الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجدع (عن عائشة
رضي الله عنها قالت): (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر) أي الأخير كما صرح به حديث علي عند ابن أبي شيبة من رمضان (شد مئزره) بكسر الميم وسكون الهمزة أي إزاره، ولمسلم جدّ وشد المئزر قيل هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة كما يقال: فلان يشد وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على الجد والعطف يقتضي التغاير، والصحيح أن المراد به اعتزاله للنساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم
…
عن النساء ولو باتت بأطهار
ويحتمل أن يراد الاعتزال والتشمير معًا فلا ينافي شد المئزر حقيقة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل النساء ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر. وعند ابن أبي عاصم بإسناد مقارب عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء. وفي حديث أنس عند الطبراني كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء.
(وأحيا ليله)، استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها أو أحيا معظمه لقولها في الصحيح: ما علمته قام ليلة حتى الصباح. وقوله: أحيا ليله من باب الاستعارة شبه القيام فيه بالحياة في حصول الانتفاع التام أي أحيا ليله بالطاعة أو أحيا نفسه بالسهر فيه لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن النائم إذا حيى باليقظة حيى ليله بحياته وهو نحو قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورًا أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور (وأيقظ أهله) أي للصلاة والعبادة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصوم وأبو داود في الصلاة وكذا النسائي وأخرجه ابن ماجة في الصوم.
بسم الله الرحمن الرحيم
33 - أبواب الاعتكاف
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(أبواب الاعتكاف) سقط لغير المستملي أبواب الاعتكاف وثبت له تأخير البسملة ولابن عساكر كتاب الاعتكاف بدل أبواب الاعتكاف.
1 - باب الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187].
(باب الاعتكاف في العشر الأواخر) أي من رمضان وهو لغة اللبث والحبس والملازمة على الشيء خيرًا أو شرًّا قال تعالى: ({وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ})[البقرة: 187] وقال سبحانه وتعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وشرعًا اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنيته (والاعتكاف) بالجر عطفًا على سابقه (في المساجد كلها) قيد بالمساجد إذ لا يصح في غيرها وجمع المساجد وأكدها بلفظ كلها ليعم جميعها خلافًا لمن خصه بالمساجد الثلاثة، ومن خصه بمسجد بني ومن خصه بمسجد تقام فيه الجمعة وهذا الأخير قول مالك في المدونة وهو مذهب الحنابلة. وقال في الإنصاف: لا يخلو المعتكف إما أن يأتي عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة وهو ممن تلزمه الصلاة أولاً. فإن لم يأت عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة فهذا يصح اعتكافه في كل مسجد، وإن أتى عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة لم يصح إلا في مسجد تصلّى فيه الجماعة على الصحيح من المذهب.
وعن أبي حنيفة لا يجوز إلا في مسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس لأن الاعتكاف عبارة عن انتظار الصلاة فلابد من اختصاصه بمسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس، والأول هو قول الشافعي في الجديد ومالك في الموطأ وهو المشهور من مذهبه، وبه قال محمد وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة لقوله تعالى:({ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد})[البقرة: 187] معتكفون فيها والمراد بالمباشرة الوطء لما تقدم من قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله: {فالآن باشروهن} [البقرة: 187] وقيل معناه ولا تلامسوهن بشهوة واستدلال المؤلّف بالآية على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد تعقب بأنه ربما يدعى دلالتها على أن الاعتكاف قد يكون في غير المسجد وإلا لم يكن للتقييد دلالة وأجيب بأنه لو لم يكن ذكر المساجد لبيان أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لزم اختصاص حرمة المباشرة
باعتكاف يكون في المسجد وهو باطل اتفاقًا لأن الوطء العمد مفسد للاعتكاف بل يحرم به التقبيل واللمس بشهوة بالشروط السابقة في الصوم فإذا أنزل معهما أفسده كالاستمناء بخلاف ما إذا لم ينزل معهما أو أنزل معهما وكانا بلا شهوة كما في الصوم وسبب نزول هذه الآية ما روي عن قتادة أن الرجل كان إذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك وكذا قاله الضحاك ومجاهد ({تلك حدود الله}) أي الأحكام التي ذكرت ({فلا تقربوها}) أي فلا تغشوها ({كذلك}) مثل ذلك التبيين ({يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون})[البقرة: 187] مخالفة الأوامر والنواهي ولفظ رواية أبوي الوقت وذر فلا تقربوها إلى آخر الآية وسقط لابن عساكر من قوله: {تلك حدود الله} إلى آخر قوله للناس.
2025 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ".
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (أن نافعًا) مولى ابن عمر (أخبره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال): (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر من رمضان) زاد من هذا الوجه قال نافع: وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد.
2026 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم) (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من
رمضان حتى توفاه الله تعالى) وفيه دليل على أنه لم ينسخ وأنه من السنن المؤكدة خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر. وروى أبو الشيخ ابن حيان من حديث الحسين بن عليّ مرفوعًا: اعتكاف عشر في رمضان بحجتين وعمرتين وهو ضعيف.
(ثم اعتكف أزواجه من بعده) فيه دليل على أن النساء كالرجال في الاعتكاف، وقد كان عليه السلام أذن لبعضهن وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد الإذن كما في الحديث الصحيح فلمعنى آخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بأبنيتهن. وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها.
2027 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ -وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ- قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ. فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن يزيد بن عبد الله بن الهاد) بغير ياء بعد الدال (عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان)، ذكره باعتبار لفظ العشر أو باعتبار الوقت أو الزمان، ورواه بعضهم الوسط بضم السين (فاعتكف عامًا)، مصدر عام إذا سبح يقال عام يعوم عومًا وعامًا فالإِنسان يعوم في دنياه على الأرض طول حياته حتى يأتيه الموت فيغرق فيها أي اعتكف في شهر رمضان في عام (حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين) بنصب ليلة في الفرع وغيره، وضبطه بعضهم بالرفع فاعلاً بكان التامة بمعنى ثبت ونحوه، والمراد حتى إذا كان استقبال ليلة إحدى وعشرين لأن المعتكف العشر الأوسط إنما يخرج قبل دخول ليلة الحادي والعشرين لأنها من العشر الأخير، وقد صرح به في رواية هشام في باب التماس ليلة القدر إنما كان في اليوم العشرين وقد مر تقريره هناك أيضًا (وهي الليلة التي يخرج صبيحتها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من صبيحتها (من اعتكافه قال) عليه الصلاة والسلام:
(من كان اعتكف معي) أي في العشر الأوسط (فليعتكف العشر الأواخر وقد)، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقد (أريت) بضم الهمزة (هذه الليلة) بالنصب مفعول به لا ظرف أي رأيت