الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأول ففي ثاني عشرة (حتى نزل) عليه الصلاة والسلام (المحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتين آخره موحدة موضع متسع بين مكة ومنى وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل لانهباطه وهو الأبطح وخيف بني كنانة وهو ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقابر منه. وفرق المحب الطبري بين الأبطح والبطحاء من حيث التذكير والتأنيث لا من حيث المكان فقال: والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى فإذا أردت الوادي قلت الأبطح وإذا أردت البقعة قلت البطحاء (ونزلنا معه) فيه (فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فقال):
(أخرج) بضم الراء (بأختك) عائشة (من الحرم) إلى أدنى الحل لتجمع في النسك بين أرض الحل والحرم كما يجمع الحاج بينهما (فلتهلّ بعمرة) أي مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعها الحيض منها. وقوله: فلتهلّ بسكون اللام وضم التاء من الإهلال وهو الإحرام ثم (افرغا) من العمرة وظاهره أن عبد الرحمن اعتمر مع أخته (ثم ائتيا هاهنا) أي المحصب (فإني أنظركما) بضم الظاء المعجمة بمعنى رواية أبي ذر عن الكشميهني انتظركما بزيادة مثناة فوقية من الانتظار كما في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13](حتى تأتياني) وفي بعض الأصول تأتيان بحذف الياء تخفيفًا وتخفيف النون وكسرة النون تدل على المحذوف. (قالت: فخرجنا) إلى التنعيم فأحرمنا بالعمرة (حتى إذا فرغت) منها (وفرغت) أيضًا (من الطواف) للوداع وحذف ذلك للعلم به فكل واحد من اللفظين مسلط على غير ما تسلط عليه الآخر، وهذا يرد على من زعم أن الراوي حرّف اللفظ أو غلط فيه وأن الأصل فرغت بلفظ الغائب تعني عائشة أخاها بدليل ما في أول الحديث أفرغا وما في آخره هل فرغتم.
وأجيب: بأنه ليس الذي في أوّله وآخره موجبًا لأن تقول فرغت وفرغ بل إنما عبرت عن حالها عن حاله، لكن قال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني أنه في بعضها فرغ بلفظ الغائب والله أعلم.
(ثم جئته بسحر) قبيل الفجر الصادق. قال الزركشي وغيره بفتح الراء أي من ذلك اليوم فلا ينصرف للعلمية والعدل نحو جئته يوم الجمعة سحر انتهى.
قال في المصابيح: حكى الرضى خلافًا في صرفه مع إرادة التعيين، لكن حكى أن القول المشهور كونه غير منصرف وتحقق العدل فيه هو أن كل لفظ جنس أطلق وأريد فرد معين من أفراده فلا بد فيه من لام العهد سواء صار علمًا بالغلبة كالصعق والنجم أو لا نحو:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أخذًا من استقراء لغتهم، فثبت في سحر بذلك عدل محقق. وقال أبو حيان: تعينه أن يراد من يوم بعينه سواء ذكرت ذلك اليوم معه كجئتك (يوم الجمعة سحر أو لم تذكره كجئتك سحر وأنت تريد ذلك من يوم بعينه)، وسواء عرّفت ذلك اليوم كما مرّ أو نكرته نحو: جئتك يومًا سحر.
(فقال): عليه الصلاة والسلام لهما ومن معهما ممن اعتمر: (هل فرغتم)؟ من العمرة؟ أو قال لهما فقط على قول أن أقل الجمع اثنان. قالت عائشة: (فقلت) ولأبي ذر وابن عساكر: قلت: (نعم)، فرغنا منها. (فآذن) بهمزة ممدودة فذال معجمة مفتوحة مخففة فنون أي أعلم (بالرحيل في أصحابه)، وقيل أذن بتشديد الذال من غير مدّ (فارتحل الناس، فمر) عليه الصلاة والسلام حال كونه (متوجهًا إلى المدينة) ولما كان في قوله لا يضيرك روايتان هذه والثانية فلا يضرك أشار بقوله (ضير) الأجوف اليائي إلى أن مصدر لا يضيرك ضير، وأشار إلى أن فيه لغتين: إحداهما أن يكون (من ضار يضير ضيرًا) من باب يبيع بيعًا، وأشار إلى الثانية بقوله:(ويقال ضار يضور ضورًا) من باب: قال يقول قولاً، وأشار إلى الرواية الثانية بقوله:(وضرّ يضر ضرًا) بفتح العين في الماضي وضمها في المستقبل، وهذه الجملة من قوله ضير الخ ساقطة في رواية أبي ذر.
وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والسماع والقول، ورواته الأوّلان بصريان والأخيران مدنيان، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا النسائي.
34 - باب التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
(باب التمتع) وهو تفعل من المتاع
وهو المنفعة وما تمتعت به يقال تمتعت بكذا واستمتعت به بمعنى والاسم منه المتعة وهي: أن يحرم من على مسافة القصر من حرم مكة بعمرة أوّلاً من ميقات بلده في أشهر الحج ثم يفرغ منها وينشئ حجًّا من مكة من عامها ولم يعد لميقات من المواقيت ولا
لمثله مسافة، وسمي تمتعًا لتمتع صاحبه بمحظورات الإحرام بينهما وخرج بالقيود المذكورة ما لو أحرم بالحج أوّلاً لقوله تعالى:{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} وما لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وإن وقع أعمالها في أشهره لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه الفرد، وما لو أحرم في أشهر الحج من الحرم ومن دون مسافة القصر لأنه من حاضري في المسجد الحرام، وقد قال تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وما لو أحرم بها من مسافة القصر فأكثر من الحرم ولم يحج من عامها أو حج من عامها وعاد قبل إحرامه به أو بعده وقبل التلبس بنسك إلى ميقات أو مثله مسافة ولو أقرب مما أحرم به بالعمرة وهذه القيود المذكورة إنما هي قيود للتمتع الموجب للدم لا في صدق اسم التمتع.
(والإقران) أن يجمع بينهما في إحرامه فتندرج أفعال العمرة في أفعال الحج أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، فلو أحرم بالحج أوّلاً ثم أدخل عليه العمرة لم يصح على أصح قولي الشافعي لأنه لا يستفيد به شيئًا بخلاف إدخاله الحج على العمرة يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت، ولأنه يمتنع إدخال الضعيف على القوي نعم صحح الإمام البلقيني في التدريب القول الآخر وجعله من أنواع القران فقال: والمختار جوازه لصحة ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم وقد قال: "خذوا مناسككم عني" قال ثم يمتد الجواز ما لم يشرع في طواف القدوم على الأرجح اهـ.
وقوله: الإقران كذا في رواية أبي ذر بالهمزة المكسورة قبل القاف الساكنة قال القاضي عياض: وهو خطأ من حيث اللغة، وقال السفاقسي: الإقران غير ظاهر لأن فعله ثلاثي وصوابه قرن. قال في التنقيح: لم يسمع في الحج أقرن ولا قرن في المصدر منه، وإنما هو قران مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما قال في المصابيح: أراد تخطئة البخاري لقصد المشاكلة بين الإقران والإفراد نحو: ارجعن مأزورات غير مأجورات اهـ.
ولأبي الوقت: والقران (والإفراد بالحج) بأن يحج ثم يعتمر أو يحرم بعمرة في غير أشهر الحج أو فيها على دون مسافة القصر من الحرم أو على مسافته منه ولم يحج عام العمرة أو يحج عامها ويعود إلى ميقات. نعم ما سوى الأولى تمتع لكن لا يوجب دمًا (وفسخ الحج) إلى العمرة أي قلبه عمرة بأن يحرم به ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا (لمن لم يكن معه هدي) وجوّزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: أنه خاص بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور.
ودليل التخصيص حديث الحرث بن بلال عن أبيه المروي عند أبي داود والنسائي وابن ماجة قال: قلت: يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل لكم خاصة) وأجاب القائلون بالأوّل بأن حديث الحرث بن بلال ضعيف، فإن الدارقطني قال: إنه تفرّد
به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عنه. وقال أحمد: إنه لا يثبت ولا نرويه عن الدراوردي ولا يصح حديث في الفسخ أنه كان لهم خاصة وساق في البخاري قال: شهدت عثمان وعليًّا رضي الله عنهما وعثمان ينهى عن المتعة أي عن فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة وقال: مرة حديث بلال لا أقول به لا نعرف هذا الرجل ولم يروه إلا الدراوردي، وأما الفسخ فرواه أحد وعشرون صحابيًا وأين يقع بلال بن الحرث منهم؟ وأجاب النووي بأنه لا معارضة بينه وبينهم حتى يرجح لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة والحرث يوافقهم وزاد زيادة لا تخالفهم.
1561 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُرَى إِلَاّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ. قَالَ: وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِي كِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلَاّ حَابِسَتَهُمْ. قَالَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ: لَا بَأْسَ، انْفِرِي. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن زيد (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت):
(خرجنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم) في أشهر الحج (ولا نرى) بضم النون أي لا نظن (إلا أنه الحج) قال الزركشي: يحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تهل ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد حكاية فعل غيرها من الصحابة فإنهم كانوا لا يعرفون إلا الحج ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره. اهـ.
وتعقبه الدماميني بأن الظاهر غير الاحتمالين المذكورين، وهو أن مرادها لا أظن أنا ولا غيري من الصحابة إلا أنه الحج فأحرمنا به هذا ظاهر اللفظ اهـ.
قلت: هذا ليس بظاهر لأن قولها: لا نرى إلا أنه الحج ليس صريحًا في إهلالها بالحج فليتأمل. نعم في رواية أبي الأسود عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى مهلين بالحج، ولمسلم: لبّينا بالحج وهذا ظاهره أنها مع غيرها من الصحابة كانوا أوّلاً محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها في هذا الباب: فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهلّ بحجة وعمرة ومنا من أهلّ بالحج، فيحمل الأوّل
على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتماد في أشهر الحج، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج. وأما عائشة نفسها فسيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب العمرة وفي حجة الوداع من المغازي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث قالت: وكنت ممن أهلّ بعمرة، وقد زعم إسماعيل القاضي وغيره أن الصواب رواية أبي الأسود والقاسم وعمرة عنها أنها أهلت بالحج مفردًا ونسب عروة إلى الغلط.
وأجيب: بأن قول عروة عنها أنها أهلت بعمرة صريح، وأما قول أبي الأسود وغيره عنها لا نرى إلا الحج صريحًا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما سبق من غير تغليط عروة وهو أعلم الناس بحديثها، وقد وافقه جابر بن عبد الله عند مسلم وطاوس ومجاهد عنها.
(فلما قدمنا) مكة (تطوّفنا بالبيت)، تعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غيرها لأنها لم تطف بالبيت ذلك الوقت لأجل حيضها، (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل) من الحج بعمل العمرة وياء يحل مضمومة من الإحلال والذي في اليونينية: بفتحها لا غير، والفاء في فأمر للتعقيب فيدل على أن أمره عليه الصلاة والسلام بذلك كان بعد الطواف، وسبق أن أمرهم به بسرف، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له فلا منافاة بينهما (فحل) بعمل العمرة (من لم يكن ساق الهدي) وهذا هو فسخ الحج المترجم به، وجوّزه أحمد وبعض أهل الظاهر وخصه الأئمة الثلاثة والجمهور بالصحابة في تلك السنة كما سبق. (ونساؤه) عليه الصلاة والسلام (لم يسقن) الهدي (فأحللن) وعائشة منهم لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولها مكة وكانت محرمة بعمرة وأدخلت عليها الحج فصارت قارنة كما مرّ.
(قالت عائشة رضي الله عنها: فحضت) بسرف (فلم أطف بالبيت) طواف العمرة لمانع الحيض وأما طواف الحج فقد قالت فيه كما مر ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت، (فلما كانت ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين أي ليلة المبيت بالمحصب (قالت يا رسول الله)، الأصل أن تقول قلت لكنه على طريق الالتفات (يرجع الناس بعمرة) منفردة عن حجة (وحجة) منفردة عن عمرة (وأرجع أنا بحجة) ليس لي عمرة منفردة عن حج حرصت نجذلك على تكثير الأفعال كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية وأحرموا بالحج يوم التروية من مكة فحصل لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، فأرادت عمرة مفردة كما حصل لبقية الناس، ولأبي الوقت من غير اليونينية: وأرجع أنا بالحجة وللكشميهني في بعض النسخ. وارجع لي بحجة. (قال): عليه الصلاة والسلام:
(وما طفت ليالي قدمنا مكة) قالت عائشة: (قلت لا: قال) عليه الصلاة والسلام (فاذهبي مع أخيك) عبد الرحمن (إلى التنعيم فأهليّ) أي أحرمي (بعمرة) أمرها بذلك تطييبًا لقلبها (ثم موعدك
كذا وكذا) في
الرواية السابقة في باب: قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} ثم ائتيا هاهنا أي المحصب (قالت صفية:) بنت حيي أم المؤمنين رضي الله عنها (ما أراني) بضم الهمزة أي ما أظن نفسي (إلا حابستهم.) بالنصب أي القوم عن المسير إلى المدينة لأني حضت ولم يطف بالبيت، فلعلهم بسببي يتوقفون إلى زمان طوافي بعد الطهارة، وإسناد الحبس إليها مجاز. وفي نسخة: حابستكم بكاف الخطاب وكانت صفية كما سيأتي إن شاء الله تعالى قد حاضت ليلة النفر فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله وذلك قبيل وقت النفر لا عقب الإفاضة. قالت عائشة: يا رسول الله إنها حائض.
(قال): عليه الصلاة والسلام (عقرا حلقا،) بفتح الأول وسكون الثاني فيهما وألفهما مقصورة للتأنيث فلا ينوّنان ويكتبان بالألف هكذا يرويه المحدثون حتى لا يكاد يعرف غيره وفيه خمسة أوجه.
أولها: إنهما وصفان لمؤنث بوزن فعلى أي عقرها الله في جسدها وحلقها أي أصابها وجع في حلقها أو حلق شعرها فهي معقرة محلوقة وهما مرفوعان خبرا المبتدأ محذوف أي هي.
ثانيها: كذلك إلا أنها بمعنى فاعل أي أنها تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها أي تستأصلهم فكأنه وصف من فعل متعدّ وهما مرفوعان أيضًا بتقدير هي وبه قال الزمخشري.
ثالثها: كذلك إلا أنه جمع كجريح وجرحى أي ويكون وصف المفرد بذلك مبالغة.
رابعها: أنه وصف فاعل لكن بمعنى لا تلد كعاقر وحلقى أي مشؤومة. قال الأصمعي: يقال أصبحت أمه حالقًا أي ثاكلاً.
خامسها: إنهما مصدران كدعوى والمعنى عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها كما سبق قاله في المحكم فيكون منصوبًا بحركة مقدّرة على قاعدة المقصور وليس بوصف.
وقال أبو عبيدة: الصواب عقرًا حلقًا بالتنوين فيهما. قيل له: لم لا يجوز فعلى؟ قال: لأن فعلى يجيء نعتًا ولم يجيء في الدعاء. وهذا دعاء. وقال في القاموس: عقرا وحلقا وينوّنان. وفي الصحاح وربما قالوا عقرا وحلقا بلا تنوين، وحاصله جواز الوجهين فالتنوين على أنه مصدر منصوب كسقيًا وتركه إما على أنه مصدر كما في المحكم أو وصف على بابه فيكون مرفوعًا كما مرّ، فالجملة على هذا خبرية وعلى ما قبله دعائية. وفي القاموس كالمحكم إطلاق العقرا على الحائض وكأن العقر بمعنى الجرح لما كان فيه سيلان دم سمي سيلان الدم بذلك، وعلى كل تقدير فليس المراد حقيقة ذلك لا في الدعاء ولا في الوصف بل هي كلمة اتسعت فيها العرب فتطلقها ولا تريد حقيقة معناها فهي كتربت يداه ونحو ذلك.
(أو ما طفت يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قالت): صفية (قلت: بلى) طفت (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا بأس، انفري). بكسر الفاء أي ارجعي واذهبي إذ طواف الوداع ساقط عن
الحائض. (قالت عائشة رضي الله عنها: فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم) بالمحصب (وهو مصعد) بضم أوله وكسر ثانيه أي مبتدئ السير (من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها) بالشك من الراوي والواو في وهو وأنا للحال.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي.
1562 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ".
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة الأسدي (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت):
(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة) فقط (ومنا من أهل بحجة وعمرة) جمع بينهما، ولأبي ذر: بحج وعمرة (ومنا من أهلّ بالحج) فقط وكانوا أوّلاً لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج. والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلبوه عمرة وهو معنى
فسخ الحج إلى العمرة. وأما عائشة رضي الله عنها فكانت أهلت بعمرة ولم تسق هديًا ثم أدخلت عليها الحج كما مرّ (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) مفردًا ثم أدخل عليه العمرة (فأما من أهلّ بالحج) فقط (أو جمع الحج والعمرة) كذا في اليونينية مرقوم على أو علامة السقوط لأبي الوقت (لم يحلوا) بفتح الياء في اليونينية، ولأبي الوقت: فلم يحلوا (حتى كان يوم النحر).
1563 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ "شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ، أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ". [الحديث 1563 - طرفه في: 1569].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدثني (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة المشدّدة المعروف ببندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بالمثناة الفوقية والموحدة مصغرًا الفقيه الكوفي (عن) زين العابدين (عليّ بن حسين) بضم الحاء (عن مروان بن الحكم) بفتحتين ابن أبي العاصي بن أمية بن عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان ولا يثبت له صحبة (قال: شهدت عثمان وعليًا رضي الله عنهما) بعسفان (وعثمان ينهى عن المتعة) بسكون التاء وفي اليونينية بفتحها أي عن فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن التمتع المشهور والنهي للتنزيه ترغيبًا في الإفراد (و) ينهى أيضًا نهي تنزيه (أن يجمع بينهما) بضم الياء وسكون الجيم وفتح الميم وضمير الاثنين في بينهما عائد على الحج والعمرة والواو في وأن للعطف فيكون النهي واقعًا على التمتع والقران.
وقوله في فتح الباري: ويحتمل أن تكون تفسيرية وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعًا. تعقبه في عمدة القارئ بأنه لا إجمال في المعطوف عليه حتى يقال إنها تفسيرية قال: وهو قد ردّ على نفسه كلامه بقوله: إن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعًا فإذا كان كذلك يكون عطف التمتع على المتعة وهو غير جائز انتهى.
(فلما رأى عليّ)، رضي الله عنه النهي الواقع من عثمان عن المتعة والقران (أهلّ بهما): أي بالحج والعمرة حال كونه قائلاً: (لبّيك بعمرة وحجة) وإنما فعل ذلك خشية أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع ذلك، ولم يخف على عثمان أن التمتع والقران جائزان وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر فكل مجتهد مأجور ولا يقال: إن هذه الواقعة دليل المسألة اتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف أهل العصر الأول وإن ذكره ابن الحاجب وغيره لأن نهي عثمان عنه إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، فلم يستقر الإجماع عليه لأن الحنفية يخالفون فيه، وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة فكذلك لأن الحنابلة يخالفون فيه على أن الظاهر كما مرّ أن عثمان ما كان يبطله وإنما كان يرى الإفراد أفضل منه. وفي رواية النسائي ما يشعر بأن عثمان رجع عن النهي ولفظه: نهى عثمان عن التمتع فلبى عليّ وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال له عليّ: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال: بلى.
وزاد مسلم هنا فقال عثمان: تراني أنهي الناس وأنت تفعله؟ (قال) عليّ: (ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد). وموضع الترجمة قوله أهلّ بهما.
1564 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ "كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ
اعْتَمَرْ. قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا) أي أهل الجاهلية (يرون) بفتح الياء أي يعتقدون. وقال فى المصابيح كالتنقيح وغيره بضمها أي يظنون (أن العمرة) أي الإحرام بها (في أشهر الحج) شوّال وذي القعدة وتسع من ذي الحجة وليلة النحر أو عشر أو ذي الحجة بكماله على الخلاف السابق (من أفجر الفجور) من باب: جدّ جدّه وشعر شاعر، والفجور الانبعاث في المعاصي فجر يفجر من باب نصر ينصر أي من أعظم الذنوب (في الأرض)، وهذا من مبتدعاتهم الباطلة التي لا أصل لها. وسقط حرف الجر في رواية أبي الوقت فأفجر نصب على المفعولية، ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن
عباس قال: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون فذكر نحوه. قال في الفتح: فعرف بهذا تعيين المعتمدين، (ويجعلون) أي يسمون (المحرّم صفرًا)، بالتنوين والألف كذا رأيته في ثلاثة أصول من فروع اليونينية لأنه مصروف. قال النووي كعياض بلا خلاف. نعم هو في بعض الأصول صفر بفتح الراء من غير ألف ولا تنوين وكذا هو في أصل الدمياطي الحافظ. وقال الحافظ ابن حجر: إنه كذلك في جميع الأصول من الصحيحين، وظاهره أنه لم يقف على اليونينية لكن رأيت خطه الكريم بالتبليغ على الفروع في غير ما موضع والله أعلم.
وقال النووي: كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبًا لأنه مصروف بلا خلاف انتهى. وهذا جار على لغة ربيعة لأنهم يكتبون المنصوب بغير ألف فلا يلزم منه أن لا يصرف فيقرأ بغير ألف، لكن حكى صاحب الحكم عن أبي عبيدة أنه كان لا يصرفه فقيل له لا يمتنع الصرف حتى تجتمع علتان فما هما؟ قال: المعرفة والساعة. وفسر المطرزي الساعة بالزمان لأن الأزمنة ساعات والساعات مؤنثة، والمعنى أنهم يجعلون صفرًا من الأشهر الحرم ولا يجعلون المحرم منها لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم ما اعتادوه من الغارة بعضهم على بعض فضللهم الله بذلك فقال:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37]، أي إنما تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر قال المفسرون: كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد ويحرمونه عامًا فيتركونه على حرمته. وقيل: إن أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم الحرم فأحلوه، ثم ينادي في القبائل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم الحرم فحرموه، وقيل القلمس واسمه حذيفة بن عبيد الكناني وقيل غير ذلك. وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة سمي أحدهما في الإسلام المحرم وقد سمي بذلك لإصفار مكة من
أهلها. وقال الفراء: لأنهم كانوا يخلون البيوت فيه لخروجهم إلى البلاد، وقيل كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرًا يسمونه صفرًا الثاني فتكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"السنة اثنتا عشر شهرًا" وكانوا يتطيرون ويرون أن الآفات فيه واقعة.
(ويقولون: إذا برأ) بفتح الموحدة والراء من غير همزة في اليونينية. وفي المصابيح كالتنقيح بالهمزة موافقة لكثير من الأصول أي أفاق (الدبر)، بفتح الدال المهملة والموحدة الجرح الذي يكون في ظهر الإبل من اصطكاك الأقتاب (وعفا الأثر)، أي ذهب أثر سير الحاج من الطريق وانمحى بعد رجوعهم بوقوع الأمطار وغيرها لطول الأيام أو ذهب أثر الدبر، ولأبي داود: وعفا الوبر بالواو أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال، (وانسلخ صفر) الذي هو المحرم في نفس الأمر وسموه صفرًا أي إذا انقضى وانفصل شهر صفر (حلت العمرة لمن اعتمر). بالسكون في الأربعة وذلك لأنهم لما جعلوا المحرم صفر ألزم منه أن تكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، والمحرم الذي سموه صفرًا آخر السنة وآخر أشهر الحج على طريق التبعية إذ لا يبرأ دبر إبلهم في أقل من هذه المدة، وهي ما بين أربعين يومًا إلى خمسين يومًا غالبًا، وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو الأصل صفر، والراء التي تواطأت عليها الفواصل في الدبر والثلاثة بعد ساكنة للسجع، ولو حركت فات الغرض المطلوب من السجع.
(قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي فقدم فأسقط فاء العطف في هذه الرواية وهي ثابتة عنده في أيام الجاهلية من رواية مسلم بن إبراهيم عن وهيب بن خالد كمسلم في صحيحه من طريق بهز بن أسد عن وهيب أيضًا (صبيحة) ليلة (رابعة) من ذي الحجة يوم الأحد حال كونهم (مهلين
بالحج) أي ملبين به كما فسر في رواية إبراهيم بن الحجاج ولفظه: وهم يلبون بالحج ولا يلزم من إهلاله عليه الصلاة والسلام بالحج أن لا يكون قارنًا فلا حجة فيه لمن قال: إنه عليه الصلاة والسلام كان مفردًا (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يجعلوها) أي يقلبوا الحجة (عمرة)، ويتحللوا بعملها فيصيروا متمتعين، وهذا الفسخ خاص بذاك الزمن خلافًا لأحمد كما مرّ غير مرة. (فتعاظم) وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر (ذلك) الاعتمار في أشهر الحج (عندهم) لما كانوا يعتقدونه أولاً من أن العمرة فيها من أفجر الفجور (فقالوا): بعد أن رجعوا عن اعتقادهم (يا رسول الله أي الحل؟) أي هل هو الحل العام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجماع أو حلّ خاص لأنهم كانوا محرمين بالحج؟ وكأنهم كانوا يعرفون أن له تحللين (قال): عليه الصلاة والسلام:
(حل كله) أي حل يحل فيه كل ما يحرم على المحرم حتى غشيان النساء، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد. وعند الطحاوي أي الحل يحل؟ قال: الحل كله.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في أيام الجاهلية، ومسلم في الحج وكذا النسائي.
1565 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: "قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي (عن طارق بن شهاب) البجلي (عن أبي موسى) الأشعري (رضي الله عنه قال):
(قدمت) من اليمن (على النبي) وهو بالبطحاء فقال: بما أهللت؟ قلت أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل معك من هدي؟ قلت: لا. (فأمره بالحل) هو على طريق الالتفات أو ذكره الراوي بالمعنى لا بحكاية لفظه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأمرني على الأصل، وقد أورده المؤلّف هنا مختصرًا: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أو فأمرني بالحل، وقد سبق عنده تامًا قبل بباب باللفظ الذي ذكرته هنا.
1566 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". [الحديث 1566 - أطرافه في: 1697، 1725، 4398، 5916].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أويس الأصبحي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام قال المؤلّف أيضًا (ح).
(وحدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (عن حفصة) رضي الله عنهم (زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت):
(يا رسول الله ما شأن الناس حلوا) من الحج (بعمرة) أي بعملها لأنهم فسخوا الحج إلى العمرة فكان إحرامهم بالعمرة سببًا لسرعة حلهم "ولم تحلل" بفتح أوله وكسر ثالثه (أنت من عمرتك؟) أي المضمومة إلى الحج فيكون قارنًا كما هو في أكثر الأحاديث. وحينئذ فلا تمسك به لمن قال إنه عليه الصلاة والسلام كان متمتعًا لكونه عليه الصلاة والسلام أقر على أنه كان محرمًا بعمرة لأن اللفظ محتمل للتمتع والقران، فتعين بقوله عليه الصلاة والسلام في رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين حتى أحل من الحج أنه كان قارنًا ولا يتجه القول بأنه كان متمتعًا لأنه لا جائز أن يقال: إنه استمر على العمرة خاصة ولم يحرم بالحج أصلاً لأنه يلزم منه أنه لم يحج تلك السنة وهذا لا يقاله أحد.
وقد روي عنه وأنه كان قارنًا سعيد بن المسيب كما في البخاري، وأنس في الصحيحين وعمران بن حصين في مسلم، وعمر بن الخطاب في البخاري، والبراء في سنن أبي داود، وعلي في
سنن النسائي، وسراقة وأبو طلحة عند أحمد، وأبو سعيد وقتادة عند الدارقطني، وابن أبي أوفى عند البزار والإفراد أي: وروى الإفراد ابن عمر وجابر في الصحيحين وابن عباس في مسلم، وجمع بين القولين بأنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج، فعمدة رواة الإفراد أول الإحرام وعمدة رواة القران آخره، وأما من روى أنه كان معتمرًا كابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعري وابن عباس في الصحيحين وعمران بن حصين في مسلم، فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد. ويؤيد ذلك أنه لم يعتمر في تلك السنة عمرة منفردة ولو جعلت حجته منفردة لكان غير معتمر في تلك السنة ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث. وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه في كتاب اختلاف
الحديث: معلوم في لغة العرب جوازًا إضافة الفعل إلى الأمر به كجواز إضافته إلى الفاعل كقولك: بنى فلان دارًا إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلانًا! إذا أمر بضربه، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا، وقطع سارق رداء صفوان وإنما أمر بذلك ومثله كثير في الكلام. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم القارن والمفرد والمتمتع وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن فعله، فجاز أن تضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على معنى أنه أمر بها وأذن فيها اهـ.
وقد أجمع العلماء كما قاله النووي وغيره على جواز الأنواع الثلاثة: الإفراد والتمتع والقران، واختلفوا في أيها أفضل بحسب اختلافهم فيما فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع. ومذهب الشافعية والمالكية أن الإفراد أفضل لأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولاً، ولأن رواته أخص به صلى الله عليه وسلم في هذه الحجة فإن منهم جابرًا وهو أحسنهم سياقًا لحجه عليه الصلاة والسلام، ومنهم ابن عمر وقد قال: كنت تحت ناقته عليه الصلاة والسلام يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج، وعائشة وقربها منه عليه الصلاة والسلام واطلاعها على باطن أمره وعلانيته كله معروف مع فقهها، وابن عباس وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب، ولأن الخلفاء الراشدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفردوا الحج وواظبوا عليه وما وقع في الاختلاف عن علي وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز، وإنما أدخل النبي-صلى الله عليه وسلم العمرة على الحج لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج، ثم إن الأفضل بعد الإفراد التمتع ثم القران. نعم القران أفضل من الإفراد للذي لا يعتمر في سنته عندنا، لكن صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران، واحتج لترجيح التمتع بأنه عليه الصلاة والسلام تمناه بقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة.
وأجاب الشافعية عن ذلك: بأن سببه أن من لم يكن معه هدي أمروا بجعلها عمرة فحصل لهم حزن حيث لم يكن معهم هدي فيوافقون النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء على الإحرام، فتأسف عليه الصلاة والسلام حينئذ على فوات موافقتهم تطييبًا لنفوسهم ورغبة فيما فيه موافقتهم لا أن التمتع دائمًا أفضل قال القاضي حسين: ولأن ظاهر هذا الحديث غير مراد بالإجماع لأن ظاهره أن سوق الهدي يمنع
انعقاد العمرة وقد انعقد الإجماع على خلافه. وقال أبو حنيفة: القران ثم التمتع ثم الإفراد واحتج لترجيح القران بما سبق من الأحاديث، وبقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وقالوا: إن الدم الذي على القارن ليس دم جبران بل هو دم عبادة والعبادة المتعلقة بالبدن والمال أفضل من المختصة بالبدن.
وأجاب أصحابنا عن أحاديث القرآن بأنها مؤولة، وبأن أحاديث الإفراد أكثر وأرجح وعن الآية الكريمة بأنه ليس فيها إلا الأمر بإتمامها ولا يلزم منه قرنهما في الفعل فهو كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وبأن الدم الذي على القارن دم جبران لا نسك لأن الصيام يقوم مقامه عند العجز، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية وعن أحمد فيما حكاه المروزي عنه: إن ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسقه فالتمتع أفضل وعن بعضهم فيما حكاه عياض أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة.
تنبيه:
قوله: حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك. رواه المؤلّف كذلك بزيادة قوله بعمرة عن إسماعيل بن أبي أويس وعبد الله بن يوسف عن مالك، وكذا رواه ابن وهب فيما ذكره ابن عبد البر، ورواه بدونها القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب ويحيى بن يحيى وغيرهم والمعنى واحد عند أهل العلم، ولم تختلف الرواة عن مالك في قوله: ولم تحلل أنت من عمرتك. وأما قول الأصيلي: إنه لم يقل أحد في هذا الحديث عن نافع ولم تحلل أنت من عمرتك إلا مالك وحده فتعقب بأنه رواها غير مالك عبيد الله بن عمر فيما رواه مسلم وابن ماجة، وكذا رواها أيوب السختياني، وهؤلاء هم حفاظ أصحاب نافع والحجة فيه على من خالفهم فزيادة مالك مقبولة لحفظه وإتقانه لو انفرد بها، فكيف
وقد تابعه من ذكرنا، نعم رواها البخاري من رواية عبيد الله بن عمر بدون قولها من عمرتك، ولفظ الشيخين فيها: فلا أحل حتى أحل من الحج، ورواه ابن جريج عن نافع فيما أخرجه مسلم فلم يقل من عمرتك، وأخرج البخاري مثلها من طريق موسى بن عقبة عن نافع، وذكر البيهقي رواية موسى بن عقبة ثم قال: وكذلك رواه شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولم يذكرا فيه العمرة، وفيه إشارة إلى الاختلاف في ذكر هذه اللفظة ففيه ميل لقول الأصيلي (قال): عليه الصلاة والسلام:
(إني لبدت رأسي) بفتح اللام والموحدة المشددة من التلبيد وهو أن يجعل المحرم برأسه شيئًا من نحو الصمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل، (وقلدت هديي)، وهو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم (فلا أحل) من إحرامي (حتى أنحر) الهدي، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه الهدي وأخبر أنه لا يحل حتى ينحر، وأجاب الجمهور عنه بأنه ليس العلة في ذلك سوق الهدي، وأنما السبب فيه إدخال العمرة على الحج، ويدل له قوله في رواية عبيد الله بن عمر
المذكورة: حتى أحل من الحج، وعبر عن الإحرام بالحج بسوق الهدي لأنه كان ملازمًا له في تلك الحجة فإنه قال لهم: من كان معه الهدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا، ولما كان عليه الصلاة الصلاة والسلام قد أدخل العمرة على الحج لم يفده الإحرام بالعمرة سرعة الإحلال لبقائه على الحج فشارك الصحابة في الإحرام بالعمرة وفارقهم ببقائه على الحج وفسخهم له، وليس التلبيد والتقليد من الحل ولا من عدمه وإنما هو لبيان أنه من أول الأمر مستعد لدوام إحرامه حتى يبلغ الهدي محله والتلبيد مشعر بمدّة طويلة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج واللباس والمغازي، ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
1567 -
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: "تَمَتَّعْتُ، فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي. قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ". [الحديث 1567 - طرفه في: 1688].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا أبو جمرة) بالجيم والراء المفتوحتين (نصر بن عمران) بفتح النون وسكون الصاد المهملة (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة (قال: تمتعت، فنهاني ناس)، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم وكان ذلك في زمن عبد الله بن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم، (فسألت ابن عباس رضي الله عنهما فأمرني)، أي أن استمر على التمتع (فرأيت في المنام كأن رجلاً يقول لي): هذا (حج مبرور) مقبول صفة لحج ولابن عساكر حجة مبرورة بالتأنيث فيهما (وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس) بما رأيته في المنام من قول الرجل حج مبرور وعمرة متقبلة (فقال:) لي هذه (سنة النبي صلى الله عليه وسلم) ويجوز نصب سنة وهي رواية غير أبي ذر بتقدير وافقت أو أتيت. وقال الزركشي على الاختصاص، قال الدماميني: لا وجه لجعل هذا من الاختصاص فتأمله والرفع لأبي ذر، (فقال لي) ابن عباس:(أقم عندي فأجعل) بالرفع ويجوز النصب بأن مقدرة وكلاهما في الفرع والجزم جوابًا للأمر، ولأبي ذر: واجعل بالواو والدالة على الحالية والنصب (لك سهمًا) نصيبًا (من مالي). قال المهلب: فيه أنه يجوز للعالم أخذ الأجر على العلم وفيه نظر إذ الظاهر أنه إنما عرض عليه ماله رغبة في الإحسان إليه لما ظهر أن عمله متقبل وحجه مبرور وإنما يتقبل الله من المتقين قاله في المصابيح.
(قال شعبة): بن الحجاج (فقلت): أي لأبي جمرة (لم)؟ استفهام عن سبب ذلك (فقال): أبو جمرة (للرؤيا) أي لأجل الرؤيا المذكورة (التي رأيت) بتاء المتكلم أي ليقص على الناس هذه الرؤيا المبينة لحال المتعة. قال المهلب: ففي هذا دليل على أن الرؤيا الصادقة شاهد على أمور اليقظة وفيه،
نظر لأن الرؤيا الحسنة من غير الأنبياء ينتفع بها في التأكيد لا في التأسيس والتجديد فلا يسوغ لأحد أن يسند فتياه إلى منام ولا يتلقى من غير الأدلة الشرعية حكمًا من الأحكام.
وموضع الترجمة قوله: تمتعت إلى قوله فأمرني وقد مرّ هذا الحديث في باب أداء الخمس من الإيمان وأخرجه المؤلّف أيضًا وكذا مسلم.
1568 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ "حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالاً حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. فَفَعَلُوا".
وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا أبو شهاب) الأكبر الحناط بفتح الحاء المهملة والنون المشددة موسى بن نافع الهذلي الكوفي (قال: قدمت) حال كوني (متمتعًا مكة بعمرة)، حال أيضًا أي متلبسًا بعمرة (فدخلنا قبل) يوم (التروية بثلاثة أيام فقال لي أناس من أهل مكة): لم أعرف أسماءهم (تصير الآن حجتك مكية)، قليلة الثواب لقلة مشقتها لأنه ينشئها من مكة فتفوته فضيلة الإحرام من الميقات، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصير الآن حجك مكيًا بالتذكير (فدخلت على عطاء) هو ابن أبي رباح (أستفتيه) هو من الأحوال المقدرة (فقال): أي عطاء (حدثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما أنه حج مع النبي) ولأبي ذر: رسول الله (صلى الله عليه وسلم ساق البدن معه) بضم الموحدة وسكون الدال المهملة وضمها وذلك في حجة الوداع (وقد أهلوا) أي الصحابة (بالحج مفردًا) بفتح الراء (فقال لهم): عليه الصلاة والسلام اجعلوا حجكم عمرة ثم:
(أحلوا من إحرامكم) بها (بطواف البيت و) السعي (بين الصفا والمروة وقصروا) لم يأمرهم بالحلق ليتوفر الشعر يوم الحلاق لأنهم يهلون بعد قليل بالحج لأن بين دخولهم مكة وبين يوم التروية أربعة أيام فقط (ثم أقيموا) حال كونكم (حلالاً) محلين (حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج) من مكة وهاء أهلوا مكسورة (واجعلوا) الحجة الفردة (التي قدمتم) مهلين (بها متعة)، بأن تتحللوا منها فتصيروا متمتعين وأطلق على العمرة متعة مجازًا والعلاقة بينهما ظاهرة. وقال النووي قوله: وقد أهلوا بالحج الخ فيه تقديم وتأخير تقديره وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إحرامكم عمرة وتحللوا بعمل العمرة وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة اهـ.
(فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال) صلى الله عليه وسلم: (افعلوا ما أمرتكم) به (فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم) به، وفيه استعمال لو في مثل هذا ولا تعارض بينه وبين حديث: لو تفتح عمل الشيطان لأن المراد بذلك باب: التلهف على أمور الدنيا لما فيه من عدم صورة التوكل وعدم نسبة الفعل للقضاء والقدر أما في القربات كهذا الحديث فهذا المعنى منتف فلا كراهة، (ولكن لا يحل) بكسر الحاء (مني) شيء (حرام) أي لا يحل مني ما حرم علي (حتى يبلغ الهدي محله) أي إذا نحر يوم منى (ففعلوا) ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم زاد المستملي والكشميهني هنا قال أبو عبد الله: أي البخاري أبو شهاب أي الأكبر ليس له حديث مسند يرويه مرفوعًا، أو ليس له مسند عن عطاء إلا هذا الحديث وهو طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد به مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، وفي هذه الطريق بيان زائد لصفة التحلل من العمرة ليس في الحديث الطويل.
1569 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ "اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَاّ أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قاَلَ: فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا حجاج بن محمد الأعور عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بسكون الميم في الأول وضمها في الثاني وتشديد الراء (عن سعيد بن المسيب قال):
(اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان) جملة حالية أي كائنان بعسفان بضم العين وسكون السين المهملتين وبالفاء وبعد الألف نون. قرية جامعة بينها وبين مكة ستة وثلاثون ميلاً (في المتعة فقال علي): لعثمان (ما تريد إلى أن تنهي) أي ما تريد إرادة منتهية إلى النهي أو ضمن الإرادة معنى الميل، وللكشميهني: إلا أن تنهى بحرف الاستثناء (عن أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم) صفة لقوله عن أمر والجملة حالية. قال ابن المسيب (فلما رأى ذلك) النهي (علي) رضي الله عنه (أهلّ بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا) وهذا هو القران.
قال في الكواكب فإن قلت: الاختلاف بينهما كان في التمتع وهذا قران فكيف يكون فعله مثبتًا لقوله نافيًا لقول صاحبه؟ وأجاب: بأن القران أيضًا نوع من التمتع لأنه يتمتع بما فيه من التخفيف أو كان القران كالتمتع عند عثمان بدليل ما تقدم حيث قال: وأن يجمع بينهما وكان حكمهما