الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْإِقْرَارِ، أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ مَعْرُوفٌ.
فَصْلٌ وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ عَنْ ثَلَاثٍ وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا حَلَالٌ لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ؛ وَفِي جَارِيَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ يُحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
لَا يُوجِبُ إِحْصَانَ الْآخَرِ كَمَا بَيَّنَّا. وَعَنِ الْأُخْرَى أَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْإِحْصَانَ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا يُوجِبُهُ فِي الثَّانِي مِنَ الزَّمَانِ كَوَطْءِ الْمَوْلَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ صَارَ مَعْتُوهًا ثُمَّ أَفَاقَ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ الْأَوَّلَ بَطَلَ فَلَا يَثْبُتُ إِحْصَانٌ مُسْتَأْنَفٌ إِلَّا بِدُخُولٍ مُسْتَأْنَفٍ.
قَالَ: (وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْإِقْرَارِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَيْسَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ وَأَوْصَافٍ جَمِيلَةٍ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ مَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَإِنَّمَا الْإِحْصَانُ شَرْطٌ مَحْضٌ.
(وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ مَعْرُوفٌ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَذَلِكَ يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ؛ وَيَكْفِي فِي الْإِحْصَانِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ دَخَلَ بِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا بَاضَعَهَا أَوْ جَامَعَهَا، لِأَنَّ الدُّخُولَ مُشْتَرَكٌ فَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ. وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ مَتَى أُضِيفَ إِلَى الْمَرْأَةِ بِحَرْفِ الْبَاءِ لَا يُرَادُ بِهِ إِلَّا الْجِمَاعُ. قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ الْجِمَاعُ، وَلَوْ دَخَلَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ: وَطِئْتُهَا وَأَنْكَرَتْ صَارَ مُحْصَنًا وَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً لِجُحُودِهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ: كُنْتُ نَصْرَانِيَّةً، وَقَالَ: كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا دُونَ الْآخَرِ خُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِحِدِّهِ، لِأَنَّ جِنَايَةَ أَحَدِهِمَا أَخَفُّ وَالْآخَرِ أَغْلَظُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ اخْتَلَفَا فِي مُوجِبِهَا ضَرُورَةً.
[فصل وَطْءُ الْجَارِيَةِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَقَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ أُمِّهُ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ مُعْتَدَّتِهِ عَنْ ثَلَاثٍ وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا حَلَالٌ لَمْ يُحَدَّ؛ وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ؛ وَفِي جَارِيَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ يُحَدُّ بِكُلِّ حَالٍ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» .
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا وَزَنَى بِهَا، أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ لَاطَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
ثُمَّ الشُّبْهَةُ أَنْوَاعٌ: شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ، وَهِيَ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ، وَشُبْهَةٌ فِي الْعَقْدِ.
أَمَّا الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فَهُوَ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَيْعًا فَاسِدًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، أَوْ كَانَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، أَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الَّتِي جَعَلَهَا صَدَاقًا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ وَطِئَ الْمُبَانَةِ بِالْكِنَايَاتِ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ. وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ الْمَحَلُّ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَأَمَّا شُبْهَةُ الْفِعْلِ فَفِيمَا إِذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ وَالْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى مَالٍ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي الْعِدَّةِ أَوْ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ، وَالْمُرْتَهَنُ يَطَأُ جَارِيَةَ الرَّهْنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ الْحَدُّ، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا حَلَالٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ حُدَّ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْفِعْلَ مُبَاحٌ لَهُ كَمَا يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ، أَوْ لَهُ نَوْعُ حَقٍّ فِي الْمَحَلِّ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ وَطْأَهَا فَكَانَ ظَنُّهُ مُسْتَنَدًا إِلَى دَلِيلٍ فَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ إِذَا ادَّعَى الْحِلَّ، وَبِدُونِ الدَّعْوَى انْعَدَمَتِ الشُّبْهَةُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنِ ادَّعَاهُ لِأَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ، لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ لَا لِلشُّبْهَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ حَضَرَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ظَنَنْتُ أَنَّهُ حَلَالٌ لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا بِالْحُرْمَةِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إِذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ خَرَجَ فِعْلُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَخَرَجَ فِعْلُ الْآخَرِ فَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا، وَلَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوِ الْمُسْتَعَارَةَ أَوْ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ غَيْرِ الْوِلَادِ حُدَّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إِلَى شُبْهَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِ هَؤُلَاءِ، وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ.
وَأَمَّا شُبْهَةُ الْعَقْدِ بِأَنْ وَطِئَ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ أَمَةً بِغَيْرِ إِذَنِ مَوْلَاهَا أَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذَنِ مَوْلَاهُ، أَوْ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ وَلَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً فِي عُقْدَةٍ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِمَحَارِمِهِ فَوَطِئَهَا فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَإِنْ قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهِ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَحُكْمُهُ الْحِلُّ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ كَإِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَى الذَّكَرِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَقْدٌ صَادَفَ مَحَلَّهُ، لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا هُوَ صَالِحٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ النِّكَاحِ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ وَالْأُنْثَى مِنَ الْآدَمِيَّاتِ قَابِلَةٌ لِذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْحِلِّ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْهُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَأَنَّهَا تَكْفِي لِسُقُوطِ الْحَدِّ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَيُوجَعُ عُقُوبَةً لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ جِنَايَةً لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ.
قَالَ: (وَلَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا وَزَنَا بِهَا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ لَاطَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ)
وَلَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ وَلَوْ وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا حُدَّ؛ وَالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقَالَا: يُحَدُّ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا. لَهُمَا فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَصَارَ وُجُودُ الْإِجَارَةِ وَعَدَمُهَا سَوَاءً، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَسْقَتْ رَاعِيًا لَبَنًا فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ، ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهُمَا وَقَالَ ذَلِكَ مَهْرُهَا، وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ مَنَافِعُ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَصَارَ كَالْمُتْعَةِ.
وَلَهُمَا فِي اللُّوَاطَةِ أَنَّهَا كَالزِّنَا لِأَنَّهَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَقَدْ تَمَحَّضَ حَرَامًا فَيَجِبُ الْحَدُّ كَالزِّنَا، وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهَا، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُحْرَقُ بِالنَّارِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ مَوْضِعٍ حَتَّى يَمُوتَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُهْدَمُ عَلَيْهِمَا جِدَارٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: يُنَكَّسُ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ. وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتَصَّ بِاسْمٍ، وَأَنَّهُ يَنْفِي الِاشْتِرَاكَ كَاسْمِ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ فَلَا يَكُونُ زِنًا فَلَا يَلْحَقُ بِالزِّنَا فِي الْحَدِّ، إِذِ الْحُدُودُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْمَالَ بِحَالٍ مَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ كَمَا إِذَا فَعَلَ فِيمَا دُونَ السَّبِيلَيْنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ زِنًا لَمَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي حَدِّهِ، فَإِنَّ حَدَّ الزِّنَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَمُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةُ الْوَلَدِ وَلَا اشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْلَالِ أَوِ السِّيَاسَةِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ، وَيَجِبُ التَّعْزِيرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِمَا قُلْنَا، وَيُسْجَنُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ لِغِلَظِ الْجِنَايَةِ.
وَأَمَّا وَطْءُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ فَهُوَ كَاللُّواطَةِ حُكْمًا وَاخْتِلَافًا وَتَعْلِيلًا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا دُونَ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ: (وَلَوْ زُفَّتْ إِلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) بِذَلِكَ حَكَمَ عُمَرُ رضي الله عنه وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَعْرِفُ امْرَأَتَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلَّا بِإِخْبَارِ النِّسَاءِ فَقَدِ اعْتَمَدَ دَلِيلًا، لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ بِإِخْبَارِهِنَّ، وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً.
قَالَ: (وَلَوْ وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَوَطِئَهَا حُدَّ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ زَوْجَتِهِ بِكَلَامِهَا وَصَوْتِهَا وَجَسِّهَا وَحَرَكَتِهَا وَمَسِّهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَفَحَّصْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْذَرْ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَى إِلَّا إِذَا دَعَاهَا فَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُكَ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ إِخْبَارَهَا وَهُوَ دَلِيلٌ، وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ أَنَا فُلَانَةٌ حُدَّ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ بِالسُّؤَالِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ مَنْ نَادَاهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّفَحُّصُ عَنْ حَالِهَا.
قَالَ: (وَالزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْبَغْيِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ) إِذِ الْمَقْصُودُ هُوَ الِانْزِجَارُ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ لِانْقِطَاعِ
وَوَاطِئُ الْبَهِيمَةِ يَعُزَّرُ، وَلَوْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حُدَّ؛ وَلَوْ طَاوَعَتِ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يُحَدُّ، وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، وَالتَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ، ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا، ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ، ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
الْوِلَايَةِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَا يَنْقَلِبُ مُوجِبًا، حَتَّى لَوْ غَزَا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ.
قَالَ: (وَوَاطِئُ الْبَهِيمَةِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنَا وَلَا مَعْنَاهُ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ فَيُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا رحمهم الله أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُحْرَقُ بِالنَّارِ، لِمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَعَزَّرَهُ وَأَمَرَ بِالْبَهِيمَةِ فَذُبِحَتْ وَأُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ وَتُؤْكَلُ وَلَا تُحْرَقُ، وَقَالَا: يُحْرَقُ أَيْضًا هَذَا إِذَا كَانَتِ الْبَهِيمَةُ لِلْفَاعِلِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ يُطَالِبُ صَاحِبَهَا أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَذْبَحُهَا، وَهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا.
قَالَ: (وَلَوْ زَنَا بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ حُدَّ) خَاصَّةً (وَلَوْ طَاوَعَتِ الْعَاقِلَةُ الْبَالِغَةُ صَبَيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا يُحَدُّ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِفِعْلِ الزِّنَا، وَعَلَى الْمَرْأَةِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الزِّنَا، وَالْمَأْخُوذُ فِي حَدِّ الزِّنَا الْحُرْمَةُ الْمَحْضَةُ. وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي فِعْلِ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْمُخَاطَبَةِ نَحْوِهِ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهَا تَمْكِينًا مِنَ الزِّنَا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَفِعْلُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ تَمَحَّضَ حَرَامًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الصَّبِيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ.
قَالَ: (وَأَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) وَقِيلَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَقِيلَ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ؛ وَالْأَصْلُ أَنْ يُعَزِّرَهُ بِمَا يَنْزَجِرُ بِهِ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ لِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَضُمَّ الْحَبْسَ إِلَى التَّعْزِيرِ فَعَلَ، لِأَنَّهُ يَصْلُحُ زَاجِرًا حَتَّى يَكْتَفِيَ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا، وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ» فَهُمَا اعْتَبَرَا أَدْنَى الْحَدِّ، وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَنَقْصَا مِنْهُ سَوْطًا، وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ الْأَقَلَّ مِنْ حَدِّ الْأَحْرَارِ وَهُوَ ثَمَانُونَ فَنَقَصَ عَنْهُ خَمْسَةً فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَفِي رِوَايَةٍ سَوْطًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ حَقِيقَةً، وَتَعْزِيرُ الْعَبْدِ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَبْلُغُ فِي تَعْزِيرِهِ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَلَا فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ حَدَّ الْأَحْرَارِ.
قَالَ: (وَالتَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ) لِأَنَّهُ خُفِّفَ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ فَيَثْقُلُ مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ كَيْلَا يَفُوتَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، وَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُفَرِّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ.
قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ الْكِتَابُ، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ جَرِيمَةً حَتَّى وَجَبَ فِيهِ الرَّجْمُ. قَالَ:(ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ. قَالَ: (ثُمَّ حَدُّ الْقَذْفِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ