الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: كَالْحَطَبِ وَالسَّمَكِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ وَالنُّورَةِ وَالزَّرْنِيخِ وَنَحْوِهَا، وَلَا مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ: كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، وَلَا مَا يَتَأَوَّلُ فِيهِ الْإِنْكَارُ: كَالْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ، وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالنَّرْدِ وَالشَّطَرَنْجِ، وَصَلِيبِ الذَّهَبِ، وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى، وَالصَّبِيِّ الْحُرِّ الْمُحَلَّى.
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فصل ما لا قطع فيه وما فيه قطع]
فَصْلٌ (وَلَا قَطْعَ فِيمَا يُوجَدُ تَافِهًا مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ: كَالْحَطَبِ وَالسَّمَكِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ وَالنُّورَةِ وَالزَّرْنِيخِ وَنَحْوِهَا) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «إِنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَا تُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» وَهُوَ الْحَقِيرُ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ، حَقِيرٌ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَةُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ عَلَى كُرْهٍ مِنَ الْمَالِكِ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى الزَّاجِرِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الشِّرِكَةِ الْعَامَّةِ فِي الْأَصْلِ يُوجِبُ الشُّبْهَةَ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ» وَيَعُمُّ جَمِيعَ الطُّيُورِ حَتَّى الدَّجَاجَ وَالْبَطَّ، وَيَدْخُلُ فِي السَّمَكِ الْمَلِحِ وَالطَّرِيِّ.
قَالَ: (وَلَا مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ: كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ وَاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا قَطْعَ فِي الطَّعَامِ» قَالُوا: مَعْنَاهُ مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ لِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي الْحُبُوبِ وَالسُّكَّرِ إِجْمَاعًا. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» قَالَ مُحَمَّدٌ: الثَّمَرُ مَا كَانَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ وَالْكَثَرُ: الْجُمَّارُ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا قَطْعَ فِي الثِّمَارِ» وَمَا آوَاهُ الْجَرِينُ فَفِيهِ الْقَطْعُ وَهُوَ مَوْضِعٌ تُجْمَعُ فِيهِ الثِّمَارُ إِذَا صُرِمَتْ، وَالَّذِي يُجْمَعُ عَادَةً هُوَ الْيَابِسُ.
قَالَ: (وَلَا مَا يَتَأَوَّلُ فِيهِ الْإِنْكَارُ: كَالْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالنَّرْدِ وَالشَّطَرَنْجِ وَصَلِيبِ الذَّهَبِ) لِأَنَّهُ يُصْدَّقُ دَعْوَاهُ فِي تَأْوِيلِهِ الْإِنْكَارَ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى) ؛ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْطَعُ إِذَا بَلَغَتِ الْحِلْيَةُ نِصَابًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمُصْحَفِ فَاعْتُبِرَتْ بِانْفِرَادِهَا. وَلَنَا أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِيهِ الْقِرَاءَةَ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَازَ لِأَجْلِ الْمَكْتُوبِ وَلَا مَالِيَّةَ لَهُ، وَمَا وَرَاءَهُ تَبَعٌ كَالْجِلْدِ وَالْوَرَقِ وَالْحِلْيَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّبَعِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَمَا لَا يَجِبُ لَا يُقْطَعُ كَالشَّرَابِ وَمَاءِ الْوَرْدِ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ دَلِيلَا الْقَطْعِ وَعَدِمِهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، حَتَّى لَوْ شَرِبَ مَا فِي الْإِنَاءِ فِي الدَّارِ ثُمَّ أَخْرَجَ الْإِنَاءَ مِنَ الدَّارِ فَارِغًا قُطِعَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حِينَئِذٍ هُوَ الْإِنَاءُ، رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.
(وَ) كَذَلِكَ (الصَّبِيِّ الْحُرِّ الْمُحَلَّى)، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْحُلِيَّ غَيْرُهُ فَكَانَ مَقْصُودًا. وَلَنَا أَنَّ الْحُلِيَّ تَبَعٌ لَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِأَنَّهُ
وَلَا فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ، وَلَا فِي سَرِقَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ وَلَا فِي كُتُبِ الْعِلْمِ؛ وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْأَبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْعُودِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفُصُوصِ كُلِّهَا، وَالْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْخَشَبِ؛ وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا نَبَّاشٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلِسٍ
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
يُتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ خَوْفَ الْهَلَاكِ وَرَدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْحُلِيَّ لَأَخَذَهُ دُونَ الصَّبِيِّ؛ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ كَلْبًا عَلَيْهِ قَلَائِدُ فِضَّةٍ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ وَلَا قَطْعَ فِي الْأَصْلِ فَكَذَا فِي التَّبَعِ.
قَالَ: (وَلَا فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ) صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ، وَقَالَا: يُقْطَعُ فِي الْعَبْدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ، أَوْ بِعَرَضِيَّةِ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ خِدَاعٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَيْسَ سَرِقَةً، وَإِذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَعْقِلُ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ.
قَالَ: (وَلَا فِي سَرِقَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ حَصَادِهِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرِ) لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.
قَالَ: (وَلَا فِي كُتُبِ الْعِلْمِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ قِرَاءَتَهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَلَيْسَ بِمَالٍ، وَيُقْطَعُ فِي دَفَاتِرِ الْحِسَابِ لِأَنَّ مَا فِيهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْكَاغَدُ؛ وَلَوْ سَرَقَ الْجِلْدَ وَالْكَوَاغِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ قُطِعَ، وَفِي كُتُبِ الْأَدَبِ رِوَايَتَانِ.
قَالَ: (وَيُقْطَعُ فِي السَّاجِ وَالْقَنَا وَالْأَبَنُوسِ وَالصَّنْدَلِ وَالْعُودِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفُصُوصِ كُلِّهَا) لِأَنَّهَا مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ وَأَعَزِّهَا مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلَا تُوجَدُ مُبَاحَةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِصُورَتِهَا فَصَارَتْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
(وَ) يُقْطَعُ فِي (الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْخَشَبِ) لِأَنَّهَا الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ بِالصَّنْعَةِ، وَلَا قَطْعَ فِي الْعَاجِ مَا لَمْ يُعْمَلْ، فَإِذَا عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ قُطِعَ فِيهِ، وَلَا قَطْعَ فِي الزُّجَاجِ لِأَنَّ الْمَكْسُورَ مِنْهُ تَافِهٌ، وَالْمَصْنُوعَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ. وَقِيلَ يُقْطَعُ فِي الْمَصْنُوعِ لِأَنَّهُ مَالٌ نَفِيسٌ لَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ سَرَقَ جُلُودَ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةَ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ لَا قَطْعَ، وَلَوْ جُعِلَتْ مِصَلَاةً أَوْ بِسَاطًا قُطِعَ، لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ جُلُودَ السِّبَاعِ لِتَغَيُّرِ اسْمِهَا وَمَعْنَاهَا.
قَالَ: (وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ، وَلَا نَبَّاشٍ، وَلَا مُنْتَهِبٍ، وَلَا مُخْتَلَسٍ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ» وَلِأَنَّ الْحِرْزَ قَاصِرٌ فِي حَقِّ الْخَائِنِ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُحْرَزٍ عَنْهُ، وَالْمُنْتَهِبُ وَالْمُخْتَلِسُ مُجَاهِرٌ فَلَا يَكُونُ سَارِقًا. وَسُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنِ الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ فَقَالَ: تِلْكَ دُعَابَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَلِأَنَّ اسْمَ السَّارِقِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ. وَأَمَّا النَّبَّاشُ فَيُقْطَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَلِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مُتَقَوَّمًا مِنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ. وَلَهُمَا مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ نَبَّاشًا أُخِذَ فِي زَمَنِ مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ يَوْمِئِذٍ فَأَجْمَعُوا أَنْ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ اسْمَ السَّارِقِ لَا يَتَنَاوَلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ أَفْرَدُوا لَهُ اسْمًا؟ وَالْقَطْعُ وَجَبَ