الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ (سَمِّ) ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِالْأَدَاءِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لَفْظًا مُعَاوَضَةٌ مَقْصُودًا لِأَنَّ الْأَلْفَ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنِ الْعِتْقِ حَتَّى لَوْ نَصَّ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ يَصِيرُ عِوَضًا، فَيَنْعَقِدُ مُعَاوَضَةً بَيْنَ الْأَلْفِ وَالْعِتْقِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ، فَبِاعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ يَنْزِلُ الْمَوْلَى قَابِلًا لِلْبَدَلِ مَتَى وَصَلَ إِلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْعَبْدُ بِهِ، وَقَدْ رَضِيَ الْمَوْلَى بِنُزُولِ الْعِتْقِ عِنْدَ وُصُولِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ، وَبِالتَّخْلِيَةِ قَدْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ فَجَعَلْنَاهُ تَعْلِيقًا ابْتِدَاءً عَمَلًا بِاللَّفْظِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمَوْلَى لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْ مِلْكِهِ وَلَا يَسْرِيَ إِلَى الْوَلَدِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مُعَاوَضَةً عِنْدَ الْأَدَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتِقَ بِالْأَدَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ: هِبَةٌ ابْتِدَاءً بَيْعٌ انْتِهَاءً، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَعْتِقُ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ أَدَّى أَلْفًا اكْتَسَبَهَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَوْلَى بِمِثْلِهَا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، وَإِنْ أَدَّاهَا مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْأَدَاءِ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
[فصل من أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ عَتَقَ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَاهُ)، وَقَالَا: يَعْتِقُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، فَإِضَافَةُ الْعِتْقِ إِلَى بَعْضِهِ كَإِضَافَتِهِ إِلَى كُلِّهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَجَزَّأُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا أَعْتَقَ. لَهُمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَرِيكٌ» ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إِثْبَاتُ الْعِتْقِ وَهُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَالْقُوَّةُ لَا تَتَجَزَّأُ، إِذْ لَا يَكُونُ بَعْضُهُ قَوِيًّا وَبَعْضُهُ ضَعِيفًا، أَوْ نَقُولُ: هُوَ إِزَالَةُ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ. وَلَهُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُ كُلِّهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: كُلِّفَ عِتْقَ مَا بَقِيَ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَ مَا بَقِيَ» ، وَلَوْ عَتَقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إِعْتَاقُهُ وَلَمَا كُلِّفَ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِعْتَاقَ الْمُعْتَقِ مُحَالٌ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهَ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِأَعْلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يَغْرُمُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَعَائِشَةُ تَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إِزَالَةُ مِلْكِهِ، وَالْمُتَصَرِّفُ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَلَايَتِهِ وَهُوَ إِزَالَةُ مِلْكِهِ فَيَتَقَدَّرُ بِهِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْضِعِ الْإِضَافَةِ وَالتَّعَدِّي فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ، أَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَيُسَمَّى إِعْتَاقًا مَجَازًا
وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ (سم) ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ عَتَقَ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا عَنْ مَلْبُوسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ، فَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُضَمِّنُ (سم) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْعِتْقِ. فَيُحْمَلُ حَدِيثُهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَتَجِبُ السِّعَايَةُ فِي الْبَاقِي عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْبَاقِي صَارَتْ مُحْتَبَسَةً عِنْدَ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَوَجَبَ إِخْرَاجُهُ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِمَا رَوَيْنَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إِزَالَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ، وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ لِمَا رَوَيْنَا كَالْمُكَاتَبِ.
قَالَ: (وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَتَزَوَّجُ، وَيُفَارِقُ الْمُكَاتَبَ فِي خَصْلَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ، لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ السِّعَايَةَ وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَقَالَا: هُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَصْلِ فِي التَّجَزُّؤِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَحْرَارِ عِنْدَهُمَا، وَهَذَا كَمَا إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ، أَوْ أَعْتَقَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ أَوْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوِ الْغُرَمَاءُ أَوِ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ.
أَمَّا الْعَبْدُ الرَّهْنُ إِذَا أَعْتَقَهُ الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَسَعَى الْعَبْدُ فَهُوَ حُرٌّ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَى الرَّاهِنِ لَا فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا سَعَى.
قَالَ: (وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ عَتَقَ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا عَنْ مَلْبُوِسِهِ وَقُوتِ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ، فَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ دَبَّرَ، وَإِنْ شَاءَ كَاتَبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَكَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ)، وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا الضَّمَانُ فِي حَالَةِ الْيَسَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَوْجَبَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُوسِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَصِيبَ السَّاكِتِ حَيْثُ أَعْجَزَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالتَّمْلِيكِ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، فَإِذَا ضَمَّنَهُ فَالْمُعْتِقُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَيْهِ بِمَا كَانَ لِشَرِيكِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَوْ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى صَارَ كَالشَّرِيكِ السَّاكِتِ، لِلسَّاكِتِ ذَلِكَ بِالسِّعَايَةِ فَكَذَا هَذَا. وَالثَّانِي لِلسَّاكِتِ وَلَايَةُ الْإِعْتَاقِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتِقَ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ كَانَ وَلَاءُ نَصِيبِهِ لَهُ. وَالثَّالِثُ لِلسَّاكِتِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتِقَهُ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّ نَصِيبَهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنَ الْعَبْدِ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِذَا اسْتَسْعَى فَوَلَاءُ نَصِيبِهِ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِهِ.
وَالرَّابِعُ لَهُ أَنْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ فِيهِ كَانَ قَابِلًا لِلتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ نَوْعُ إِعْتَاقٍ وَالْكِتَابَةَ اسْتِسْعَاءٌ مُنَجَّمٌ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ أَيْضًا، وَفِي حَالَةِ الْإِعْسَارِ إِنْ شَاءَ السَّاكِتُ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ كَاتَبَ أَوِ اسْتَسْعَى لِمَا بَيَّنَّا، وَالْوَلَاءُ لَهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا عِتْقٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ، فَلَمَّا كَانَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ تَفَرَّعَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا لَمْ يَتَجَزَّأْ عِنْدَهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَتَعَيَّنُ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا تَعَذَّرَ ضَمَانُهُ فَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ مُحْتَبَسَةٌ عِنْدَهُ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِمَا يُؤَدِّي بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا، لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ حَصَلَتْ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى فَكَانَ ضَمَانًا بِعِوَضٍ حَصَلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَسْعَى لِفِكَاكِ رَقَبَتِهِ لَا لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ لَمْ يَلْحَقْهُ شَيْءٌ. وَلَهُمَا أَيْضًا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ إِنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يَسْعَى الْعَبْدُ» قُسِمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ.
وَيُعْتَبَرُ الْإِعْسَارُ وَالْيَسَارُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُوسِرٌ فَأَعْسَرَ لَا يَبْطُلُ التَّضْمِينُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعِتْقِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ يُحَكَّمُ الْحَالُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُقَوَّمُ لِلْحَالِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ سَابِقًا عَلَى الِاخْتِلَافِ فَالْقَوْلُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ وَوَقْتِ الْإِعْتَاقِ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ لِلْحَالِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوِ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَالسَّاكِتُ فِي الْقِيمَةِ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ إِلَّا التَّضْمِينُ، لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالسِّعَايَةَ فَاتَا بِالْمَوْتِ، فَإِذَا ضَمِنَ رَجَعَ الْمُعْتِقُ عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ إِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ.
وَلَوْ كَانَ الْمُعَتَقُ مُعْسِرًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يَرْجِعَ فِي أَكْسَابِهِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَجِبُ بِنَفْسِ الْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ الْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ فِي تَرِكَتِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّ ضَمَانَ التَّمْلِيكِ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَوْ مَاتَ السَّاكِتُ فَلِلْوَرَثَةِ أَحَدُ الِاخْتِيَارَاتِ، فَإِنِ اخْتَارَ بَعْضُهُمُ الْعِتْقَ وَبَعْضُهُمُ الضَّمَانَ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَى أَحَدِهِمَا. أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَشَرِيكُهُ عَبْدٌ مَأْذُونٌ إِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَلَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ أَوِ السِّعَايَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا
وَإِذَا اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ، وَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ (سم) وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ، وَكَذَا إِذَا اسْتَوْلَدَ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ صَبِيًّا فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ إِنْ شَاءَ ضَمِنَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ يُنَصِّبُ لَهُ الْقَاضِي وَلِيًّا، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَيَا ابْنَ أَحَدِهِمَا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ، وَشَرِيكُهُ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) وَكَذَا إِذَا مَلَكَاهُ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الِابْنُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِشَرِيكِ أَبِيهِ، وَعَلَى هَذَا إِذَا اشْتَرَيَاهُ وَقَدْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِهِ إِنِ اشْتَرَى نِصْفَهُ، وَإِنْ مَلَكَاهُ بِالْإِرْثِ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إِعْتَاقٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَقَدْ أَفْسَدَ نَصِيبَ الشَّرِيكِ بِالْإِعْتَاقِ فَصَارَ كَعَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إِعْتَاقٌ كَمَا قَالَا وَقَدْ شَارَكَهُ فِيهِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْإِعْتَاقِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يُضَمَّنُ، كَمَا إِذَا أَذِنَ لَهُ بِالْقَوْلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، كَمَا إِذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَكْلِ طَعَامٍ مَمْلُوكٍ لِلْآمِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَلَوِ اشْتَرَى الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَالْأَجْنَبِيُّ إِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: يَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ لِمَا عُرِفَ، وَلَوِ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ مِمَّنْ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ لَمْ يَضْمَنْ لِلْبَائِعِ شَيْئًا، وَقَالَا: يَضْمَنُ وَالْأَصْلُ مَا مَرَّ.
قَالَ: (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ مَاتَ عَتَقَ الْآخَرُ) لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْمَوْتِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ، وَبِالْبَيْعِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ، وَبِالْعَرْضِ قَصَدَ الْوُصُولَ إِلَى الثَّمَنِ وَأَنَّهُ يُنَافِي الْحُرِيَّةَ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ، وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْعِتْقِ تَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَبِالتَّدْبِيرِ قُصِدَ بَقَاءُ الِانْتِفَاعِ بِهِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ يُنَافِي الْعِتْقَ الْمُنَجَّزَ فَيَتَعَيَّنُ الْآخَرُ.
قَالَ: (وَكَذَا إِذَا اسْتَوْلَدَ إِحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ) لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ كَالتَّدْبِيرِ فِيمَا ذَكَرْنَا بَلْ أَقْوَى، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ، فَإِنْ نَوَى الْبَيَانَ صُدِّقَ دِيَانَةً وَالْآخَرُ عَبْدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عَتَقَا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّهُمَا نَوَيْتَ؟ ، فَقَالَ: لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْآخَرُ
وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ. ثُمَّ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا لَا تَعْتِقُ الْأُخْرَى (سم) ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ إِحْدَى أَمَتَيْهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ (سم) .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَمْ أَعْنِ هَذَا عَتَقَ الْأَوَّلُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ طَلَاقُ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلِيَّ أَلْفٌ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، لَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّعْيِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ إِقَامَةً لِلْوَاجِبِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ لَا يَلْزَمُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ نَفْيُ أَحَدِهِمَا تَعْيِينًا لِلْآخَرِ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْمَرَضِ يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ عِتْقًا مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَالْكَفَّارَةِ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَا يَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي الْبَيَانِ.
(وَلَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إِحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا لَا تُعْتَقُ الْأُخْرَى) وَقَالَا: تُعْتَقُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إِلَّا فِي الْمِلْكِ، وَإِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ فَكَانَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ فَتَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى كَمَا فِي طَلَاقِ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَالْوَطْءَ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ فَلَا يُجْعَلُ بَيَانًا، ثُمَّ قِيلَ: الْعِتْقُ غَيْرُ نَازِلٍ قَبْلَ الْبَيَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُمَا وَعَقْرَهُمَا وَأَرْشَهُمَا، وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا عِنْدَهُ وَلَا يُفْتَى بِهِ، وَيَنْزِلُ الْعِتْقُ فِي إِحْدَاهُمَا عِنْدَ الْبَيَانِ، وَمَا دَامَ الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى فِيهِمَا فَهُمَا كَأَمَتَيْنِ. وَقِيلَ إِنَّهُ نَازِلٌ فِي الْمُنَكَّرَةِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ حُكْمٍ يَقْبَلُهُ وَالْوَطْءُ يَقَعُ فِي الْمُعَيَّنَةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنَ النِّكَاحِ الْوَلَدُ، فَبِالْوَطْءِ قَصَدَ الْوَلَدَ، فَدَلَّ عَلَى اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْمَوْطُوءَةِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَمَةِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ، وَلَوْ وَطِئَ وَطْئًا مُعَلَّقًا فَهُوَ بَيَانٌ، وَلَوِ اسْتَخْدَمَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَا يَكُونُ بَيَانًا بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ أَوْ إِحْدَى أَمَتَيْهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ)، وَقَالَا: تُقْبَلُ وَيُجْبَرُ عَلَى إِيقَاعِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِي طَلَاقِ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إِحْدَاهُمَا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الْأَمَةِ وَالْمَرْأَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهَا وَطَلَاقِهَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الدَّعْوَى كَالْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَلَهُ أَنَّهَا شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ فَيُشْتَرَطُ لَهَا الدَّعْوَى كَسَائِرِ حُقُوقِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْعِتْقِ وَنَفْعِهِ يَقَعُ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَتَأَهَّلُ بِهِ لِلْوَلَايَاتِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ، وَيَرْتَفِعُ عَنْهُ بِذَلِكَ ذُلُّ الْمِلْكِيَّةِ وَيَصِيرُ مَالِكًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ