المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌ بَابُ النَّفَقَةِ [

- ‌نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ]

- ‌[فصل نَفَقَةُ المطلقة]

- ‌[فَصْلٌ: نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كتاب العتق

- ‌[فصل من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]

- ‌[فصل من أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ]

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌[فصل الكِتَابة الفاسدة]

- ‌[فصل كاتب عبديه كتابة واحدة]

- ‌[فصل موت المكاتب قبل وفاء ديونه]

- ‌كِتَابُ الْوَلَاءِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

- ‌[فصل حُرُوفُ الْقَسَمِ وفيما يكون به اليمين]

- ‌[فصل في الْخُرُوجِ]

- ‌[فصل الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ]

- ‌فَصْلٌ [الْحِينُ وَالزَّمَانُ]

- ‌[فصل الْحلف على الطعام]

- ‌[فصل انعقاد اليمين]

- ‌[فصل الحنث في اليمين]

- ‌[فَصْلٌ في النذر]

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌[فصل حَدُّ الزِّنَا]

- ‌[فصل وَطْءُ الْجَارِيَةِ]

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فصل التعزير]

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فصل ما لا قطع فيه وما فيه قطع]

- ‌[فصل بيان محل القطع]

- ‌[فصل حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ]

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌[فصل موادعة أهل الحرب]

- ‌[فصل أمان الواحد]

- ‌[فصل فتح البلاد]

- ‌[فصل الغنيمة]

- ‌[فصل قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فصل ملك أهل الحرب]

- ‌[فصل الْجِزْيَةُ]

- ‌[فصل الْخَرَاجُ]

- ‌[فصل الْمُرْتَدُّ]

- ‌[فصل فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا]

- ‌[فصل الْخَوَارِجُ وَالْبُغَاةُ]

- ‌كِتَابُ الْكَرَاهَيَةِ

- ‌[فصل النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ]

- ‌[فصل اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مسائل مختلفة]

- ‌[فَصْلٌ فِي آداب للمؤمن ينبغي أن يحافظ عليها]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّبْقُ وَالرَّمْيُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْكَسْبِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الكسوة]

- ‌[فَصْلٌ فِي الكلام]

الفصل: ‌فصل: في الكسب

‌فَصْلٌ: فِي الْكَسْبِ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

لِلْعَرْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ يَغُرُّ بِالْمُشْتَرِي. وَفِي الْحَدِيثِ: «تُضْرَبُ الدَّابَّةُ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ» فَإِنَّ الْعِثَارَ يَكُونُ مِنْ سُوءِ إِمْسَاكِ الرَّاكِبِ اللِّجَامَ؛ وَالنِّفَارُ مِنْ سُوءِ خُلُقِ الدَّابَّةِ فَتُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: لَا تَخْصِيَنَّ فَرَسًا وَلَا تُجْرِيَنَّ فَرَسًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ صَهِيلَ الْفَرَسِ يُرْهِبُ الْعَدُوَّ، وَالْخَصْيُ يَمْنَعُهُ لَا أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَيَجُوزُ شِرَاءُ الْخَصِيِّ مِنَ الْخَيْلِ وَرُكُوبُهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ وَمَعْنَى النَّهْيِ الثَّانِي إِجْرَاءُ الْفَرْسِ فَوْقَ مَا يَحْتَمِلُهُ.

[فَصْلٌ فِي الكسب]

ِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ، وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» أَيِ الْفَرِيضَةُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ إِلَى إِقَامَةِ الْفَرْضِ إِلَّا بِهِ فَكَانَ فَرْضًا لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ إِلَّا بِقُوَّةِ بَدَنِهِ، وَقُوَّةُ بَدَنِهِ بِالْقُوتِ عَادَةً وَخِلْقَةً. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ} [الأنبياء: 8] وَتَحْصِيلُ الْقُوتِ بِالْكَسْبِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الطَّهَارَةِ إِلَى آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَالْآنِيَةِ، وَيَحْتَاجُ فِي الصَّلَاةِ إِلَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِالِاكْتِسَابِ وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا يَكْتَسِبُونَ، فَآدَمُ زَرَعَ الْحِنْطَةَ وَسَقَاهَا وَحَصَدَهَا وَدَاسَهَا وَطَحَنَهَا وَعَجَنَهَا وَخَبَزَهَا وَأَكَلَهَا؛ وَنُوحٌ كَانَ نَجَّارًا، وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ بَزَّازًا، وَدَاوُدُ كَانَ يَصْنَعُ الدُّرُوعَ، وَسُلَيْمَانُ كَانَ يَصْنَعُ الْمَكَاتِلَ مِنَ الْخُوصِ، وَزَكَرِيَّا كَانَ نَجَّارًا، وَنَبِيُّنَا رَعَى الْغَنَمَ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بَزَّازًا، وَعُمَرُ يَعْمَلُ فِي الْأَدِيمِ، وَعُثْمَانُ كَانَ تَاجِرًا يَجْلِبُ الطَّعَامَ فَيَبِيعُهُ، وَعَلِيٌّ كَانَ يَكْتَسِبُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ.

وَلَا تَلْتَفِتُ إِلَى جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَقَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ أَعْيُنُهُمْ طَامِحَةٌ وَأَيْدِيهِمْ مَادَّةٌ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمُ الْمُتَوَكِّلَةَ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ، يَتَمَسَّكُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22](22)) وَهُمْ بِمَعْنَاهُ وَتَأْوِيلِهِ جَاهِلُونَ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَطَرُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ إِنْبَاتِ الرِّزْقِ، وَلَوْ كَانَ الرِّزْقُ يَنْزِلُ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ لَمَا أُمِرْنَا بِالِاكْتِسَابِ وَالسَّعْيِ فِي الْأَسْبَابِ، قَالَ تَعَالَى:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15] ؛ وَقَالَ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] .

ص: 170

وَأَفْضَلُ أَسْبَابِ الْكَسْبِ: الْجِهَادُ ثُمَّ التِّجَارَةُ ثُمَ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا عَبْدِي حَرِّكْ يَدَكَ أُنْزِلْ عَلَيْكَ الرِّزْقَ» ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25](25)) وَكَانَ تَعَالَى قَادِرًا أَنْ يَرْزُقَهَا مِنْ غَيْرِ هَزٍّ مِنْهَا، لَكِنْ أَمَرَهَا لِيُعَلِّمَ الْعِبَادَ أَنْ لَا يَتْرُكُوا اكْتِسَابَ الْأَسْبَابِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ وَنَظِيرُ هَذَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى خَلْقِهِ لَا مَنْ سَبَبٍ وَلَا فِي سَبَبٍ كَآدَمَ عليه السلام، وَيَخْلُقُ مِنْ سَبَبٍ لَا فِي سَبَبٍ كَحَوَّاءَ، وَقَدْ يَخْلُقُ فِي سَبَبٍ لَا مَنْ سَبَبٍ كَعِيسَى، وَقَدْ يَخْلُقُ مَنْ سَبَبٍ فِي سَبَبٍ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ؛ فَطَلَبُ الْعَبْدِ الْوَلَدَ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْخَالِقِ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، فَكَذَلِكَ طَلَبُهُ الرِّزْقَ بِأَسْبَابِهِ لَا يَنْفِي كَوْنَ الرَّازِقِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ مُتَوَافِرَةٌ، وَكِتَابُنَا هَذَا يَضِيقُ عَنِ اسْتِيعَابِهَا، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ وَمَقْنَعٌ.

وَطَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ» . وَهُوَ أَقْسَامٌ: فَرْضٌ، وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ؛ وَمُسْتَحَبٌّ وَقُرْبَةٌ كَتَعْلِيمِ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِيُعَلِّمَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ كَالْفَقِيرِ يَتَعَلَّمُ أَحْكَامَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ لِيُعَلِّمَهَا مَنْ وَجَبَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ تَعَلُّمُ الْفَضَائِلِ وَالسُّنَنِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسُنَّةِ الْخِتَانِ وَنَحْوِهَا، وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَالْكَمَالِ؛ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ التَّعَلُّمُ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ؛ وَلِذَلِكَ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةَ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَالتَّعْلِيمُ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ أَيْضًا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» ، حَتَّى قَالُوا: يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُعَلِّمَ عَبْدَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَيَفْتَرِضُ الْعُلَمَاءُ تَعْلِيمَهُ إِلَى أَنْ يَفْهَمَ الْمُتَعَلِّمُ وَيَحْفَظَهُ وَيَضْبِطَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ إِلَّا بِالْحِفْظِ.

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَا يُسْأَلُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُجِيبُ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ، لِأَنَّ الْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

قَالَ: (وَأَفْضَلُ أَسْبَابِ الْكَسْبِ الْجِهَادُ) لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ حُصُولِ الْكَسْبِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ التِّجَارَةُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام حَثَّ عَلَيْهَا فَقَالَ: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» ؛ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّاجِرَ الصَّدُوقَ» .

(ثُمَّ الزِّرَاعَةُ) وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَمُ عليه السلام، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ» ، وَقَالَ:«اطْلُبُوا الرِّزْقَ تَحْتَ خَبَايَا الْأَرْضِ» (ثُمَّ الصِّنَاعَةُ) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَرَّضَ عَلَيْهَا فَقَالَ: «الْحِرْفَةُ أَمَانٌ

ص: 171

ثُمَّ هُوَ فَرْضٌ، وَهُوَ الْكَسْبُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَاسِيَ بِهِ فَقِيرًا، أَوْ يُجَازِيَ بِهِ قَرِيبًا وَمُبَاحٌ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّنَعُّمِ وَمَكُرُوهٌ، وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ وَالْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حِلٍّ.

أَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى مَرَاتِبَ: فَرْضٌ، وَهُوَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مِنَ الْفَقْرِ» ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الزَّرْعَ عَلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَا زَرَعَ أَوْ غَرَسَ مُسْلِمٌ شَجَرَةً فَتَنَاوَلَ مِنْهَا إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ طَيْرٌ إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» .

(ثُمَّ هُوَ) أَنْوَاعٌ: (فَرْضٌ، وَهُوَ الْكَسْبُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ إِلَى إِقَامَةِ الْفَرْضِ إِلَّا بِهِ، وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَنَفَقَةُ مَنْ يُجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ تَرَكَ الِاكْتِسَابِ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافَى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» وَإِنِ اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً.

(وَمُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِيُوَاسِيَ بِهِ فَقِيرًا، أَوْ يُجَازِيَ بِهِ قَرِيبًا) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّفْلِ تَخُصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْكَسْبِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«خَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ» ؛ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «تَبَاهَتِ الْعِبَادَاتُ فَقَالَتِ الصَّدَقَةُ أَنَا أَفْضَلُهَا» ؛ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ عِيَالُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» .

(وَمُبَاحٌ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّنَعُّمِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا مُتَعَفِّفًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» .

(وَمَكْرُوهٌ، وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكَاثُرِ وَالْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حِلٍّ)، فَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا مُفَاخِرًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بَنِي آدَمَ خَلْقًا لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ، وَكُلٌّ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إِلَى: مُبَاحٍ وَمَحْظُورٍ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَا أُبَيِّنُهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.

(أَمَّا الْأَكْلُ فَعَلَى مَرَاتِبَ: فَرْضٌ، وَهُوَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ) لِأَنَّهُ لِإِبْقَاءِ الْبِنْيَةِ، إِذْ لَا بَقَاءَ لَهَا بِدُونِهِ وَبِهِ يُتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا مَرَّ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ اللَّهَ لِيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةَ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إِلَى فِيهِ» . فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى، لِأَنَّ فِيهِ إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ.

قَالَ (وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ)

ص: 172

وَمُبَاحٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الشِّبَعِ لِتَزْدَادَ قُوَّةُ الْبَدَنِ؛ وَحَرَامٌ، وَهُوَ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ إِلَّا إِذَا قَصَدَ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ؛ وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ عليه الصلاة والسلام: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» . وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ. وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ إِشَارَةً إِلَى مَا قُلْنَا.

قَالَ: (وَمُبَاحٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الشِّبَعِ لِتَزْدَادَ قُوَّةُ الْبَدَنِ) وَلَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ، وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا إِنْ كَانَ مِنْ حِلٍّ، فَقَدْ رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتُحَاسَبُونَ فِي هَذَا) فَرَفَعَهُ عُمَرُ وَرَفَضَهُ وَقَالَ: أَفِي هَذَا نُحَاسَبُ؛ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إِي وَاللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَتُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالْمَاءِ الْحَارِّ إِلَّا خِرْقَةً تَسْتُرُ بِهَا عَوْرَتَكَ، وَكِسْرَةَ خُبْزٍ تَرُدُّ بِهَا جَوْعَتَكَ، وَشَرْبَةَ مَاءٍ تُطِفِئُ بِهَا عَطَشَكَ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «يَكْفِي ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» .

قَالَ: (وَحَرَامٌ، وَهُوَ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ) لِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَإِمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ وَلِأَنَّهُ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ؛ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً أَشَّرَ مِنَ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» . وَتَجَشَّأَ رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «نَحِّ عَنَّا جُشَاكَ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا» . وَقِيلَ لِعُمْرَ: أَلَا تَتَّخِذُ جَوَارِشَ؛ فَقَالَ: وَمَا يَكُونُ الْجَوَارِشُ؛ قَالُوا: هَاضُومًا يَهْضِمُ الطَّعَامَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ يَأْكَلُ الْمُسْلِمُ فَوْقَ الشِّبَعِ؟ .

قَالَ: (إِلَّا إِذَا قَصَدَ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ) لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً (أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ) لِأَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ وَالضَّيْفُ لَمْ يَشْبَعْ رُبَّمَا اسْتَحَى فَلَا يَأْكُلُ حَيَاءً وَخَجَلًا، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فَوْقَ الشِّبَعِ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّنْ أَسَاءَ الْقِرَى وَهُوَ مَذْمُومٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.

قَالَ: (وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ) . قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ نَفْسَكَ مَطِيَّتُكَ فَارْفُقْ بِهَا» . وَلَيْسَ مِنَ الرِّفْقِ أَنْ يُجِيعَهَا وَيُذِيبَهَا، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مَا يُفْضِي إِلَيْهِ، فَأَمَّا تَجْوِيعُ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ وَفِيهِ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَبِهِ يَصِيرُ الطَّعَامُ مُشْتَهًى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إِهْلَاكٌ لِلنَّفْسِ؛ وَكَذَا الشَّابُّ الَّذِي يَخَافُ الشَّبَقَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْأَكْلِ لِيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ بِالْجُوعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» .

قَالَ: (وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْمَيِّتَةِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ،

ص: 173

أَوْ صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ؛ وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي حَتَى مَاتَ لَمْ يَأْثَمْ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَكُّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، وَاتِّخَاذُ أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَالْبَاجَاتِ وَوَضْعُ الْخُبْزِ عَلَى الْمَائِدَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ سَرَفٌ، وَوَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ، وَمَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِينِ بِهِ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمِلْحُ عَلَى الْخُبْزِ، وَسُنَنُ الطَّعَامِ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهِ، وَالْحَمْدَلَةُ فِي آخِرِهِ

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ صَامَ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ إِلَّا بِأَكْلٍ، وَالْمَيْتَةُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ إِمَّا حَلَالٌ أَوْ مَرْفُوعُ الْإِثْمِ فَلَا يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إِذَا تَعَيَّنَ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِذَا كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَمَا ظَنُّكَ بِتَرْكِ الذَّبِيحَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَلَالَاتِ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا.

قَالَ: (وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ لَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ لَا يَقِينَ بِأَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَشْفِيهِ وَلَعَلَّهُ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ.

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالتَّفَكُّهِ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] . قَالَ: (وَتَرْكُهُ أَفْضَلٌ) لِئَلَّا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ، وَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] .

قَالَ: (وَاتِّخَاذُ أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَالْبَاجَاتِ، وَوَضْعُ الْخُبْزِ عَلَى الْمَائِدَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْحَاجَةِ سَرَفٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام عَدَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْأَضْيَافَ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ حَتَّى يَأْتُوا عَلَى آخِرِهِ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً. وَمِنِ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ، أَوْ يَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْهُ وَيَتْرُكَ الْبَاقِي لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ تَجَبُّرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَتَنَاوَلُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا إِذَا اخْتَارَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ.

قَالَ: (وَوَضْعُ الْمَمْلَحَةِ عَلَى الْخُبْزِ، وَمَسْحُ الْأَصَابِعِ وَالسِّكِّينِ بِهِ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمِلْحُ عَلَى الْخُبْزِ) لِأَنَّ غَيْرَهُ يَسْتَقْذِرُ ذَلِكَ وَفِيهِ إِهَانَةٌ بِالْخُبْزِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِكْرَامِهِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ فَإِنَّهَ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» ؛ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَا اسْتَخَفَّ قَوْمٌ بِالْخُبْزِ إِلَّا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ» . وَمِنْ إِكْرَامِ الْخُبْزِ أَنْ لَا يَنْتَظِرُوا الْإِدَامَ إِذَا حَضَرَ. وَمِنَ الْإِسْرَافِ إِذَا سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ لُقْمَةٌ أَنْ يَتْرُكَهَا. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَلْقِ عَنْهَا الْأَذَى ثُمَّ كُلْهَا» .

قَالَ: (وَسُنَنُ الطَّعَامِ: الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهِ وَالْحَمْدَلَةُ فِي آخِرِهِ)، فَإِنْ نَسِيَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ إِذَا ذَكَرَ: بِاسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ، وَهُوَ شُكْرُ الْمُؤْمِنِ إِذَا رُزِقَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى مِنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا قُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدَ اللَّهَ فِي آخِرِهِ» .

ص: 174

وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إِلَى الْبُيُوتِ، وَاتِّخَاذُهَا مِنَ الْخَزَفِ أَفْضَلُ، وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ حَتَّى عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْقُوتِ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَزِمَهُ السُّؤَالُ، فَإِنْ تَرَكَ السُّؤَالَ حَتَى مَاتَ أَثِمَ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ) ؛ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «الْوُضُوءُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» . وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَالْأَدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ، وَلَا يَمْسَحَ يَدَهُ قَبْلَ الطَّعَامِ بِالْمَنْدِيلِ لِيَكُونَ أَثَرُ الْغَسْلِ بَاقِيًا وَقْتَ الْأَكْلِ، وَيَمْسَحَهَا بَعْدَهُ لِيَزُولَ أَثَرُ الطَّعَامِ بِالْكُلِّيَّةِ.

قَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إِلَى الْبُيُوتِ) لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ وَقَدْ نُهِينَ عَنِ الْخُرُوجِ، قَالَ تَعَالَى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ذَلِكَ كَسَائِرِ حَاجَاتِهَا.

قَالَ: (وَاتِّخَاذُهَا مِنَ الْخَزَفِ أَفْضَلُ) إِذْ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا مَخْيَلَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنِ اتَّخَذَ أَوَانِيَ بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» ، وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ أَدَمٍ، وَلَا يَجُوزُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَا مَرَّ.

قَالَ: (وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَلَا يَتَكَلَّفُ لِتَحْصِيلِ جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ، وَلَا يَمْنَعُهُمْ جَمِيعَهَا وَيَتَوَسَّطُ، قَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67](67)) وَلَا يَسْتَدِيمُ الشِّبَعَ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا» .

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْإِفْسَادُ لِمَا اكْتَسَبَهُ وَالسَّرَفُ وَالْمَخْيَلَةُ فِيهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ} [القصص: 77] وَقَالَ: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205](205)) وَقَالَ: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141](31)) وَقَالَ: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26]{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] .

قَالَ: (وَمَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ حَتَّى عَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْقُوتِ فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنِ الْهَلَاكِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَا آمَنَ بِاللَّهِ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ طَاوٍ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ ضَيَاعًا بَيْنَ أَقْوَامٍ أَغْنِيَاءَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ» وَإِنْ أَطْعَمَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَكَذَا إِذَا رَأَى لَقِيطًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ أَعْمَى كَادَ أَنْ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ وَصَارَ هَذَا كَإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ.

قَالَ: (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ) لِمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لَزِمَهُ السُّؤَالُ) فَإِنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«السُّؤَالُ آخِرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» ، (فَإِنْ تَرَكَ السُّؤَالَ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَإِنَّ السُّؤَالَ يُوصِلُهُ إِلَى مَا يُقَوِّمُ بِهِ نَفْسَهُ

ص: 175

وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ، وَيُكْرَهُ إِعْطَاءُ سُؤَّالِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَطَّى النَّاسَ وَلَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ لَا يُكْرَهُ؛ وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ، وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا؛ وَمَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ لَا يُجِيبُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْكَسْبِ، وَلَا ذُلَّ فِي السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى وَصَاحِبِهِ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا. «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: " هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ فَآكُلَهُ؟» .

قَالَ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّا يَسْأَلُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ خُدُوشٌ أَوْ خُمُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ فِي وَجْهِهِ» وَلِأَنَّهُ أَذَلَّ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» .

قَالَ: (وَيُكَرَهُ إِعْطَاءُ سُؤَّالِ الْمَسَاجِدِ) فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ: يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ بَغِيضُ اللَّهِ، فَيَقُومُ سُؤَّالُ الْمَسْجِدِ.

(وَإِنْ كَانَ لَا يَتَخَطَّى النَّاسَ وَلَا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ لَا يُكْرَهُ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَمَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ عَلَى أَذَى النَّاسِ حَتَّى قِيلَ: هَذَا فِلْسٌ يُكَفِّرُهُ سَبْعُونَ فِلْسًا.

قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ قَبُولُ هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمُ الْحُرْمَةُ. قَالَ: (إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَلَالٌ) بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ تِجَارَةٍ أَوْ زَرْعٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ حَرَامٍ وَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَكَذَلِكَ أَكَلُ طَعَامِهِمْ.

قَالَ: (وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) قَدِيمَةٌ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» ، وَهِيَ إِذَا بَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالْأَقْرِبَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا.

(وَيَنْبَغِي لِمَنْ دُعِيَ أَنْ يُجِيبَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا لِأَنَّهُ اسْتَهْزَأَ بِالْمُضَيِّفِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ» .

قَالَ: (وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إِلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ دُونَ الرَّفْعِ وَالْإِعْطَاءِ.

قَالَ: (وَمَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ عَلَيْهَا لَهْوٌ إِنْ عَلِمَ بِهِ لَا يُجِيبُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَقُّ الْإِجَابَةِ.

ص: 176