الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدُرُوا، وَلَا يَغُلُّوا، وَلَا يُمَثِّلُوا، وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدًا، وَلَا مَقْطُوعَ الْيَمِينِ، وَلَا شَيْخًا فَانِيًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مَلِكًا، أَوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَوْ يُحَرِّضُ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ، أَوْ مَالٌ يَحُثُّ بِهِ أَوْ يَكُونَ الشَّيْخُ مِمَّنْ يَحْتَالُ.
وَإِذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَسَادًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ} [التوبة: 120] » .
قَالَ: (وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدُرُوا، وَلَا يَغُلُّوا، وَلَا يُمَثِّلُوا) لِمَا رَوَيْنَا مِنَ الْحَدِيثِ أَوَّلَ الْبَابِ؛ وَالْغُلُولُ: الْخِيَانَةُ وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْمَغْنَمِ؛ وَالْغَدْرُ: نَقْضُ الْعَهْدِ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْأَمَانِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ حِيلَةٌ وَخُدْعَةٌ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» وَالْمُثْلَةُ الْمَنْهِيَّةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي كَبْتِهِمْ وَأَضَرُّ بِهِمْ.
قَالَ: (وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا أَعْمَى، وَلَا مُقْعَدًا، وَلَا مَقْطُوعَ الْيَمِينِ، وَلَا شَيْخًا فَانِيًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مَلِكًا، أَوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ، أَوْ يُحَرِّضُ عَلَيْهِ، أَوْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَالٌ يَحُثُّ بِهِ، أَوْ يَكُونُ الشَّيْخُ مِمَّنْ يَحْتَالُ)«لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالذَّرَارِيِّ، وَرَأَى عليه الصلاة والسلام امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَقَالَ: " هَاهْ مَا لَهَا قُتِلَتْ وَمَا كَانَتْ تُقَاتِلُ؟» ؛ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْقَتْلِ هُوَ الْحِرَابُ بِإِشَارَةِ هَذَا النَّصِّ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقَاتِلُونَ وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ مُخَاطِبٍ، وَكَذَلِكَ مَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرَّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، وَيَابِسُ الشَّقِّ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مَلِكًا، أَوْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ، أَوْ لَهُ مَالٌ يُعِينُ بِهِ، أَوْ رَأْيٌ لَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ فَصَارَ كَالْمُقَاتِلِ " وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةَ وَكَانَ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ " وَيَقْتُلُ الرَّهَابِينَ وَأَهْلَ الصَّوَامِعِ الَّذِينَ يُخَالِطُونَ النَّاسَ أَوْ يَدُلُّونَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانُوا لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ أَوْ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَبَلٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ وَنَحْوِهِ لَا يُقْتَلُونَ لِمَا بَيَّنَّا.
[فصل موادعة أهل الحرب]
فَصْلٌ
[مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ]
(وَإِذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ تَأْخِيرِهِ، لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ طَلَبُ الْأَمَانَ وَتَرْكُ الْقِتَالِ، قَالَ تَعَالَى:{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] .
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ خِيَرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أَيْ إِنْ مَالُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ
فَإِنْ وَادَعَهُمْ ثُمَّ رَأَى الْقِتَالَ أَصْلَحَ نَبَذَ إِلَى مَلِكِهِمْ، وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ وَعَلِمَ مَلِكُهُمْ بِهَا قَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَبْذٍ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَادِعَهُمْ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ، وَمَا أَخَذُوهُ قَبْلَ مُحَاصَرَتِهِمْ فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ وَبَعْدَهَا كَالْغَنِيمَةِ، وَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَالًا لِيُوَادِعُوهُ جَازَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ،
ــ
[الاختيار لتعليل المختار]
فَمِلْ إِلَيْهِمْ وَصَالِحْهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَصْلَحَةِ دُونَ عَدَمِهَا، وَلِأَنَّ عَلَيْهِمْ حِفْظَ أَنْفُسِهِمْ بِالْمُوَادَعَةِ، أَلَا يَرَى «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَلِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ إِذَا كَانَتْ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ جِهَادًا مَعْنًى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الشَّرِّ وَقَدْ حَصَلَ، وَتَجُوزُ الْمُوَادَعَةُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمَصْلَحَةِ وَالْخَيْرِ لَا يَتَوَقَّتُ بِمُدَّةٍ دُونَ مُدَّةٍ.
قَالَ: (فَإِنْ وَادَعَهُمْ، ثُمَّ رَأَى الْقِتَالَ أَصْلَحَ نَبَذَ إِلَى مَلِكِهِمْ) وَقَاتَلَهُمْ، قَالَ تَعَالَى:{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، «وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ» ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ
الْمَصْلَحَةُ
عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِذَا تَبَدَّلَتْ يَصِيرُ النَّبْذُ جِهَادًا، وَتَرْكُهُ تَرْكَ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّبْذِ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَيَكْتَفِي بِعِلْمِ الْمَلِكِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ وَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ، وَيَشْتَرِطُ مُدَّةً يُبَلِّغُ خَبَرَ النَّبْذِ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْمَلِكُ إِعْلَامُهُمْ جَازَ مُقَاتَلَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُمْ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ مَلِكِهِمْ فَلَا يَكُونُ غَدْرًا، وَلَوْ آمَنَهُمْ وَلَمْ يَنْزِلُوا مِنْ حَصْنِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقِتَالِهِمْ بَعْدَ الْإِعْلَامِ، وَإِنْ نَزَلُوا إِلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى أَمَانِهِمْ حَتَّى يَعُودُوا إِلَى حِصْنِهِمْ لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا بِسَبَبِ الْأَمَانِ، فَلَا يَزَالُونَ عَلَى حُكْمِهِ حَتَّى يَعُودُوا إِلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ وَعَلِمَ مَلِكُهُمْ بِهَا قَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَبْذٍ) لِأَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ لِمَا كَانَ بِاخْتِيَارِ مَلِكِهِمْ؛ أَمَّا لَوْ دَخَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ دَارَنَا وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَلِكِ لَا يَكُونُ نَقْضًا فِي حَقِّ الْجَمِيعِ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ إِذَنِ الْمَلِكِ، وَيَكُونُ نَقْضًا فِي حَقِّهِمْ خَاصَّةً فَيُقْتَلُونَ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُوَادِعُهُمْ بِمَالٍ وَبِغَيْرِهِ) إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى الْمَالِ لِمَا مَرَّ.
(وَمَا أَخَذُوهُ قَبْلَ مُحَاصَرَتِهِمْ) بِأَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا (فَهُوَ كَالْجِزْيَةِ) لَا يُخَمَّسُ لِأَنَّهُ مَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَصَلَ لَنَا بِغَيْرِ قِتَالٍ (وَ) مَا أَخَذُوهُ (بَعْدَهَا) أَيْ مُحَاصَرَتِهِمْ يُخَمَّسُ (كَالْغَنِيمَةِ) وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي لِأَنَّهُ حَصَلَ بِقُوَّةِ الْجَيْشِ.
قَالَ: (وَإِنْ دَفْعَ إِلَيْهِمْ مَالًا لِيُوَادِعُوهُ جَازَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَهُوَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، لِأَنَّ دَفْعَ الْهَلَاكِ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ عَدُّوهُمْ فَأَخَذَ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«اجْعَلْ مَالَكَ دُونَ نَفْسِكَ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةٌ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِلْحَاقِ الذِّلَّةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِعْطَاءِ الدَّنِيئَةِ: