الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ
وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا لِلْحُرِّ وَأَرْبَعُونَ لِلْعَبْدِ، وَيَجِبُ بِقَذْفِ الْمُحْصَنِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَتَجِبُ إِقَامَتُهُ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ، وَيُفَرَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ إِلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ، وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ وَالرُّجُوعِ، وَإِحْصَانُ الْقَذْفِ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صِدْقَ القَاذِفِ، واللهُ أعلمُ. .
[بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ]
ِ الْقَذْفُ فِي اللُّغَةِ: الرَّمْيُ مُطْلَقًا، وَمِنْهُ الْقَذَّافَةُ وَالْقَذِيفَةُ: لِلْمِقْلَاعِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ، وَقَوْلُهُمْ بَيْنَ قَاذِفٍ وَحَاذِفٍ: أَيْ رَامٍ بِالْحَصَى وَحَاذِفٍ بِالْعَصَى، وَالتَّقَاذُفُ: التَّرَامِي، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَ فِيهِ الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَشْعَارِ يَوْمَ بُعَاثٍ " أَيْ تَشَاتَمَتْ، وَفِيهِ مَعْنَى الرَّمْيِ، لِأَنَّ الشَّتْمَ رَمْيٌ بِمَا يَعِيبُهُ وَيَشِينُهُ.
وَهُوَ فِي الشَّرْعِ: رَمْيٌ مَخْصُوصٌ، وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَا، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ: أَيْ رَمَاهَا بِالزِّنَى وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ وَفِيهِ الْحَدُّ.
(وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا لِلْحُرِّ، وَأَرْبَعُونَ لِلْعَبْدِ؛ وَيَجِبُ بِقَذْفِ الْمُحَصَنِ بِصَرِيحِ الزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وَالْمُرَادُ بِالرَّمْيِ الْقَذْفُ بِالزِّنَا إِجْمَاعًا، وَيَتَنَصَّفُ فِي الْعَبْدِ لِمَا مَرَّ.
(وَتَجِبُ إِقَامَتُهُ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ؛ وَصَرِيحُ الزِّنَا قَوْلُهُ: يَا زَانِي أَوْ زَنَيْتَ، أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ؛ وَلَوْ قَالَ: يَا ابْنَ الزِّنَى فَهُوَ قَذْفٌ مَعْنَاهُ: أَنْتَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الزِّنَا، وَيَجِبُ الْحَدُّ بِأَيِّ لِسَانٍ قَذَفَهُ، وَيَجِبُ عِنْدَ عَجْزِ الْقَاذِفِ عَنْ إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ فَيُضْرَبُ ثَمَانِينَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِمَا تَلَوْنَا مِنْ صَرِيحِ النَّصِّ.
قَالَ: (وَيُفَرِّقُ عَلَيْهِ) لِمَا مَرَّ فِي الزِّنَا (وَلَا يُنْزَعُ عَنْهُ إِلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَإِنَّمَا يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إِيصَالَ الْأَلَمِ إِلَيْهِ.
قَالَ: (وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الشَّهَادَاتِ، (وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ وَالرُّجُوعِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا.
قَالَ: (وَإِحْصَانُ الْقَذْفِ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعِفَّةُ عَنِ الزِّنَا) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَلِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا، وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْعِفَّةُ فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ جَزَاءً
وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، أَوْ لَسْتَ لِأَبِيكَ حُدَّ، وَلَا يُطَالِبُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ بِقَذْفِهِ فِي نَسَبِهِ؛ وَلَيْسَ لِلِابْنِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ أَوْ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ، وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمُلَاعِنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا، وَإِنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى الْكَذِبِ وَالْقَاذِفُ لِغَيْرِ الْعَفِيفِ صَادِقٌ.
قَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، أَوْ لَسْتَ لِأَبِيكَ حُدَّ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ، وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ أَوْ نَسَبِهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى خَالِهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ، أَوْ قَالَ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ لَمْ يُحَدُّ، لِأَنَّ نَفْيَهُ عَنْ جَدِّهِ صِدْقٌ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَجَازٌ عَادَةً وَشَرْعًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 133] وَإِبْرَاهِيمُ جَدُّهُ وَإِسْمَاعِيلُ عَمُّهُ، وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي السَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ وَطَهَارَةِ الْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ رَجُلًا اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ وَأَرَادَ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ فَهُوَ قَذْفٌ.
وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ، إِنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ حُدَّ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ السَّبُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمُعَاتَبَةُ عَادَةً لِنَفْيِ شَبَهِهِ لِأَبِيهِ فِي الْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ؛ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: زَنَيْتِ بِحِمَارٍ أَوْ بِثَوْرٍ لَا يُحَدُّ.
وَلَوْ قَالَ: زَنَيْتِ بِدَرَاهِمَ وَبِثَوْبٍ أَوْ بِنَاقَةٍ حُدَّ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْتِ وَأَخَذْتِ هَذَا، وَفِي الرَّجُلِ لَا يُحَدُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى الزِّنَا عُرْفًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: زَنَيْتُ بِكَ، لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِتَصْدِيقِهَا وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ لِقَذْفِهَا الرَّجُلَ.
قَالَ: (وَلَا يُطَالِبُ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ إِلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ بِقَذْفِهِ فِي نَسَبِهِ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُمْ لِلْجُزْئِيَّةِ، وَيُحَدُّ بِقَذْفِ أُصُولِهِ دُونَ فُرُوعِهِ فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا، لِأَنَّ الشَّرْطَ إِحْصَانُ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى الزِّنَا حَتَّى يَقَعَ تَعْيِيرًا كَامِلًا ثُمَّ يَرْجِعُ هَذَا التَّعْيِيرُ إِلَى وَلَدِهِ، وَالرِّقُّ وَالْكُفْرُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا وَقَعَ الْقَذْفُ ابْتِدَاءً لِلْكَافِرِ وَالْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّعْيِيرُ كَامِلًا عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ طَلَبُ الْحَدِّ بِقَذْفِ جَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ، لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ كَمَا يَلْحَقُ وَلَدَ الِابْنِ فَكَانُوا سَوَاءً. وَمَنْ قَذَفَ امْرَأَةً مَيْتَةً فَصَدَّقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُحَدُّ لِلْبَاقِينَ، لِأَنَّ قَذْفَ الْأُمِّ تَنَاوَلَ الْكُلَّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَذَفَ الْكُلَّ فَصَدَّقَهُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ.
قَالَ: (وَلَيْسَ لِلِابْنِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ أَبَاهُ أَوْ سَيِّدَهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ الْحُرَّةِ) لِأَنَّ الْأَبَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ وَلَا السَّيِّدَ بِسَبَبِ عَبْدِهِ حَتَّى لَا يُقْتَلَانِ بِهِمَا.
قَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمُلَاعِنَةُ بِوَلَدٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ، وَكَذَا إِذَا قَذَفَ امْرَأَةً مَعَهَا أَوْلَادٌ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ أَبٌ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَارَةُ الزِّنَا (وَإِنْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ) لِعَدَمِ أَمَارَةِ الزِّنَا.
اعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا إِنْ كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ أَمَّا إِنْ كَانَ
وَالْمُسْتَأْمَنُ يُحَدُّ بِالْقَذْفِ، وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ، وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الِاعْتِيَاضُ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
حَرَامًا لِعَيْنِهِ سَقَطَ إِحْصَانُهُ لِأَنَّهُ زِنًا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا يَسْقُطُ إِحْصَانُهُ وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٍ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي مِلْكِهِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُوَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ الْإِجْمَاعُ أَوِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ. بَيَانُ ذَلِكَ فِي صُوَرِ الْمَسَائِلِ وَهِيَ: الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْأَمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا وَالْمَجْنُونُ وَالْمُطَاوِعَةُ وَالْمُحَرَّمَةُ بِالْمُصَاهَرَةِ بِالْوَطْءِ وَوَطْءُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ إِمَّا لِلْجَهْلِ أَوْ لِلْإِكْرَاهِ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ لِأَنَّ كَثِيَرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مُحَرِّمًا، وَلَا نَصَّ فِي إِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ، بَلْ هُوَ نَوْعُ احْتِيَاطٍ إِقَامَةً لِلسَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ فَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِالشَّكِّ.
وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَسْقُطُ إِحْصَانُهُ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ عِنْدَهُمَا، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ بِخِلَافِ الْوَطْءِ لِأَنَّ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلِاخْتِلَافِ مَعَ صَرِيحِ النَّصِّ. وَأَمَّا الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ فِي الْمِلْكِ الْأُخْتُ مِنَ الرِّضَاعِ وَالْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ لِأَنَّهُ يُنَافِي مِلْكَ الْمُتْعَةِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ وَاقِعًا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ لَهُ شَبَهٌ بِالزِّنَا.
وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْحُرْمَةِ بِالْيَمِينِ وَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ وَوَطْءِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا يَسْقُطُ الْإِحْصَانُ، لِأَنَّ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ زِنًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ وَالْحُرْمَةُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ. وَمَنْ قَذَفَ كَافِرًا زَنَى فِي حَالَةِ الْكُفْرِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ زِنَاهُ فِي الْكُفْرِ حَرَامٌ؛ وَلَوْ قَذَفَ مُكَاتَبًا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَا يُحَدُّ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي حُرِّيَّتِهِ؛ وَلَوْ قَذَفَ مَجُوسِيًّا تَزَوُّجَ بِأُمِّهِ وَدَخْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَسْلَمَ حُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَقَدْ مَرَّ فِي النِّكَاحِ.
قَالَ: (وَالْمُسْتَأْمَنُ يُحَدُّ بِالْقَذْفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ وَقَدِ الْتَزَمَ إِيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُحَدُّ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ، وَلَا يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَرَى حِلَّهُ. وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَدُّ فِيهِمَا كَالذِّمِّيِّ، وَلِهَذَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُحَدُّ فِيهِمَا عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا مَا الْتَزَمَ وَهُوَ إِنَّمَا الْتَزَمَ حُقُوقَ الْعِبَادِ ضَرُورَةَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْمُعَاوَضَاتِ وَالرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْعِبَادِ.
قَالَ: (وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ) وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا أُقِيمُ بَعْضُ الْحَدِّ بِطَلَ الْبَاقِي (وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الِاعْتِيَاضُ)