المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٤

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابُ النَّفَقَةِ [

- ‌نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ]

- ‌[فصل نَفَقَةُ المطلقة]

- ‌[فَصْلٌ: نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كتاب العتق

- ‌[فصل من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]

- ‌[فصل من أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ]

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌[فصل الكِتَابة الفاسدة]

- ‌[فصل كاتب عبديه كتابة واحدة]

- ‌[فصل موت المكاتب قبل وفاء ديونه]

- ‌كِتَابُ الْوَلَاءِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

- ‌[فصل حُرُوفُ الْقَسَمِ وفيما يكون به اليمين]

- ‌[فصل في الْخُرُوجِ]

- ‌[فصل الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ]

- ‌فَصْلٌ [الْحِينُ وَالزَّمَانُ]

- ‌[فصل الْحلف على الطعام]

- ‌[فصل انعقاد اليمين]

- ‌[فصل الحنث في اليمين]

- ‌[فَصْلٌ في النذر]

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌[فصل حَدُّ الزِّنَا]

- ‌[فصل وَطْءُ الْجَارِيَةِ]

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فصل التعزير]

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فصل ما لا قطع فيه وما فيه قطع]

- ‌[فصل بيان محل القطع]

- ‌[فصل حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ]

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌[فصل موادعة أهل الحرب]

- ‌[فصل أمان الواحد]

- ‌[فصل فتح البلاد]

- ‌[فصل الغنيمة]

- ‌[فصل قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فصل ملك أهل الحرب]

- ‌[فصل الْجِزْيَةُ]

- ‌[فصل الْخَرَاجُ]

- ‌[فصل الْمُرْتَدُّ]

- ‌[فصل فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا]

- ‌[فصل الْخَوَارِجُ وَالْبُغَاةُ]

- ‌كِتَابُ الْكَرَاهَيَةِ

- ‌[فصل النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ]

- ‌[فصل اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مسائل مختلفة]

- ‌[فَصْلٌ فِي آداب للمؤمن ينبغي أن يحافظ عليها]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّبْقُ وَالرَّمْيُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْكَسْبِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الكسوة]

- ‌[فَصْلٌ فِي الكلام]

الفصل: وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ

وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَوَالَتْ أَوْ أَقَرَّتْ بِالْوَلَاءِ وَفِي يَدِهَا ابْنٌ صَغِيرٌ تَبِعَهَا (سم) فِي الْوَلَاءِ.

‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

يَتْبَعُونَهُ فِي النَّسَبِ فَكَذَا فِي الْوَلَاءِ، فَإِنْ أَسْلَمَ لَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ عَلَى يَدِ آخَرَ وَوَالَاهُ صَحَّ لِانْقِطَاعِ وَلَايَتِهِ عَنْهُ، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَالِي عَاقِلًا بَالِغًا حُرًّا حَتَّى لَا يَصِحَّ مُوَالَاةُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَجْنُونِ، وَلَوْ وَالَى الصَّبِيُّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوِ الْوَصِيِّ جَازَ وَالْوَلَاءُ لِلصَّبِيِّ، وَإِنْ وَالَى الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ جَازَ وَكَانَ وَكِيلًا عَنْ مَوْلَاهُ، وَيَقَعُ الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى، لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ وَالْعَبْدَ لَا، لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَاءِ الْعَقْلُ وَالْإِرْثُ وَالْعَبْدُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَوْلَى.

قَالَ: (وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَلَاءِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ الْأَعْلَى مُتَبَرِّعٌ بِالْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتَهِ، وَالْأَسْفَلُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِهِ خَلِيفَتَهُ فِي مَالِهِ، وَالتَّبَرُّعُ غَيْرُ لَازِمٍ مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْقَبْضُ أَوِ الْعِوَضُ كَالْهِبَةِ. وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ بِالْقَوْلِ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ وَبِالْفِعْلِ مَعَ غَيْبَتِهِ بِأَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ بِالْقَوْلِ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ لِأَنَّهُ عُزِلَ قَصْدًا وَبِالْفِعْلِ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ عُزِلَ حُكْمًا.

قَالَ: (فَإِنْ عَقَلَ عَنْهُ أَوْ عَنْ وَلَدِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِحُصُولِ الْعِوَضِ كَالْهِبَةِ، وَكَذَا إِذَا كَبُرَ أَحَدُ أَوْلَادِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ بَعْدَ مَا عَقَلَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ دَخَلَ فِي عَقْدِهِ وَوَلَائِهِ، قَالَ:(وَإِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَوَالَتْ أَوْ أَقَرَّتْ بِالْوَلَاءِ وَفِي يَدِهَا ابْنٌ صَغِيرٌ تَبِعَهَا فِي الْوَلَاءِ)، وَقَالَا: لَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهَا عَلَى مَالِهِ فَعَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، وَلَهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ عَلَيْهِ كَقَبْضِ الْهِبَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَالْيَمِينُ فِي اللُّغَةِ: الْقُوَّةُ، قَالَ تَعَالَى:{لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أَيْ بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ مِنَّا، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى:{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] أَيْ تَتَقَوَّوْنَ عَلَيْنَا، وَقَالَ:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاهَا عُرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَهِيَ الْجَارِحَةُ أَيْضًا.

وَهِيَ مُطْلَقُ الْحَلِفِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وقَوْله تَعَالَى:{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93] يَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ: أَيْ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ بِقُوَّتِهِ أَوْ بِحَلِفِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:{وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] .

وَفِي الشَّرْعِ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: الْقَسَمُ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِي تَعْظِيمَ الْمُقْسَمِ بِهِ، فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَفِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، لِأَنَّ فِيهَا الْحَلِفَ، وَفِيهَا مَعْنَى الْقُوَّةِ لِأَنَّهُمْ يُقَوُّونَ كَلَامَهُ وَيُوَثِّقُونَهُ بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَكَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَوْ تَعَاهَدُوا يَأْخُذُونَ

ص: 45

الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌّ: غَمُوسٌ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَلَغْوٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، فَنَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا وَمُنْعَقِدَةٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

بِالْيَمِينِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ.

الثَّانِي: الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ عَلَى وَجْهٍ يُنَزِّلُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ: إِنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهَذَا النَّوْعُ ثَبَتَ بِالِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَفِيهِ مَعْنَى الْقُوَّةِ وَالتَّوَثُّقِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْحَمْلِ عَلَى فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْمَنْعِ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ كَوْنَ الْفِعْلِ مَصْلَحَةً وَلَا يَفْعَلُهُ لِنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُ، وَيَعْلَمُ كَوْنَهُ مَفْسَدَةً وَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ لِمَيْلِهِ إِلَيْهِ وَغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ، فَاحْتَاجَ فِي تَأْكِيدِ عَزْمِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ إِلَى الْيَمِينِ، وَكَمَا أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى تَحْمِلُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ لِمَا يُلَازِمُهَا مِنَ الْإِثْمِ بِهَتْكِ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ وَالْكَفَّارَةِ، فَكَذَلِكَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ يَحْمِلُهُ وَيَمْنَعُهُ لِمَا يُلَازِمُهُ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الرَّقَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْمَنْعُ وَالْحَمْلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْيَمِينَيْنِ فَأَلْحَقْنَاهَا بِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى.

وَالْيَمِينُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْمُعَاهَدَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَوْكِيدًا وَتَوْثِيقًا لِلْقَوْلِ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّلَ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ: يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَلْعُونٌ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَحَلَّفَ بِهِ» ، وَقِيلَ إِنْ أُضِيفَ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُكْرَهُ وَإِلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ، وَهَذَا حَسَنٌ لِأَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِضَافَةِ إِلَى الْمَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، وَهِيَ مِنْ أَيْمَانِ السَّفَلَةِ.

قَالَ: (الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ: غَمُوسٌ، وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ فِيهَا الْكَذِبَ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا. وَلَغْوٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، فَنَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا. وَمُنْعَقِدَةٌ: وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ) فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْيَمِينَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهَا وَهِيَ الْأُولَى، أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ الثَّالِثَةُ، سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ نَاسِيًا، مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَمَّا الْغَمُوسُ فَلَيْسَتْ يَمِينًا حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهَذِهِ كَثِيرَةٌ فَلَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً، وَتَسْمِيَتُهَا يَمِينًا مَجَازٌ لِوُجُودِ صُورَةِ الْيَمِينِ. كَمَا نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحُرِّ، سَمَّاهُ بَيْعًا مَجَازًا، قَالُوا: وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلِهَذَا قُلْنَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَالْيَمِينُ عَلَى

ص: 46

وَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ وَمَنْعِ الْمَعَاصِي، وَنَوْعٌ يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَنَوْعٌ الْحِنْثُ فِيهِ خَيْرٌ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

الْمَاضِي مِثْلُ قَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، أَوْ وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَالْحَالُ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«خَمْسٌ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَبَهْتُ الْمُسْلِمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَذَكَرَهَا تَعْلِيمًا، أَوْ نَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهَا كَفَّارَةٌ لَمَا دَعَتِ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ اسْمٌ لِمَا يَسْتُرُ الذَّنْبَ فَتَرْفَعُ إِثْمَهُ وَعُقُوبَتَهُ كَغَيْرِهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ بِالْحَدِيثِ، وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ:{بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] وَالْعَقْدُ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَاضِي.

وَأَمَّا اللَّغْوُ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ الدَّارَ، أَوْ مَا كَلَّمْتُ زَيْدًا يَظُنُّهُ كَذَلِكَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ، وَيَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ إِنَّ الْمُقْبِلَ لَزَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] . وَحَكَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى نَفَى الْمُؤَاخَذَةَ قَطْعًا؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَسَّرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ: رَجَاءُ طَمَعٍ، وَرَجَاءُ تَوَاضُعٍ، فَجَازَ أَنَّ مَحَمَّدًا ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ. وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إِلَّا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ الْكَرْخِيُّ فَقَالَ: مَا كَانَ الْمَحْلُوفُ بِهِ هُوَ الَّذِي يُلْزِمُهُ بِالْحِنْثِ فَلَا لَغْوَ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَبَقِيَ قَوْلُهُ وَاللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَيَلْزَمُهُ.

(وَ) أَمَّا الْمُنْعَقِدَةُ (فَهِيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ وَمَنْعِ الْمَعَاصِي) لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَيَتَأَكَّدُ بِالْيَمِينِ، (وَنَوْعٌ يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ)، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ حَلَفَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنَ حَلَفَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» .

(وَنَوْعٌ الْحِنْثُ فِيهِ خَيْرٌ

ص: 47

مِنَ الْبِرِّ كَهِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ، وَنَوْعٌ هُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَحِفْظُ الْيَمِينِ فِيهِ أَوْلَى، وَإِذَا حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ: إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَوْ كَسَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مِنَ الْبِرِّ كَهِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ) ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَلِأَنَّ الْحِنْثَ يَنْجَبِرُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ.

(وَنَوْعٌ هُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَحِفْظُ الْيَمِينِ فِيهِ أَوْلَى)، قَالَ تَعَالَى:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] أَيْ: عَنِ الْحِنْثِ.

قَالَ: (وَإِذَا حَنِثَ) يَعْنِي فِي الْأَيْمَانِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] .

قَالَ: (إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَوْ كَسَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ)، قَالَ تَعَالَى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] خُيِّرَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا، ثُمَّ قَالَ:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] . قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ، وَقِرَاءَتُهُ مَشْهُورَةٌ فَكَانَتْ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، وَالْكَلَامُ فِي الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ مَرَّ فِي الظِّهَارِ.

وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُكْتَسَى بِهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا رَدُّ الْعُرْيِ، وَكُلُّ ثَوْبٍ يَصِيرُ بِهِ مُكْتَسِيًا يُسَمَّى كِسْوَةً وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا اخْتَارَ الْحَانِثُ الْكِسْوَةَ كَسَا عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكِسْوَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَدْنَاهُ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ فَلَا يَجُوزُ السَّرَاوِيلُ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا عُرْفًا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: أَدْنَاهُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَجُوزُ الْخُفُّ وَلَا الْقَلَنْسُوَةُ لِأَنَّ لَابِسَهُمَا لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ، وَقِيلَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَقَمِيصٌ، وَقِيلَ كِسَاءٌ وَقِيلَ مِلْحَفَةٌ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْإِزَارُ إِنْ كَانَ يَتَوَشَّحُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ دُونَ الْبَدَنِ لَا يَجُوزُ كَالسَّرَاوِيلِ. وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعِمَامَةِ إِنْ كَانَتْ سَابِغَةً قَدْرَ الْإِزَارِ السَّابِغِ أَوْ مَا يُقْطَعُ مِنْهُ قَمِيصٌ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا لَا يَجْزِيهِ فِي الْكِسْوَةِ يَجْزِيهِ عَنِ الْإِطْعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إِذَا نَوَاهُ.

وَلَا تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ إِلَّا بِفِعْلٍ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنِ الْعَيْنِ لِيَكُونَ زَاجِرًا وَرَادِعًا لَهُ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّمْلِيكِ، وَلَوْ أَعَارَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنِ الْعَيْنِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ حَيْثُ يَجُوزُ فِيهِ الْإِبَاحَةُ، لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنِ الطَّعَامِ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا يَزُولُ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ جَازَ، وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أَوْ عُقُوبَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَذَلِكَ بِالْإِذْنِ لِيَنْتَقِلَ فِعْلُهُ إِلَيْهِ.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «

ص: 48