المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل حروف القسم وفيما يكون به اليمين] - الاختيار لتعليل المختار - جـ ٤

[ابن مودود الموصلي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابُ النَّفَقَةِ [

- ‌نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ]

- ‌[فصل نَفَقَةُ المطلقة]

- ‌[فَصْلٌ: نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كتاب العتق

- ‌[فصل من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه]

- ‌[فصل من أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ]

- ‌بَابُ التَّدْبِيرِ

- ‌بَابُ الِاسْتِيلَادِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌[فصل الكِتَابة الفاسدة]

- ‌[فصل كاتب عبديه كتابة واحدة]

- ‌[فصل موت المكاتب قبل وفاء ديونه]

- ‌كِتَابُ الْوَلَاءِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ

- ‌[فصل حُرُوفُ الْقَسَمِ وفيما يكون به اليمين]

- ‌[فصل في الْخُرُوجِ]

- ‌[فصل الْحِنْثُ فِي الْيَمِينِ]

- ‌فَصْلٌ [الْحِينُ وَالزَّمَانُ]

- ‌[فصل الْحلف على الطعام]

- ‌[فصل انعقاد اليمين]

- ‌[فصل الحنث في اليمين]

- ‌[فَصْلٌ في النذر]

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌[فصل حَدُّ الزِّنَا]

- ‌[فصل وَطْءُ الْجَارِيَةِ]

- ‌بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[فصل التعزير]

- ‌بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌[فصل ما لا قطع فيه وما فيه قطع]

- ‌[فصل بيان محل القطع]

- ‌[فصل حَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ]

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌[فصل موادعة أهل الحرب]

- ‌[فصل أمان الواحد]

- ‌[فصل فتح البلاد]

- ‌[فصل الغنيمة]

- ‌[فصل قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ]

- ‌[فصل ملك أهل الحرب]

- ‌[فصل الْجِزْيَةُ]

- ‌[فصل الْخَرَاجُ]

- ‌[فصل الْمُرْتَدُّ]

- ‌[فصل فِيمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا]

- ‌[فصل الْخَوَارِجُ وَالْبُغَاةُ]

- ‌كِتَابُ الْكَرَاهَيَةِ

- ‌[فصل النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَةِ]

- ‌[فصل اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الِاحْتِكَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي مسائل مختلفة]

- ‌[فَصْلٌ فِي آداب للمؤمن ينبغي أن يحافظ عليها]

- ‌[فَصْلٌ فِي السَّبْقُ وَالرَّمْيُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْكَسْبِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الكسوة]

- ‌[فَصْلٌ فِي الكلام]

الفصل: ‌[فصل حروف القسم وفيما يكون به اليمين]

وَالْقَاصِدُ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ.

فَصْلٌ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالتَاءُ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» ، وَرُوِيَ:«ثُمَّ لْيُكَفِّرْهُ يَمِينَهُ» أَمْرٌ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَا وُجُوبَ قَبْلَ الْحِنْثِ، أَوْ نَقُولُ: إِذَا حَنِثَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْأَمْرِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ سَاتِرَةٌ وَالسِّتْرُ يَعْتَمِدُ ذَنْبًا أَوْ جِنَايَةً، وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ هِيَ الْحِنْثُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْيَمِينُ مَانِعَةٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ سَبَبًا مُفْضِيًا إِلَى الْحِنْثِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَفَّرَ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ، لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ مُفْضٍ إِلَى الزُّهُوقِ غَالِبًا، وَبِخِلَافِ مَا إِذَا أَدَّى الزَّكَاةَ بَعْدَ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمَالُ.

قَالَ: (وَالْقَاصِدُ وَالْمُكْرَهُ وَالنَّاسِي فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ) قَالَ عليه الصلاة والسلام: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْأَيْمَانُ» ، وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: أَرْبَعَةٌ لَا رِدِّيدَى فِيهِنَّ. وَعَدَّ مِنْهَا الْأَيْمَانَ. وَرُوِيَ: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اسْتَحْلَفُوا حُذَيْفَةَ وَأَبَاهُ أَنْ لَا يُعِينَا رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام، فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: يَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» ، فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالْكَلَامُ فِي الْإِكْرَاهِ مَضَى فِي بَابِهِ، وَلِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ هُوَ الْفِعْلُ، وَوُجُودُ الْفِعْلِ حَقِيقَةً لَا يَعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ، وَلَا يَصِحُّ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ.

[فصل حُرُوفُ الْقَسَمِ وفيما يكون به اليمين]

فَصْلٌ (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالتَّاءُ) هُوَ الْمَعْهُودُ الْمُتَوَارَثُ، وَقَدْ وَرَدَ بِهَا الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى:{وَاللَّهِ رَبِّنَا} [الأنعام: 23]، وَقَالَ:{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [النساء: 62]، وَقَالَ:{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: 63] ، وَلِلَّهِ يَمِينٌ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّامَ تُبْدَلُ مِنَ الْبَاءِ، قَالَ تَعَالَى:{آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: 137] وَ {آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ وَضْعًا وَالْوَاوُ بَدَلٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ، وَفِي الْإِلْصَاقِ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَكَقَوْلِهِمْ: تُرَاثٌ، وَتُجَاهٌ، فَلَمَّا كَانَتِ الْبَاءُ أَصْلًا صَلَحَتْ لِلْقَسَمِ فِي اسْمِ اللَّهِ وَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الْكِنَايَةِ كَقَوْلِهِمْ: بِكَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَكَوْنُ الْوَاوِ بَدَلًا عَنْهَا نَقَصَتْ عَنْهَا فَصَلَحَتْ فِي الْأَسْمَاءِ الصَّرِيحَةِ دُونَ الْكِنَايَةِ، وَكَوْنُ التَّاءِ بَدَلَ الْبَدَلِ اخْتُصَّتْ بِسْمِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَمْ تَصْلُحْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَلَا فِي الْكِنَايَةِ.

ص: 49

وَتُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَتَقُولُ: اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ إِلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ، وَبِصِفَاتِ ذَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ، إِلَّا وَعِلْمِ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

قَالَ: (وَتُضْمَرُ الْحُرُوفُ فَتَقُولُ: اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا) ثُمَّ قَدْ يُنْصَبُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَقَدْ يُخْفَضُ دَلَالَةً عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافٌ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، «وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام حَلَّفَ الَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ إِلَّا وَاحِدَةً» ، وَالْحَذْفُ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَخْفِيفًا، وَالْحَلِفُ فِي الْإِثْبَاتِ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا، أَوْ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. مَقْرُونًا بِالتَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لُغَةً، أَمَّا فِي النَّفْيِ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا، أَوْ وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا.

قَالَ: (وَالْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ) لِأَنَّهُ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ وَلَا يَجُوزُ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِهِ أَصْلًا، وَلِأَنَّهُ مُتَعَاهَدٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ قَصْدَهُمْ وَنِيَّتَهُمْ تَنْصَرِفُ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا يَنْصَرِفُ عِنْدَ عَدَمِ الْعُرْفِ إِلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ قَاضِيَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ لِسَبْقِ الْفَهْمِ إِلَيْهَا.

قَالَ: (وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ إِلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ) فَيَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ فِي جَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَيَكُونُ حَالِفًا، لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ يَمِينًا صَحِيحَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ حَالِفًا، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ، يَمِينٌ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ قَالَ: لَا أَدْرِي. كَأَنَّهُ وَجَدَ الْعَرَبَ يَحْلِفُونَ بِذَلِكَ عَادَةً فَجَعَلَهُ يَمِينًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْفَرَائِضَ، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ.

قَالَ: (وَبِصِفَاتِ ذَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ، إِلَّا: وَعِلْمِ اللَّهِ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ: وَرَحْمَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ وَغَضَبِهِ) لَيْسَ بِيَمِينٍ.

اعْلَمْ أَنَّ الصِّفَاتِ ضَرْبَانِ: صِفَاتُ الذَّاتِ، وَصِفَاتُ الْفِعْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يُوصَفُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، كَالْقُدْرَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْعَظَمَةِ، وَكُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ وَبِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالسَّخَطِ وَالْغَضَبِ، فَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ إِذَا حَلَفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا وَعِلْمِ اللَّهِ، لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ كَذَاتِهِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ صَارَ مُلْحَقًا بِالِاسْمِ وَالذَّاتِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَإِلَّا فَلَا، وَعِلْمُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ حَتَّى قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ يَمِينًا كَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ، وَلِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ الذَّاتِ كَانَ ذِكْرُهَا كَذِكْرِ الذَّاتِ فَكَانَ قَوْلُهُ:

ص: 50

وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِيَمِينٍ كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ يَمِينٌ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

وَقُدْرَةِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ الْقَادِرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ إِلَّا أَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْعِلْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ، وَمَعْلُومُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ. قَالَ النَّسْفِيُّ: وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّهَا صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَالْحَلِفُ بِهَا حَلِفٌ بِاللَّهِ، وَالْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ: إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يُرَادُ بِهَا غَيْرُ الصِّفَةِ، فَلِهَذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ حَالِفًا بِالشَّكِّ، فَالرَّحْمَةُ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْمَطَرُ وَالنِّعْمَةُ وَيُرَادُ بِهَا الْجَنَّةُ، قَالَ تَعَالَى:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107] . وَالسَّخَطُ وَالْغَضَبُ يُرَادُ بِهِمَا مَا يَقَعُ مِنَ الْعَذَابِ فِي النَّارِ، وَالرِّضَا يُرَادُ بِهِ مَا يَقَعُ مِنَ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ فَصَارَ حَالِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

قَالَ: (وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِيَمِينٍ كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ يَمِينٌ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا، وَرُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمُ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ فَلْيَصْمُتْ» ، وَرُوِيَ:«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ تَعْظِيمُ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِذَا لَمْ يَجُزِ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ بِهِ كَفَارَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةً مُنِعَ مِنْ هَتْكِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، أَمَّا النَّبِيُّ وَالْكَعْبَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ الْمَجْمُوعُ الْمَكْتُوبُ فِي الْمُصْحَفِ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْقَرْءِ وَهُوَ الْجَمْعُ، وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الضَّمَّ وَالتَّرْكِيبَ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَادِثِ فَيَكُونُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرَ صِفَاتِهِ، لِأَنَّ صِفَاتِهِ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ أَزَلِيَّةٌ كَهُوَ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا لِأَنَّ كَلَامَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنَ اللُّغَاتِ، لِأَنَّ اللُّغَاتِ كُلَّهَا مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ أَوِ اصْطِلَاحِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً، بَلْ هِيَ عِبَارَةً عَنِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ وَطَاعَةُ اللَّهِ وَشَرَائِعُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَعَرْشُهُ وَحُدُودُهُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَالْبَيْتُ وَالْكَعْبَةُ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْقَبْرُ وَالْمِنْبَرُ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ وَلَا بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْلِفُ إِلَّا بِاللَّهِ مُتَجَرِّدًا بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ. وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنْ ذَلِكَ فَيَمِينٌ كَقَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِنَ الْكَعْبَةِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ، لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُفْرٌ، وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ أَوْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ مِنَ الْحَجِّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا وَلَا تُحِلُّهُ الشَّرِيعَةُ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ إِذَا حَنِثَ، لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا تَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَحُرْمَةِ اسْمِهِ، وَمِنْ

ص: 51

وَحَقُّ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَالْحَقُّ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَهُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ، أَوْ وَايْمِ اللَّهِ، أَوْ وَعَهْدِ اللَّهِ، أَوْ وَمِيثَاقِهِ، أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ نَذْرُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ: أَحْلِفُ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ زَادَ فِيهَا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

هَذَا: أَنَا أَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ الْغَالِبُ: إِنْ فَعَلْتَ كَذَا، فَهُوَ يَمِينٌ لِلْعُرْفِ.

وَلَوْ قَالَ: (وَحَقِّ اللَّهِ، لَيْسَ بِيَمِينٍ) ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ الْحَقِّ، وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِهِ مُعْتَادٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام سُئِلَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، فَقَالَ:«أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَيْسَ يَمِينًا.

قَالَ: (وَالْحَقِّ يَمِينٌ) لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ تَأْكِيدُ الْكَلَامِ وَتَحْقِيقُ الْوَعْدِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَقًّا كَقَوْلِهِ وَاجِبًا عَلَيَّ فَهُوَ يَمِينٌ.

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) ، وَكَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الْأَيْمَانِ، (وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَهُوَ يَمِينٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ حَلَفَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهُوَ يَمِينٌ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ دَلِيلًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدِ اعْتَقَدَ الشَّرْطَ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا قُلْنَا فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ فَعَلَهُ فَهُوَ غَمُوسٌ، ثُمَّ قِيلَ: لَا يُكَفِّرُ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَقِيلَ: يُكَفِّرُ كَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ. إِذِ التَّعْلِيقُ بِالْمَاضِي بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ لَا يُكَفِّرُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْحِنْثِ يُكَفِّرُ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الْحِنْثِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ، وَعَلَى هَذَا هُوَ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَافِرٌ وَنَحْوُهُ.

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: لَعَمْرُ اللَّهِ، أَوْ وَايْمُ اللَّهِ، أَوْ وَعَهْدِ اللَّهِ، أَوْ وَمِيثَاقِهِ، أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ نَذْرُ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ) ، أَمَّا عَمْرُ اللَّهِ فَهُوَ بَقَاءٌ، وَالْبَقَاءُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهِ فَقَالَ:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] ، وَأَمَّا وَايْمُ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ، وَأَمَّا عَهْدُ اللَّهِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، ثُمَّ قَالَ:{وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ} [النحل: 91] سَمَّى الْعَهْدَ يَمِينًا، وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ عُرْفًا وَالنَّذْرُ يَمِينٌ. قَالَ عليه الصلاة والسلام:«النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَسَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَنْ نَذَرَ وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: أَحْلِفُ، أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ زَادَ فِيهَا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ) وَكَذَا قَوْلُهُ أَعْزِمُ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ، أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ: إِذَا قَالَ أَعْزِمُ

ص: 52

وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُهُ فَإِنِ اسْتَبَاحَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُمَا،

ــ

[الاختيار لتعليل المختار]

أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ: أَحْلِفُ وَأُقْسِمُ وَأَشْهَدُ لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْحَلِفَ وَالْقَسَمَ بِاللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى:{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} [التوبة: 96]، وَقَالَ:{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1]، ثُمَّ قَالَ:{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16]، وَقَالَ:{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17]{وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18]، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ حَذْفَ بَعْضِ الْكَلَامِ جَائِزٌ عِنْدَ الْعَرَبِ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَالْمَعْلُومِ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّهِ فَكَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ، وَأَمَّا أَعْزِمُ أَوْ أَعْزِمُ بِاللَّهِ فَالْعَزْمُ هُوَ الْإِيجَابُ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] ، وَالْإِيجَابُ هُوَ الْيَمِينُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ، وَأَمَّا عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّهِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، قَالَ: فَقَالَتْ يَمِينُ اللَّهِ مَا لَكَ حِيلَةُ

وَوَجْهِ اللَّهِ يَمِينٌ، رَوَاهُ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الذَّاتُ، قَالَ تَعَالَى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، وَقَالَ:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِعَدَمِ الْعُرْفُ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، يُقَالُ: فَعَلَهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ ثَوَابِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِالشَّكِّ. وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهَا مِنْ أَيْمَانِ السَّفَلَةِ. يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ الْجَارِحَةَ فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ: (وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُهُ فَإِنِ اسْتَبَاحَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ ثَوْبِي، أَوْ جَارِيَتِي فُلَانَةٌ، أَوْ رُكُوبُ هَذِهِ الدَّابَّةِ وَنَحْوُهُ، قَالَ عليه الصلاة والسلام:«تَحْرِيمُ الْحَلْالِ يَمِينٌ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ، وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ فَقَدْ مَنَعَ نَفْسَهُ عَنْهُ، وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِ مُوجَبِ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ أَيْضًا يَمْنَعُهُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ كَذَلِكَ تَحَرُّزًا عَنْ إِلْغَاءِ كَلَامِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ، لِأَنَّ لَهُ نَظِيرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَرْفَقُ، ثُمَّ الْحُرْمَةُ تَتَنَاوَلُ الْكُلَّ جُزْءًا جُزْءًا، فَأَيُّ جُزْءٍ اسْتَبَاحَ مِنْهُ حَنِثَ، كَقَوْلِهِ: لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ، وَلَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقُ بِهِ لَا حَنِثَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ عُرْفًا لَا حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ.

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُمَا)، وَقَالَ زُفَرُ: يَحْنَثُ كَمَا فَرَغَ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا حَلَالًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ. وَلَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ الْعُمُومُ فَيَنْصَرِفُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَوْ نَوَى امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ مَعَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَصَارَ مُولِيًا، وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ

ص: 53