الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ، وَلَيْسَ عَلَى الْأُمِّ إِرْضَاعُ الصَّبِيِّ إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَتْ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا، وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا لَمْ يَجُزْ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ هِيَ أَوْلَى مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ إِلَّا أَنْ تَطْلُبَ زِيَادَةَ أُجْرَةٍ، وَنَفَقَةُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ؛
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
[فَصْلٌ: نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ]
فَصْلٌ (وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ عَلَى الْأَبِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] .
(وَلَيْسَ عَلَى الْأُمِّ إِرْضَاعُ الصَّبِيِّ) لِأَنَّ أُجْرَةَ الْإِرْضَاعِ مِنْ نَفَقَتِهِ وَهِيَ عَلَى الْأَبِ. قَالَ: (إِلَّا إِذَا تَعَيَّنَتْ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا أَوْ لَا يَأْخُذُ مِنْ لَبَنِ غَيْرِهَا، (فَيَجِبُ عَلَيْهَا) حِينَئِذٍ صِيَانَةً لِلصَّغِيرِ عَنِ الْهَلَاكِ. قَالَ:(وَيَسْتَأْجِرُ الْأَبُ مَنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَهَا) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ وَالْحَضَانَةَ لَهَا (فَإِنِ اسْتَأْجَرَ زَوْجَتَهُ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ لِتُرْضِعَ وَلَدَهَا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا بِالْأَصْلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] ، فَإِذَا امْتَنَعَتْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعَجْزِ فَجَعَلْنَاهُ عُذْرًا، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ عَلِمْنَا قُدْرَتَهَا فَكَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَخَذُ الْأَجْرِ عَلَى فِعْلٍ وَجَبَ عَلَيْهَا، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ.
وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بَيْنَهُمَا فَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ وَلَا لِأَبِيهِ مَالٌ أُجْبِرَتِ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا ذَاتُ يَسَارٍ فِي اللَّبَنِ، فَإِنْ طَلَبَتْ مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لَهَا بِنَفَقَةِ الْإِرْضَاعِ حَتَّى تَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْأَبِ إِذَا أَيْسَرَ فَعَلَ، كَمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ تُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّغِيرِ ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ إِذَا أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفْرَضُ لَهَا نَفَقَةُ الْإِرْضَاعِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ.
قَالَ: (وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ هِيَ أَوْلَى مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ) فَإِنَّهَا أَشْفَقُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلصَّغِيرِ، (إِلَّا أَنْ تَطْلُبَ زِيَادَةَ أُجْرَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْأَبِ، وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى:{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] هُوَ أَنْ تَرْضَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهَا: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ.
قَالَ: (وَنَفَقَةُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] نَهَاهُ عَنِ الْإِضْرَارِ بِهِمَا بِهَذَا الْقَدْرِ وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا أَكْثَرُ إِضْرَارًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَقَالَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ
وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ أَعْلَى وَأَسْفَلُ، وَنَفَقَةُ ذِي الرَّحِمِ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا بِهِ زَمَانَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ، أَوْ تَكُونُ أُنْثَى فَقِيرَةً، وَكَذَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِخُرْقِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنَ الْبُيُوتَاتِ، أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» ، فَإِذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ يُضَافُ إِلَى الْأَبِ بِأَنَّهُ كَسْبُهُ صَارَ غَنِيًّا بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] أَيْ يُحْسِنُ إِلَيْهِمَا، وَلَيْسَ إِحْسَانًا تَرْكُهُمَا مُحْتَاجَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ حَاجَتِهِمَا، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ تَرْكُهُمَا جَائِعَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِشْبَاعِهِمَا، وَهُوَ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ عَلَى السَّوَاءِ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَالْخِطَابِ، وَقِيلَ عَلَى قَدْرِ الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ لِأَنَّ إِيجَابَ نَفَقَةِ الْغَنِيِّ فِي مَالِهِ أَوْلَى.
رَجُلٌ مُعْسِرٌ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ مَحَاوِيجُ وَلَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ مُوسِرٌ يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ.
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَقَرَابَةِ الْوِلَادِ أَعْلَى وَأَسْفَلَ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ كَمَا مَرَّ أَوْ بِالْعَقْدِ كَالْمَهْرِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا، وَأَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ، إِذِ الْجُزْئِيَّةُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، وَنَفَقَةُ النَّفْسِ تَجِبُ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا الْجُزْءُ، وَهَذَا إِذَا كَانُوا ذِمَّةً، فَإِنْ كَانُوا حَرْبًا لَا تَجِبُ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لِأَنَّ الْإِرْثَ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالنَّصِّ.
قَالَ: (وَنَفَقَةُ ذِي الرَّحِمِ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ تَجِبُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ) كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَلَا تَجِبُ لِرَحِمٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ "، فَذِكْرُهُ الْوَارِثَ إِشَارَةٌ إِلَى اعْتِبَارِ قَدْرِ الْمِيرَاثِ وَلِيَكُونَ الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ.
(وَإِنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ فَقِيرًا بِهِ زَمَانَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ) أَمَّا الْفَقْرُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنِ الْكَسْبِ فَلِأَنَّهُ يَكُونُ غَنِيًّا بِكَسْبِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَالِدَانِ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لِمَا يَلْحَقُهُمَا فِيهِ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمَا ضَرَرَ الِاكْتِسَابِ وَذَلِكَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا.
قَالَ: (أَوْ تَكُونُ أُنْثَى فَقِيرَةً) لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الْحَاجَةِ، (وَكَذَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ لِخَرْقِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنَ الْبُيُوتَاتِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنِ الِاكْتِسَابِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ، لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْكَبِيرِ الْعَجْزُ
وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ، وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ زَمِنًا، وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى فَقِيرٍ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَالْمُعْتَبَرُ الْغِنَى الْمُحَرِّمُ لِلصَّدَقَةِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
عَنِ الْكَسْبِ حَقِيقَةً كَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَعْنًى كَمَنَ بِهِ خَرْقٌ وَنَحْوُهُ.
(وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى ابْنِهِ) رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَنَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ إِنْ كَانَ صَغِيرًا فَقِيرًا أَوْ زَمِنًا) لِأَنَّهُ مِنْ كِفَايَةِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْبَرُ الْأَبُ عَلَى نَفَقَةِ زَوْجَةِ الِابْنِ، وَيَجِبُ عَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ خَادِمِ الْأَبِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْأَبِ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَى الِابْنِ فَكَذَا نَفَقَةُ مَنْ يَخْدُمُهُ، وَلَا كَذَلِكَ زَوْجَةُ الِابْنِ.
قَالَ: (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى فَقِيرٍ إِلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] . وَقَالَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُجَازَاةٌ وَذَلِكَ يَجِبُ مَعَ الْفَقْرِ، وَلَا تَجِبُ لِغَيْرِهِمْ مَعَ الْفَقْرِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ، فَلَوْ وَجَبَتْ لِلْفَقِيرِ عَلَى الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ إِيجَابُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إِيجَابِهَا لَهُ.
(وَالْمُعْتَبَرُ الْغِنَى الْمُحَرِّمُ لِلصَّدَقَةِ) هُوَ الْمُخْتَارُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالنِّصَابِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إِذَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَقَارِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَيَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا يَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِيقَ فَإِنَّهُ يُنْفِقُ الْفَضْلَ عَلَى أَقْرِبَائِهِ، وَمَنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَهُوَ مُحْتَاجُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى أَقَارِبِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْكَنِهِ فَضْلٌ يَكْفِيهِ بَعْضُهُ يُؤْمَرُ بِبَيْعِ الْبَعْضِ وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا وَيَشْتَرِي الْأَوْكَسَ وَيُنْفِقُ الْفَضْلَ، وَمَنْ كَانَ يَأْكُلُ مِنَ النَّاسِ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنِ الْقَرِيبِ، وَإِنْ أَعْطَوْهُ قَدْرَ نِصْفِ كِفَايَتِهِ يَسْقُطُ نِصْفُ النَّفَقَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا كَسُوبًا وَالْأَبُ زَمِنٌ شَارَكَهُ فِي الْقُوتِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ لِلزَّمَانَةِ أَوْ كَانَ مُقْعَدًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ فَنَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ وَلَدِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا وَالْأُمُّ مُوسِرَةً تُؤْمَرُ الْأُمُّ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ إِذَا أَيْسَرَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لِلْأَبِ الْمُعْسِرِ أَخٌ مُوسِرٌ يُؤْمَرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّغِيرِ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُعْسِرَةُ إِذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوِ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَتَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا إِذَا أَيْسَرَ، وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوِ الْأَخُ إِذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ أَبٌ غَنِيٌّ وَابْنٌ غَنِيٌّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ لِأَنَّ شُبْهَتَهُ فِي مَالِ الِابْنِ أَكْثَرُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ، وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ قَرَابَةِ الْوِلَادِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ دُونَ الْإِرْثِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ وَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوِلَادِ وَهُوَ الْجُزْئِيَّةُ وَالْبَعْضِيَّةُ بِاعْتِبَارِ التَّوَلُّدِ وَالتَّفَرُّعِ عَنْهُ.
وَفِي نَفَقَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ أَهْلَ الْإِرْثِ، وَيَجِبُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّهُ تَعَالَى
وَإِذَا بَاعَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ جَازَ (سم) ، وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالٍ لَهُ فِي يَدِهِ جَازَ، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى رَقِيقِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ اكْتَسَبُوا وَأَنْفَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كَسْبٌ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِمْ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
أَوْجَبَهَا بِاسْمِ الْوِرَاثَةِ.
فَقِيرٌ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَأَخٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى بِنْتِهِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ.
لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ مُوسِرَانِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْبِنْتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنُ بِنْتٍ وَأَخٌ مُوسِرُونَ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْأَخِ لِمَا بَيَّنَّا. فَقِيرٌ لَهُ أَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُخْتٌ وَعَمٌّ فَعَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ فَعَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهَا عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ وَأَخٌ فَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ، وَعِنْدَهُمَا الْبَاقِي عَلَى الْأَخِ وَالْجَدِّ نِصْفَانِ. لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ. لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ النَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ وَالْمِيرَاثُ لِابْنِ الْعَمِّ، وَفِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ ثُلُثَانِ وَثُلُثٌ.
قَالَ: (وَإِذَا بَاعَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ فِي نَفَقَتِهِ جَازَ)، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالٍ لَهُ فِي يَدِهِ جَازَ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا وَالْأُمُّ فِي هَذَا كَالْأَبِ. لَهُمَا أَنَّ بِالْبُلُوغِ انْقَطَعَتْ وَلَايَتُهُ عَنْهُ وَعَنْ مَالِهِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ ذَلِكَ فِي حَضْرَتِهِ وَلَا فِي دَيْنٍ غَيْرِ النَّفَقَةِ وَصَارَ كَالْأُمِّ. وَلَهُ - وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ - أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَحْفَظَ مَالَ ابْنِهِ الْغَائِبِ كَالْوَصِيِّ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَوْفَرُ شَفَقَةً. وَبَيْعُ النَّقْلِيِّ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ، فَإِذَا بَاعَهُ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ نَفَقَتُهُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهُ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ حَالَ صِغَرِهِ، وَلَا وَلَايَةَ الْحِفْظِ حَالَةَ الْغَيْبَةِ مَعَ الْكِبَرِ فَافْتَرَقَا.
قَالَ: (وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّهَا إِنَّمَا وَجَبَتْ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَقَدِ انْدَفَعَتْ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ إِذَا قُضِيَ لَهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ مَعَ الْيَسَارِ لَا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ.
قَالَ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي أَمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وَلَايَةَ الْقَاضِي عَامَّةٌ، فَكَأَنَّ الْغَائِبَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَسْقُطُ.
قَالَ: (وَعَلَى الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى رَقِيقِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَقِّهِمْ: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِخِدْمَتِهِمْ مَحْبُوسُونَ فِي مِلْكِهِمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَهْلِكُوا جُوعًا.
(فَإِنِ امْتَنَعَ اكْتَسَبُوا وَأَنْفَقُوا) لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ: جَانِبُهُ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَجَانِبُهُمْ بِدَفْعِ حَاجَتِهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كَسْبٌ) كَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى وَالْجَارِيَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الَّتِي لَا تُؤَجَّرُ (أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِمْ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَفِي بَيْعِهِمْ إِيفَاءُ حَقِّهِمْ وَإِيفَاءُ حَقِّ الْمَوْلَى بِنَقْلِهِ إِلَى الْخُلْفِ،