب الزكاة ومقاديرها والحج وأحكامه أو كان الحج لم يفرض أو لم يفرض على الأعرابي السائل وبهذا يزول الإشكال عن الإخبار بفلاحه لتناوله جميع الشرائع، وفي رواية غير أبي ذر وابن عساكر شرائع بحذف باء الجر والنصب على المفعولية. (قال) الأعرابي (و) الله (الذي أكرمك) زاد الكشميهني بالحق (لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح) أي ظفر وأدرك بغيته دنيا وأخرى (إن صدق. أو دخل الجنة)، ولأبي ذر أو أدخل الجنة (إن صدق). والشك من الراوي.
فإن قلت: مفهومه أنه إذا تطوع لا يفلح أو لا يدخل الجنة؟ أجيب: بأنه مفهوم مخالفة ولا عبرة به ومفهوم الموافقة مقدم عليه فإذا تطوّع يكون مفلحًا بالطريق الأولى.
وفي الحديث دلالة على أنه لا فرض في الصوم إلا رمضان وسبق في كتاب الإيمان كثير من مباحثه.
1892 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَاّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ". [الحديث 1892 - طرفاه في: 2000، 4501].
وبه قال (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال): (صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء)، بالمد ويقصر العاشر من المحرم أو هو التاسع منه مأخوذ من اظماء الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعًا وكذا باقيها على هذه النسبة فيكون التاسع عشرًا والأول هو الصحيح.
(وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك) صوم عاشوراء واستدل به الحنفية على أنه كان فرضًا ثم نسخ بفرض رمضان وهو وجه عند الشافعية والمشهور عندهم أنه لم يجب قط صوم قبل رمضان ويدل لذلك حديث معاوية مرفوعًا لم يكتب الله عليكم صيامه.
(وكان عبد الله) بن عمر راوي الحديث (لا يصومه) أي عاشوراء مخافة ظن وجوبه أو أن يعظم في الإسلام كالجاهلة وإلاّ فهو سنة كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى: (إلا أن يوافق صومه). الذي كان يعتاده فيصومه على عادته لا لتنفله بعاشوراء.
1893 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ".
وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري أبي رجاء واسم أبيه سويد (أن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء وبعد الألف كاف (حدثه أن عروة) بن الزبير بن العوّام (أخبره عن عائشة رضي الله عنها):
(أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية (ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) الناس (بصيامه) لما قدم المدينة وصامه معهم (حتى فرض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء فليصمه) أي عاشوراء ولأبي ذر عن الكشميهني فليصم بحذف ضمير المفعول (ومن شاء أفطر) بحذف الضمير ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أفطره بإثباته وقال: في بلفظ الأمر وفي الإفطار أفطر إشعارًا بأن جانب الصوم أرجح.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأخرجه النسائي في الحج والتفسير.
2 - باب فَضْلِ الصَّوْمِ
(باب فضل الصوم) اعلم أن الصوم لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين.
1894 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ. وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ -مَرَّتَيْنِ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» . [الحديث 1894 - أطرافه في: 1904، 5927، 7492، 7538].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال):
(الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وسترة قيل من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها وقيل من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات وعند الترمذي
وسعيد بن منصور جنة من النار ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها وزاد الدارمي بالغيبة وفيه تلازم الأمرين لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترًا له من النار (فلا يرفث) بالمثلثة وبتثليث الفاء أي لا يفحش الصائم في الكلام (ولا يجهل). أي لا يفعل فعل الجهال كالصياح والسخرية أو يسفه على أحد وعند سعيد بن منصور فلا يرفث ولا يجادل وهذا ممنوع في الجملة على الإطلاق لكنه يتأكد بالصوم كما لا يخفى (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه) قال عياض: قاتله أي دافعه ونازعه ويكون بمعنى شاتمه ولاعنه، وقد جاء القتل بمعنى اللعن وفي رواية أبي صالح فإن سابه أحد أو قاتله، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد أو ماراه يعني جادله، وقد استشكل ظاهره لأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين فإنه مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك.
وأجيب: بأن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها يعني إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته.
(فليقل) له بلسانه كما رجحه النووي في الأذكار أو بقلبه كما جزم به المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة (إني صائم مرتين) فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه وإلاّ دفعه بالأخف والظاهر كما قاله في المصابيح أن هذا القول علة لتأكيد المنع فكأنه يقول لخصمه إني صائم تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد الموجه على من انتهك حرمة الصائم وتذرع إلى تنقيص أجره بإيقاعه بالمشاتمة أو يذكر نفسه شديد المنبع المعلل بالصوم ويكون من إطلاق القول على الكلام النفسي، وظاهر كون الصوم جنّة أن يقي صاحبه من أن يؤذي كما يقيه أن يؤذى.
(و) الله (الذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم) بضم المعجمة واللام على الصحيح المشهور وضبطه بعضهم بفتح الخاء وخطاه الخطابي وقال في المجموع أنه لا يجوز أي تغير رائحة فم الصائم لخلاء معدته من الطعام (أطيب عند الله من ريح المسك)، وفي لفظ لمسلم والنسائي: أطيب عند الله يوم القيامة، وقد وقع خلاف بين ابن الصلاح وابن عبد السلام في أن طيب رائحة الخلوف هل هو في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط؟ فذهب ابن عبد السلام إلى أنه في الآخرة واستدلّ برواية مسلم والنسائي هذه.
وروى أبو الشيخ بإسناد فيه ضعف عن أنس مرفوعًا: يخرج الصائمون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك، وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدلّ بحديث جابر مرفوعًا: وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك واستشكل هذا من جهة أن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح الطيبة واستقذار الروائح الخبيثة فإن ذلك من صفات الحيوان.
وأجيب: بأنه مجاز واستعارة لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى. وقال ابن بطال: أي أزكى عند الله إذ هو تعالى لا يوصف بالشم. قال ابن المنير: لكنه يوصف بأنه تعالى عالم بهذا النوع من الإدراك وكذلك بقية المدركات المحسوسات يعلمها تعالى على ما هي عليه لأنه خالقها ألا يعلم من خلق وهذا مذهب الأشعري، وقيل إنه تعالى يجزيه في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك أو أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا.
فإن قلت: لم كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ودم الشهيد ريحه ريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح؟
أجيب: بأنه إنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد لأن الصوم أحد أركان الإسلام المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس وبأن الجهاد فرض كفاية والصوم فرض عين وفرض العين أفضل من فرض الكفاية كما نص عليه الشافعي.
وروى الإمام أحمد في السند أنه صلى الله عليه وسلم قال: دينار تنفقه على أهلك ودينار تنفقه في سبيل الله أفضلهما الذي تنفقه على أهلك. وجه الدليل أن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل الله وهو الجهاد الذي هو فرض كفاية، ولا يعارض هذا ما رواه أبو داود الطيالسي