الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، وَلَا أَمَانَ لِلْمُرَاهِقِ.
وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً إِنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَرَاضِيهِمُ الْخَرَاجَ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الرَّأْيُ فِي الْقِتَالِ، وَتَارَةً يَكُونُ الرَّأْيُ فِي الْقِتَالِ، وَتَارَةً فِي الْكَفِّ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ جَازَ أَمَانُهُ، وَلِأَنَّ الْخَطَأَ مِنَ الْمَحْجُورِ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ، وَخَطَأُ الْمَأْذُونِ نَادِرٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ.
قَالَ: (وَلَا أَمَانَ لِلْمُرَاهِقِ) ؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْأَمَانَ وَيَصِفُهُ يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلِأَنَّ الْمُرَاهِقَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعُقُودَ وَالْأَمَانُ عَقْدٌ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْقِدَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ، قِيلَ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصْلِحَةَ وَالْخَيْرِيَّةَ خَفِيَّةٌ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا إِلَّا مِنْ لَهُ كَثْرَةُ تَجْرِبَةٍ وَمُمَارَسَةٍ وَذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ.
[فصل فتح البلاد]
فَصْلٌ (وَإِذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً عَنْوَةً إِنْ شَاءَ قَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ) كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِخَيْبَرَ وَسَعْدٌ رضي الله عنه بِبَنِي قُرَيْظَةَ (وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيهِمُ الْخَرَاجَ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ. قَالُوا: الْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَهُمْ فِي الثَّانِي مِنَ الزَّمَانِ، فَإِنَّهُمْ يَعْمَلُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وُجُوهَ الزِّرَاعَاتِ، وَلِهَذَا قَالُوا: يُعْطِيهِمْ مِنَ الْمَنْقُولِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ فِي الْعَمَلِ لِيَتَهَيَّأَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْمَنَّ بِرِقَابِهِمْ لِمَنْفَعَةِ الزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرْضٌ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ، وَكَذَا لَوْ مَنَّ بِرِقَابِهِمْ لَا غَيْرَ وَلَهُمْ أَرَاضٍ أَوْ بِرِقَابِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إِبْطَالُ حَقِّ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ الرِّقَابَ لَا تَدُومُ بَلْ تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِي نَظَرًا لِلْغَانِمِينَ لِئَلَّا يَشْتَغِلُوا بِالزِّرَاعَةِ فَيَتَقَاعَدُوا عَنِ الْجِهَادِ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ طَلَبُوا مِنْهُ قِسْمَتَهَا، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: 7] الْآيَةَ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] الْآيَةَ، فَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10]، وَقَالَ: لَوْ قَسَّمْتُهَا عَلَيْكُمْ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ شَيْءٌ، فَأَطَاعُوهُ وَرَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إِبْطَالَ حَقِّهِمْ بِالْقَتْلِ دَفْعًا لِشَرِّهِمْ فَلَا يَتَمَحَّضُ ضَرَرًا؛ أَمَّا الْمَنُّ ضَرَرٌ مَحْضٌ يَجْعَلُهُمْ عَوْنًا لِلْكَفَرَةِ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ؛ وَأَمَّا الْمَنْقُولُ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ.
وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى، أَوِ اسْتَرَقَّهُمْ، أَوْ تَرَكَهُمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُفَادَوْنَ (سم) بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا بِالْمَالِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ يَعْجِزُ عَنْ نَقْلِهَا ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى) لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَ، وَفِيهِ تَقْلِيلُ مَادَّةِ الْكُفْرِ وَالْفَسَادِ، وَقَتَلَ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالنَّضْرَ بْنَ الحارث بَعْدَ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِمْ.
(أَوْ) إِنْ شَاءَ (اسْتَرَقَهُمْ) لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ شَرِّهِمْ مَعَ وُفُورِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ) إِنْ شَاءَ (تَرَكَهُمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ إِلَّا الْمُرْتَدِّينَ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لِلْكَفَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْأَخْذِ لَا نَقْتُلُهُمْ لِانْدِفَاعِ الشَّرِّ، وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ الْمِلْكِ.
قَالَ: (وَلَا يُفَادَوْنَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ) وَقَالَا: يُفَادَوْنَ بِهِمْ لِأَنَّ فِي عَوْدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْنَا عَوْنًا لَنَا، وَلِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، وقَوْله تَعَالَى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] ؛ فَيَجِبُ قَتْلُهُمْ وَذَلِكَ يَمْنَعُ رَدَّهُمْ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ يَصِيرُ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابِهِمْ خَيْرٌ مِنْ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ، لِأَنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ فِي أَيْدِيهِمُ ابْتِلَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُضَافٍ إِلَيْنَا، وَإِعَانَتُهُمْ بِدَفْعِ الْأَسِيرِ إِلَيْهِمْ مُضَافٌ إِلَيْنَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِالْأُسَارَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا تَجُوزُ بَعْدَهَا؛ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قَالَ: (وَلَا بِالْمَالِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) لِمَا بَيَّنَّا، وَمُفَادَاةُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام يَوْمَ بَدْرٍ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ:{لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ، فَجَلَسَ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ يَبْكِيَانِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ» لِأَنَّهُ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ دُونَ الْفِدَاءِ، وَالْقِصَّةُ مَعْرُوفَةٌ؛ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ
الْمَصْلَحَةُ
وَهِيَ فِيمَا ذَكَرْنَا. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفَادَى بِالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْعَجُوزِ الْفَانِيَةِ بِالْمَالِ إِذَا كَانَ لَا يُرْجَى مِنْهُ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ لَا مَعُونَةَ لَهُمْ فِيهِ، بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَعُونَةً لَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى الْأَسْرَى لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِيهِمْ بِالْأَسْرِ فَلَا يَبْطُلُ، وَلِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَقَتْلِهِمْ تَنْفِي ذَلِكَ.
قَالَ: (وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ يَعْجِزُ عَنْ نَقْلِهَا ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا) لِكَيْلَا يَنْتَفِعُوا بِاللَّحْمِ وَلَا يَعْقِرُهَا لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَذَبْحُ الشَّاةِ جَائِزٌ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَكَسْرُ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَصَارَ كَقَطْعِ الشَّجَرِ وَتَخْرِيبِ الْبِنَاءِ، أَمَّا الْحَرْقُ قَبْلَ الذَّبْحِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ