الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِيهَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ آمُلِ طَبَرِسْتَانَ يُقَالُ لَهُ: مَازَيَارُ بْنُ قَارَنَ بْنِ وِنْدَاهُرْمُزَ، وَكَانَ لَا يَرْضَى أَنْ يَدْفَعَ الْخَرَاجَ إِلَى نَائِبِ خُرَاسَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، بَلْ يَبْعَثُهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ لِيَقْبِضَهُ مِنْهُ، فَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ مَنْ يَتَلَقَّى الْحِمْلَ إِلَى بَعْضِ الْبِلَادِ فَيَقْبِضُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ ثُمَّ تَوَثَّبَ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، وَأَظْهَرَ الْمُخَالَفَةَ لِلْمُعْتَصِمِ. وَقَدْ كَانَ الْمَازَيَارُ هَذَا مِمَّنْ يُكَاتِبُ بَابَكَ الْخُرَّمِيَّ وَيَعِدُهُ بِالنَّصْرِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الَّذِي قَوَّى رَأْسَ الْمَازَيَارِ هُوَ الْأَفْشِينُ؛ لِيُعْجِزَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ فَيُوَلِّيهِ الْمُعْتَصِمُ بِلَادَ خُرَاسَانَ مَكَانَهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُعْتَصِمُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ أَخَا إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ طَوِيلَةٌ اسْتَقْصَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَكَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنْ أُسِرَ الْمَازَيَارُ وَحُمِلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَاسْتَقَرَّهُ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي بَعَثَهَا
إِلَيْهِ الْأَفْشِينُ فَأَقَرَّ بِهَا، فَأَرْسَلَهُ نَحْوَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ الَّتِي اصْطُفِيَتْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ وَالثِّيَابِ، فَلَمَّا أُوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ سَأَلَهُ عَنْ كُتُبِ الْأَفْشِينِ إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهَا فَأَمَرَ بِهِ، فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى مَاتَ وَصُلِبَ إِلَى جَانِبِ بَابَكَ الْخُرَّمِيِّ عَلَى جِسْرِ بَغْدَادَ وَقُتِلَ عُيُونُ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ الْأَفْشِينِ بِأُتْرُجَّةَ بِنْتِ أَشْنَاسَ، وَدَخَلَ بِهَا فِي قَصْرِ الْمُعْتَصِمِ بِسَامَرَّا فِي جُمَادَى، وَكَانَ عُرْسًا عَظِيمًا، وَلِيَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعْتَصِمُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُخَضِّبُونَ لِحَى الْعَامَّةِ بِالْغَالِيَةِ.
وَفِيهَا خَرَجَ مَنْكَجُورُ الْأُشْرُوسَنِيُّ قُرَابَةَ الْأَفْشِينِ بِأَرْضِ أَذْرَبِيجَانَ وَخَلَعَ الطَّاعَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْشِينَ كَانَ قَدِ اسْتَنَابَهُ عَلَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ أَمْرِ بَابَكَ، فَظَفِرَ مَنْكَجُورُ بِمَالٍ عَظِيمٍ مَخْزُونٍ لِبَابَكَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ، فَاحْتَجَبَهُ لِنَفْسِهِ وَأَخْفَاهُ عَنِ الْخَلِيفَةِ وَظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَكَاتَبَ الْخَلِيفَةَ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ مَنْكَجُورُ
يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَمَّ بِهِ لِيَقْتُلَهُ فَامْتَنَعَ مِنْهُ بِأَهْلِ أَرْدَبِيلَ فَلَمَّا تَحَقَّقَ الْخَلِيفَةُ كَذِبَ مَنْكَجُورَ بَعَثَ إِلَيْهِ بُغَا الْكَبِيرَ فَحَارَبَهُ وَأَخَذَهُ بِالْأَمَانِ، وَجَاءَ بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ يَاطَسُ الرُّومِيُّ الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى عَمُّورِيَةَ حِينَ فَتَحَهَا الْمُعْتَصِمُ وَنَزَلَ مِنْ حِصْنِهِ عَلَى حُكْمِ الْمُعْتَصِمِ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ أَسِيرًا، فَاعْتَقَلَهُ بِسَامَرَّا حَتَّى تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ.
وَفِي رَمَضَانَ مِنْهَا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ، عَمُّ الْمُعْتَصِمِ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ شَكْلَةَ، وَقَدْ كَانَ أَسْوَدَ اللَّوْنِ، ضَخْمًا فَصِيحًا فَاضِلًا، قَالَ ابْنُ مَاكُولَا: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: التِّنِّينُ يَعْنِي لِسَوَادِهِ وَقَدْ تَرْجَمَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ تَرْجَمَةً حَافِلَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ نِيَابَةً عَنْ أَخِيهِ الرَّشِيدِ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا، ثُمَّ أُعِيدَ إِلَيْهَا الثَّانِيَةَ، وَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ، وَذَكَرَ مِنْ عَدْلِهِ وَصَرَامَتِهِ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَأَنَّهُ أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ وَكَانَ قَدْ بَايَعَهُ أَهْلُ بَغْدَادَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ
وَمِائَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ قَاتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ نَائِبُ بَغْدَادَ فَهَزَمَهُ إِبْرَاهِيمُ فَقَصَدَهُ حُمَيْدٌ الطُّوسِيُّ فَهَزَمَ إِبْرَاهِيمَ، وَاخْتَفَى إِبْرَاهِيمُ بِبَغْدَادَ حِينَ قَدِمَهَا الْمَأْمُونُ مُدَّةً طَوِيلَةً، ثُمَّ ظَفِرَ بِهِ الْمَأْمُونُ سَنَةَ عَشْرٍ، فَعَفَا عَنْهُ وَأَكْرَمَهُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ فِي مَنْزِلَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ عَلَى بَغْدَادَ وَمُعَامَلَتِهَا سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَاثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ بَدْءُ اخْتِفَائِهِ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ اخْتِفَائِهِ سِتَّ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَكَانَ الظَّفَرُ بِهِ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ جَرَتْ لَهُ فِي اخْتِفَائِهِ هَذَا أُمُورٌ عَجِيبَةٌ يَطُولُ بَسْطُهَا.
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ وَافِرَ الْفَضْلِ، غَزِيرَ الْأَدَبِ، وَاسِعَ النَّفْسِ، سَخِيَّ الْكَفِّ، وَكَانَ مَعْرُوفَا بِصِنْعَةِ الْغِنَاءِ، حَاذِقًا بِهَا، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ قَلَّ الْمَالُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ بِبَغْدَادَ فَأَلَحَّ الْأَعْرَابُ عَلَيْهِ فِي أُعْطِيَاتِهِمْ، فَجَعَلَ يُسَوِّفُ بِهِمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُهُ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا مَالَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلْيَخْرُجِ الْخَلِيفَةُ إِلَيْنَا، فَلْيُغَنِّ لِأَهْلِ هَذَا الْجَانِبِ ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ، وَلِلْجَانِبِ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَصْوَاتٍ. فَقَالَ فِي ذَلِكَ دِعْبِلُ بْنُ عَلِيٍّ شَاعِرُ الْمَأْمُونِ يَذُمُّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ فِي ذَلِكَ:
يَا مَعْشَرَ الْأَعْرَابِ لَا تَقْنَطُوا
…
خُذُوا عَطَايَاكُمْ وَلَا تَسْخَطُوا
فَسَوْفَ يُعْطِيكُمْ حُنَيْنِيَّةً
…
لَا تَدْخُلُ الْكِيسَ وَلَا تُرْبَطُ
وَالْمَعْبَدِيَّاتُ لِقُوَّادِكُمْ
…
وَمَا بِهَذَا أَحَدٌ يُغْبَطُ
فَهَكَذَا يَرْزُقُ أَصْحَابَهُ
…
خَلِيفَةٌ مُصْحَفُهُ الْبَرْبَطُ
وَكَتَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ الْمَأْمُونِ حِينَ طَالَ عَلَيْهِ الِاخْتِفَاءُ: وَلِيُّ الثَّأْرِ مُحَكَّمٌ فِي الْقِصَاصِ، وَالْعَفْوُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عَفْوٍ، كَمَا جَعَلَ كُلَّ ذِي ذَنْبٍ دُونَهُ فَإِنْ عَفَا فَبِفَضْلِهِ، وَإِنْ عَاقَبَ فَبِحَقِّهِ.
فَوَقَّعَ الْمَأْمُونُ فِي جَوَابِ ذَلِكَ: الْقُدْرَةُ تُذْهِبُ الْحَفِيظَةَ، وَكَفَى بِالنَّدَمِ إِنَابَةً، وَعَفْوُ اللَّهِ أَوْسَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَلَمَّا دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ أَنْشَأَ يَقُولُ:
إِنْ أَكُنْ مُذْنِبًا فَحَظِّيَ أَخْطَأْ
…
تُ فَدَعْ عَنْكَ كَثْرَةَ التَّأْنِيبْ
قُلْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِبَنِي يعَ
…
قُوبَ لَمَّا أَتَوْهُ لَا تَثْرِيبْ
فَقَالَ الْمَأْمُونُ: لَا تَثْرِيبَ.
وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ لَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُونِ