المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 25] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٦

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 26 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 109]

- ‌سورة هود

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 40]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 41 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 116]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 117 الى 123]

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 44]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 45 الى 64]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 43]

- ‌سورة ابراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 128]

الفصل: ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 25]

النَّحَّاسُ، وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: بَغْيُكُمْ، كَمَا تَعَلَّقَ فِي قَوْلِهِ: فَبَغَى عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ مَتَاعُ إِذَا رَفَعْتُهُ. وَمَعْنَى عَلَى أَنْفُسِكُمْ: عَلَى أَمْثَالِكُمْ.

وَالَّذِينَ جِنْسُكُمْ جِنْسُهُمْ يَعْنِي بَغْيُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ مَنْفَعَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا: مَتَاعًا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِنَصْبِ مَتَاعٍ وَتَنْوِينِهِ، وَنَصْبِ الْحَيَاةِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تُعَجَّلُ لَكُمْ عُقُوبَتُهُ في الحياة الدنيا. وقرأ فِرْقَةٌ: فَيُنَبِّئُكُمْ بِالْيَاءِ عَلَى الغيبة، والمراد الله تعالى.

[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 25]

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)

إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا «1» ضَرَبَ مَثَلًا عَجِيبًا غَرِيبًا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَذْكُرُ مَنْ يَبْغِي فِيهَا عَلَى سُرْعَةِ زَوَالِهَا وَانْقِضَائِهَا، وَأَنَّهَا بِحَالِ مَا تُعِزُّ وتسر، تضمحل ويؤول أَمْرُهَا إِلَى الْفَنَاءِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا مِنَ التَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ، شُبِّهْتُ حَالُ الدُّنْيَا فِي سُرْعَةِ تَقَضِّيهَا وَانْقِرَاضِ نَعِيمِهَا بَعْدَ الْإِقْبَالِ بِحَالِ نَبَاتِ الْأَرْضِ فِي جَفَافِهِ وذهابه حطاما بعد ما الْتَفَّ وَتَكَاثَفَ وَزَيَّنَ الْأَرْضَ بِخُضْرَتِهِ وَرَفِيفِهِ انْتَهَى. وَإِنَّمَا هُنَا لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ لَا وَضْعًا وَلَا اسْتِعْمَالًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى ضَرَبَ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَمْثَالًا غَيْرَ هَذَا، وَالْمَثَلُ هُنَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّفَةُ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَوْلُ السَّائِرُ الْمُشَبَّهُ بِهِ حَالُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ. وَالظَّاهِرُ تَشْبِيهُ صِفَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَاءٍ فِيمَا يَكُونُ به،

(1) سورة يونس: 10/ 23.

ص: 36

وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ ثُمَّ الِانْقِطَاعِ. وَقِيلَ: شُبِّهَتِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا بِالنَّبَاتِ عَلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: كَنَبَاتِ مَاءٍ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَقِيلَ: شُبِّهَتِ الْحَيَاةُ بِحَيَاةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: كَحَيَاةِ قَوْمٍ بِمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ. قِيلَ:

وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ: وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا. وَالسَّمَاءُ إِمَّا أَنْ يُرَادَ مِنَ السَّحَابِ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّبَاتَ اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ. وَمَعْنَى الِاخْتِلَاطِ: تَشَبُّثُهُ بِهِ، وَتَلَقُّفُهُ إِيَّاهُ، وَقَبُولُهُ لَهُ، لِأَنَّهُ يَجْرِي لَهُ مَجْرَى الْغِذَاءِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ. وَكُلُّ مُخْتَلِطَيْنِ يَصِحُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ: اخْتَلَطَ بِصَاحِبِهِ، فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: خَالَطَهُ الْمَاءُ وَدَاخَلَهُ، فَغَذَّى كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فَاخْتَلَطَ بِهِ اخْتِلَاطَ مُجَاوَرَةٍ، لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ تَدَاخُلُ الْأَشْيَاءِ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ انْتَهَى. وَلَا يَمْتَنِعُ اخْتِلَاطُ النَّبَاتِ بِالْمَاءِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاخُلِ، فَلَا تَقُولُ: إِنَّهُ اخْتِلَاطُ مُجَاوَرَةٍ. وَقِيلَ: اخْتَلَطَ اخْتَلَفَ وَتَنَوَّعَ بِالْمَاءِ، وَيَنْبُو لَفْظُ اخْتَلَطَ عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: مَعْنَى اخْتَلَطَ تَرَكَّبَ. وَقِيلَ: امْتَدَّ وَطَالَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

فَاشْتَبَكَ بِسَبَبِهِ حَتَّى خَالَطَ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَصَلَتْ فرقة النبات بقوله فاختلظ أَيِ: اخْتَلَطَ النَّبَاتُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِسَبَبِ الْمَاءِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْبَاءُ فِي بِمَاءٍ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْفَاعِلَ فِي قَوْلِهِ: فَاخْتَلَطَ، هُوَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَاءِ أَيْ:

فَاخْتَلَطَ الْمَاءُ بِالْأَرْضِ. وَيَقِفُ هَذَا الذَّاهِبُ عَلَى قَوْلِهِ: فَاخْتَلَطَ، وَيَسْتَأْنِفُ بِهِ نَبَاتُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ الْمُقَدَّمُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي بِهِ عَلَى الْمَاءِ وَعَلَى الِاخْتِلَاطِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ انْتَهَى. وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ: فَاخْتَلَطَ، لَا يَجُوزُ وَخَاصَّةً فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ تَفْكِيكٌ لِلْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ الصَّحِيحِ الْمَعْنَى، الْفَصِيحِ اللَّفْظِ، وَذَهَابٌ إِلَى اللُّغْزِ وَالتَّعْقِيدِ، وَالْمَعْنَى الضَّعِيفِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِإِظْهَارِ الِاسْمِ الَّذِي الضَّمِيرُ فِي كِنَايَةٍ عَنْهُ فَقِيلَ بِالِاخْتِلَاطِ نَبَاتُ الْأَرْضِ، أَوْ بِالْمَاءِ نَبَاتُ الْأَرْضِ، لَمْ يَكَدْ يَنْعَقِدُ كَلَامًا مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ لِضَعْفِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الْإِفَادَةِ، وَلَوْلَا أَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ ذَكَرَهُ وَخَرَّجَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ لَمْ نَذْكُرْهُ فِي كِتَابِنَا. وَلَمَّا كَانَ النَّبَاتُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ بِمِنْ فَقَالَ: مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ، كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْبُقُولِ وَالْأَنْعَامُ، كَالْحَشِيشِ وَسَائِرِ مَا يُرْعَى. قَالَ الْحَوْفِيُّ: مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِاخْتَلَطَ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: مِمَّا يَأْكُلُ حَالٌ مِنَ النَّبَاتِ، فَاقْتَضَى قَوْلُ أَبِي الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْمَجْرُورَ وَالظَّرْفَ إِذَا وَقَعَا حَالَيْنِ كَانَ الْعَامِلُ مَحْذُوفًا. وَقَوْلُ أَبِي الْبَقَاءِ: هُوَ الظَّاهِرُ، وَتَقْدِيرُهُ: كَائِنًا مِمَّا يَأْكُلُ، وَحَتَّى غَايَةٌ، فيحتاج أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الَّذِي قَبْلَهَا مُتَطَاوِلًا حَتَّى تَصِحَّ الْغَايَةُ. فَإِمَّا أَنْ

ص: 37

يُقَدَّرَ قَبْلَهَا مَحْذُوفٌ أَيْ: فَمَا زَالَ يَنْمُو حَتَّى إِذَا، أَوْ يَتَجَوَّزَ فِي فَاخْتَلَطَ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَدَامَ اخْتِلَاطُ النَّبَاتِ بِالْمَاءِ حَتَّى إِذَا.

وَقَوْلُهُ: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ، جُمْلَةٌ بَدِيعَةُ اللَّفْظِ جُعِلَتِ الْأَرْضُ آخِذَةً زُخْرُفَهَا مُتَزَيِّنَةً، وَذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ بِالْعَرُوسِ إِذَا أَخَذَتِ الثِّيَابَ الْفَاخِرَةَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، فَاكْتَسَتْ وَتَزَيَّنَتْ بِأَنْوَاعِ الْحُلِيِّ، فَاسْتُعِيرَ الْأَخْذُ وَهُوَ التَّنَاوُلُ بِالْيَدِ لِاشْتِمَالِ نَبَاتِ الْأَرْضِ عَلَى بَهْجَةٍ وَنَضَارَةٍ وَأَثْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَاسْتُعِيرَ لِتِلْكَ الْبَهْجَةِ وَالنَّضَارَةِ وَالْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ لَفْظَةُ الزُّخْرُفِ وَهُوَ الذَّهَبُ، لَمَّا كَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَهِجَةِ الْمَنْظَرَ السَّارَّةِ لِلنُّفُوسِ. وَازَّيَّنَتْ أَيْ:

بِنَبَاتِهَا وما أودع فيه من الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْأَزْهَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَازَّيَّنَتْ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا. وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَكُونَ تَأْكِيدًا، إِذْ قَدْ يَكُونُ أَخْذُ الزُّخْرُفِ لَا لِقَصْدِ التَّزْيِينِ، فَقِيلَ: وَازَّيَّنَتْ لِيُفِيدَ أَنَّهَا قَصَدَتِ التَّزْيِينَ. وَنِسْبَةُ الْأَخْذِ إِلَى الْأَرْضِ وَالتَّزْيِينِ مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِعَارَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَازَّيَّنَتْ وَأَصْلُهُ وَتَزَيَّنَتْ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الزَّايِ فَاجْتُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِضَرُورَةِ تَسْكِينِ الزَّايِ عِنْدَ الْإِدْغَامِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْأَعْمَشُ: وَتَزَيَّنَتْ عَلَى وَزْنِ تَفَعَّلَتْ. وَقَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ يَعْمَرَ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَقَتَادَةُ، وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ، وَابْنُ هرمز، وعيسى الثَّقَفِيُّ: وَأَزْيَنَتْ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَتْ، كَأَحْصَدَ الزَّرْعُ أَيْ حَضَرَتْ زِينَتُهَا وَحَانَتْ. وَصَحَّتِ الْيَاءُ فِيهِ عَلَى جِهَةِ النُّدُورِ، كَأَعْبَلَتِ الْمَرْأَةُ. وَالْقِيَاسُ: وَأَزَانَتْ، كَقَوْلِكَ وَأَبَانَتْ. وَقَرَأَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِوَزْنِ افْعَأَلَّتْ، قَالَهُ عَنْهُ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ قَالَ:

كَأَنَّهُ كَانَتْ فِي الْوَزْنِ بِوَزْنِ احْمَارَّتْ، لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا الْجَمْعَ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، فَحُرِّكَتِ الْأَلِفُ فَانْقَلَبَتْ هَمْزَةً مَفْتُوحَةً. وَنَسَبَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لِفِرْقَةٍ فَقَالَ: وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ وَازْيَأَنَّتْ وَهِيَ لُغَةٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا الْهَوَادِي بِالْعَبِيطِ احْمَأَرَّتِ وقرأ أشياخ عوف ابن أَبِي جَمِيلَةَ: وَازْيَانَّتْ بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَأَلِفٍ سَاكِنَةٍ قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: وَازَّايَنَتْ، وَالْأَصْلُ وَتَزَايَنَتْ فَأُدْغِمَ، وَالظَّنُّ هُنَا عَلَى بَابِهِ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ. وَقِيلَ: بِمَعْنَى أَيْقَنُوا وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ، وَمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا التَّمَكُّنُ مِنْ تَحْصِيلِهَا وَمَنْفَعَتِهَا وَرَفْعِ غَلَّتِهَا، وَذَلِكَ لِحُسْنِ نُمُوِّهَا وَسَلَامَتِهَا مِنَ الْعَاهَاتِ.

وَالضَّمِيرُ فِي أَهْلِهَا عَائِدٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: أَهْلُ نَبَاتِهَا. وَقِيلَ:

ص: 38

الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْغَلَّةِ. وَقِيلَ: عَلَى الزِّينَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَجَوَابُ إِذَا قَوْلُهُ: أَتَاهَا أَمْرُنَا كَالرِّيحِ وَالصِّرُّ وَالسَّمُومِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ كَالْفَأْرِ وَالْجَرَادِ. وَقِيلَ: أَتَاهَا أَمْرُنَا بِإِهْلَاكِهَا، وَأُبْهِمَ فِي قَوْلِهِ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى مَتَى يَأْتِيهَا أَمْرُهُ، أَوْ تَكُونُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْأَرْضِ يَأْتِيهَا أَمْرُهُ تَعَالَى لَيْلًا وَبَعْضَهَا نَهَارًا، وَلَا يَخْرُجُ كَائِنٌ عَنْ وُقُوعِهِ فِيهِمَا.

وَالْحَصِيدُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيِ: الْمَحْصُودُ، وَلَمْ يُؤَنَّثْ كَمَا لَمْ تؤنث امرأة جريج. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْحَصِيدُ الْمُسْتَأْصَلُ انْتَهَى. وَعَبَّرَ بِحَصِيدٍ عَنِ التَّأَلُّفِ اسْتِعَارَةً، جَعَلَ مَا هَلَكَ مِنَ الزَّرْعِ بِالْآفَةِ قَبْلَ أَوَانِهِ حَصِيدًا علاقة مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الطَّرْحِ عَلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ الْأَدَاةِ وَالتَّقْدِيرُ: فَجَعَلْنَاهَا كَالْحَصِيدِ. وَقَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، مُبَالَغَةٌ فِي التَّلَفِ وَالْهَلَاكِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ قَبْلُ، وَلَمْ يَقُمْ بِالْأَرْضِ بَهْجَةٌ خَضِرَةٌ نَضِرَةٌ تَسُرُّ أَهْلَهَا.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: كَأَنْ لَمْ يَغْنَ بِالْيَاءِ عَلَى التَّذْكِيرِ. فَقِيلَ: عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ الزَّرْعُ، حُذِفَ وَقَامَتْ هَاءُ التَّأْنِيثِ مَقَامَهُ فِي قَوْلِهِ: عَلَيْهَا، وَفِي قَوْلِهِ:

أَتَاهَا فَجَعَلْنَاهَا. وَقِيلَ: عَائِدٌ عَلَى الزُّخْرُفِ، وَالْأَوْلَى عَوْدُهُ عَلَى الْحَصِيدِ أَيْ: كَأَنْ لَمْ يَغْنَ الْحَصِيدُ. وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: كَأَنْ لم تتغن بتاءين مِثْلَ تَتَفَعَّلِ. وَقَالَ الْأَعْشَى: طَوِيلُ الثَّوَاءِ طَوِيلُ التَّغَنِّي، وَهُوَ مِنْ غَنِيَ بِكَذَا أَقَامَ بِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْأَمْسُ مَثَلٌ فِي الْوَقْتِ. كَأَنَّهُ قِيلَ: كَأَنَّ لَمْ تَغْنَ آنِفًا انْتَهَى. وَلَيْسَ الْأَمْسُ عِبَارَةً عَنْ مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَلَا هُوَ مُرَادِفٌ كَقَوْلِهِ: آنِفًا، لِأَنَّ آنِفًا مَعْنَاهُ السَّاعَةُ، وَالْمَعْنَى: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وُجُودٌ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ. ولولا أَنَّ قَائِلًا قَالَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وُجُودٌ السَّاعَةَ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهَا السَّاعَةَ، فَكَيْفَ تُشَبَّهُ وَهِيَ لَا وُجُودَ لَهَا حَقِيقَةً بِمَا لَا وُجُودَ لَهَا حَقِيقَةً؟ إِنَّمَا يُشَبَّهُ مَا انْتَفَى وَجُودُهُ الْآنَ بِمَا قُدِّرَ انْتِفَاءُ وَجُودِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، لِسُرْعَةِ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةِ الْوُجُودِ إِلَى حَالَةِ الْعَدَمِ، فَكَأَنَّ حَالَةَ الْوُجُودِ مَا سَبَقَتْ لَهُ. وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، وَمَا كُنَّا لِنُهْلِكَهَا إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا. وَفِي التَّحْرِيرِ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ، رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ فِي مُصْحَفِهِ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُهْلِكَهَا إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا. وَفِي التَّحْرِيرِ: وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقْرَأُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، وَمَا أَهْلَكْنَاهَا إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَقْرَأَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ انْتَهَى. كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

ص: 39