الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي شَعْبَانَ مِنْهَا تُوُفِّيَ الْأَفْشِينُ فِي الْحَبْسِ، فَأَمَرَ بِهِ الْمُعْتَصِمُ، فَصُلِبَ، ثُمَّ أُحْرِقَ، وَذُرِّيَ رَمَادُهُ فِي دِجْلَةَ، وَاحْتِيطَ عَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ، فَوَجَدُوا فِيهَا أَصْنَامًا مُكَلَّلَةً بِذَهَبٍ وَجَوَاهِرَ، وَكُتُبًا فِي فَضْلِ دِينِ الْمَجُوسِ، وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً كَانَ يُتَّهَمُ بِهَا، تَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ وَزَنْدَقَتِهِ، وَيَتَحَقَّقُ بِسَبَبِهَا مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنَ الِانْتِمَاءِ إِلَى دِينِ آبَائِهِ الْمَجُوسِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنْ سَادَاتِ الْمُحَدِّثِينَ:
إِسْحَاقُ الْفَرَوِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ،
وَسُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ، وَغَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ.
وَأَبُو دُلَفٍ الْعِجْلِيُّ الْقَاسِمُ بْنُ عِيسَى بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ شَيْخِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خُزَاعِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ دُلَفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عِجْلِ بْنِ لُجَيْمٍ، الْأَمِيرُ أَبُو دُلَفٍ الْعِجْلِيُّ أَحَدُ قُوَّادِ الْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ، وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا صَاحِبُ كِتَابِ " الْإِكْمَالِ ".
وَكَانَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ خَطِيبُ دِمَشْقَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَيَذْكُرُ نَسَبَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو دُلَفٍ هَذَا كِرِيمًا جَوَادًا مِعْطَاءً مُمَدَّحًا، قَدْ قَصَدَهُ الشُّعَرَاءُ مَنْ كُلِّ أَوْبٍ، وَكَانَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَغْشَاهُ وَيَسْتَمْنِحُ نَدَاهُ، وَكَانَتْ لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ فِي الْأَدَبِ وَالْغِنَاءِ، وَصَنَّفَ كُتُبًا؛ مِنْهَا
" سِيَاسَةُ الْمُلُوكِ "، وَمِنْهَا فِي " الصَّيْدِ وَالْبُزَاةِ "، وَفِي " السِّلَاحِ "، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِيهِ بَكْرُ بْنُ النَّطَّاحِ الشَّاعِرُ:
يَا طَالَبًا لِلْكِيمْيَاءِ وَعِلْمِهِ
…
مَدْحُ ابْنُ عِيسَى الْكِيمْيَاءُ الْأَعْظَمُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا دِرْهَمٌ
…
وَمَدَحْتَهُ لَأَتَاكَ ذَاكَ الدِّرْهَمُ
فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. وَكَانَ شُجَاعًا فَاتِكًا، وَمِعْطَاءً لَا يَمَلُّ مِنَ الْعَطَاءِ، وَكَانَ يَسْتَدِينُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَيُعْطِي، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ شَرَعَ فِي بِنَاءِ مَدِينَةِ الْكَرَجِ، فَمَاتَ وَلَمْ يُتِمَّهَا، فَأَتَمَّهَا أَبُو دُلَفٍ هَذَا، وَكَانَ فِيهِ تَشَيُّعٌ، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مُغَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، فَهُوَ وَلَدُ زِنَا. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ دُلَفٌ: لَسْتُ عَلَى مَذْهَبِكُ يَا أَبَهْ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ وَطِئْتُ أُمَّكَ قَبْلَ أَنْ أَسْتَبْرِئَهَا، فَهَذَا مِنْ ذَاكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّ وَلَدَهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ أَنَّ آتِيًا أَتَاهُ، فَقَالَ: أَجِبِ الْأَمِيرَ. قَالَ: فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَدْخَلَنِي دَارًا وَحْشَةً وَعْرَةً سَوْدَاءَ الْحِيطَانِ مُقَلَّعَةَ السُّقُوفِ، وَالْأَبْوَابِ، وَأَصْعَدَنِي فِي دَرَجٍ مِنْهَا ثُمَّ أَدْخَلَنِي غُرْفَةً فِي حِيطَانِهَا أَثَرُ النِّيرَانِ، وَفِي أَرْضِهَا أَثَرُ الرَّمَادِ، وَإِذَا بِأَبِي فِيهَا وَهُوَ عُرْيَانٌ وَاضِعٌ رَأْسَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ لِي كَالْمُسْتَفْهِمِ: دُلَفٌ؟ فَقُلْتُ: دُلَفٌ. فَأَنْشَأَ
يَقُولُ:
أَبْلِغَنْ أَهْلَنَا وَلَا تُخْفِ عَنْهُمْ
…
مَا لَقِينَا فِي الْبَرْزَخِ الْخَنَّاقِ
قَدْ سُئِلْنَا عَنْ كُلِّ مَا قَدْ فَعَلْنَا
…
فَارْحَمُوا وَحْشَتِي وَمَا قَدْ أُلَاقِي
ثُمَّ قَالَ: أَفَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. ثُمَّ:
فَلَوْ أَنَّا إِذَا مِتْنَا تُرِكْنَا
…
لَكَانَ الْمَوْتُ رَاحَةَ كُلِّ حَيِّ
وَلَكِنَّا إِذَا مِتْنَا بُعِثْنَا
…
وَنُسْأَلُ بَعْدَهُ عَنْ كُلِّ شَيِّ
ثُمَّ قَالَ: أَفَهِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. وَانْتَبَهْتُ.