الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا بَأْسَ بِآنِيَةِ الْعَقِيقِ وَالْبِلَّوْرِ وَالزُّجَاجِ وَالرَّصَاصِ، وَيَجُوزُ (س) الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ إِذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ.
فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَارِ
وَيُكْرَهُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بَآنِيَةِ الْعَقِيقِ وَالْبِلَّوْرِ وَالزُّجَاجِ وَالرَّصَاصِ) لِأَنَّهُ لَا تَفَاخُرَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ إِذَا كَانَ يَتَّقِي مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) أَيْ يَتَّقِي فَمُهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَتَّقِي أَخْذَهُ بِالْيَدِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ السِّرْجُ الْمُفَضَّضُ وَالْكُرْسِيُّ، وَالْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَعْمَلَ جُزْءًا مِنَ الْإِنَاءِ فَقَدِ اسْتَعْمَلَ كُلَّهُ فَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْفِضَّةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَابِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَتْبُوعِ لَا لِلتَّبَعِ، وَصَارَ كَالْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ وَمِسْمَارِ الذَّهَبِ فِي فَصِّ الْخَاتَمِ، وَعَلَى هَذَا اللِّجَامُ الْمُفَضَّضُ وَالرِّكَابُ وَالثُّفْرُ، أَمَّا اللِّجَامُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالرِّكَابِ فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْفِضَّةَ بِعَيْنِهَا فَلَا يَجُوزُ، وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِالْأَوَانِي الْمُمَوَّهَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ لَا يُخْلَصُ فَصَارَ كَالْعَدَمِ، وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ يَكُونُ فِي إِنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ يُصَبُّ مِنْهُ عَلَى الْيَدِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَكْرَهُ، وَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْغَالِيَةِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ يَدَهُ أَوْ عُودًا فَيُخْرِجُهَا إِلَى الْكَفِّ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهَا مِنَ الْكَفِّ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلْإِنَاءِ، وَلَا كَذَلِكَ الدُّهْنُ وَالْأُشْنَانُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا بِهِ بِالصَّبِّ مِنْهُ.
[فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَارِ]
وَهُوَ مَصْدَرُ احْتَكَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ وَحَبَسْتَهُ، وَالِاسْمُ الْحُكْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ.
قَالَ: (وَيُكْرَهُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] ؛ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَحْتَكِرُوا الطَّعَامَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ إِلْحَادٌ، وَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَحْرُومٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " مَلْعُونٌ» . وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» ؛ وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام نَهَى أَنْ يُحْتَكَرَ الطَّعَامُ» ، وَرَوَى عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَلِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا
وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ (سم) ؛ وَإِذَا رُفِعَ إِلَى الْقَاضِي حَالُ الْمُحْتَكِرِ يَأْمُرُهُ بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ؛ وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فِي الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَلَى النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ.
وَالِاحْتِكَارُ أَنْ يَبْتَاعَ طَعَامًا مِنَ الْمِصْرِ أَوْ مِنْ مَكَانٍ يَجْلِبُ طَعَامَهُ إِلَى الْمِصْرِ وَيَحْبِسُهُ إِلَى وَقْتِ الْغَلَاءِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِصْرًا يَضُرُّ بِهِ الِاحْتِكَارُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الشِّرَاءَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ وَيَنْتَظِرُ زِيَادَةَ الْغَلَاءِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنْ يَكُونَ يَضُرُّ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْتَكِرٍ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تَلَقِّي الْجَلَبِ، لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْهُ.
قَالَ: (وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ وَمَا جَلَبَهُ) أَيْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمِصْرِ أَوْ مَا زَرَعَهُ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَجْلِبَ وَلَا يَزْرَعَ فَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ فِيمَا جَلَبَهُ أَيْضًا لِعُمُومِ النَّهْيِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ إِذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إِلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا.
قَالَ: (وَإِذَا رُفِعَ إِلَى الْقَاضِي حَالُ الْمُحْتَكِرِ يَأْمُرُهُ بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ قُوتِهِ وَعِيَالِهِ غَيْرُ مُحْتَكِرٍ وَيَتْرُكُ قُوتَهُمْ عَلَى اعْتِبَارِ السَّعَةِ؛ وَقِيلَ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ أَوَّلُ مَرَّةٍ نَهَاهُ عَنِ الِاحْتِكَارِ، فَإِنْ رُفِعَ إِلَيْهِ ثَانِيًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ بِمَا يَرَى زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ النَّاسِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أُجْبِرَ الْمُحْتَكِرِينَ عَلَى بَيْعِ مَا احْتَكَرُوا وَلَا أُسَعِّرُ، وَيُقَالُ لَهُ: بِعْ كَمَا يَبِيعُ النَّاسُ وَبِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا وَلَا أَتْرُكُهُ يَبِيعُ بِأَكْثَرَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى: «أَنَّ السِّعْرَ غَلَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَعَّرْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ» ؛ وَلِأَنَّ التَّسْعِيرَ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ وَإِنَّهُ نَوْعُ حَجْرٍ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ: " أُجْبِرُهُمْ عَلَى الْبَيْعِ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: إِمَّا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْحَجْرِ.
قَالَ: (وَلَا يَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُسَعِّرَ عَلَى النَّاسِ) لِمَا بَيَّنَّا.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فِي الْقِيمَةِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِ) لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الضَّيَاعِ، وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ الضَّيَاعَ وَالْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنَ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا وَإِنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَلَوْ سَعَّرَ السُّلْطَانُ عَلَى الْخَبَّازِينَ الْخُبْزَ فَاشْتَرَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ السِّعْرِ وَالْخَبَّازُ يَخَافُ إِنْ نَقَصَهُ ضَرَبَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِعْنِي بِمَا تُحِبُّ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ؛ وَلَوِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ مِنَ الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إِلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ.
وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا؛ وَمَنْ حَمَلَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ طَابَ (سم) لَهُ الْأَجْرُ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ (سم) أَرْضِهَا؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الِاحْتِكَارُ فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الضَّرَرِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ كَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَأَقْوَاتِ الْبَهَائِمِ كَالْقَتِّ نَظَرًا إِلَى الضَّرَرِ الْمَقْصُودِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الِاحْتِكَارِ، قِيلَ أَقَلُّهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِالْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ؛ وَقِيلَ أَقَلُّهُ شَهْرٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ، ثُمَّ قِيلَ يَأْثَمُ بِنَفْسِ الِاحْتِكَارِ وَإِنْ قَلَّتِ الْمُدَّةُ، وَإِنَّمَا بَيَانُ الْمُدَّةِ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ مَكْرُوهٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَقْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمَ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ. قَالَ: (وَمِنْ حَمَلَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ طَابَ لَهُ الْأَجْرُ) وَقَالَا: يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرِ عَشْرًا " وَعَدَّ مِنْهُمْ " حَامِلَهَا» وَلَهُ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ شُرْبُهَا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ وَهُوَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ الْحَمْلُ لِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا يُرِيقُهَا أَوْ لِيُخَلِّلُهَا جَازَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إِذَا آجَرَ بَيْتًا لِيَتَّخِذَهُ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي السَّوَادِ. لَهُمَا أَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَهُ أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ حَتَّى وَجَبَتِ الْأُجْرَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَالْمَعْصِيَةُ فِعْلُ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ السِّرْقِينِ) لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ يُلْقَى فِي الْأَرَاضِي طَلَبًا لِكَثْرَةِ الرِّيعِ، وَيَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَّةُ وَتُبْذَلُ الْأَعْوَاضُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَكَانَ مَا لَا يَجُوزُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الْخَلْطِ، وَبَعْدَ الْخَلْطِ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بَعْدَ الْخَلْطِ بِهَا كَزَيْتٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ.
قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) وَكَذَا الْإِجَارَةُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَفِيهَا الشُّفْعَةُ، وَيُكْرَهُ إِجَارَتُهَا فِي الْمَوْسِمِ، وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَرْضِهَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا الِاخْتِصَاصَ الشَّرْعِيَّ فَيَجُوزُ كَالْبِنَاءِ. وَلَهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «مَكَّةُ حَرَامٌ وَبَيْعُ رِبَاعِهَا حَرَامٌ» ؛ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «مَكَّةُ مُبَاحٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَانَتْ تُدْعَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ السَّوَائِبَ، مَنْ شَاءَ سَكَنَ وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ، وَلِأَنَّهَا مِنَ الْحَرَمِ يَحْرُمُ صَيْدُهَا، وَلَا يَحِلُّ دُخُولُهَا لِنَاسِكٍ إِلَّا بِإِحْرَامٍ فَيَحْرُمُ بَيْعُهَا كَالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْبِنَاءِ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مُحَرَّمَةٌ، وَقَفَهَا إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِمَنْ أَحْدَثَهُ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَالطِّينُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ