الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العتق
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَإِذَا تَسَاوَيَا لَمْ يَجُزْ لَهَا نَقْلُهُ، وَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وُجِدَ فِيهِ فَيُوجِبُ أَحْكَامَهُ فِيهِ فَلَا بُدَّ فِي النُّقْلَةِ مِنَ الْوَطَنِ وَوُقُوعِ الْعَقْدِ فِيهِ.
وَهَذَا إِذَا كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ مَسَافَةٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يُمْكِنُ الْأَبَ الِاطَّلَاعَ عَلَيْهِ وَيَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وَصَارَ كَالنُّقْلَةِ مِنْ مَحَلَّةٍ إِلَى أُخْرَى فِي الْمِصْرِ الْمُتَبَاعِدِ الْأَطْرَافِ، وَالْقَرْيَتَانِ كَالْمِصْرَيْنِ، وَكَذَا لَوِ انْتَقَلَتْ مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى الْمِصْرِ، لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ حَيْثُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَبِالْعَكْسِ لَا، لِأَنَّ أَخْلَاقَ أَهْلِ السَّوَادِ أَجْفَى فَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ بِالصَّبِيِّ فَلَا يَجُوزُ.
[كتاب العتق]
ِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْقُوَّةُ، يُقَالُ: عَتَقَ الطَّائِرُ: إِذَا قَوِيَ عَلَى الطَّيَرَانِ، وَعِتَاقُ الطَّيْرِ: كَوَاسِبُهَا لِقُوَّتِهَا عَلَى الْكَسْبِ، وَعَتَقَتِ الْخَمْرُ: قَوِيَتْ وَاشْتَدَّتْ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلْجَمَالِ، يُقَالُ: فَرَسٌ عَتِيقٌ: أَيْ رَائِعٌ جَمِيلٌ، وَسُمِّيَ الصَّدِيقُ عَتِيقًا لِجَمَالِهِ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلْكَرَمِ، وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ: أَيِ الْكَرِيمُ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلسَّعَةِ وَالْجَوْدَةِ، وَمِنْهُ رِزْقٌ عَاتِقٌ: أَيْ جَيِّدٌ وَاسِعٌ.
وَفِي الشَّرْعِ: زَوَالُ الرِّقِّ عَنِ الْمَمْلُوكِ وَفِيهِ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهُ بِالْعِتْقِ يَقْوَى عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَيُورِثُهُ جَمَالًا وَكَرَامَةً بَيْنَ النَّاسِ وَيَزُولُ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَجْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ فَيَتَّسِعُ رِزْقُهُ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ. وَالْحُرِّيَّةُ: الْخَلَاصُ، وَالْحُرُّ: الْخَالِصُ، وَمِنْهُ طِينٌ حُرٌّ: خَالِصٌ لَا رَمْلَ فِيهِ، وَأَرْضٌ حُرَّةٌ: خَالِصَةٌ مِنَ الْخَرَاجِ وَالنَّوَائِبِ. وَالتَّحْرِيرُ: إِثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ الْخُلُوصُ فِي الذَّاتِ عَنْ شَائِبَةِ الرِّقِّ.
وَالرِّقُّ فِي اللُّغَةِ: الضَّعْفُ، وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ، وَصَوْتٌ رَقِيقٌ: أَيْ ضَعِيفٌ. وَفِي الشَّرْعِ: ضَعْفٌ مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحُرُّ مِنَ الْوَلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَبِالْإِعْتَاقِ وَالتَّحْرِيرِ تَثْبُتُ لَهُ الْقُوَّةُ عَلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَتُخَلِّصُهُ عَنْ شَوَائِبِ الرِّقِّ وَالْإِذْلَالِ. وَقَالَ الْقُدُورِيُّ رحمه الله: الْعِتْقُ إِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنِ الرِّقِّ، وَالْحُقُوقُ تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ، فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنِ الرِّقِّ عِتْقٌ، وَعَنِ اسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ طَلَاقٌ، وَعَنِ الدُّيُونِ بَرَاءَةٌ، فَإِنَّهُ إِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَحْتَاجُ إِلَى النَّقْلِ فَيَسْقُطُ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَعْيَانُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْهَا، لِأَنَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ تَبْقَى غَيْرَ مُتَنَقِّلَةً فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ.
وَهُوَ قَضِيَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَقُرْبَةٌ مَنْدُوبَةٌ. أَمَّا شَرْعِيَّتُهَا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3]، وَقَالَ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] كُلِّفْنَا بِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، وَلَوْلَا شَرْعِيَّتُهُ لَمَا كُلِّفْنَاهُ، إِذْ تَكْلِيفُ
وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ، وَأَعْتَقْتُكَ، أَوْ حَرَّرْتُكَ، وَهَذَا مَوْلَايَ، أَوْ يَا مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي، وَيَا حُرُّ، وَيَا عَتِيقُ، إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا يَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ قَبِيحٌ، وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابُهُ أَعْتَقُوا، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى شَرْعِيَّتِهِ، وَأَمَّا النَّدْبِيَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13]{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 14] وَالنَّدْبِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ» «وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: لَئِنْ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ عَرَّضْتَ الْمَسْأَلَةَ، أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ "، قَالَ: أَلَيْسَا وَاحِدًا، قَالَ: " لَا، عِتْقُ الرَّقَبَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» .
ثُمَّ الْعِتْقُ قَدْ يَقَعُ قُرْبَةً وَمُبَاحًا وَمَعْصِيَةً، فَإِنْ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ فَهُوَ قُرْبَةٌ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ أَعْتَقَهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِالْعِتْقِ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ بِهِ تَوَثُّقًا وَخَوْفًا مِنَ التَّجَاحُدِ.
(وَلَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ مَالِكٍ قَادِرٍ عَلَى التَّبَرُّعَاتِ)، أَمَّا الْمِلْكُ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى التَّبَرُّعَاتِ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ.
قَالَ: (وَأَلْفَاظُهُ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ) كَمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ، (وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُحَرَّرٌ، أَوْ عَتِيقٌ، أَوْ مُعْتَقٌ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخُلُوصَ وَالْقِدَمَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، (وَ) قَوْلُهُ (أَعْتَقْتُكَ، أَوْ حَرَّرْتُكَ) صَرِيحٌ أَيْضًا، (وَ) كَذَلِكَ (هَذَا مَوْلَايَ، أَوْ يَا مَوْلَايَ، أَوْ هَذِهِ مَوْلَاتِي) لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ ضَرُورَةً، وَلَوْ نَوَى النُّصْرَةَ وَالْمَحَبَّةَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عُتِقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ مَتَى صَارَ حُرًّا فِي شَيْءٍ صَارَ حُرًّا فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ (وَيَا حُرُّ، وَيَا عَتِيقُ) صَرِيحٌ أَيْضًا (إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ اسْمًا لَهُ فَلَا يَعْتِقُ) إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِنْشَاءَ.
قَالَ: (وَكَذَلِكَ إِضَافَةُ الْحُرِّيَّةِ إِلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ) وَهُوَ كَالطَّلَاقِ فِي التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ وَالْخِلَافِ وَالْعِلَّةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ عُتِقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي الْبَاقِي، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَلَوْ قَالَ: بَعْضُكَ حُرٌّ
وَالْكِنَايَاتُ تَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ، وَخَرَجْتَ مِنْ مِلْكِي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَطْلَقْتُكِ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ قَالَ: هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي عَتَقَ (سم)
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْ جُزْؤُكَ عُتِقَ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. وَلَوْ قَالَ: دَمُكَ حُرٌّ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: فَرْجُكِ حُرٌّ مِنَ الْجِمَاعِ عُتِقَتْ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: فَرْجُكَ حُرٌّ يُعْتَقُ، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ فَرْجَ الْمَرْأَةِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا فَرْجَ الرَّجُلِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَالْمُرَادُ النِّسَاءُ، وَفِي الِاسْتِ وَالدُّبُرِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْبَدَنِ، وَفِي الْعِتْقِ رِوَايَتَانِ. وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالصَّرِيحِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: وَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ، أَوْ بِعْتُكَ نَفْسَكَ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَبِلَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ إِلَى الْعَبْدِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ بِإِزَالَتِهِ صَرِيحًا، فَلَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لُغَةً، لَكِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ النَّفْسِيَّةَ دُونَ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَكُونُ إِعْتَاقًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبُولِ، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهُ: بِعْتُ مِنْكَ نَفْسَكَ بِكَذَا افْتَقَرَ إِلَى الْقَبُولِ لِمَكَانِ الْعِوَضِ.
(وَالْكِنَايَاتُ تَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ، (وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ، وَخَرَجْتَ مِنْ مِلْكِي) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ لِأَنِّي بِعْتُكَ أَوْ وَهَبْتُكَ، وَيَحْتَمِلُ لِأَنِّي أَعْتَقْتُكَ، وَكَذَا سَائِرُهَا فَاحْتَاجَ إِلَى النِّيَّةِ، وَكَذَا خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، لِأَنَّ نَفْيَ السَّبِيلِ يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَيَكُونُ بِالْكِتَابَةِ وَيَكُونُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، (وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَطْلَقْتُكِ) لِأَنَّهُ بِمَعْنَى خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ.
(وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُكِ لَا تُعْتَقُ وَإِنْ نَوَى) وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَلْفَاظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ، لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَمَا يُزِيلُ الْأَقْوَى يُزِيلُ الْأَضْعَفَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَمَّا مَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْأَضْعَفِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُزِيلًا لِلْأَقْوَى، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ إِثْبَاتٌ لِلْقُوَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَالطَّلَاقُ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَبَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالرَّفْعِ تَضَادٌّ، وَلِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ مُسْتَعْمَلَةٌ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تُنَافِي النِّكَاحَ وَلَا تُنَافِي الْمَمْلُوكِيَّةَ فَلَا يَقَعُ كِنَايَةً عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ لِعَبْدِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ لَا تُعْتَقُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي عَلَيْكَ يُعْتَقُ إِذَا نَوَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْحَقَّ عِبَارَةٌ عَنِ الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ لِلَّهِ، أَوْ جَعَلْتُكَ خَالِصًا لِلَّهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِحُكْمِ التَّخْلِيقِ، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْعِتْقِ.
قَالَ: (وَإِنْ قَالَ هَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي عُتِقَ) ،
وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ، وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إِلَّا حُرٌّ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا عَمِّيَ أَوْ خَالِي، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَصْلُحُ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ أَيْضًا، لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ الدَّعْوَةِ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ وَيُعْتَقُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ وَالِدًا فِي قَوْلِهِ هَذَا أَبِي بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ، وَلَا وَلَدًا فِي قَوْلِهِ: هَذَا ابْنِي بِأَنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ، أَوْ مُقَارَنَةَ - عَتَقَ أَيْضًا عَمَلًا بِمَجَازِ اللَّفْظِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ عَلَيْهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِتَعَذُّرِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُعْتَقُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُكَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِمَجَازِهِ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَالْمُلَازَمَةُ مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ تَحَرُّزًا عَنْ إِلْغَاءِ كَلَامِ الْعَاقِلِ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْمَجَازِ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ التَّصْدِيقُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ، لِأَنَّ غَيْرَ الْبُنُوَّةِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى عَلَى الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِلتَّعَذُّرِ، وَيُعْتَقُ عَمَلًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَجَازِ.
(وَلَوْ قَالَ: هَذَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْأَخُ فِي الدِّينِ عُرْفًا وَشَرْعًا، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَخِ مُوجِبٌ لِلْعِتْقِ، وَالْأُخُوَّةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَى النَّسَبِ.
(وَلَوْ قَالَ: يَا بُنَيَّ أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالنِّدَاءِ إِلَّا بِخَمْسَةِ أَلْفَاظٍ: يَا ابْنِي، يَا بِنْتِي، يَا عَتِيقُ، يَا حُرُّ، يَا مَوْلَايَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: لَا يُعْتَقُ إِلَّا بِالثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ النِّدَاءَ وُضِعَ لِإِعْلَامِ الْمُنَادَى لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى النِّدَاءِ فِي الْمُنَادَى حَتَّى يُقَالَ لِلْبَصِيرِ يَا أَعْمَى، وَلِلْأَبْيَضِ يَا أَسْوَدُ، إِلَّا فِيمَا تَعَارَفَ النَّاسُ إِثْبَاتُ الْعِتْقِ بِهِ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إِعْلَامًا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِاسْمٍ لَهُ وَضْعًا فَجَعَلْنَاهُ لِإِثْبَاتِ مَعْنَى النِّدَاءِ فِي الْمُنَادَى وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنِ الْإِلْغَاءِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذِهِ بِنْتِي، أَوْ لِأَمَتِهِ: هَذَا ابْنِي. عُتِقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَلًا بِالْإِشَارَةِ، وَقِيلَ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ وَالتَّسْمِيَةَ اجْتَمَعَا فِي جِنْسَيْنِ فَكَانَتِ الْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى مَعْدُومٌ.
(وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْمُشَارَكَةُ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي عُرْفًا وَقَدْ وُجِدَ فَلَا يُعْتَقُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يُعْتَقُ إِذَا نَوَى كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ - وَفُلَانٌ قَدْ آلَى مِنِ امْرَأَتِهِ - إِنْ نَوَى الْإِيلَاءَ يَصِيرُ مُولِيًا.
(وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتَ إِلَّا حُرٌّ عَتَقَ) لِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتٌ مِنَ النَّفْيِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيدِ كَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، (وَلَوْ قَالَ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكَ