الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا مَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، أَوْ مِنْ سَيِّدِهِ، أَوْ مِنَ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ، أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوْ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ.
وَتُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنَ الزَّنْدِ وَتُحْسَمُ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى السَّارِقِ نَصًّا؛ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ كَانَ إِلْحَاقًا لَهُ بِهِ فَيَكُونُ إِيجَابُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسِ فَلَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ لِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، وَلَا مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُقْطَعُ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ. وَقِيلَ هُوَ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ.
قَالَ: (وَلَا مَنْ سَرَقَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، أَوْ مِنْ سَيِّدِهِ، أَوْ مِنِ امْرَأَةِ سَيِّدِهِ، أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ، أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنَ الْغَنِيمَةِ، أَوْ مَنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ) لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْحِرْزِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ فِي الْبَعْضِ وَبُسُوطَةٍ فِي الْبَعْضِ فِي مَالِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَكْسَابِ الْمُكَاتَبِ وَلَهُ نَصِيبٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَكَذَا إِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَوْلَاهُ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَرِيمِهِ مِثْلَ مَالِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ وَالتَّأْجِيلُ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَ أَكَثْرَ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا بِمِقْدَارِ حَقِّهِ.
وَكَذَا إِذَا أَخَذَ أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِهِ أَوْ أَرْدَأَ، لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ؛ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ خِلَافِ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إِلَّا بَيْعًا إِلَّا إِذَا قَالَ: أَخَذْتُهُ رَهْنًا بِحَقِّي أَوْ قَضَاءً بِهِ فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَدْ ظُنَّ فِي مَوْضِعِهِ. قَوْمٌ سَرَقُوا وَفِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْكَبِيرُ لِأَنَّهُ فِعْلُ وَاحِدٍ لَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ لِلشُّبْهَةِ، وَكَذَا شَرِيكُ ذِي الرَّحِمِ الْمُحْرَمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ادْرَإِ الْحَدَّ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَحْرَمِ، وَاقْطَعِ الْآخَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ، إِذْ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَبَرٌ بِانْفِرَادِهِ، وَشَرِيكُ الْأَخْرَسِ كَشَرِيكِ الصَّبِيِّ فِي الْخِلَافِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَخْرَسِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ ادَّعَى شُبْهَةَ الشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ الْأَعْمَى إِذَا سَرَقَ لِجَهْلِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَحِرْزِ غَيْرِهِ.
[فصل بيان محل القطع]
فَصْلٌ (وَتُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنَ الزَّنْدِ وَتُحْسَمُ) أَمَّا الْقَطْعُ فَلِلْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَلِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَأَمَّا مِنَ الزَّنْدِ لِأَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ، فَإِنَّ الْيَدَ تَتَنَاوَلُ إِلَى الْإِبِطِ وَتَتَنَاوَلُ إِلَى الزَّنْدِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ، وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ مُفَسِّرَةً لَهَا بِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنَ الزَّنْدِ» . وَأَمَّا الْحَسْمُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:
فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ لَمْ يُقْطَعْ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ إِبْهَامِهَا أَوْ أُصْبُعَيْنِ سِوَاهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ بِهَا عَرَجٌ يَمْنَعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَلَا رِجْلُهُ الْيُسْرَى.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
«فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ تُحْسَمُ يُؤَدِّي إِلَى التَّلَفِ، لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَنْقَطِعُ إِلَّا بِهِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ غَيْرُ مُتْلِفٍ، وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ.
(فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ لَمْ يُقْطَعْ وَيُحْبَسْ حَتَّى يَتُوبَ) وَالْأَصْلُ أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، لِأَنَّ الْحُدُودَ شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَنِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ لَا مُتْلِفَةً لِلنُّفُوسِ الْمُحْتَرَمَةِ، فَكُلُّ حَدٍّ يَتَضَمَّنُ إِتْلَافَ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يُشْرَعْ حَدًّا، وَكُلُّ قَطْعٍ يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ كَانَ إِتْلَافًا لِلنَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يُشْرَعُ، وَقَطْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى يُؤَدِّي إِلَى إِتْلَافِ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَبِهَذَا حَاجَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَحَجَّهُمْ فَانْعَقَدَ إِجْمَاعًا. وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَدْ سَرَقَ يُقَالُ لَهُ " سَدُومٌ " فَأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إِنَّمَا عَلَيْهِ قَطْعُ يَدٍ وَرِجْلٍ، فَحَبَسَهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَلَمْ يَقْطَعْهُ فَفَتْوَى عَلِيٍّ وَرُجُوعُ عُمَرَ رضي الله عنهما إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالَفَةٍ مِنْ غَيْرِهِمَا دَلِيلٌ عَلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ شَرِيعَةً عَرَفُوهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِي جَبْرًا لَحِقَهُ.
وَمَا رُوِيَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي قَطْعِ أَرْبَعَةِ السَّارِقِ طَعَنَ فِيهِ الطَّحَاوِيُّ، أَوْ نَقُولُ: لَوْ صَحَّ لَاحْتَجَّ بِهِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَحَيْثُ حَجَّهُمْ وَرَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ذَاهِبَةً أَوْ مَقْطُوعَةً تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنَ الْمِفْصَلِ، وَإِنْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِهْلَاكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ.
قَالَ: (فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَ الْيُسْرَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ إِبْهَامِهَا أَوْ أَصْبُعَيْنِ سِوَاهَا، وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا أَوْ بِهَا عَرَجٌ يَمْنَعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَلَا رِجْلُهُ الْيُسْرَى) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَا يَنْتَفِعُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى لِآفَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ لَا يُقْطَعُ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بَطْشًا أَوْ مَشْيًا وَقِوَامُ الْيَدِ بِالْإِبْهَامِ، فَعَدَمُهَا أَوْ شَلَلُهَا كَشَلَلِ جَمِيعِ الْيَدِ، وَلَوْ كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَ، لِأَنَّ فَوَاتَ الْوَاحِدَةِ لَا يُوجِبُ نَقْصًا ظَاهِرًا فِي الْبَطْشِ، بِخِلَافِ الْأُصْبَعَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْإِبْهَامِ فِي الْبَطْشِ.
وَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ الْيُمْنَى شَلَّاءَ
وَإِنِ اشْتَرَى السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوِ ادَّعَاهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِذَا قُطِعَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا؛ وَمَنْ قُطِعَ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ سَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ يُقْطَعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ قَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى دُونَ الْيُسْرَى وَاسْتِيفَاءُ النَّاقِصِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْكَامِلِ جَائِزٌ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ ذِكْرُهُ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ، وَلَوْ كَانَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ عَلَيْهَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِلَّا فَلَا لِمَا بَيَّنَّا؛ فَإِنْ سَرَقَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ حُبِسَ وَضُرِبَ، لِأَنَّ الْقَطْعَ لَمَّا سَقَطَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الزَّجْرُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه.
قَالَ: (وَإِنِ اشْتَرَى السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوِ ادَّعَاهُ لَمْ يُقْطَعْ)، وَقَالَ زُفَرُ: إِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ قُطِعَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتِ انْعِقَادًا وَظُهُورًا، وَبِالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ لَمْ يَتَبَيَّنْ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ السَّرِقَةِ فَلَمْ تَثْبُتِ الشُّبْهَةُ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُدُودِ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلظُّهُورِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا مَلَكَهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ وَأَنَّهَا تَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا قُطِعَ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ رَدَّهَا) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ؛ وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام قَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ وَرَدََّ الرِّدَاءَ عَلَى صَفْوَانَ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ مَلَكَهَا غَيْرُهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا لِمَا قُلْنَا.
(وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً لَمْ يَضْمَنْهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَوْفٍ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام:«إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ» ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهَا لَمَلَكَهَا مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ وَاقِعًا عَلَى أَخْذِ مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ. وَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ إِنِّي آمُرُهُ بِرَدِّ قِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَهُ، وَإِنْ كُنْتُ لَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يُؤَدِّي إِلَى إِيجَابِ مَا يُنَافِي الْقَطْعَ لَكِنْ يُفْتَى بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَحْظُورًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَذَلِكَ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ سَقَطَ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ ضَمِنَ، لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَإِنَّمَا سَقَطَ بِالْقَطْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا سَقَطَ الْقَطْعُ عَادَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ. قَالَ:(وَمَنْ قُطِعَ فِي سَرِقَةٍ ثُمَّ سَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ) ؛ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ إِذَا رَدَّهَا صَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى فِي حَقِّ الضَّمَانِ، فَكَذَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ؛ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا صَارَتْ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ فِي حَقِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اسْتَهْلَكَهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّهِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ فِي سَرِقَتِهِ وَبِالرَّدِّ إِلَى الْمَالِكِ إِنْ عَادَتْ حَقِيقَةُ الْعِصْمَةِ فَشُبْهَةُ السُّقُوطِ
وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهَا كَمَا إِذَا كَانَ غَزْلًا فَنُسِجَ قُطِعَ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
بَاقِيَةٌ نَظَرًا إِلَى اتِّحَادِ الْمِلْكِ وَالْمَحَلِّ.
قَالَ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهَا كَمَا إِذَا كَانَ غَزْلًا فَنُسِجَ قُطِعَ) لِتَبَدُّلِ الْعَيْنِ اسْمًا وَصُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى يَمْلِكَهُ الْغَاصِبُ بِهِ، وَإِذَا تَبَدَّلَتِ الْعَيْنُ انْتَفَتِ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ مِنَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْقَطْعِ فِيهِ فَيُقْطَعُ.
وَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فِيهَا، ثُمَّ إِنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ عَادَ وَسَرَقَهَا، قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ حَقِيقَةً لَكِنْ تَبَدَّلَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا فَكَانَ شُبْهَةُ سُقُوطِ الْعِصْمَةِ قَائِمَةً. وَقَالَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ: يُقْطَعُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ سَقَطَتْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ انْعَدَمَتْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَقَدْ وَجَدَ دَلِيلَ الْعِصْمَةِ وَفَقَدَ دَلِيلَ سُقُوطِهَا فَبَقِيَتْ مَعْصُومَةً، فَإِذَا عَادَتْ إِلَى الْبَائِعِ عَادَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً كَمَا كَانَتْ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ قُطْنًا فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ غُزِلَ فَسَرَقَهُ قُطِعَ لِمَا بَيَّنَا؛ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبَ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ فَقُطِعَ فِيهِ ثُمَّ نَقَضَ الثَّوْبَ فَسَرَقَهُ ثَانِيًا لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ الْعَيْنَ وَالْمِلْكَ لَمْ يَتَبَدَّلْ.
وَحُضُورُ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالسَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالسَّرِقَةِ قَضَاءٌ بِالْمِلْكِ لَهُ؛ وَلَوْ غَابَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ لِلِاسْتِيفَاءِ شَبَهًا بِالْقَضَاءِ وَلِهَذَا رُجُوعُ الشُّهُودِ وَجَرْحُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَغَيْبَةُ الشُّهُودِ وَمَوْتُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يَمْنَعُ الْإِمْضَاءَ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تُدْرَأُ بِشُبْهَةٍ تُتَوَهَّمُ مِثْلَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ، لِأَنَّ هَذَا التَّوَهُّمَ لَا يَنْقَطِعُ، فَلَوِ اعْتُبِرَ لَمْ يُقَمْ حَدٌّ أَبَدًا، وَلَوْ فَسَقُوا أَوْ عَمُوا أَوْ جُنُّوا أَوِ ارْتَدُّوا بَعْدَ الْقَضَاءِ يُمْنَعُ الْإِمْضَاءُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ دُونَ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يُظْهِرُ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءَ لِلْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَقَّ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْقَضَاءِ لِظُهُورِ وِلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ قَضَاءً مَعْنًى، فَكَانَتْ هَذِهِ الْعَوَارِضُ حَادِثَةً قَبْلَ الْقَضَاءِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، لِأَنَّ الْحَقَّ إِذَا ظَهَرَ بِالْقَضَاءِ فَوِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ ثَبَتَتْ لِصَاحِبِ الْحَقِّ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ لَا بِالْقَضَاءِ.
وَلَوْ سَرَقَتْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَا سَقَطَ الْقَطْعُ، لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ فَيَمْنَعُ الْقَضَاءَ أَوْلَى، وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَةِ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ.
اعْلَمْ أَنَّ الْيَدَ ضَرْبَانِ: صَحِيحَةٌ، وَغَيْرُ صَحِيحَةٍ. فَالسَّرِقَةُ مِنَ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَطْعُ، يَدُ مَالِكٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَالِكٍ، وَمِنْ غَيْرِ الصَّحِيحَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْقَطْعُ؛ وَالْيَدُ الصَّحِيحَةُ يَدُ مِلْكٍ وَيَدُ أَمَانَةٍ وَيَدُ ضَمَانٍ، وَالَّتِي لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ يَدُ السَّارِقِ، أَمَّا السَّرِقَةُ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا مِنْ يَدِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّهَا كَيَدِ الْمَالِكِ، لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ يَدٌ مُوَدَعَةٌ وَيَدُ الضَّمَانِ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْغَاصِبِ لِأَنَّ لَهُمْ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، وَالْأَخْذُ دَفْعًا لِلضَّمَانِ عَنْهُمْ فَأَشْبَهَتْ يَدَ الْمَالِكِ، وَيُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا إِذَا سَرَقَ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
هَؤُلَاءِ إِلَّا الرَّاهِنَ، لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي قَبْضِ الْعَيْنِ مَعَ قِيَامِ الرَّهْنِ، فَإِذَا قُضِيَ الدَّيْنُ بَطَلَ الرَّهْنُ فَكَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُصُومَةِ فَيُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ أَيْضًا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ وَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْخُصُومَةِ لِلْبَاقِينَ إِنَّمَا تُثْبِتُ ضَرُورَةَ الْحِفْظِ فَلَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَطْعِ. وَلَنَا أَنَّ السَّرِقَةَ تَثْبُتُ لِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ عَقِيبَ خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ لِحَاجَتِهِمْ إِلَى الِاسْتِرْدَادِ فَيَسْتَوْفِي الْقَطْعُ كَالسَّرِقَةِ مِنَ الْمَالِكِ فَلَا تُعْتَبَرُ شُبْهَةً مَوْهُومَةَ الِاعْتِرَاضِ، وَالْيَدُ الَّتِي لَيْسَتْ يَدَ السَّارِقِ فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ، وَلَا أَمَانَةَ وَلَا ضَمَانَ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنَ الطَّرِيقِ أَوْ أَخَذَ الْمَالَ الضَّائِعَ، وَلَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا، لِأَنَّ السَّارِقَ الثَّانِي لَمْ يَزَلْ عَنِ الْمَالِكِ يَدًا صَحِيحَةً فَصَارَ كَأَخْذِهِ مِنَ الطَّرِيقِ.
وَكُلُّ مَا يُحْدِثُهُ السَّارِقُ فِي الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا أَوْ زِيَادَةً، فَإِنْ كَانَ نَقْصًا قُطِعَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَرُدَّتِ الْعَيْنُ، لِأَنَّ نُقْصَانَ الْعَيْنِ لَيْسَ بِأَكْثَرِ مِنْ هَلَاكِهَا؛ وَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةً فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ حَقُّ الْمَالِكِ عَنِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ قَبَاءً أَوْ جُبَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قُطِعَ السَّارِقُ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَى الْعَيْنِ وَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّ الْعَيْنَ زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَتَعَذَّرَ الضَّمَانُ بِالْقَطْعِ فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ لَا تَقْطَعُ حَقَّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ كَالصَّبْغِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقْطَعُ السَّارِقُ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى الْعَيْنِ، وَقَالَا: يَأْخُذُهُ وَيُعْطِي مَا زَادَ عَلَى الصَّبْغِ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الثَّوْبِ وَبَيْنَ أَخْذِهِ وَضَمَانِ الزِّيَادَةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِالْقَطْعِ فَتَعَيَّنَ أَخْذُهُ، وَضَمَانُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَضْمِينُ الثَّوْبِ بَعْدَ الْقَطْعِ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ رَدَّ الثَّوْبَ يَصِيرُ السَّارِقُ شَرِيكًا فِيهِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْقَطْعِ، وَسَرِقَةُ الْعَيْنِ الْمُشْتَرِكَةِ تُسْقِطُ الْقَطْعَ ابْتِدَاءً، فَإِذَا وُجِدَ الْقَطْعُ لَمْ يَجُزْ إِثْبَاتُ مَا يُنَافِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا صَبَغَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَالِكُ بَعْضَ الثَّوْبِ مِنَ السَّارِقِ.
وَلَوْ سَرَقَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَضَرَبَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ قُطِعَ وَرَدَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: لَا سَبِيلَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ صَنْعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَقَدْ عُرِفَ فِي الْغَصْبِ، وَفِي الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ إِنْ جَعَلَهُ أَوَانِيَ، فَإِنْ كَانَ يُبَاعُ عَدَدًا فَهُوَ لِلسَّارِقِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَبِهَذَا الْأَصْلِ يُعْرَفُ جَمِيعُ مَسَائِلِ مَا يُحْدِثُهُ السَّارِقُ فِي الْمَسْرُوقِ لِمَنْ يَتَأَمَّلُهُ.