المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ٦

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يونس

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 26 الى 61]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 62 الى 70]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 87]

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 88 الى 109]

- ‌سورة هود

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 40]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 41 الى 60]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 61 الى 83]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 108]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 109 الى 116]

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 117 الى 123]

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 44]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 45 الى 64]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 65 الى 68]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 87]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 88 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌سورة الرعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 43]

- ‌سورة ابراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 10]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 11 الى 17]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 29]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 30 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 89]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 90 الى 128]

الفصل: ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

في الطاعة والخير، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِالْمَعْصِيَةِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: فِي صُفُوفِ الحرب، والمستأخرين فيها. وَقِيلَ: مَنْ قُتِلَ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ. وَقِيلَ: فِي صُفُوفِ الصَّلَاةِ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ بِسَبَبِ النِّسَاءِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِنَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُتَقَاعِسِينَ عَنْهُ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى الْحَصْرِ، وَالْمَعْنَى: إنه تعالى محيط علمه بِمَنْ تَقَدَّمَ وَبِمَنْ تَأَخَّرَ وَبِأَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ أَعْلَمَ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْشُرُهُمْ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: يَحْشِرُهُمْ بِكَسْرِ الشِّينِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَأَبُو الْحَوْرَاءِ: كَانَتْ تُصَلِّي وَرَاءَ الرَّسُولِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ، فَبَعْضٌ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا تَفْتِنَهُ وَبَعْضٌ يَتَأَخَّرُ لِيَسْرِقَ النَّظَرَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ.

وَفَصَلَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ فِي غاية المناسبة.

[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30)

إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35)

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)

قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44)

لَمَّا نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى مُنْتَهَى الْخَلْقِ وَهُوَ الْحَشْرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَا يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ، نَبَّهَّهُمْ عَلَى مَبْدَأِ أَصْلِهِمْ آدَمَ، وَمَا جَرَى لِعَدُوِّهِ إِبْلِيسَ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى.

ص: 475

وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي أَوَائِلِ الْبَقَرَةِ عَقِبَ ذِكْرِ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى.

وَفِي الْأَعْرَافِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذِكْرِ الْمَوَازِينِ فِيهِ. وَفِي الْكَهْفِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَشْرِ، وَكَذَا فِي سُورَةِ ص بَعْدَ ذِكْرِ مَا أَعَدَّ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لِخَلْقِهِ. فَحَيْثُ ذَكَرَ مُنْتَهَى هَذَا الْخَلْقِ ذَكَرَ مَبْدَأَهُمْ وَقِصَّتَهُ مَعَ عَدُوِّهِ إِبْلِيسَ لِيُحَذِّرَهُمْ مِنْ كَيْدِهِ، وَلِيَنْظُرُوا مَا جَرَى لَهُ مَعَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ مَقَرَّ السَّعَادَةِ وَالرَّاحَةِ، إِلَى الْأَرْضِ مَقَرِّ التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبِ، فيتحرزوا من كيده، ومن حَمَأٍ قَالَ الْحَوْفِيُّ بَدَلٌ مِنْ صَلْصَالٍ، بِإِعَادَةِ الْجَارِّ. وقال أبو البقاء: من حَمَأٍ فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ لِصَلْصَالٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَسْنُونَ الطِّينُ وَمَعْنَاهُ الْمَصْبُوبُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَصْبُوبًا إِلَّا وَهُوَ رَطْبٌ، فَكَنَّى عَنِ الْمَصْبُوبِ بِوَصْفِهِ، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمَعْمَرٌ:

الْمُنْتِنُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ سَنَنْتُ الْحَجْرَ عَلَى الْحَجْرِ إِذَا حَكَكْتَهُ بِهِ، فَالَّذِي يَسِيلُ بَيْنَهُمَا سَنِينٌ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مُنْتِنًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أَسِنَ الْمَاءُ إِذَا تَغَيَّرَ، وَلَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ.

وَقِيلَ: مَصْبُوبٌ مِنْ سَنَنْتُ التُّرَابَ وَالْمَاءَ إِذَا صَبَبْتَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَكَانَ الْمَعْنَى: أُفْرِغُ صُورَةَ إِنْسَانٍ كَمَا تُفْرَغُ الصُّوَرُ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُذَوَّبَةِ فِي أمثلتها. قال الزمخشري: وحق مَسْنُونٍ بِمَعْنَى مُصَوَّرٍ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِصَلْصَالٍ، كَأَنَّهُ أَفْرَغَ الْحَمَأَ فَصَوَّرَ مِنْهَا تِمْثَالَ إِنْسَانٍ أَجْوَفَ، فَيَبِسَ حَتَّى إِذَا نَقَرَ صَلْصَلٌ ثُمَّ غَيَّرَهُ بَعْدَ. ذَلِكَ إِلَى جَوْهَرٍ آخَرَ انْتَهَى. وَقِيلَ:

الْمَسْنُونَ الْمُصَوَّرُ مِنْ سُنَّةِ الْوَجْهِ، وَهِيَ صُورَتُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ وَقِيلَ: الْمَسْنُونَ الْمَنْسُوبُ أَيْ: يُنْسَبُ إِلَيْهِ ذُرِّيَّتُهُ.

وَالْجَانُّ: هُوَ أَبُو الْجِنِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْجَانُّ لِلْجِنِّ كَآدَمَ لِلنَّاسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ إِبْلِيسُ، خُلِقَ قَبْلَ آدَمَ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ: هُوَ اسْمٌ لِجِنْسِ الْجِنِّ، وَالْإِنْسَانُ الْمُرَادُ بِهِ آدَمُ، وَمِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ. وَقَرَأَ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ: وَالْجَأْنُ بِالْهَمْزِ. وَالسَّمُومُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرِّيحُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَقْتُلُ. وَعَنْهُ:

نَارٌ لَا دُخَانَ لَهَا، مِنْهَا تَكُونُ الصَّوَاعِقُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: نَارٌ دُونَهَا حِجَابٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

نَفَسُ النَّارِ، وَعَنْهُ: لَهَبُ النَّارِ. وَقِيلَ: نَارُ اللَّهَبِ السُّمُومُ. وَقِيلَ: أَضَافَ الْمَوْصُوفَ إِلَى صِفَتِهِ أَيِ: النَّارُ السُّمُومُ. وَسَوَّيْتُهُ أَكْمَلْتُ خَلْقَهُ، وَالتَّسْوِيَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْقَانِ، وَجَعْلِ أَجْزَائِهِ مُسْتَوِيَةً فِيمَا خُلِقَتْ. وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أَيْ: خَلَقْتُ الْحَيَاةَ فِيهِ، وَلَا نَفْخَ هُنَاكَ، وَلَا مَنْفُوخَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ لِتَحْصِيلِ مَا يحيي بِهِ فِيهِ. وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَيْهِ تَعَالَى عَلَى

ص: 476

سَبِيلِ التَّشْرِيفِ نَحْوَ: بَيْتُ اللَّهِ، وَنَاقَةُ اللَّهِ، أَوْ الْمِلْكُ إِذْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ في الإنشاء للروح، ولمودعها حَيْثُ يَشَاءُ. وَقَعُوا لَهُ أَيِ: اسْقُطُوا عَلَى الْأَرْضِ. وَحَرْفُ الْجَرِّ مَحْذُوفٌ مِنْ أَنْ أَيْ: مَا لَكَ فِي أَنْ لَا تَكُونَ. وَأَيُّ: دَاعٍ دَعَا بِكَ إلى إبائك السجود. ولا سجد اللَّامُ لَامُ الْجُحُودِ، وَالْمَعْنَى: لَا يُنَاسِبُ حَالِي السُّجُودَ لَهُ. وَفِي الْبَقَرَةِ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ لَهُ وَهِيَ الِاسْتِكْبَارُ أَيْ: رَأَى نَفْسَهُ أَكْبَرَ مِنْ أَنْ يَسْجُدَ. وَفِي الْأَعْرَافِ صَرَّحَ بِجِهَةِ الِاسْتِكْبَارِ، وَهِيَ ادِّعَاءُ الْخَيْرِيَّةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ بِادِّعَاءِ الْمَادَّةِ الْمَخْلُوقِ مِنْهَا كُلٌّ مِنْهُمَا. وَهُنَا نَبَّهَ عَلَى مَادَّةِ آدَمَ وَحْدَهُ، وَهُنَا فَاخْرُجْ مِنْهَا وَفِي الْأَعْرَافِ: فَاهْبِطْ مِنْها «1» وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ ضَمِيرُ مِنْهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مِنْهَا مَبَاحِثُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْأَعْرَافِ، أَعَادَهَا الْمُفَسِّرُونَ هُنَا، وَنَحْنُ نُحِيلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إِلَّا مَا لَهُ خُصُوصِيَّةٌ بِهَذِهِ السُّورَةِ فَنَحْنُ نَذْكُرُهُ.

فَنَقُولُ: وَضَرَبَ يَوْمَ الدِّينِ غَايَةً لِلَّعْنَةِ، إِمَّا لأنه أبعد غاية يضربها النَّاسُ فِي كَلَامِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّكَ مَذْمُومٌ مَدْعُوٌّ عَلَيْكَ بِاللَّعْنَةِ فِي السموات وَالْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُعَذَّبَ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمُ عُذِّبْتَ بِمَا يُنْسِي اللَّعْنَ مَعَهُ. وَيَوْمُ الدِّينِ، وَيَوْمُ يبعثون، ويوم الوقت المعلوم، وَاحِدٌ. وَهُوَ وَقْتُ النَّفْخَةِ الْأَوْلَى حَتَّى تَمُوتَ الْخَلَائِقُ. وَوُصِفَ بِالْمَعْلُومِ إِمَّا لِانْفِرَادِ اللَّهِ بِعِلْمِهِ كَمَا قَالَ: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي «2» إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ «3» أَوْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَنَاءُ الْعَالَمِ فِيهِ، فَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَبِيَوْمِ يُبْعَثُونَ، وَيَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، بِمَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعْنَى إِغْوَائِهِ إِيَّاهُ نِسْبَتُهُ لِغَيِّهِ، بِأَنْ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عليه السلام، فَأَفْضَى ذَلِكَ إِلَى غَيِّهِ. وَمَا الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ الْأَحْسَنِ، وَتَعْرِيضٌ لِلثَّوَابِ بِالتَّوَاضُعِ، وَالْخُضُوعِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ إِبْلِيسَ اخْتَارَ الْإِبَاءَ وَالِاسْتِكْبَارَ فهلك، والله تعالى بريء مِنْ غَيِّهِ وَمِنْ إِرَادَتِهِ وَالرِّضَا بِهِ انْتَهَى. وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِزَالِ.

وَالضَّمِيرُ فِي لَهُمْ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، بَلْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ ذُرِّيَّةُ آدَمَ.

وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا «4» والتزين تَحْسِينُ الْمَعَاصِي لَهُمْ وَوَسْوَسَتُهُ حَتَّى يَقَعُوا فِيهَا فِي الْأَرْضِ أَيْ: فِي الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ دَارُ الْغُرُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ «5» أَوْ أَرَادَ أَنِّي أَقْدِرُ عَلَى الاحتيال

(1) سورة الأعراف: 7/ 13.

(2)

سورة الأعراف: 7/ 187.

(3)

سورة لقمان: 31/ 34. [.....]

(4)

سورة الإسراء: 17/ 62.

(5)

سورة الأعراف: 7/ 176.

ص: 477

لِآدَمَ، وَالتَّزْيِينِ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ، فَأَنَا عَلَى التَّزْيِينِ لِأَوْلَادِهِ أَقْدَرُ. أَوْ أَرَادَ لأجعلن مكان التزين عندهم الأرض، ولأرفعن رتبني فِيهَا أَيْ: لَأُزَيِّنَّهَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَلَأُحَدِّثَنَّهُمْ بِأَنَّ الزِّينَةَ فِي الدُّنْيَا وَحْدَهَا حَتَّى يَسْتَحِبُّوهَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَطْمَئِنُّوا إِلَيْهَا دُونَهَا، وَنَحْوَهُ: يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نُصَلِّي قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَإِلَّا عِبَادَكَ اسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ، إِذِ الْمُخْلَصُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَاوِينَ قَلِيلٌ، وَاسْتِثْنَاؤُهُمْ إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ تَزْيِينَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَلَالَةِ هَذَا الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مَا اتَّصَفَ بِهِ الطَّائِعُ.

وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ، وَنَافِعٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْأَعْرَجُ: بِفَتْحِ اللَّامِ، وَمَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ أَخْلَصْتَهُ لِلطَّاعَةِ أَنْتَ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ تَزْيِينِي. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَالْجُمْهُورُ: بِكَسْرِهَا أَيْ: إِلَّا مَنْ أَخْلَصَ الْعَمَلَ لِلَّهِ وَلَمْ يُشْرِكْ فيه غيره. ولا راءى بِهِ، وَالْفَاعِلُ لَقَالَ اللَّهُ أَيْ: قَالَ اللَّهُ.

وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْمُخْلَصِينَ مِنَ الْمَصْدَرِ أَيِ: الْإِخْلَاصُ الَّذِي يَكُونُ فِي عِبَادِي هُوَ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ لَا يَسْلُكُهُ أَحَدٌ فَيَضِلُّ أَوْ يَزِلُّ، لِأَنَّ مَنِ اصْطَفَيْتُهُ أَوْ أَخْلَصَ لِي الْعَمَلَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَمَّا قَسَّمَ إِبْلِيسُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ إِلَى غَاوٍ وَمُخْلَصٍ قَالَ تَعَالَى: هَذَا أَمْرٌ مَصِيرُهُ إِلَيَّ، وَوَصَفَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ، أَيْ: هُوَ حَقٌّ، وَصَيْرُورَتُهُمْ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَتْ لَكَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: طَرِيقُكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ عَلَى فُلَانٍ أَيْ: إِلَيْهِ يَصِيرُ النَّظَرُ فِي أَمْرِكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذَا طَرِيقٌ حَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أُرَاعِيَهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَكَ سُلْطَانٌ عَلَى عِبَادِي، إِلَّا مَنِ اخْتَارَ اتِّبَاعَكَ مِنْهُمْ لِغَوَايَتِهِ انْتَهَى. فَجَعَلَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى انْتِفَاءِ تَزْيِينِهِ وَإِغْوَائِهِ. وَكَوْنِهِ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا اسْتَثْنَاهُ إِبْلِيسُ، وَإِلَى مَا قَرَّرَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي. وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: أَيْ: هَذَا صِرَاطٌ عُهْدَةُ اسْتِقَامَتِهِ عَلَيَّ. وَفِي حِفْظِهِ أَيْ: حِفْظُهُ عَلَيَّ، وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ غَيْرُ مُعْوَجٍّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى عَلَيَّ إِلَيَّ. وَقِيلَ: عَلَيَّ كَأَنَّهُ مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ مَرَّ عَلَيَّ أَيْ: عَلَى رِضْوَانِي وَكَرَامَتِي. وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ، وَإِبْرَاهِيمُ. وَأَبُو رَجَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ، وَحُمَيْدٌ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَأَبُو شَرَفٍ مَوْلَى كِنْدَةَ، وَيَعْقُوبُ: عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ أَيْ: عَالٍ لِارْتِفَاعِ شَأْنِهِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُؤَكِّدُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ.

وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي، إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ أَيْ: أَنَّ الْمُخْتَصِّينَ بِعِبَادَتِي، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قوله: إلا من اتبعك، اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا، لِأَنَّ مَنِ اتَّبَعَهُ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبَادِي:

وَإِنْ كَانَ أُرِيدَ بِعِبَادِي عُمُومُ الْخَلْقِ فَيَكُونُ: إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومٍ، وَيَكُونُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَبَقَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَقَلُّ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا النُّحَاةُ. فَأَجَازَ

ص: 478