الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُبَاحٌ، وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيلِ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَمَكْرُوهٌ، وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءَ وَيُسْتَحِبُّ الْأَبْيَضُ مِنَ الثِّيَابِ، وَيُكْرَهُ الْأَحْمَرُ وَالْمُعَصْفَرُ وَالسُّنَّةُ: إِرْخَاءُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ لَفَّهَا نَقَضَهَا كَمَا لَفَّهَا.
فَصْلٌ الْكَلَامُ مِنْهُ مَا يُوجِبُ أَجْرًا كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعَمِهِ عَلَى عَبْدِهِ» .
(وَمُبَاحٌ: وَهُوَ الثَّوْبُ الْجَمِيلُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ) فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَهُ جُبَّةُ فَنْكٍ يَلْبَسُهَا يَوْمَ عِيدٍ» «وَأَهْدَى لَهُ الْمُقَوْقِسُ قَبَاءً مَكْفُوفًا بِالْحَرِيرِ كَانَ يَلْبَسُهُ لِلْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَلِقَاءِ الْوُفُودِ» إِلَّا أَنَّ فِي تَكَلُّفِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ صَلَفًا وَمَشَقَّةً، وَرُبَّمَا يَغِيظُ الْمُحْتَاجِينَ فَالتَّحَرُّزُ عَنْهُ أَوْلَى.
(وَمَكْرُوهٌ: وَهُوَ اللُّبْسُ لِلتَّكَبُّرِ وَالْخُيَلَاءِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:«كُلْ وَالْبَسْ وَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ مَخْيَلَةٍ» .
(وَيُسْتَحَبُّ الْأَبْيَضُ مِنَ الثِّيَابِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ ثِيَابِكُمُ الْبِيضُ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الثِّيَابَ الْبِيضَ، وَإِنَّهُ خَلَقَ الْجَنَّةَ بَيْضَاءَ» .
(وَيُكْرَهُ الْأَحْمَرُ وَالْمُعَصْفَرُ) وَلَا يُظَاهِرُ بَيْنَ جُبَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي الشِّتَاءِ إِذَا وَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِدُونِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَغِيظُ الْمُحْتَاجِينَ، وَفِيهِ تَجَبُّرٌ. وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه لَا يَلْبَسُ إِلَّا الْخَشِنَ؛ وَاخْتِيَارُ الْخَشِنِ أَوْلَى فِي الشِّتَاءِ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْبَرْدِ، وَاللَّيِّنِ فِي الصَّيْفِ فَإِنَّهُ أَنْشَفُ لِلْعَرَقِ؛ وَإِنْ لَبِسَ اللَّيِّنَ فِي الْوَقْتَيْنِ لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] .
(وَالسُّنَّةُ: إِرْخَاءُ طَرَفِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) هَكَذَا فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام، ثُمَّ قِيلَ قَدْرَ شِبْرٍ، وَقِيلَ إِلَى وَسَطِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إِلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ.
(وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ لَفَّهَا نَقَضَهَا كَمَا لَفَّهَا) وَلَا يُلْقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، هَكَذَا نُقِلَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
[فَصْلٌ فِي الكلام]
فَصْلٌ (الْكَلَامُ: مِنْهُ مَا يُوجِبُ أَجْرًا كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ) قَالَ تَعَالَى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] .
وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ إِذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْمَلُهُ، وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلِيَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ فَحَسَنٌ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ، وَيُكْرَهُ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ إِذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْمَلُهُ) لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجِبِهِ.
(وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ لِلِاعْتِبَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلِيَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ مُشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
قَالَ: (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) وَكَذَلِكَ الْفَقَّاعِي عِنْدَ فَتْحِ الْفُقَّاعِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ لِذَلِكَ ثَمَنًا، بِخِلَافِ الْغَازِي أَوِ الْعَالِمِ إِذَا كَبَّرَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّفْخِيمَ وَالتَّعْظِيمَ وَإِشْعَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمُ» وَعَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ «كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ» : أَيِ الْوَعْظِ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ عِنْدَ اسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا؟ . وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقُبُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَلَا يَكْرَهُهُ مُحَمَّدٌ، وَبِهِ نَأْخُذُ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ لِلْمَيِّتِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُبُورِ.
وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَيَصِلُ لِحَدِيثِ الْخَثْعَمَيَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجِّ، وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ» أَيْ جَعَلَ ثَوَابَهُ عَنْ أُمَّتِهِ. وَرُوِيَ:«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكَ» «وَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ " أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَصِلُ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» الْحَدِيثَ.
الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا سِيقَتْ عَلَى قَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36] . {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]
وَمِنْهُ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ كَقَوْلِكَ: قُمْ وَاقْعُدْ، وَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ كَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتِيمَةِ، ثُمَّ الْكَذِبُ مَحْظُورٌ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِلْخُدْعَةِ، وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ الْأَهْلَ، وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْكَذِبِ إِلَّا لِحَاجَةٍ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَيَكُونُ إِخْبَارًا عَمَّا فِي شَرِيعَتِهِمَا فَلَا يَلْزَمُنَا، كَيْفَ وَقَدْ رُوِينَا عَنْ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام خِلَافُهُ؟ . قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: هَذَا لِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ لَهُمْ مَا سَعَوْا وَسُعِيَ لَهُمْ. الثَّانِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] أَدْخَلَ الذُّرِّيَّةَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّالِثُ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِرُ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ لَهُ أَجْرُ مَا سَعَى وَسُعِيَ لَهُ. الرَّابِعُ تُجْعَلُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَأَنَّهُ جَائِزٌ. قَالَ: فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى صَحِيحٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ. الْخَامِسُ أَنَّهُ سَعَى فِي جَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ لَهُ مَا سَعَى عَمَلًا بِالْآيَةِ. السَّادِسُ أَنَّ السَّعْيَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، وَمِنْهَا بِسَبَبِ قَرَابَتِهِ، وَمِنْهَا بِصَدِيقٍ سَعَى فِي خُلَّتِهِ، وَمِنْهَا بِمَا يَسْعَى فِيهِ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَأُمُورِ الدِّينِ الَّتِي يُحِبُّهُ النَّاسُ بِسَبَبِهَا فَيَدْعُونَ لَهُ وَيَجْعَلُونَ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ سَعْيِهِ، فَقَدْ قُلْنَا بِمُوجِبِ الْآيَةِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْنَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي انْقِطَاعَ عَمَلِهِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وُصُولِ ثَوَابِ عَمَلِ غَيْرِهِ إِلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ لَا يَنْفِيهِ، عَلَى أَنَّ النَّاسَ عَنْ آخِرِهِمْ قَدِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ فَيَكُونُ حَسَنًا بِالْحَدِيثِ.
قَالَ: (وَمِنْهُ مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ كَقَوْلِكَ: قُمْ وَاقْعُدْ وَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُكْتَبُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِقَابَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَكْتُبُ إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ، وَقِيلَ يُكْتَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] الْآيَةَ، ثُمَّ يُمْحَى مَا لَا جَزَاءَ فِيهِ وَيَبْقَى مَا فِيهِ جَزَاءٌ، ثُمَّ قِيلَ يُمْحَى فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَفِيهِمَا تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: (وَمِنْهُ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ كَالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتِيمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ حَرَامٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ.
(ثُمَّ الْكَذِبُ مَحْظُورٌ إِلَّا فِي الْقِتَالِ لِلْخُدْعَةِ، وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ الْأَهْلَ، وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: فِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَفِي الْقِتَالِ، وَفِي إِرْضَاءِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ» وَدَفْعُ الظَّالِمِ عَنِ الظُّلْمِ مِنْ بَابِ الصُّلْحِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْكَذِبِ إِلَّا لِحَاجَةٍ)
وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَلَا إِثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ وَلَا غِيبَةَ إِلَّا لِمَعْلُومِينَ، فَلَوِ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ؛ وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجَوَارٍ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَنْ قَنِعَ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ، وَصَرَفَ الْبَاقِي إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَوْلَى.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
كَقَوْلِكَ لِرَجُلٍ كُلْ، فَيَقُولُ: أَكَلْتُ يَعْنِي أَمْسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَصْدِهِ. وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الظَّاهِرِ.
قَالَ: (وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ) ؛ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «اذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ لِكَيْ تَحْذَرَهُ النَّاسُ» (وَلَا إِثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ) لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وْمَنْعِ الظُّلْمِ. قَالَ: (وَلَا غِيبَةَ إِلَّا لِمَعْلُومِينَ، فَلَوِ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَالْقَذْفِ، وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ إِرْخَاءَ السِّتْرِ عَلَى الْبَيْتِ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَبُّرٍ وَفِيهِ زِينَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِسَتْرِ حِيطَانَ الْبَيْتِ بِاللُّبُودِ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً، وَيُكْرَهُ لِلزِّينَةِ وَقَدْ مَرَّ.
قَالَ: (وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجِوَارٍ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ) فَإِنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام تَسَرَّى مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَرَائِرِ» ، وَعَلِيٌّ رضي الله عنه اسْتَوْلَدَ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَرَائِرِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] الْآيَةَ.
قَالَ: (وَمَنْ قَنَعَ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ وَصَرَفَ الْبَاقِي إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ أَوْلَى) لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَدْنَى مَا يَكْفِيهِ عَزِيمَةٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مِنَ التَّنَعُّمِ وَنَيْلِ اللَّذَّاتِ رُخْصَةٌ؛ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الصَّعْبَةِ» ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِي مَاذَا صَرَفَهُ؟» .
وَالَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِخِصَالٍ: مِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ؛ وَمِنْهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ فِي أَوْقَاتِهَا بِوَاجِبَاتِهَا تَامَّةً كَمَا أَمَرَ بِهَا؛ وَمِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنِ السُّحْتِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ؛ وَمِنْهَا التَّحَرُّزُ عَنْ ظُلْمِ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الْأَمْرَ فِيهِ، فَلَا نُضَيِّقُهُ عَلَيْنَا وَلَا عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام وَعَظَ النَّاسَ يَوْمًا وَذَكَرَ الْقِيَامَةَ، فَرَقَّ لَهُ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبُو ذَرٍّ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْمِقْدَادُ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَتَرَهَّبُوا وَيَجُبُّوا مَذَاكِيرَهُمْ وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ وَيَصُومُوا الدَّهْرَ وَيَقُومُوا اللَّيْلَ وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ:" أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: بَلَى وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إِنِّي لَمْ آمُرْ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا، فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) . ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ وَالطِّيبَ وَالنَّوْمَ وَشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، أَمَا إِنِّي لَسْتُ آمُرُكُمُ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِي تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ، فَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ، وَرَهْبَانِيَّتَهُمُ الْجِهَادُ، اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ، وَاسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 96]{جَعَلَ} [المائدة: 97] .
تَمَّ الْجُزْءُ الرَّابِعُ مِنْ " الِاخْتِيَارِ لِتَعْلِيلِ الْمُخْتَارِ "
وَيَلِيهِ:
الْجُزْءُ الْخَامِسُ، وَأَوَّلُهُ: كِتَابُ الصَّيْدِ.