الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْضَمْهَا وَمِنْ هَذَا الدَّقِيقِ يَحْنَثُ بِخُبْزِهِ دُونَ سَفِّهِ، وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَالشِّوَاءُ مِنَ اللَّحْمِ، وَالطَّبِيخُ مَا يُطْبَخُ مِنَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ مَرَقِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنْ سِتَّةٍ فَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا يُكَلِّمُهُ قَرِيبًا فَهُوَ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ بِيَوْمٍ، وَلَوْ قَالَ إِلَى بَعِيدٍ فَأَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مِثْلُ الْحِينِ، وَآجِلًا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ، وَعَاجِلًا أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَى الْأَجَلِ، وَلَوْ قَالَ بِضْعًا فَثَلَاثَةٌ، لِأَنَّ الْبِضْعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى تِسْعَةٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ.
[فصل الْحلف على الطعام]
فَصْلٌ
[الْحَلِفُ عَلَى الطَّعَامِ]
(حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْضِمْهَا) ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهَا أَوْ سَوِيقِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَقَالَا: يَحْنَثُ بِالْخُبْزِ لِلْعُرْفِ. وَلَهُ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ يُقْلَى وَيُسْلَقُ وَيُؤْكَلُ بَعْدَهُ قَضْمًا، وَالْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ قَاضِيَةٌ عَلَى الْمَجَازِ.
قَالَ: (وَمِنْ هَذَا الدَّقِيقِ يَحْنَثُ بِخُبْزِهِ دُونَ سَفِّهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَانْصَرَفَ إِلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَهُوَ الْخَبْزُ، وَكَذَا إِنْ أَكَلَ مِنْ عَصِيدَتِهِ أَوِ اتَّخَذَهُ خَبِيصًا أَوْ قَطَايِفَ حَنِثَ، إِلَّا إِذَا نَوَى أَكْلَ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً تَقَعُ الْيَمِينُ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ رَاجِحٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ.
قَالَ: (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَالْمَنْعُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَادِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَأَكَلَ ثَرِيدًا. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ. وَالطَّعَامُ حَقِيقَةُ مَا يُطْعَمُ وَيُؤْكَلُ، وَفِي الْعُرْفِ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَدْوِيَةَ لَا تُسَمَّى طَعَامًا، وَإِنْ كَانَتْ تُؤْكَلُ وَيُتَغَذَّى بِهَا كَمَعْجُونِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَالْخَلُّ وَالزَّيْتُ وَالْمِلْحُ طَعَامٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَكْلِهِ مَعَ الْخُبْزِ إِدَامًا لَهُ، وَالنَّبِيذُ شَرَابٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ طَعَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَالْفَاكِهَةُ طَعَامٌ.
حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِشِرَاءِ الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ، وَفِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهِمَا أَيْضًا.
قَالَ: (وَالشِّوَاءُ مِنَ اللَّحْمِ) خَاصَّةً لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّوَّاءَ اسْمٌ لِبَائِعِ الْمَشْوِيِّ مِنَ اللَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَصِحُّ قَوْلُهُمْ: لَمْ يَأْكُلِ الشِّوَاءَ وَإِنْ أَكَلَ الْبَاذِنْجَانَ وَالسَّمَكَ الْمَشْوِيَّ وَغَيْرَهُ مَا لَمْ يَأْكُلِ الشِّوَاءَ مِنَ اللَّحْمِ، وَإِنْ نَوَى كُلَّ شَيْءٍ يُشْوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّ الشِّوَاءَ مَا يُجْعَلُ فِي النَّارِ لِيَسْهُلَ أَكْلُهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا أَنَّ الْعُرْفَ اخْتُصَّ بِاللَّحْمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (وَالطَّبِيخُ مَا يُطْبَخُ مِنَ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ) لِلْعُرْفِ، وَإِنْ نَوَى كُلَّ مَا يُطْبَخُ صُدِّقَ لِأَنَّهُ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ، (وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ مَرَقِهِ) لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ اللَّحْمِ، وَفِي النَّوَادِرِ: حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا فَأَكَلَ قِلِّيَّةً يَابِسَةً لَا مَرَقَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ،
وَالرُّءُوسُ: مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي السُّوقِ، وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ بِدُونِ الْمَرَقِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا، فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَحْمٌ مَقْلِيٌّ وَلَا يُقَالُ مَطْبُوخٌ إِلَّا لِمَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ. وَلَوْ أَكَلَ سَمَكًا مَطْبُوخًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَعَنِ ابْنِ سِمَاعَةَ: الطَّبِيخُ يَكُونُ عَلَى الشَّحْمِ، فَإِنْ طَبَخَ عَدْسًا أَوْ أُرْزًا بِوَدْكٍ فَهُوَ طَبِيخٌ، وَإِنْ كَانَ بِسَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ فَلَيْسَ بِطَبِيخٍ، وَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، وَالطَّابِخُ: هُوَ الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ دُونَ الَّذِي يَنْصِبُ الْقِدْرَ وَيَصُبُّ الْمَاءَ وَاللَّحْمَ وَحَوَائِجَهُ فِيهِ، وَالْخَابِزُ: الَّذِي يَضْرِبُ الْخُبْزَ فِي التَّنُّورِ دُونَ مَنْ عَجَنَهُ وَبَسَطَهُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَبِيخِ فُلَانٍ فَطَبَخَ هُوَ وَآخَرُ وَأَكَلَ الْحَالِفُ مِنْهُ حَنِثَ، لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى طَبِيخًا، وَكَذَلِكَ مِنْ خُبْزِ فُلَانٍ فَخَبَزَ هُوَ وَآخَرُ، وَكَذَلِكَ مِنْ رُمَّانٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ فَاشْتَرَى هُوَ وَآخَرُ، وَكَذَا لَا أَلْبَسُ مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَنَسَجَ هُوَ وَآخَرُ، وَلَوْ قَالَ: مِنْ قِدْرٍ طَبَخَهَا فُلَانٌ فَأَكَلَ مَا طَبَخَاهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْقَدْرِ لَيْسَ بِقِدْرٍ، وَكَذَلِكَ مِنْ قُرْصٍ يَخْبِزُهُ فُلَانٌ، أَوْ رُمَّانَةٍ يَشْتَرِيهَا فُلَانٌ، أَوْ ثَوْبًا يَنْسِجُهُ فُلَانٌ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مِنْ غَزْلِهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا لَمْ يَحْنَثْ، رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا دَامَ فِي مِلْكِهِ، فَبَاعَ بَعْضَهُ وَأَكَلَ الْبَاقِيَ لَا يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَتَنَاهَدَ وَأَكَلَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ أَكَلَ مَالَ نَفْسِهِ عُرْفًا، رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ فُلَانٍ وَبَيْنَهُمَا دَرَاهِمُ فَأَخَذَ مِنْهَا دِرْهَمًا فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا وَأَكَلَ لَمْ يَحْنَثْ.
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ شَرِيكِهِ فَأَكَلَ مِنْ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَكَلَ حِصَّتَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ حِصَّتِهِ.
قَالَ: (وَالرُّءُوسُ مَا يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي السُّوقِ) جَرْيًا عَلَى الْعُرْفِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ رُءُوسُ الْبَقَرِ وَالْجَزُورِ، وَعِنْدَهُمَا يَخْتَصُّ بِرُءُوسِ الْغَنَمِ وَهُوَ اخْتِلَافُ عَادَةٍ وَعَصْرٍ.
قَالَ: (وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ)، وَقَالَا: الرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ وَالْعِنَبُ فَاكِهَةٌ، لِأَنَّهُ يُتَفَكَّهُ بِهَا عَادَةً كَسَائِرِ الْفَاكِهَةِ حَتَّى يُسَمَّى بَائِعُهَا فَاكِهَانِيُّ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] . وَلِذَلِكَ عَطَفَ الْفَاكِهَةَ عَلَى الْعِنَبِ فِي آيَةٍ أُخْرَى، وَالْمَعْطُوفُ يُغَايِرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ لُغَةً، وَلِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَالْكَرِيمُ الْحَكِيمُ لَا يُعِيدُ الْمِنَّةَ بِالشَّيْءِ مَرَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مَا يُتَفَكَّهُ بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، وَيُتَفَكَّهُ بِرُطَبِهِ وَيَابِسِهِ دُونَ الشِّبَعِ، وَالْعِنَبُ وَالرُّطَبُ يُسْتَعْمَلَانِ لِلْغِذَاءِ وَالشِّبَعِ، وَالرُّمَّانُ
وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ: كَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمِلْحِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يُسْتَعْمَلُ لِلْأَدْوِيَةِ فَكَانَ مَعْنَى الْفَاكِهَةِ قَاصِرًا عَنْهَا، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ نَوَاهَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ، وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَحَبُّ الرُّمَّانِ إِدَامٌ وَلَيْسَ بِفَاكِهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَالتُّفَّاحُ وَالسَّفَرْجَلُ وَالْكُمِّثْرَى وَالْإِجَّاصُ وَالْمِشْمِشُ وَالْخَوْخُ وَالتِّينُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهَا تُؤْكَلُ لِلتَّفَكُّهِ دُونَ الشِّبَعِ، وَالْبِطِّيخُ فَاكِهَةٌ، وَالْيَابِسُ مِنْ أَثْمَارِ الشَّجَرِ فَاكِهَةٌ، وَيَابِسُ الْبِطِّيخِ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْجَزَرُ وَالْبَاقِلَاءُ الرَّطْبُ بُقُولٌ. قَالَ مُحَمَّدٌ: التُّوتُ فَاكِهَةٌ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْفَاكِهَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَصَبُ السُّكَّرِ وَالْبُسْرُ الْأَحْمَرُ فَاكِهَةٌ، وَالْجَوْزُ فِي عُرْفِنَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُتَفَكَّهُ بِهِ.
وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ: الْجَوْزُ الْيَابِسُ لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا، فَأَمَّا رُطَبُهُ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا لِلتَّفَكُّهِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: اللَّوْزُ وَالْعُنَّابُ فَاكِهَةٌ، رُطَبُهُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ، وَيَابِسُهُ مِنْ يَابِسِهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةَ الْعَامِ أَوْ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ إِنْ كَانَ زَمَانُ الرَّطْبَةِ فَهِيَ عَلَى الرَّطْبَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْيَابِسِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ زَمَانِهَا فَهِيَ عَلَى الْيَابِسِ لِلتَّعَارُفِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِالْيَابِسِ وَالرَّطْبِ إِذَا كَانَ فِي زَمَانِ الرَّطْبَةِ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاكِهَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا إِلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي قَوْلِهِمْ: فَاكِهَةُ الْعَامِ إِذَا كَانَ زَمَانُ الرَّطْبَةِ يُرِيدُونَهَا دُونَ الْيَابِسِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ رَطْبَةً تَعَيَّنَتِ الْيَابِسَةُ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَالْإِدَامُ مَا يُصْطَبَغُ بِهِ: كَالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَالْمِلْحِ) ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمُؤَادَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ وَهِيَ بِالْمُلَازَقَةُ فَيَصِيرَانِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، أَمَّا الْمُجَاوَرَةُ فَلَيْسَتْ بِمُوَافَقَةٍ حَقِيقَةً، يُقَالُ: وَأَدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا: أَيْ وَفَّقَ بَيْنَكُمَا، قَالَ عليه الصلاة والسلام لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً:«لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» ، فَكُلُّ مَا احْتَاجَ فِي كُلِّهِ إِلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ إِدَامٌ، وَمَا أَمْكَنَ إِفْرَادُهُ بِالْأَكْلِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ، وَإِنْ أُكِلَ مَعَ الْخُبْزِ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْخُبْزَ مَعَ الْخُبْزِ، فَالْخَلُّ وَالزَّيْتُ وَاللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَالْمَرَقُ إِدَامٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا وَلِأَنَّهُ يَذُوبُ فَيَخْتَلِطُ بِالْخُبْزِ وَيَصِيرُ تَبَعًا.
وَاللَّحْمُ وَالشِّوَاءُ وَالْبَيْضُ وَالْجُبْنُ لَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّهَا تُفْرَدُ بِالْأَكْلِ وَلَا تَمْتَزِجُ بِالْخُبْزِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ بِالْخُبْزِ عَادَةً فَهُوَ إِدَامٌ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ. وَعَنْ أَبَى يُوسُفَ: الْجَوْزُ الْيَابِسُ إِدَامٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: التَّمْرُ وَالْجَوْزُ وَالْعِنَبُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبُقُولُ وَسَائِرُ الْفَوَاكِهِ لَيْسَ بِإِدَامٍ، لِأَنَّهَا
وَالْغَدَاءُ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الظُّهْرِ، وَالْعَشَاءُ: مِنَ الظُّهْرِ إِلَى نِصْفِ الْلَيْلِ، وَالسُّحُورُ: مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالشُّرْبُ مِنَ النَّهْرِ: الْكَرْعُ مِنْهُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
تُفْرَدُ بِالْأَكْلِ وَلَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْضِعًا تُؤْكَلُ تَبَعًا لِلْخُبْزِ مُعْتَادًا يَكُونُ إِدَامًا عِنْدَهُمُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ.
قَالَ: (وَالْغَدَاءُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى الظُّهْرِ) لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَكْلِ الْغَدْوَةِ، وَمَا بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَكُونُ غَدْوَةٌ.
(وَالْعَشَاءُ: مِنَ الظُّهْرِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَكْلِ الْعَشَاءِ وَأَوَّلُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَرُوِيَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشَاءِ رَكْعَتَيْنِ» يُرِيدُ بِهِ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ.
(وَالسُّحُورُ: مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّحَرِ فَيَنْطَلِقُ إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ، ثُمَّ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَكْلِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الشِّبَعُ عَادَةً، فَلَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الشِّبَعِ فَإِنَّهُ يُقَالُ: لَمْ أَتَغَدَّ وَإِنَّمَا أَكَلْتُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عَادَتُهُمْ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَشَرِبَ اللَّبَنَ إِنْ كَانَ حَضَرِيًّا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ بَدَوِيًّا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا لِلْعَادَةِ.
قَالَ الْكَرْخِيُّ: إِذَا حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ أُرْزًا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى شَبِعَ لَا يَحْنَثُ، وَلَا يَكُونُ غَدَاءً حَتَّى يَأْكُلَ الْخَبْزَ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَكَلَ لَحْمًا بِغَيْرِ خُبْزٍ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ.
قَالَ: (وَالشُّرْبُ مِنَ النَّهْرِ: الْكَرْعُ مِنْهُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ أَوْ مِنَ الْفُرَاتِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا يُبَاشِرُ الْمَاءَ بِفِيهِ، فَإِنْ شَرِبَ مِنْهُ بِيَدِهِ أَوْ بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَالَا: يَحْنَثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. أَصْلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لِلْيَمِينِ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ وَمَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِهْدَارُ الْحَقِيقَةِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ مَهْجُورَةً مُهْمَلَةً كَمَا قُلْنَا فِي سَفَّ الدَّقِيقِ. وَعِنْدَهُمَا الْعِبْرَةُ لِلْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ جَمْعًا لِمَكَانِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعُرْفِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْكَرْعُ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ أَكْثَرُ فَيُعْتَبَرُ أَيْضًا، لِأَنَّ الْكَرْعَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ عَادَةً عِنْدَ عَدَمِ الْأَوَانِي فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ شَاهَدَ الْعَرَبَ بِالْكُوفَةِ يَكْرَعُونَ ظَاهِرًا مُعْتَادًا فَحَمَلَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، وَهُمَا شَاهَدَا النَّاسَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَفْعَلُونَهُ إِلَّا نَادِرًا فَلَمْ يَخُصَّا الْيَمِينَ بِهِ، وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ أَوْ مِنَ الْفُرَاتِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ قَدْ زَالَتْ بِالِانْتِقَالِ إِلَى غَيْرِهِ، فَصَارَ كَمَا إِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَصَبَّ فِي كُوزٍ آَخَرَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْهَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ لِاخْتِصَاصِ الْيَمِينِ عِنْدَهُمْ بِدِجْلَةَ دُونَ مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ مَاؤُهَا وَهَذَا إِذَا لَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ: مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ وَبِالْإِنَاءِ وَبِالْغَرْفِ وَمِنْ نَهْرٍ آخَرَ،
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنَ الحِبِّ أَوِ الْبِئْرِ يَحْنَثُ بِالْإِنَاءِ، وَالسَّمَكُ وَالْأَلْيَةُ لَيْسَا بِلَحْمٍ، وَالْكَرِشُ وَالْكَبِدُ وَالرِّئَةُ وَالْفُؤَادُ وَالْكُلْيَةُ وَالرَأْسُ وَالْأَكَارِعُ وَالْأَمْعَاءُ وَالطِّحَالُ لَحْمٌ، وَالشَّحْمُ شَحْمُ الْبَطْنِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْمَاءِ دُونَ النَّهْرِ وَقَدْ وُجِدَ.
قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنَ الْجُبِّ أَوِ الْبِئْرِ يَحْنَثُ بِالْإِنَاءِ) وَهَذَا فِي الْبِئْرِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهَا إِلَّا بِإِنَاءٍ حَتَّى قَالُوا: لَوْ نَزَلَ الْبِئْرَ وَكَرَعَ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لَا يَجْتَمِعَانِ تَحْتَ لَفْظٍ وَاحِدٍ وَالْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةٌ، وَأَمَّا الْجُبُّ إِنْ كَانَ مَلْآنَ يُمْكِنُ الشُّرْبُ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ بِالِاغْتِرَافِ. وَالْإِنَاءُ لِتَعَيُّنِهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْإِنَاءِ فَهُوَ عَنِ الشُّرْبِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ.
قَالَ: (وَالسَّمَكُ وَالْأَلْيَةُ لَيْسَا بِلَحْمٍ) فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَيُّ لَحْمٍ أَكَلَ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ غَيْرُ السَّمَكِ حَنِثَ سَوَاءٌ أَكَلَهُ طَبِيخًا أَوْ مَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا: كَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَصَيْدِ الْحَرَمِ، لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ اللَّحْمِ وَصِفَةِ الذَّابِحِ.
فَأَمَّا السَّمَكُ وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ لَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ إِطْلَاقِ اسْمِ اللَّحْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَكَلْتُ لَحْمًا وَقَدْ أَكَلَ السَّمَكَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْحَقِيقَةُ دُونَ لَفْظِ الْقُرْآنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى دَابَّةً فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 55] ، وَكَذَا لَوْ خَرَّبَ بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يُخَرِّبُ بَيْتًا، وَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِالْقُعُودِ فِي الشَّمْسِ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي السِّرَاجِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْمُتَعَارَفُ، وَكَذَلِكَ الْأَلْيَةُ وَشَحْمُ الْبَطْنِ لَيْسَا بِلَحْمٍ لِأَنَّهُمَا لَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ، وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُمَا مَا يُتَّخَذُ مِنَ اللَّحْمِ، وَلَا يُسَمَّيَانِ لَحْمًا عُرْفًا، وَإِنْ نَوَاهُ أَوْ نَوَى السَّمَكَ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ: (وَالْكَرِشُ وَالْكَبِدُ وَالرِّئَةُ وَالْفُؤَادُ وَالْكُلْيَةُ وَالرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ وَالْأَمْعَاءُ وَالطِّحَالُ لَحْمٌ) لِأَنَّهَا تُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زَمَنِهِ بِالْكُوفَةِ. وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي لَا تُبَاعُ فِيهَا مَعَ اللَّحْمِ فَلَا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِي كُلِّ بَلْدَةِ وَكُلِّ زَمَانٍ. وَأَمَّا شَحْمُ الظَّهْرِ فَهُوَ لَحْمٌ، وَيُقَالُ لَهُ: لَحْمٌ سَمِينٌ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ اللَّحْمُ.
قَالَ: (وَالشَّحْمُ شَحْمُ الْبَطْنِ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مِنَ اللَّحْمِ، وَيُقَالُ لَهُ: لَحْمٌ سَمِينٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَقَالَا: يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الشَّحْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا: اسْمُ الشَّحْمِ لَا يَقَعُ عَلَى شَحْمِ الظَّهْرِ بِحَالٍ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَحْمًا فَاشْتَرَى شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الشَّحْمِ لَا يَتَنَاوَلُهُ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا الرُّطَبُ إِذَا صَارَ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا، حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرِهَا وَدُبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ، وَمِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَعَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِي الْبَيْضِ، وَالشَّرَاءُ كَالْأَكْلِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنْزٍ حَنِثَ، لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُ الْعَنْزَ وَغَيْرَهُ. وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَكَذَا لَا يَدْخُلُ لَحْمُ الْجَامُوسِ فِي يَمِينِ الْبَقَرِ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا الرُّطَبُ إِذَا صَارَ تَمْرًا وَاللَّبَنُ شِيرَازًا) لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ دَاعِيَةٌ إِلَى الْيَمِينِ فَتَتَقَيَّدُ بِهِ، أَوْ نَقُولُ: اللَّبَنُ مَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ فَلَا يَنْصَرِفُ إِلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحَمَلِ فَصَارَ كَبْشًا فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِيَّةِ لَيْسَتْ دَاعِيَةً إِلَى الْيَمِينِ، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ لَحْمِهِ أَقَلُّ مِنَ الِامْتِنَاعِ عَنْ لَحْمِ الْكَبْشِ، وَإِذَا امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ صِفَةً دَاعِيَةً تَعَيَّنَتِ الذَّاتُ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ.
قَالَ: (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ فَهُوَ عَلَى ثَمَرَتِهَا وَدُبْسِهَا غَيْرِ الْمَطْبُوخِ) يُقَالُ لَهُ: سَيَلَانٌ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إِلَى مَا لَا يُؤْكَلُ فَيَنْصَرِفُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ فَيَصْلُحُ مَجَازًا، وَيَحْنَثُ بِالْجِمَارِ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِمَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ: كَالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالدُّبْسِ الْمَطْبُوخِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا حَقِيقَةً، فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا مَا يُوجَدُ كَذَلِكَ مُتَّصِلًا بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِهَا إِلَّا أَنَّهُ مُنْكَتِمٌ فَزَالَ الِانْكِتَامُ بِالْعَصِيرِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ عَيْنِ النَّخْلَةِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ فَعَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ) لِمَا مَرَّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً، لِأَنَّ عَيْنَ الشَّاةِ مَأْكُولٌ فَانْصَرَفَتِ الْيَمِينُ إِلَى اللَّحْمِ خَاصَّةً، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ وَالسَّمْنِ.
قَالَ: (وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِي الْبَيْضِ) لِلْعُرْفِ، فَإِنَّ اسْمَ الْبَيْضِ عُرْفًا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الطَّيْرِ كَالدَّجَاجِ وَالْأُوَّزِ مِمَّا لَهُ قِشْرٌ، فَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ إِلَّا بِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ بَيْضٌ حَقِيقَةً وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَالشِّرَاءُ كَالْأَكْلِ) فَالْيَمِينُ عَلَى الشِّرَاءِ كَالْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ.
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَرَامًا فَاضْطَرَّ إِلَى الْمِيتَةِ وَالْخَمْرِ فَأَكَلَ، رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، إِلَّا أَنَّهُ مَرْفُوعُ الْإِثْمِ عَنِ الْمُضْطَرِّ كَفِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، وَالْحَرَامُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُمَا وَإِنْ وُضِعِ الْإِثْمُ عَنْهُمَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْإِكْرَاهِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الْمَيْتَةَ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْأَكْلِ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ أَثِمَ، وَلَوْ أَكَلَ طَعَامًا مَغْصُوبًا حَنِثَ، وَلَوِ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ مَغْصُوبٍ لَا يَحْنَثُ.